عادت العلاقات السعودية البريطانية المثيرة للجدل مرة أخرى إلى دائرة الضوء أمس السبت بعد أن بينت الدوائر الحكومية أنها تصعد من جهودها من أجل الفوز بعقود عامة مربحة في البلاد.
وفي الوثائق التي حصلت عليها صحيفة «ذا أوبزرفر»، فقد شجعت الحكومة الشركات البريطانية من أجل تقديم عطاءات للحصول على عقود في مجالات الصحة والأمن والدفاع والعدل. كما تعرف هذه الوثائق أيضا المملكة العربية السعودية باعتبارها السوق صاحب الأولوية في مجال الأعمال التجارية.
ويأتي تكثيف الدوائر الحكومية البريطانية لجهودها من أجل الفوز بعقود مربحة في المملكة العربية السعودية في الوقت الذي تزايدت فيه الاختلافات حول قضايا حقوق الإنسان، مما أدى لانسحاب وزارة العدل البريطانية من عقد السجون مع المملكة خلال الأسبوع الماضي والذي بلغت قيمته 6 ملايين جنيه إسترليني.
«لقد أصبح من الواضع أن الوزراء يعكفون على علاقات أوثق من أي وقت مضى مع منتهكي حقوق الإنسان الأسوأ سمعة في العالم»، وفقا لـ«مايا فوا» مدير فريق مناهضة عقوبة الإعدام «الوزراء يجب أن ينظفوا أيديهم على وجه السرعة من الاتفاقات مع المملكة العربية السعودية أو أي حكومة قمعية أخرى».
توثق بريطانيا بشكل ملحوظ من علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، التي تتبنى تفسيرا متشددا للشريعة الإسلامية حيث تكون عقوبة الإعدام والعقوبات البدنية أكثر شيوعا، وقد صارت هذه الأمور تحت المجهر مرة أخرى بسبب نية السعودية تنفيذ حكم الإعدام في شابين معارضين.
كان كل من «علي النمر» و«داوود المرهون» في السابعة عشرة من العمر حين ألقي القبض عليهما في احتجاجات عام 2012 حيث تعرضا للتعذيب من أجل انتزاع الاعترافات. وقد أثارت كل من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة مخاوف بشأن الأحكام ولكن ذلك لم يمنع مسؤولي الحكومة من تعزيز مصالحهم بهدوء مع السعودية. في حين يرفضون الكشف علنا عن بواعث القلق المتعلقة بحقوق الإنسان أو وضعها في الاعتبار قبل الموافقة على الصفقات التجارية المثيرة للجدل. أبرمت العديد من العقود السعودية تحت مظلة السياسة المبهمة المعروفة بـالأمن الخارجي ومساعدة العدالة (OSJA) والتي تضمن أن أنشطة الأمن والعدالة في المملكة المتحدة «تتفق مع السياسة الخارجية القائمة على القيم البريطانية وأهمها حقوق الإنسان». وقد ذهب محامي وزير الخارجية إلى المحكمة لمنع إعلان هذه السياسات على الملأ.
من جانبه، وجه رئيس حزب العمال الجديد «جيرمي كوربين» رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني «ديفيد كاميرون» طالبا منه الالتزام بإجراء عمليات مراجعة مستقلة لعقود وعمليات (OSJA).
«من خلال إبرام الأعمال تحت غلاف من السرية، فإننا نخاطر بجعل عمليات (OSJA) أكثر مطاطية مما يفتح الباب لتورط المملكة المتحدة في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان» وفقا لما كتبه «كوربين».
قدمت المملكة المتحدة مبيعات أسلحة قدرت قيمتها بأكثر من 4 مليارات جنيه إسترليني منذ وصول المحافظين إلى السلطة في عام 2010، وفقا لبحث أجرته حملة مناهضة تجارة الأسلحة. نحو 240 من الموظفين المدنيين والعسكريين في وزارة الدفاع يعملون في بريطانيا والمملكة العربية السعودية من أجل دعم تلك العقود والحفاظ عليها. في عام المقبل سوف يتم تسليم 22 طائرة من طراز هوك في صفقة قيمتها 1.6 مليار جنيه إسترليني. أحد الأبحاث التي أجريت من قبل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أكد أن المملكة المتحدة هي الآن أكبر مورد أسلحة للمملكة، وأنها مسؤولة عن 36% من مجموع واردات الأسلحة السعودية.
مجتمع الأعمال في بريطانيا يرغب في الاستفادة من الأوضاع الهشة في الشرق الأوسط وفقا لما جاء في وثيقة يعود تاريخها على عام 2013 كتبها مسؤول في التجارة والاستثمار في المملكة المتحدة وهي الهيئة المكلفة بتعزيز المصالح التجارية وتحديد خطوط السياسات الكلية وحماية الأسواق من التضخم. أشارت البيانات إلى أن هيئة الدفاع عن التجارة والاستثمار (UKTI) قام بمغازلة السعوديين، وأن موظفي الخدمة المدنية قد التفوا وفود عسكرية سعودية خلال معرضة المملكة المتحدة لمنتجات الأمن والأسلحة الشرطية هذا العام والصيف الماضي في معرض فارنبورو الجوي. وكان من المقرر أيضا أن يلتقي موظفو الخدمة المدنية مع ممثلي السعودية في معرض كبير للأسلحة في دوكلاندز في لندن الشهر الماضي.
وتقدم هيئة الدفاع عن التجارة والاستثمار لمنح لدعم الأعمال، بما في ذلك بيع معدات الأمن، للمشاركة في المعارض الخارجية التي تستهدف الأسواق الناشئة، لاسيما المملكة العربية السعودية.
غير أن جماعات حقوق الإنسان لا تزال تتساءل حول إصرار المملكة المتحدة على بيع الأسلحة والمعدات الأمنية لنظام قمعي، في حين قررت الانسحاب من عقد السجون.
وتم إعدام أكثر من 100 شخص في الأشهر الستة الأولى من هذا العام في المملكة العربية السعودية وقال «أندرو سميث» من الحملة ضد تجارة الأسلحة: «إن النظام السعودي لديه سجل مروع في مجال حقوق الإنسان، ورغم ذلك فإنه لا يزال أكبر مشتر في العالم للأسلحة في المملكة المتحدة. كم عدد الأشخاص الذين تنتظر الحكومة البريطانية أن يتم قتلهم وتعذيبهم قبل أن تتخذ موقفا؟».
وكانت المخاوف المتعلقة بقضية «علي النمر»، ثم «كارل أندريه»، 74 عاما، وهو مواطن بريطاني تم الحكم عليه بـ350 جلدة بتهمة حيازة الكحول، هي التي دفعت وزير العدل، «مايكل غوف»، للانسحاب من عقد السجون، مما أثار خلافا مع وزير الخارجية «فيليب هاموند» الذي اتهمه بالسذاجة.
هناك تساؤلات حول صفقات أخرى بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية. أحدها مع الكلية الوطنية للشرطة التي وقعت مذكرة تفاهم سرية للمساعدة في تحديث وزارة الداخلية السعودية. كما وقعت المملكة المتحدة على مذكرة تفاهم مع الحكومة السعودية في عام 2011 بخصوص الرعاية الصحية.
«يبدو الأمر مدعاة للسخرية بالنسبة لبريطانيا أن تقوم بالعمل في مجال الصحية مع الحكومة السعودية في نفس الوقت الذي تبيعه معدات القمع والقتل» على حد قول «سميث». ووفقا لبيانات حقوق الإنسان فقد تم تنفيذ حكم الإعدام بحق ما يزيد عن مائة شخص في الأشهر الستة الأولى من هذا العام في المملكة العربية السعودية. ويدعي «ريبريف» أن هناك باكستانيين مدانان بعقوبة الإعدام ينتظران تنفيذ العقوبة في وقت قريب. وفقا لمحاميهما، فإن «محمد عرفان» و«سفير أحمد» ، تم نقلهم إلى المملكة من قبل رجال متنكرين في صورة «وكلاء التوظيف»، لأجل لعثور على عمل هناك. ويقول المحامي أنه قد تم إجبارهما على جلب المخدات إلى البلاد قبل أن يتم اعتقالهما من قبل الشرطة السعودية عند الوصول إلى البلاد. وقد حكم على كل منهما بقطع الرأس. ويعتقد أن الأحكام سوف يتم التمسك بها وأنهما يواجهان الآن خطر الإعدام الوشيك.