«ستراتفور»: هل يتجه الملك «سلمان» لضم الحرس الوطني إلى وزارة الدفاع؟

السبت 9 مايو 2015 12:05 م

كان الحرس الوطني العربي السعودي، المعروف أيضا باسم الجيش الأبيض، دعامة هامة للدولة السعودية التي يرجع تاريخها إلى تأسيس المملكة العربية السعودية. فعلى مدار أكثر من خمسين عاما، تكيف الحرس الوطني مع عملية تغيير المشهد  السياسي والعسكري في المنطقة، وساعد آل سعود في المحافظة على الدور القيادي في شبه الجزيرة العربية.

واليوم يدخل الحرس الوطني السعودي مرة أخرى في منعطف، لأن دور المملكة العربية السعودية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتغير بسرعة. وتشارك الرياض في حملات عسكرية إقليمية استباقية على نحو متزايد بالإضافة إلى الجهود السياسية التي تبذلها على مختلف الأصعدة. وفي الوقت نفسه؛ تواجه الدولة مسألة الخلافة السياسية المعقدة. وفي يناير / كانون الثاني من العام الحالي صعد الملك «سلمان» على العرش بعد وفاة الملك «عبد الله بن عبد العزيز»، ويعمل الآن على ترسيخ قاعدة سلطته.

هذا المزيج من تغيير الديناميكيات الإقليمية والتحول الداخلي يمكن أن يجبر الرياض على إصلاح الحرس الوطني السعودي أو إعادة هيكلته، أو حتى إعادة تنظيمه. ومع ذلك، فإن مثل هذه العملية ستكون صعبة بسبب موقف الحرس الوطني الحساس داخل السياسة القبلية والدور الحاسم الذي تلعبه في هيكل السلطة السعودي.

تحليل

تاريخيا، الحرس الوطني السعودي جذوره مغروسة في مجموعة تعرف باسم الإخوان، قوة دينية وهابية من المقاتلين القبليين يتمتعون بالصلابة ويتميزون بالطابع الديني المحافظ. ولعب الإخوان دورا رئيسيا في وضع الملك «عبد العزيز بن سعود» على عرش المملكة التي أنشئت حديثا في المملكة العربية السعودية. وفي البداية، كانت هذه المجموعة موالية بشدة للملك. ومع ذلك، فإن الإخوان كانت لهم رؤيتهم الخاصة للمملكة، ما تسبب في دخولهم في اشتباكات مع العائلة المالكة. وبينما ركز «ابن سعود» على بناء المملكة العربية السعودية كدولة قومية حديثة، أراد الإخوان أن يتوسعوا في فتوحاتهم الأخيرة بغزو أراضي ينظر أنها على أنها غير تابعة لدينهم في المحميات البريطانية من شرق الأردن والعراق والكويت. وكان الملك معارض لفكرة المخاطرة بدولته الجديدة في حرب مع البريطانيين، وبدأ بشن غارات دون حسيب أو رقيب ضد الإخوان الذين سعوا لتقويض سلطته، ما أدى إلى حدوث تطور سريع في اندلاع ثورة الإخوان في عام 1927. واستغرق الأمر حتى يناير 1930 للملكية للقضاء على الانتفاضة.

وفي أعقاب الثورة، قررت المملكة العربية السعودية بناء جيش نظامي حمل اسم القوات البرية السعودية الملكية. وفي نهاية المطاف، أصبح واضحا أن هذه القوات سوف تحتاج إلى أن تكون مدعومة بقوة مساعدة، وكان المقاتلون القبليون المسلحون بالفعل خيارا طبيعيا لملء هذا الدور. وفي عام 1954، أي بعد مرور عام على وفاة ابن سعود، أنشأت الحكومة السعودية مكتب الجهاد والمجاهدين، والذي عمل على تضمين واحتواء الإخوان والقوى القبلية الأخرى في الحرس الوطني في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، بقي الحرس يمثل قوة صغيرة نسبيا، وكان الجيش السعودي الرئيسي لا تزل له الأولوية والأفضلية.

لقد بدأ هذا يتغير في مطلع حقبة الستينيات من القرن الماضي، عندما أصبح آل سعود أكثر ثقة ويقينا من سيطرتهم القوية على الجيش النظامي. وفي الوقت الذي كان فيه آل سعود يراقبون سلسلة من الانقلابات العسكرية تحدث في جميع أنحاء العالم العربي، قررت الملكية تحويل الحرس الوطني إلى قوة يكون ولاؤها الأول للعائلة المالكة، ومساوية في القوة أيضا للقوات البرية السعودية الملكية. لقد بدأ الملك هذا التحول من خلال تعيين «عبد الله بن عبد العزيز» الذي أصبح فيما بعد الملك في عام 2005 - كقائد للحرس الوطني في عام 1962. وكان هذا سببا في منح المؤسسة قدرا كبيرا من الهيبة، بالإضافة إلى جلب سلسلة من الإصلاحات لتطوير القوة. ولتسهيل هذا التحول، تحول بيت آل سعود إلى الولايات المتحدة في فترة السبعينيات للمساعدة في تدريب وتجهيز وزيادة القدرات التقليدية للحرس الوطني. وفي هذا الوقت، بدأ الحرس أيضا في تجنيد مقاتلين من بعض القبائل الموالية بشكل ملحوظ. وتمت عملية الإصلاح على مدار عقود تلت، ونما الحرس الوطني حتى وصل إلى مرحلة القوة التقليدية، ووصل إلى لعب دور رئيسي في الحياة السياسية الوطنية، وهو موقف لا يزال يتمتع به اليوم.

الحرس الوطني الحالي

لقد قطع الحرس الوطني العربي السعودي شوطا طويلا منذ ثورة الإخوان، وبات في عام 2015 أحد أعمدة الهيكل الأمني في البلاد. 

ونستطيع القول إنه الآن يتحمل دورا بارزا داخل الدولة السعودية، وتحمل في الأساس مسؤولية الحفاظ على بيت آل سعود. كما تحمل الحرس الوطني أيضا مسؤولية حماية الأماكن المقدسة الرئيسية، مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذلك توفير الأمن للبنية التحتية للنفط والغاز الطبيعي. هيبة هذه الوجهات التي يقصدها الحجاج دوليا والعائدات المضمونة من قطاع الطاقة هما من الركائز الأساسية للسلطة السعودية.

واليوم؛ تتساوى قوة الحرس الوطني في المملكة العربية السعودية والقوات البرية الملكية السعودية تقريبا من حيث أعداد القوات. ومع ذلك، هناك اختلافات ملحوظة في عدة وعتاد القوتين. وعلى عكس الجيش النظامي، فإن الحرس الوطني هو الأقوى، وتم تجهيزه بهدف الاستجابة السريعة للتدخل ضد أي تهديدات في جميع أنحاء البلاد. وفي الوقت نفسه، فإن القوات البرية الملكية السعودية تمتلك كل من دبابات القتال الرئيسية في المملكة العربية السعودية والغالبية العظمى من المدفعية الثقيلة في البلاد. وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن الحرس الوطني العربي السعودي يعمل كقوة مساعدة في مواجهة التهديد الخارجي، تتحمل القوات البرية السعودية الملكية العبء الأساسي للاستجابة لهذه التهديدات. ويمتلك الحرس الوطني قدرات كبيرة، لكن واجباتهم داخلية. وهم خط الدفاع الأخير عن الأمة وأسرة آل سعود نفسها.

تحولات القوة والحرس الوطني

وإذا ما ذهبنا إلى الأمام، فإن المملكة العربية السعودية تسعى إلى أن تكون صاحبة أكبر قوة ونفوذ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي الوقت الذي يتبنى فيه الرياض هذا الموقف الجديد، ومع ذلك، فإنه يجب أيضا فهم إعادة تشكيل القوة المرافقة لصعود الملك «سلمان» إلى العرش في يناير / كانون الثاني. لقد قام الملك الجديد بالفعل بتغيير عدد من المناصب الرفيعة واختار ابن أخيه وولي العهد الأمير «محمد بن نايف» خلفا له. واستبدل الملك سلمان بهذه الخطوة أخيه غير الشقيق الأمير «مقرن». وكما هو الحال في العقود الماضية؛ فإن موقف الحرس الوطني السعودي في هذه المفاوضات هو مفتاح الحل. 

القائد الحالي للحرس الوطني السعودي هو الأمير «متعب بن عبد الله»، منافس نجل الملك «سلمان» وزير الدفاع ونائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان». وبسبب دوره كرئيس للحرس الوطني، يمثل الأمير «متعب بن عبد الله» تحديا محتملا لتوطيد سلطة الملك «سلمان». وللتخفيف من هذا التهديد، فقد أشارت مصادر ستراتفور إلى أن الملك «سلمان» قد يكون يخطط لتركيز المؤسسة الأمنية في يد ابنه، وزير الدفاع الحالي الأمير «محمد بن سلمان». وهذا قد يعني دمج الحرس الوطني في وزارة الدفاع ، ما ينهي فعليا دور الحرس الوطني باعتباره وزارة مستقلة لديها القدرة على موازنة القوات البرية الملكية السعودية. كما يشير هذا القرار أيضا إلى أن الملك «سلمان» هو أكثر قلقا بشأن التهديدات الخارجية في الوقت الراهن أكثر من قلقه من الأصوات المعارضة من العائلة المالكة ضد تعزيز سلطته ونفوذه.

سيكون لهذا التحول المهم في دور الحرس الوطني في المملكة العربية السعودية معنى استراتيجي للملكية، ولكنه أيضا سيكون صعبا للغاية. على الرغم من أن دمج الحرس الوطني في وزارة الدفاع من شأنه أن يعزز سلطة الملك «سلمان» في جميع أنحاء المملكة، إلا إن ذلك يتطلب التغلب على الاعتراضات من قيادة الحرس الوطني المؤثرة وهيئة البيعة القوية النفوذ.

تشمل صفوف الحرس الوطني السعودي العربي أيضا العديد من الجماعات القبلية القوية، والتي هي مفتاح لتوازن القوى المحلية. لقد نمى نفوذ الكثير من هذه القبائل جنبا إلى جنب مع الحرس الوطني، وبالتالي لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام سحب مواقعهم ونفوذهم منهم. ويتمتع قائد الحرس، الأمير «متعب بن عبد الله» بالاحترام بسبب خبرته العسكرية الكبيرة. من ناحية أخرى، فإن وزير الدفاع الحالي، نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، لا يملك إلا القليل من الخبرة العسكرية التي اكتسبها من وراء عاصفة الحزم التي بدأت مؤخرا في اليمن ضد الحوثيين الشيعة. وسيكون الملك «سلمان» بحاجة إلى التفاوض بعناية بشأن أي إصلاحات لتجنب الإساءة إلى هذه القوى القبلية.

منذ إنشائه في فترة الخمسينيات، نمى الحرس الوطني السعودي ووصل إلى مرحلة القوة الأمنية المؤثرة والمرموقة وعالية القدرة والجاهزية. إذا كانت هناك خطوة قريبة بحل هذه القوة أو حتى جعلها تحت سلطة الوزير الشباب صاحب الخبرة الدفاعية المحدودة نسبيا، الأمير «محمد بن سلمان بن عبدالعزيز»، فإن الملك الجديد يحتاج إلى رعاية هذا التحول بحذر شديد. ويمكن للإخلال بالتوازن التقليدي للقوة أن يتسبب في صراع داخلي جديد، ليس فقط في داخل بيت آل سعود، ولكن في كل أنحاء المملكة العربية السعودية.

  كلمات مفتاحية

الحرس الوطني متعب بن عبد الله محمد بن سلمان الملك سلمان الملك عبدالله

«الملك سلمان» يأمر «الحرس الوطني» بالمشاركة في «عاصفة الحزم»

«متعب بن عبدالله»: الحرس الوطني جاهز لتنفيذ المهمات القتالية والأمنية

ثلاثي القوة السعودي الجديد

اليوم .. الأمير «متعب بن عبدالله» في واشنطن لدعم الحرس الوطني السعودي

الأمير السعودي الذي قد يصبح ملكا

الأمير «متعب بن عبد الله» خارج دائرة صنع قرار الحرب في اليمن

«أتلانتيك كاونسل»: محاولة فهم عملية انتقال القيادة في المملكة العربية السعودية

«محمد بن سلمان» يبحث مع رئيس الأركان الأردنى تعزيز العلاقات على الصعيد الدفاعي