مقامرة الولايات المتحدة في الاتفاق النووي

الأربعاء 16 سبتمبر 2015 05:09 ص

قدم الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 فرصة نادرة لإيران لتوسيع نفوذها: كانت الدولة العراقية في حالة من الفوضى وتم تدمير جهازها العسكري بالكامل. وكان خلق فوضى في بلاد ما بين النهرين الكبرى والتي تعد العراق جزءا منها لفترة طويلة شرطا للتوسع الإيراني. لكن قدرة طهران على الاستفادة من هذه الفرص محدودة بحدود جغرافية متأصلة. الحرب بين العراق وإيران في الثمانينيات تصلح كدليل مفيد في هذا الصدد. على الرغم من حقيقة أنه في الوقت الذي كان عدد سكان إيران يفوق سكان العراق بثلاثة أضعاف (38 مليونا في مقابل 13 مليونا) لم تستطع إيران فعل أي شيء حيال ورطتها في العراق. في حين كانت هناك أسباب كثيرة لذلك، فإن واحدة من أكثرها بروزا هو أنه على الرغم من أن جبال زاغروس في إيران هي مصدر قوة دفاعية ممتازة، إلا أنه يصعب من خلالها شن هجوم ساحق. الخدمات اللوجستية لدعم الجيش عبر زاغروس تعد معقدة ومكلفة، مما يجعل من المستحيل تقريبا دفع أعداد كبيرة من القوات من خلال سلسلة جبال.

تحليل

وقد ولدت الإمبراطوريات من قلب بلاد فارس من قبل. من المرجح أن الإمبراطورية الفارسية القديمة كانت في أوج قوتها قبل هزيمتها عام 479 قبل الميلاد من قبل اليونانيين. ولكي ترتفع الإمبراطورية الفارسية فقد احتاجت إلى تضافر كوكبة فريدة من الظروف. توحد الحلقة الجبلية من المراكز السكانية التي تشكل إيران بشكلها الحديث، وسيادة ما يكفي من الفوضى في بلاد ما بين النهرين الكبرى لتجعل من السهل بما فيه الكفاية إبراز القوة في سهول حوضي نهري دجلة والفرات من قبل جبال زاغروس. كانت هذه بالضبط الظروف التي أدت إلى قيام الإمبراطورية الفارسية القديمة والتي تم تكوينها ببطء في وقت لم تكن الحدود فيه قد تم رسمها بشكل صارم. وكان هناك القليل من المقاومة ذات المعنى من قبل الغرب. بدأ ظهور فارس ضمن تحالف إقليمي يهدف إلى تدمير الإمبراطورية الآشورية والتي سيطرت لقرون على الشرق الأوسط. وبعد عدة عقود، قام «قورش العظيم» بتوحيد المراكز السكانية في زاغروس قبل أن يقوم بغزو الإمبراطورية البابلية التي كان تسطر على نهري دجلة والفرات.

وجدت إيران نفسها في ذات الظروف المواتية في عام 2003، عندما تم القضاء على التهديد الإقليمي الرئيسي الوحيد مع غزو العراق. بدون عراق مستقر، فإن جميع بلدان شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، صارت هشة فجأة. وإدراكا منها للفراغ في السلطة الذي خلقه الغزو الأمريكي، فقد دعمت إيران العناصر الشيعية الموالية لإيران في العراق عام 2003 كما لعبت دورا أساسيا في تطوير الميليشيات الشيعية القوية في السنوات التي تلت ذلك. على أقل تقدير، وجدت إيران نفسها قادرة على إفشال تشكيل أي حكومة قوية معادية لإيران في بغداد. وفي الحد الأقصى، فقد صارت إيران تتحكم بشكل كامل في عدوها السابق.

ليس مثاليا تماما

كانت إيران مستعدة بشكل جيد من أجل الاستفادة من واقع سياسي جديد. وقد تحالفت الحكومة الإيرانية مع سوريا منذ قيام سوريا بدعم إيران ضد «صدام حسين» في الحرب العراقية الإيرانية. وأصبحت هذه العلاقة أقوى في التسعينيات والأعوام الأولى من الألفية.

الحرس الثوري الإسلامي، أو الحرس الثوري الإيراني تولى تدريب جنود المشاة الأولي للوكيل الإيراني الأكثر شهرة، حزب الله، الذي بحلول عام 2006 كان قد أصبح كيانا قويا بما فيه الكفاية لتحدي إسرائيل في حرب عام 2006 وليس البقاء على قيد الحياة فقط بل وتحقيق الازدهار أيضا. بحلول عام 2009، كان من الممكن أن نتخيل نفوذ الهلال الشيعي يمتد من طهران إلى البحر المتوسط.

وجاءت انتفاضة سوريا في عام 2011 لتحطم هذه الاستراتيجية، حيث تدور حرب أهلية يخوضها المتمردون السنة ضد الحكومة العلوية للرئيس «بشار الأسد» المدعوم من قبل إيران. . حزب الله، لا يخلو من مشاكل داخلية خطيرة، تحول تركيزه من كونه شوكة في خاصرة إسرائيل في القتال إلى جانب قوات «الأسد»، ولم يثبت أن دعمه قد يكون حاسما. خلقت الفوضى في سوريا أرضا خصبة للميليشيات والفصائل الصغيرة كي تتمكن من الظهور. ونتيجة لذلك، فإن الجهاديين السنة لتنظيم «الدولة الإسلامية» يمسكون الآن بأراض لولايات متلاحمة في سوريا والعراق. وكان على إيران أن تركز على تحدي سني محتمل لنفوذها في بغداد.

وفاق هام .. لكنه لا يغير الأمور على الأرض

في عام 2013، حددت «ستراتفور» فشل استراتيجية طموحة الهلال الشيعي الإيراني باعتباره واحدا من أسباب التعجيل بالانفراج والتي أدت إلى اتفاق فيينا في 14 يوليو/ تموز ما بين إيران والقوى الكبرى. «ستراتفور» يعتقد أن إيران لم ترغب حقا في الحصول على سلاح نووي ومن شأن إيران النووية أن تثير رد فعل عسكري من إسرائيل وربما من الولايات المتحدة. بدلا من ذلك، كانت استراتيجية طهران هي الاستفادة من خطر الحصول على السلاح النووي. مع رسم رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» خطوطا حمراء حرفية على ملصق في الأمم المتحدة ومع تركيز الولايات المتحدة لاهتمامها بشأن البرنامج النووي الإيراني، فقد تم تحويل الانتباه عن محاولات إيران لتأمين منطقة نفوذها.

أتت الاستراتيجية الإيرانية بنتائج عكسية. وضعت الأزمة الاقتصادية العالمية وضعف الاقتصاد الإيراني والعقوبات وهبوط أسعار النفط إيران مرة أخرى في موقف دفاعي. ومرت اللحظة الاستراتيجية المناسبة لعام 2003 ، وكانت إيران قد قررت أنها بحاجة إلى إعادة تنظيم صفوفها. تحول التركيز إلى تحقيق الاستقرار في كل من العراق والاقتصاد الإيراني. وأصبح الاستمرار في دعم وكلاء ضد السنة بما في ذلك «الأسد» في سوريا والحوثيين في اليمن يأتي في مرتبة ثانية. في نهاية المطاف، أصبح أكثر أهمية بالنسبة لإيران للتخلص من العقوبات الاقتصادية وأن يتم احتضانها من قبل المجتمع الدولي، تحتاج طهران إلى الانتقال من طرف العالم إلى عمقه حتى تتمكن من تحقيق أهدافها.

كان التقارب الأمريكي الإيراني متوقعا منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لذا لم يكن هناك أي رد فعل غير محسوب للإعلان عن الصفقة. هذا لا يعني رغم ذلك أن توقيع اتفاق 14 يوليو/ تموز كان أمرا هينا، كما لا يعني أيضا أن البيئة الاستراتيجية في الشرق الأوسط لا تزال كما هي قبل الاتفاق. تعمل إيران من موقع الضعف النسبي منذ سنوات من الآن، إلا أن الاتفاق النووي سوف يقوم بتغيير ذلك الوضع. وقد أشار بالفعل وزراء من فرنسا وألمانيا عن نيتهم ​​لزيارة إيران في المستقبل القريب، ولن يكونوا هم المسؤولين الوحيدين بهذا المستوى من الأهمية الذين سيكونون على استعداد للسفر إلى طهران. . من أوروبا إلى آسيا، تمثل إيران فرصة استثمارية كبيرة . في عام 2014، أنتجت ست دول فقط من النفط أكثر مما أنتجت إيران على الرغم من العقوبات الصارمة وتهالك منشآت الصناعة النفطية. سوف يستغرق الأمر عاما على الأقل قبل أن نرى فوائد ملموسة لتخفيف العقوبات في إيران، ولكن العملية قد بدأت بالفعل.

وعلاوة على ذلك، فإن الظروف الضرورية اللازمة لإيران لإبراز قوتها خارج حدودها الجبلية لا تزال مواتية. الشقوق في الدولة العراقية تزداد يوما بعد يوم، وحكومة إقليم كردستان تمارس الضغوط من أجل المزيد من الحكم الذاتي وكسر احتكار بغداد للنفط. القتال ضد «الدولة الإسلامية» يستعر في محافظة الأنبار ومناطق غرب بغداد ولا تزال سوريا متورطة في حرب أهلية. الاضطراب يسود في قلب الشرق الأوسط وسوف تحاول إيران الإفادة منه.

لدى الولايات المتحدة وإيران مصالح متقاربة في العديد من الأمور. صعود  «الدولة الإسلامية» يضر كلا الطرفين على حد سواء. وتحسن العلاقات يعني أن الولايات المتحدة وإيران سوف يجدان دوما قضايا مشتركة. لكن الاتفاق النووي لم يقترب من قريب أو بعيد إلى مناقشة الإرهاب الإيراني الذي ترعاه الدولة أو وكلاء إيران في جميع أنحاء المنطقة. تم فصل هذه القضايا عن قصد من المفاوضات النووية. تطمح إيران في نهاية المطاف إلى السيطرة على الشرق الأوسط. وفي بعض الأحيان فإن مصالح إيران ومصالح الولايات المتحدة سوف تكون متحاذية، لذا فإن إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» تخوض مقامرة محسوبة أن وجود علاقة شبه ودية مع إيران هو أفضل من طابع العداء الذي يطغى على العلاقات منذ عام 1979.

ولكنها مقامرة في النهاية. إيران لن تصبح حليفا للولايات المتحدة بين عشية وضحاها. على العكس من ذلك، فإن إيران تدفع من أجل مصالحها الخاصة حتى عندما تتصادم مع مصالح الولايات المتحدة. وهذا يعني الاستمرار في دعم الرئيس السوري «بشار الأسد» ضد المتمردين السنة والاستمرار في دعم حزب الله.  ووفقا لمصادر «ستراتفور»، فإن هذا الأخير قد يعني إقناع الغرب بقبول المزيد من النفوذ لحزب الله في لبنان. تحتاج طهران أيضا إلى دعم المتمردين الحوثيين في اليمن وتأجيج الاضطرابات الشيعية في دول الخليج.  وباختصار، فإن الوفاق المشترك قد يدفع إيران نحو العمل ولكن ليس بالضرورة نحو التعاون.


 

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي إيران الولايات المتحدة العراق سوريا

إيران تشتري بقـاء «بشار» بعـوائد الاتفاق النووي

«ستراتفور»: لماذا تبدو صراعات الشرق الأوسط مرشحة للتصاعد بعد الاتفاق النووي؟

«ميدل إيست بريفينج»: خلية «حزب الله» في الكويت جرس إنذار لما بعد الاتفاق النووي

الصفقة النووية الإيرانية: ما الذي تعنيه لدول المنطقة؟

«فورين بوليسي»: اتفاق إيران النووي يهدد توازن القوة الدقيق في الشرق الأوسط

الاتفاق النووي.. والاحتواء الخليجي

«أمانو» يشير إلى تقدم كبير في التحقق من أنشطة طهران النووية

مرشح للرئاسة الأمريكية يلوح بقتل «خامنئي» في حال حصول إيران على السلاح النووي

مجلس الأمن القومي الإيراني يقر الاتفاق النووي

«أوباما» يأمر ببدء إجراءات تعليق العقوبات المفروضة على إيران

«عراقجي» يتوقع تطبيق اتفاق إيران النووي قبل نهاية 2015

«رفسنجاني»: إيران فكرت في امتلاك السلاح النووي خلال حرب العراق

«روحاني» يشترط اعتذار واشنطن قبل استئناف العلاقات معا

«و.س. جورنال»: لماذا يجب على أمريكا أن تدعم السعودية في مواجهة إيران؟