نور الشامسي - الخليج الجديد
من المفارقات التي تستدعي التأمل، أن أنظمة الحكم العربية باتت لا تتعلم من تجارب غيرها إلا فيما يتعلق بسياسات القمع وأساليب إقصاء المعارضة؛ فاللجوء إلى سحب جنسية المعارضين للتخلص من عبء معارضتهم سياسة بدأتها الإمارات، ثم تبعتها البحرين، وثمة مؤشرات واضحة على تبني الكويت لنفس الخطوة. قريبا.
صادق العاهل البحريني الملك «حمد بن عيسى آل خليفة» مؤخرًا على قانون تعديل بعض أحكام قانون الجنسية البحرينية لعام 1963، المنوط بتنظيم أسباب وإجراءات سحب الجنسية. ليتم إرفاق عبارة «التسبب في الإضرار بمصالح المملكة أو تصرف تصرفا يناقض واجب الولاء لها» ضمن البنود الموجبة لسحب الجنسية من المواطن البحريني.
وتأتي التعديلات التي أقرها كل من مجلسي الشورى والنواب البحرينيين، وأصبحت قانونا ملزما، بعد أن صادق عليها الملك وسيلة للضغط على المعارضة والنشطاء الذين «يؤرقون» النظام الحاكم بنشاطاتهم.
وسحبت البحرين عام 2012 الجنسية عن 31 مواطنا بعد أن اتهمتهم بالتورط في «جرائم ترتبط بالإضرار بأمن الدولة». وذلك على خلفية مشاركتهم في فعاليات الاحتجاج التي شهدتها البحرين عقب شرارة البريع العربي الأول في 2011.
لم تكن البحرين وحدها من لوح بورقة سحبة الجنسية عن المعارضين بناءا على أحكام سياسية بحتة، فقد انتقلت عدوي سحب الجنسية من الإمارات إلى البحرين، ثم إلى الكويت سريعا.
حيث أكدت مصادر مطلعة، أن السلطات الكويتية وضعت قائمة من 30 اسما يُنتظر أن يكونوا أوائل المشمولين بقانون سحب الجنسية إذا ما ثبتت صلاتهم بـ«أحداث العنف الأخيرة» وقيامهم بأدوار في التحريض والحشد للمواطنين المحتجين والمطالبين بالتغيير والإصلاح وتطهير القضاء وشهدتها الكويت مؤخرا، وخلال مظاهرات المساندة لـ «مسلم البراك» على خلفية اعتقاله.
وفي هذا الإطار، قالت المصادر إن السلطة الكويتية وضعت جمعية الإصلاح الاجتماعي «تحت المجهر» حيث أنها «ستخضع أنشطتها وبياناتها وتصريحات مسؤوليها لرقابة صارمة خلال الفترة المقبلة وفي حال أصرت على المضي في هذا السبيل فإن خيار الغاء ترخيصها واغلاقها سيكون واردا». ولاقى بيان الحكومة هذا، رفض المعارضة الكويتية أمس الثلاثاء.
واعتبر التيار القومي المعارض البيان الحكومي «دعوة للأجهزة الأمنية لقمع الحراك السلمي للمعارضة»، والتضييق على جمعيات النفع العام.
وقال النائب السابق المعارض، «مبارك الوعلان»، إن البيان يعد «مباركة لنهج الدولة البوليسية والقمع الأمني ضد الشعب وضد أي رأي معارض لسياسة السلطة».
كما وصف مسؤول التحالف الوطني الديموقراطي ذي التوجه الليبرالي، «بشار الصايغ»، سحب جنسية أي مواطن كويتي بأنه عملية «اعتداء على الإنسانية» خاصة إذا كانت نتيجة رأي سياسي أو ديني.
ورغم تكرار المشهد في كلا من دولتي الكويت والبحرين إلا أن الحكاية تعود فى البداية إلي الإمارات، وتحديدا في عام 2012، حينما قضت بسحب الجنسية من 7 إماراتيين على خلفية دعواتهم لإصلاحات سياسية، بينما قامت السلطات باتهامهم بـارتكاب «أعمال تهدد الأمن الوطني لدولة الإمارات من خلال ارتباطهم بمنظمات وشخصيات إقليمية ودولية مشبوهة». كما اتهمتهم بحيازة جنسيات أخرى، مبررة بذلك قرارها في سحب الجنسية الإماراتية منهم.
وتمنع العديد من الدول الخليجية، حيازة مواطنيها على جنسية إضافية إلا بالرجوع إلى وزارات الداخلية والمختصين، والحصول على إذن بإقرار الطلب.
وقال أحد السبعة الذين سحبت منهم الجنسية أن مسؤولين اماراتيين اتصلوا به وطلبوا منه تسليم أوراق هويته. وقال «محمد عبد الرزاق الصديق» المعتقل حاليا بسجن الرزين، أن مكتب الجوازات اتصل به وقال له أن هناك مرسوما بسحب الجنسية وأنهم أبلغوه بأنهم يريدون جميع الوثائق. وأعاد السبعة بالفعل الوثائق لمكتب الجوازات، قبل أن يتم اعتقالهم علي خلفية انتماؤهم لدعوة الإصلاح، وإدانتهم بالسجن لمدد بين 7 سنوات و15 سنة في محاكمة جماعية لمجموعة من 94 ناشطا إماراتيا، بعد اعتقالهم خلال حملة قمع واسعة النطاق ضد حرية التعبير وتكوين الجمعيات في الإمارات.
وقال «شاهين الحوسني» أحد المواطنين السبعة المسحوبة جنسياتهم لرويترز حينها أن الاتهامات ضده وضد الرجال الاخرين لا أساس لها ونفى أن يكون قد حمل أي جنسية أخرى من قبل على الاطلاق. وأضاف أن الرجال استهدفوا بسبب توجهاتهم السياسية الإسلامية المنادية بالإصلاح.
والسبعة الإماراتيين هم: الشيخ محمد عبدالرزاق الصدّيق عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والدكتور علي حسين الحمادي رئيس مركز التفكير الإبداعي والدكتور شاهين عبدالله الحوسني خبير المكتبات والمعلومات والأستاذ حسين منيف الجابري الخبير التربوي التعليمي الأكاديمي والأستاذ حسن منيف الجابري مؤسس وخبير في العمل الخيري والأستاذ إبراهيم حسن المرزوقي أستاذ ومدرس تربوي وتعليمي والأستاذ أحمد غيث السويدي أستاذ وخبير في العمل التربوي .
وهي التطورات التي تنذر بالفعل إلى انتهاج أكثر من جبهة لأسلوب «سحب الجنسية» من المعارضة في عدد من دول الخليج، في مشهد يُنذر بتراجع الدول العربية عدة خطوات إضافية في حالة الحقوق والحريات، بدءا بقمع حرية التعبير وابداء الآراء، ووصولا إلى حرمان مواطن من جنسيته.
فهل سيمنع النشطاء تهديد كهذا من مناداتهم بالإصلاح والتغيير؟ أم أنها قرارات متهورة ستدفع بمزيد من الرفض الشعبي وتعجِّل بزوال تلك الحكومات بغير ذي رجعة؟