القصة الكاملة لقضية خط أنابيب النفط بين (إسرائيل) وإيران كما ترويها «هآرتس»

السبت 28 مارس 2015 04:03 ص

يقاضي الإيرانيون (إسرائيل) في قضايا تحكيم في سويسرا بشأن النفط الذي تم إمداده قبل الثورة الإسلامية، فضلا عن مزيد من أصول شركة خطوط أنابيب مملوكة بشكل مشترك.

ويواجه النزاع القانوني المرتبط بالنفط الإسرائيلي الإيراني - والذي تم تسعيره على مدار سنوات - احتمالية مزيد من التأخير بعد أن قام المحكّم الذي تم تعيينه لتمثيل (إسرائيل) في هذه القضية بتقديم الاستقالة.

«تيودور كلاين» - محام يتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا له وترأس «كريف»، المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية الفرنسية، و«محسن آغا حسيني»، قاض متقاعد إيراني يعيش الآن في لاهاي، هما المحكمين اللذين استمعا إلى قضية شركة النفط الوطنية الإيرانية ضد (إسرائيل).

وقبل بضعة أشهر تقاعد «كلاين» نظرا لكبر سنه - سوف يبدأ الـ95 من عمره في يونيو/حزيران المقبل - ما يعني أن استقالته ستتسبب في مزيد من التأخير في إنهاء تلك القضية.

وبقيت القضية - التي سعت إسرائيل إلى إبقائها سرا إلى حد كبير على مر السنين - قيد النظر في المحافل القانونية السويسرية والفرنسية لمدة 19 عاما. وهي تركز على الأحداث التي يرجع تاريخها إلى ما قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

وقدمت شركة النفط الإيرانية على مر السنين ثلاث حالات تحكيم ضد إسرائيل، كانت بصورة مباشرة ضد الدولة وضد شركات وهمية تسيطر عليها (إسرائيل).

وظلت إيران تحاول إجبار تعيين محكم نيابة عنها، وإجبار (إسرائيل) على الاعتراف بسلطة كلا من المحكم والعملية.

وربما يدرك الإيرانيون الآن جيدا أن عليهم إعادة فتح وتحريك العديد من المعارك القانونية.

من أصدقاء لأعداء

في عام 1968 أسست (إسرائيل) وإيران - التي كان يحكمها الشاه آنذاك - معا شراكة لنقل وبيع النفط الإيراني عبر إسرائيل للعملاء الأوروبيين. لقد كان المشروع في صورة شراكة بين (إسرائيل) وشركة النفط الوطنية الإيرانية.

وفي مركز الصفقة كان هناك بناء خط أنابيب عبر (إسرائيل) من إيلات إلى عسقلان، وكذلك مينائين نفطيين ومرافق التخزين، وأسطول من الناقلات.

ولكن بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تحولت الصداقة إلى عداوة بين الشريكين. وعن طريق الحيلة القانونية، نجحت (إسرائيل) في تأميم خط الأنابيب بشكل فعال واستمرت في تشغيله. لجأت إيران إلى المحاكم لمقاضاة (إسرائيل) في التحكيم الدولي للحصول على حصتها في المشروع المشترك.

وفي القضية الرئيسية، ادعت إيران أن (إسرائيل) صادرت نصف حصة المشروع الخاصة بها. وفي معرض دفاعها تدعي (إسرائيل) أن إيران انتهكت الاتفاق من خلال رفضها تزويد (إسرائيل) والمشروع بالنفط منذ الثورة الاسلامية.

وتقدر مجلة «جلوبال أربيتريشن ريفيو» الأضرار في هذه الحالة الكبرى من التحكيم بحوالي 7 مليارات دولار.

وفي اثنين من إجراءات التحكيم الأصغر حجما تطالب شركة النفط الوطنية الإيرانية بدفع (إسرائيل) ثمن النفط الخام الذي حصلت عليه عن طريق الائتمان قبل الثورة ولم تدفع تكن قد سددت ثمنه.

وتقدر الأضرار في هذه الحالة بحوالي مليار دولار أمريكي، ما يعكس قيمة الدولار 1979 بالإضافة إلى الفائدة والتكاليف الأخرى.

تفاصيل جديدة

وأبقت إسرائيل غطاء محكما للغاية على أي معلومات تتعلق بإجراءات التحكيم. ويخضع جميع المنشور في هذا الشأن للرقابة العسكرية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وقع رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» أمرا يحظر نشر معلومات عن التحكيم؛ لأنه قد يضر العلاقات الأمنية القومية والخارجية لإسرائيل.

وفي الوقت الذي ظلت فيه معظم الإجراءات سرية، إلا إن التقارير الخاصة بالمواقع القانونية في أوروبا ومختلف المنشورات الأكاديمية الفرنسية كشفت عن هويات اثنين من المحكمين وتفاصيل جديدة حول الإجراءات في سويسرا وفرنسا.

وفي عام 2001 عينت محكمة باريس «كلاين» كمحكم نيابة عن إسرائيل بعد أن رفضت إسرائيل من تقوم المحكمة بتعينه بنفسها لهذه القضية الرئيسية. وفي الوقت ذاته ادعى الإيرانيون أن رفض إسرائيل أثر على حقهم في تحقيق العدالة. لقد وافقت المحكمة وتم تعيين «كلاين».

وطلبت إسرائيل التعيين عندما بدأ التحكيم الذي كان منعقدا في جنيف. ورفض «كلاين» ومحكم إيران - «آغا حسيني» - الاستئناف. وتم تأييد هذا الحكم قبل عامين من المحكمة الاتحادية العليا في لوزان بسويسرا.

السيرة الذاتية كلاين

كان «كلاين» ضمن عناصر المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، وأنشأ مكتب محاماة في باريس.

من بين موكليه كانوا البارون «إدموند دي روتشيلد» الذي التقاه كلاين أثناء عملهما المشترك في المجتمع اليهودي الفرنسي، بالإضافة إلى عدد من رجال الأعمال اليهود البارزين في فرنسا وحكومات عدد من الدول الإفريقية والشركات الإسرائيلية.

وترأس «كريف» لمدة 16 عاما أعقبها بمواصلة عمله العام والعلني نيابة عن الجالية اليهودية.

وخلال الانتفاضة الثانية، وفي وقت مبكر من العقد الأول خلال القرن الحالي، أصبح «كلاين» قلقا حول معاملة إسرائيل للفلسطينيين، ونشر رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء آنذاك «آرييل شارون» بشأن هذه المسألة.

وعرّف «كلاين» - مواطن إسرائيلي يتحدث العبرية بطلاقة - نفسه في حديث مع صحيفة هآرتس بأنه ”يهودي حر“، وذكر أنه استقال من منصب المحكم في القضية بسبب عمره.

وفي أحد كتبه، كتب كلاين أنه ما من شيء يمكن أن يقوض قيام دولة إسرائيل باستثناء تخلي الإسرائيليين عن مصدر قوتهم على مر التاريخ، قاصدا بذلك احترام القانون والعدالة للجميع.

آغا حسيني

«آغا حسيني» (70 عاما) كانت بمثابة المحكم نيابة عن إيران في جميع الإجراءات ضد (إسرائيل).

كان في السابق مستشارا قانونيا للبنك الوطني الإيراني. وفي عام 1986 جاء إلى لاهاي؛ حيث توجد محكمة المطالبات والدعاوى المشتركة بين إيران والولايات المتحدة، والتي تتعامل مع دعاوى البلدين ضد بعضها البعض.

ويرأس «آغا حسيني» مركز قانوني إيراني هناك. وشغل منصب قاض في محكمة العدل الدولية في دعوى إيرانية ضد الولايات المتحدة، وعلى مدى السنوات الـ19 الماضية شغل منصب قاض في محكمة الدعاوى الأمريكة - الإيرانية.

وتقاعد في عام 2009، ولكنه استمر في العيش في لاهاي. ولم يستجب «آغا حسيني» للرد على استفسارات أرسلتها صحيفة «هآرتس» له عن طريق البريد الإلكتروني.

وفي إجراءات التحكيم الدولية، يقوم كل طرف بتعيين محكم نيابة عنه، وشخص ثالث من بلد محايد يخدم كرئيس للمحكمة، وعادة ما يحسم التصويت النهائي.

وفي يناير 1989، عينت شركة النفط الوطنية الإيرانية «آغا حسيني» كمحكم في قضية التعويض عن النفط الخام الذي لم يستوف ثمنه.

شركة وهمية إيرانية تتقدم بدعوى

ويستخدم الإيرانيون شركة صورية من ليختنشتاين شرق سويسرا - تُعرف باسم فيماركو انستالت - والتي قامت برفع دعوى ضد «ترانس آسيا تيك أويل» المحدودة، والتي التي كان مسؤولة عن تنفيذ وتسويق النفط ومسجلة في بنما.

ولم يقم الإيرانيون بتعيين موظفيهم في مجالس إدارة الشركات، وطلبوا موظفين في مجال النفط من إسرائيل واليهود الأوروبيين لتمثيلهم.

ومنذ أن رفضت شركات النقل البحري العالمية المشاركة في المشروع خوفا من المقاطعة العربية، فقد قامت «ترانس آسيا» باستئجار أسطول من ناقلات النفط بلغ عدده 23 عندما انهارت هذه الشراكة.

وكشفت دعوى التحكيم جزءا من الأعمال التجارية التي تعاون فيها البلدان في سبعينيات القرن الماضي. فقد نقلت «ترانس آسيا» النفط من إيران الى إيلات، ومن هناك تم إرساله من خلال خط أنابيب إيلات - عسقلان إلى عسقلان وتحميله على ناقلات للبيع في أوروبا.

ولتعزيز السرية، تأسست شركة تابعة أخرى مشتركة بين إيران و«ترانس آسيا» تم تسجيلها في ليختنشتاين. هذه الشركة الصورية كانت في الواقع تبيع النفط في أوروبا. وقدمت شركة النفط الوطنية الإيرانية ثلاثة أشهر من الائتمان لشركائها لسداد المبالغ الخاصة بالنفط.

50 مديونية

وادعى الإيرانيون - تحت غطاء فيماركو - أن الشركة الصورية جمعت 50 من مديونياتها المختلفة لصالح شركة النفط الوطنية الإيرانية من وراء بيع النفط دون سداد أي مبالغ.

وزعموا أيضا أن «ترانس آسيا» - التي هي في الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية - كانت تسيطر عمليا على الشركة الفرعية الصورية، وتدين لهم بالمال.

وقامت شركة «ترانس آسيا» بتعيين وزير العدل الإسرائيلي السابق حاييم صادوق ممثلا لها في هذا التحكيم الذي بدأ في عام 1994. وبعد وفاته في عام 2002، عينت إسرائيل المحامي «أفيجدور كلاجسبالد» لتمثيلها. وما زال مستمرا في هذا الموقع.

وقال شخص مقرب من عملية التحكيم إن «صادوق» و«آغا حسيني» كانا على علاقة ودية، وغالبا ما تناولوا الطعام معا بعد مختلف الإجراءات القانونية، والتي كانت عادة ما تعقد في مكتب محام في زيوريخ.

وخلال السنوات القليلة الأولى وجد الرجلان أنه من الصعب الاتفاق على المحكم الثالث، ووصلت القضية إلى المحكمة العليا السويسرية التي اتخذت قرارها بشأن هوية المحكم الثالث.

وفي عام 1998 أصدر المحكمون قرارهم ضد إسرائيل، وأمروا «ترانس آسيا» بدفع الديون للايرانيين. ويبدو أن هذه التعويضات لم يتم دفعها واستمر التحكيم.

محاولة تسوية

وفي فترة الثمانينيات قامت إسرائيل وإيران باتصالات متفرقة في محاولة لدفع الديون، كما قاما بتفكيك الشراكة في مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية، وإغلاق هذه المسألة تماما. ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق، وفي عام 1994 تحول الإيرانيون إلى عملية تحكيم أخرى للحصول على نصيبهم من شراكة خط أنابيب مع الشركة.

ولم يعودوا هذه المرة للاختباء وراء شركات وهمية وهويات مزيفة، لكنهم عملوا بشكل علني نيابة عن الجمهورية الإسلامية. وقام الإيرانيون مرة أخرى بتعيين «آغا حسيني» كمحكم، وانتظرت من إسرائيل أن تعين واحدا هي الأخرى.

ولكن إسرائيل رفضت تسمية محكم، كما وصفت تعيين «آغا حسيني» بأنه غير ملائم لهذا الدور، وطالبت بتغييره.

وقالت إسرائيل إن عمل «آغا حسيني» كمحكم في قضية «ترانس آسيا» في نفس الوقت يتيح له الوصول إلى معلومات داخلية؛ والذي من شأنه أن يمنح الجانب الإيراني ميزة غير عادلة في قضية التحكيم.

كما بنى المحامون في إسرائيل دعواهم على خطأ ارتكبه «آغا حسيني» بشأن سيرته الذاتية، حيث قالوا إن هذا يثبت إنه لا يفرق بين إجراءات التحكيم في القضيتين.

ورفضت المحاكم الفرنسية والسويسرية الاعتراضات الإسرائيلية، ووافقت على استمرار عملية التحكيم. وفي ذلك الوقت قدرت إيران حصتها من الشراكة في مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية بـ800 مليون دولار أمريكي.

دعوى ثالثة

وتشمل دعوى التحكيم الثالثة أيضا المطالبة بالتعويض عن النفط الذي تم بيعه لإسرائيل ولم تحصل طهران على ثمنه. ولكن هذه المرة ضد ثلاث شركات وقود إسرائيلية حصلت على النفط في عام 1979 لاستخدامها في السوق الإسرائيلية، ولم يُدفع ثمن هذا النفط.

وفي عام 1991، تم تسمية شركات «باز للنفط» و«سونول» و«ديليك» كأطراف في التحكيم، بعد أن اشتروا النفط الخام من شركة النفط الوطنية الإيرانية عبر شركة صورية سويسرية مقرها جنيف تعرف باسم «سوبترول».

وبعد ثماني سنوات قضى المحكمون أن إسرائيل يجب أن تدفع الديون إلى الإيرانيين وبالفائدة. وتجاهلت إسرائيل أوامر الدفع بتسليم الأموال إلى «سوبترول» في جنيف، ومنذ ذلك الحين بدأ التحكيم يتحرك في المحاكم.

وفي يناير/ كانون الثاني عام 2014، قضت المحكمة الاتحادية العليا في سويسرا لصالح شركة النفط الوطنية الإيرانية. وقد صدرت أوامر إلى الشركات الإسرائيلية بدفع حوالي 100 مليون دولار، لكنها إسرائيل أعلنت صراحة أنها لن تدفع أي مبالغ لدولة معادية، وهذه هي الحالة التي تنطبق على إيران بموجب القانون الإسرائيلي.

وكما ورد في صحيفة «هآرتس»، تم إيداع الأموال المستحقة لإيران في بنك إسرائيل ضمن حساب خاص تحت إشراف المحاسب العام في وزارة المالية.

وتمت مصادرة هذه الأموال في وقت لاحق بموجب قانون التجارة مع العدو - الذي يرجع تاريخه إلى زمن الانتداب البريطاني قبل تأسيس إسرائيل - وذلك لمنع الإيرانيين من الحجز على الأموال أو الأصول الأخرى.

وفي نهاية عام 2013 كان رصيد الحساب حوالي مليار شيكل (أي ما يعادل 250 مليون دولار أمريكي).

  كلمات مفتاحية

إسرائيل إيران خط الأنابيب الإيراني الإسرائيلي

«ذا إيكونوميست»: إيران تواصل تمددها في المنطقة رغم ضعفها

مدراء صناديق استثمار راهنت على الصعود يذعنون أخيرا لسعر النفط

محاولات في إسرائيل لإنتاج النفط الصخري

تبادل أكاديمي وعلمي بين إيران وإسرائيل