من النقط إلى التعليم والسلع الغذائية: كيف تهيمن إيران على اقتصاد العراق؟

السبت 9 مايو 2015 03:05 ص

في الثالث من أبريل/نيسان الماضي أُعيد افتتاح منفذ سومار/مندلي الحدودي بين إيران والعراق، بعد أن دام إغلاقه منذ عام 1980، وذلك برعاية مسؤولين من البلدين. وارتفع بذلك عدد المنافذ الحدودية بين البلدين إلى 9 منافذ تجارية في مؤشر حاسم على تسارع وتيرة حركة التجارة التي غالبا تسير في اتجاه واحد من الحدود.

«ساخت إيران».. العبارة الأكثر تكررا ومشاهدة في أسواق العراق. وتعني بالعربية صنع في إيران. بدأ الغزو الاقتصادي الإيراني للعراق مع الاحتلال الأمريكي في عام 2003، حيث تزامن معه دخول الشركات والمستثمرين للبلاد، تحت غطاء وتسهيل كبيرين من الحكومات المتعاقبة في بغداد. 

خلال العام 2014، وصل حجم التبادل التجاري بين العراق ولإيران إلى أكثر من 12 مليار دولار، وسط توقعات من قبل الخبراء أن يرتفع إلى 15  مليار دولار بسبب غلق المعابر الحدودية مع عدة بلدان نتيجة العمليات العسكرية وسيطرة المجموعات المسلحة على مساحة كبيرة من أرض العراق.

وبحسب تقرير لمنظمة «سوق»، وهي إحدى المنظمات المحلية المعنية بالاقتصاد العراقي، فإن الاقتصاد الإيراني بكل مفاصله ابتلع نحو 90% من السوق العراقية، محذرة من أن «إيران ستتحول، خلال أعوام، إلى مالك للاقتصاد العراقي ومتحكم فيه بدون منافس».

ويرجع الخبراء التزايد الملفت في حجم العلاقات التجارية بين البلدين إلى عدة أسباب رئيسية، أولها سقوط عدد من المحافظات العراقية بيد تنظيم «الدولة الإسلامية» ما أدى إلى إغلاق المعابر الحدودية مع عدة دول، إضافة إلى العلاقات المتوترة والمـتأرجحة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق، ناهيك عن أن النفوذ الإيراني القوي على السياسيين الحاليين الذين يمتلكون الشركات التجارية، والذي شجّع الحكومة الاتحادية على الانفتاح التجاري مع إيران.

على المستوى المالي والمصرفي، فإن هناك 11 مصرفا إيرانيا يعمل في العراق بشكل مستقل، إضافة إلى امتلاك إيران لحصص في 6 مصارف عراقية أخرى، باستثمارات تبلغ 70 مليار دولار، كما تستثمر إيران في أكثر من 80 مشروعا في الأراضي العراقية.

ووفقا للكاتب «عبد الله الثويني» فإن إيران نجحت في الإفلات من العقوبات الموقعة عليها عبر بوابة العراق.

وأشار الكاتب في صحيفة «العربي الجديد» إلى تحكم إيران في أسواق السيارات والحديد والأجهزة الكهربية والسياحة والتجارة، وذلك عبر مسؤولين عراقيين موالين لها أزاحوا المنافسين من الأسواق، وفرضوا عليهم شروطا تعجيزية في مقابل تسهيلات للإيرانيين، حيث أصبح المترددون على الأسواق لا يرون سوى البضائع الإيرانية، التي غزت الأسواق، وباتت أرخص بكثير من تلك الصينية المعروفة بقلة جودتها وكفاءتها.

وامتدت السيطرة الإيرانية  لتصل إلى أسواق السيارات، فقد اجتاحت السيارات الإيرانية الأسواق العراقية، على الرغم من قلة كفاءتها ومتانتها، وفق خبراء الاقتصاد. وتم تدشين خطوط إنتاج سيارات، منها «سمند» في العراق.

وخلال السنوات الأربعة الماضية، قامت إيران بإنتاج أكثر من 30 ألف سيارة جنوب العاصمة العراقية. كما اتفقت الحكومتان في أبريل/نيسان من العام 2014، على مشروع لربط السكة الحديدية بين البلدين، بهدف تسهيل نقل البضائع والأشخاص وسط توقعات بأن يمكّن هذا المشروع من ربط بلاد الرافدين بالصين على امتداد ما كان يعرف قديما بـ«طريق الحرير» وهو المشروع الذي قدرت تكلفته بنحو 45 مليون دولار ويتنتظر أن يستغرق إنشاؤه عشرين شهرا.

من جانبها، قالت «نجيبة نجيب»، عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب العراقي، إن لإيران أهدافا ومصالح استراتيجية واقتصادية وتجارية في العراق، لكونه المنافس التقليدي لإيران في المنطقة، الأمر الذي دفع بطهران إلى التوجه بكل ثقلها إلى الأسواق العراقية بمختلف مفاصل.

ولم تقتصر السيطرة الإيرانية على الصناعات الثقيلة، بل امتدت لتشمل السلع الغذائية والخضروات، والتي غزت الأسواق المحلية لتدني أسعارها، ما أثر على الإنتاج والزراعة الوطنية.

النفط العراقي

تستخدم إيران نفوذها في العراق كورقة للضغط على الشركات الأجنبية، المتعطشة لزيادة معدلات إنتاجها والحصول على أكبر عقود ممكنة في العراق الذي بات ضمناً يخضع للنفوذ الإيراني.

ومنذ بدء المفاوضات النووية، اجتمع رؤساء شركات الطاقة الغربية مرتين مع مسؤولي الطاقة في إيران. وكان أهم هذه الاجتماعات في نيويورك، حين زيارة الرئيس «حسن روحاني» للأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وثانيها في فيينا، مع وزير النفط الإيراني على هامش اجتماعات أوبك.

وفي المقابل، طلبت إيران من هذه الشركات الضغط على حكوماتها لتوقيع الاتفاق النووي الإيراني الذي يجري التفاوض عليه بين طهران والمجموعة الدولية (5+1)، التي تقودها أميركا، برغم أن الحظر على قطاع الطاقة الإيراني لم يتم فتحه بعد.

ولا يخفي مسؤولو الطاقة العراقيون في الندوات المغلقة بالعواصم الغربية التنسيق الاستراتيجي بينهم وبين طهران في مجال الطاقة، كما باتت استراتيجية طهران واضحة تجاه محاصرة دول التعاون في مجال الطاقة كما تفعل في مجال السياسة وتمدّد النفوذ.

وتنوي وزارة الطاقة الإيرانية تصميم عقود استثمار موحدة في مجال الطاقة بين إيران والعراقوكان وزير النفط العراقي السابق «حسين شهرستاني» قد كشف، في ندوة مغلقة بالمعهد البريطاني في العام الماضي، عن التعاون الجاري بين إيران والعراق في مجال صناعة الطاقة، وقالت مصادر غربية إن هنالك استراتيجية طاقة مشتركة بين إيران والعراق لتحدى السعودية.

وتنوي الدولتان رفع إنتاجهما إلى 12.5 مليون برميل يوميا بنهاية العقد الجاري، أي في العام 2020.

وكان وزير النفط العراقي السابق قد قال في لندن إن العراق ينوي رفع إنتاجه إلى 9 ملايين برميل في العام 2020. ولدى العراق وإيران معا احتياطات من النفط تفوق 260 مليار برميل.

«التومان» يغزو سوق العملات العراقي

احتلت العملة الإيرانية «التومان» المرتبة الثالثة في سوق تبادل العملات العراقية، خاصة في بغداد ومدن جنوب العراق، بعد الدينار العراقي والدولار الأميركي، لتزيح الدينار الأردني، الذي كان إلى وقت قريب المفضل في السوق العراقية بعد العملة الأميركية.

ويرجع الخبراء أسباب ذلك إلى قطع الطريق البري مع الأردن وتدفق البضائع بين إيران والعراق وبخاصة السلع الغذائية، إضافة إلى قيام العراق برفع تأشيرة الدخول للإيرانيين بدون قيد أو شرط، فضلا عن تفاؤل التجار برفع العقوبات قريبا عن إيران وبدء إقبالهم على شراء التومان وتخزينه أملا في ارتفاع قيمته.

وتمتلك إيران حاليا الجالية الأكبر في العراق، بسبب رفع رسوم التأشيرة من ناحية، وبسبب المزارات الدينية الشيعية في النجف وكربلاء من ناحية أخرى، حيث يبلغ أعداد الإيرانيين المقيمين في العراق حاليا نحو 250 ألف شخص.

وتشير مصادر إلى أن اللغة هي الأخرى باتت تفرض وجودها على التعاملات التجارية في المحافظات الجنوبية، إذ إن اللغة الفارسية يتحدث بها نسبة كبيرة من المجتمع العراقي في تلك المحافظات، وتعتبر ثاني لغة في التعاملات التجارية والاقتصادية بالنسبة للباعة أو حتى أصحاب المركبات.

ويلفت الخبير الاقتصادي «أحمد العلي» لصحيفة «العربي الجديد» إلى أن «التجار العراقيين أخطأوا في منح الإيرانيين الدولار نظير البضائع المستوردة من إيران، بينما يقصر الإيرانيون تعاملاتهم في العراق على التومان ويصرفونه في الفنادق والأسواق والمطاعم، في الوقت الذي لا تقبل إيران العملة العراقية في بلادها وتفرض الدولار أيضا، وهذا غير عادل»، لافتا إلى أن «التومان الإيراني يصرف في السوق العراقية بشكل منفصل عن قيمته عالميا بسبب الضغوط السياسية الإيرانية على النظام في العراق، موضحا أن الـ100 دولار تصرف عالميا بـ290 تومان، بينما تصرف في العراق بـ300 تومان وأكثر، في حين يقابل كل 130 ألف دينار عراقي 290 تومان».

التعليم أيضا

تهيمن شركات خاصة تمتلكها شخصيات سياسية وعسكرية وإيرانية على 70% من استثمارات التعليم العراقية، أو ما يعرفها العراقيون بـ«المدارس الحديدية». وتعود قصتها عندما منح وزير التربية الأسبق «خضير الخزاعي» في حكومة رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي»، شركة إيرانية عام 2008 مشروع إنشاء 200 مدرسة من هياكل حديدية بتكلفة تبلغ 280 مليار دينار (232.7 مليون دولار)، وتم منح الشركة الإيرانية مخصصات مالية على شكل سلفة بقيمة 41 مليون دولار، إلا أنه لم يتم تنفيذ المشروع إلى الآن.

وتشير الدلائل إلى تورط مسؤولين كبار في وزارة التربية في هذه الصفقة التي تقدر خسائرها بنحو 300 مليار دينار (250 مليون دولار) نتيجة عدم إتمام المشروع .

كانت وزارة التربية قد اكتفت بمطالبة الشركة الإيرانية بدفع غرامة تقدر بنحو 69 مليار دينار لعدم التزامها بتنفيذ المشروع، الأمر الذي وصفه نواب بإهدار المال العام في ظل حصول الشركة على 50 مليار دينار وعدم سداد أموال مستحقة للمقاوليين العراقيين المتفق معهم على توريد منتجات وتنفيذ أعمال تصل إلى 180 مليار دينار.

وبحسب نواب عراقيين، فإن عقود المقاولات الخاصة ببناء المدارس تخلو من بنود تلزم الشركات بعرض إمكاناتها الفنية وكوادرها الهندسية وقدراتها المادية وعدم تضمين العقود شروطا تلزم المتعاقد حصراً بالتنفيذ، ما يسمح له بالتنازل عن جزء أو كل فقرات الاتفاق لمنفذين ثانويين وبدون علم الجهة المستفيدة.

كانت اللجنة المالية في البرلمان العراقي، قد كشفت مؤخرا عن خسارة البلاد عشرات مليارات الدولارات، بسبب عمليات الفساد التي جرت لمدة 9 سنوات في الفترة ما بين عامي 2006 و2014، والتي حكم فيها المالكي البلاد، فيما طالب مختصون بإحالة رئيس الوزراء السابق للقضاء بتهمة السرقة وهدر المال العام، وبحسب تقارير للّجنة المالية، فإن أغلبية المشروعات التي أقرّتها حكومة «المالكي» تبين أنها وهمية وأغلبها منح لأقربائه وأصدقائه، كما أن حجم الهدر المالي الذي تم خلال فترة حكمه بلغ 109 مليارات دولار.

بضائع رديئة

ويشتكي العراقيون من رداءة البضائع الإيرانية التي تغرق الأسواق العراقية، والتي أحيانا ما تكون منتهية الصلاحية رغم أن العراق في طريقه لأن يكون الشريك الاقتصادي الأول لطهران.

ويشير الخبراء إلى أن العراق أسهم في إنقاذ إيران من الانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه بسبب العقوبات الأميركية والدولية، وذلك بسبب استمراره في استيراد البضائع على مختلف المستويات، مؤكدين أن 72% من البضائع الإيرانية تذهب إلى السوق العراقية، وهذه - على حد قولهم - «كارثة كبيرة» لأن البضائع رديئة مقارنة مع البضائع التركية والأميركية والإماراتية.

 

  كلمات مفتاحية

العراق إيران غزو اقتصادي

العراق وإيران يبرمان اتفاقا للربط بينهما عبر خط سكك حديدية

افتتاح منفذ (سومار- مندلي) الحدودي بين إيران والعراق بعد ربع قرن من إغلاقه

مسؤول إيراني: ارتفاع حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران إلى 20 مليار دولار سنويا

رفع مستوى التنسيق الأمني بين حدود العراق وإيران

«استقبال حافل» لوفد تجار ورجال أعمال إيرانيين في أمريكا

«بارزاني» يدعو لاتخاذ تدابير أمنية للسيطرة على احتجاجات السليمانية

كيف ترسم إيران مستقبل الطاقة في العراق على أسس طائفية؟