قالت «روث شيرلوك»، مراسلة صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، إن الطائفة العلوية تدفع ثمن دعمها للنظام السوري لـ«بشار الأسد»، وتخاف من انتقام جماعات المعارضة المتشددة منها، التي تريد تطهير سوريا من «الوسخ الخطير».

وكشفت «شيرلوك» خلال عدة لقاءات مع عدد من العلويين في مدينة اللاذقية، عن مجتمع محاصر بين جماعات جهادية تنظر إليه على أنه مجتمع «كفار»، ونظام فاسد طمأنهم بأن الحرب ستكون قصيرة، ومن السهل الانتصار بها.

وبحسب تقرير أعدته «شيرلوك»، قال رجل أعمال في المنطقة اسمه «عمار»، إن «الكثيرين لا يحصلون على رواتبهم، وهناك من لا يجدون الطعام لتناوله، مضيفا: «يسألني أصدقائي: عمار ماذا نفعل؟ يريد منا النظام القتال، وسنموت لكن ليس لدينا المال الكافي للسفر إلى ساحة المعركة».

وأوضحت الكاتبة أن مستوى خسائر الطائفة كبير جدا، فقد قتل الثلث من بين 250 ألف شخص في سن القتال، بحسب شهادات سكان محليين ودبلوماسيين غربيين، مشيرة أن معظم القرى العلوية التي تقع في قلب محافظة اللاذقية تظهر عليها آثار الحداد، فبحسب «عمار» فإنه «تصل في اليوم الواحد ثلاثون جثة من خطوط القتال في الأكفان.

وأضاف «عمار» أنه كان الناس في البداية يحتفلون بمقتلهم، وينظمون لهم جنازات كبيرة، أما اليوم فتصل الجثث بهدوء على ظهر سيارات بيكب.

وأفاد التقرير بأن الحكومة السورية لم تنشر أرقاما حول قتلى الحرب، إلا أن تقريرا نشره «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في بريطانيا العام الماضي، وجد أن الجماعات المؤيدة للنظام تكبدت خسائر كبيرة، حيث قتل حوالي 22 ألف جندي وعنصر من عناصر المليشيات المؤيدة للنظام، ومن بين هؤلاء عدد كبير من أبناء الطائفة العلوية.

ونقلت الصحيفة عن مواطن علوي قوله: «في المعارك مع الجماعات السنية المسلحة لا تثق الحكومة بالجنود السنة، وتخشى من انشقاقهم، ولهذا يتم إرسال العلويين ووضعهم في المقدمة».

وأشار التقرير، إلى أن الخسائر قد أثرت على الطائفة العلوية، وأثارت حالة من الحنق في صفوفها، لكنها تشعر في الوقت ذاته بأنه لا خيار أمامها إلا البقاء مع النظام، وقالت فتاة من اللاذقية: «ما يهم الأمهات هو حماية أبنائهن لا بشار، ولهذا بدأن يخفين أولادهن حتى لا يتم تجنيدهم في الجيش».

ولفتت الصحيفة إلى أن السكان يتحدثون عن حالات قامت بها النسوة بوضع حواجز على مداخل بعض القرى الجبلية لمنع الجيش من التقدم نحوها وأخذ أبنائهن بالقوة، وقال «عمار»: «قلن لقادة الجيش: اذهبوا وجندوا أبناءكم للمعارك وبعدها سنعطيكم أبناءنا».

ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من ارتباط العلويين بالنظام، إلا أن فئة قليلة منهم استفادت منه.

وقال علوي: «لم يرفع الأسد رواتبنا خلال حكمه، وفي قريتي هناك بعض الفلل أقيمت وسط مئات من البيوت البسيطة».

وذكرت «شيرلوك» أن النظام رفع الدعم عن المواد الأساسية بسبب الحرب، وهو ما انعكس على حياة الفقراء الذين ازدادوا بؤسا، فالكهرباء تصل بشكل متقطع إلى اللاذقية، وهي مقطوعة عن القرى الجبلية، أما مواد التدفئة والوقود فثمنها مكلف، ومن الصعب الحصول عليها.

وأوضح التقرير أن الوضع زاد من تقوية طبقة أمراء الحرب، الذين يديرون مناطقهم باستقلال عن الحكومة المركزية.

ونقلت الكاتبة عن المحاضر في جامعة أوكلاهوما «جوشوا لانديز»، قوله إن قادة المليشيات المحلية يرفضون تنفيذ أوامر القادة العسكريين في دمشق، وقد ربطت بين قوة أمراء الحرب الجدد ووفاة عدد من أفراد عائلة الأسد في ظروف غامضة، ويرى البعض أن وفاتهم الغامضة جاءت بسبب منافسة آخرين لهم على السلطة المحلية والمال، فلا يزال الغموض يحيط بوفاة «محمد الأسد»، وهو ثاني أبناء عمومة الرئيس بشار الذي يموت في ظروف غامضة، وكان «محمد الأسد» شخصية مرهوبة الجانب بين الشبيحة، وقد ظهر في مناطق اللاذقية في الثمانينيات من القرن الماضي. 

واختتمت «ديلي تلغراف» تقريرها بالإشارة إلى أنه رغم حنق العلويين على النظام، إلا أنهم يعرفون أن ثمن انهياره هو سيطرة جماعات المعارضة المتشددة التي ترغب بالانتقام منهم، والحل بالنسبة لهم هو مواصلة المعاناة بصمت وانتظار قدوم جثث أبنائهم.