استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

من يتاجر بالدين؟!

السبت 28 نوفمبر 2015 02:11 ص

ربما لن تكون هذه المرة الأخيرة التي نكتب فيها عن الأذرع الدينية، رسمية وغير رسمية، التي تشكل ظهيرا دينيا للانقلاب في مصر. سنجد مناسبات عدة ومتعددة ومتكررة، يعاود فيها هؤلاء إبداء مواقفهم المهترئة، وخطابهم الديني المتهافت. وقد صدّع بعضهم رؤوسنا بكلام يحمل الاتهام بالاتجار بالدين من هؤلاء الذين كالوا وكادوا لـ"الإخوان المسلمين"، بأنهم تجار دين محترفون، يدخلون الدين في السياسة، ويخلطون عمداً بين مداخل السياسة بمفردات الدين.

وفي كل مرة، يخرج هؤلاء يمارسون أحط الخطاب، المؤشر ليس فقط على نفاقهم الاجتماعي والسياسي الرخيص، بل مشاركتهم الدنيئة في خطاب ومسار تأميم الدولة، وسلطاتها للدين ومساحاته، وجعلها تحت سيطرتهم، ولا تجري إلا من تحت أيديهم من جملة سيطرتهم الاستبدادية على مفاصل حياة الناس، ومصادرتها مصلحة سلطة فرعونية الهوى، استبدادية السياسات والخطابات.

منذ نجحت ثورة يناير في إطاحة حسني مبارك، وبعض رموز نظامه، دخل الخطاب الديني بتنوعات ممثليه، وتوجهاتهم في امتحان كبير: مع الثورة؟ مع الدولة؟ أيَّ قيم يعلي؟ وأي تصورات يطرح؟ وأي قوى يؤيد؟ وأي مواقف يتخذ؟ أين المبادئ الثابتة والمواقف المبدئية، وأين التقديرات الاجتهادية والمواقف المتغيرة؟ وأين المصالح وأين الارتباطات؟ وكيف تصاغ الفتاوى والرؤى والآراء في هذه الحال، وهكذا...؟

ما وقع في 3 يوليو/تموز 2013 في مصر هو إعلان انقلاب عسكري، مدعوم من مؤسسات الدولة المصرية وقطاع شعبي مختلف على حجمه، بين مهول ومهوّن، ضد أول رئيس مدني منتخب، الدكتور محمد مرسي. هذه واقعة إعلان الانقلاب، أما عملية الانقلاب نفسها فيمكن مدّ بدايتها إلى أشهر سابقة على هذا الإعلان، انعقدت فيها نية قوى سياسية وعسكرية وأمنية على إسقاط الرئيس إدارياً، ثم شعبياً، قبل أن يتم إعلان الانقلاب عسكرياً في التاريخ المذكور. وقد كان "الدين" حاضراً بوجوه مختلفة خلال هذه العملية، فضلاً عن تصدره المشهد يوم 3 يوليو/تموز 2013. فقد استعانت العملية الانقلابية، منذ بدايتها، بظهير ديني مسيحي ومسلم لمقاومة الرئيس المنتخب؛ وإظهار عدم التعاون معه، وفتح المجال أمام معارضته معارضة مفتوحة، والتلاقي مع منافسيه العلمانيين، وخصومه الفلول، ضمن جبهة كيد مناكفة واسعة، مع تجنب التلاقي مع أنصاره وتياره، وتصدير خطاب تشكيكي تفكيكي، تجاه سياساته وقراراته.

ومن ثم ناب هذا الظهير الديني عن القيادات العسكرية والأمنية، في عملية تبرير الانقلاب وتمريره باسم الدين، والمدافعة باسم الدين أيضاً عن نظام الانقلاب وخطواته بعد 3 يوليو، حتى لقد بدا هذا الظهير انقلابياً أكثر من العسكريين والأمنيين، وأقسى منهم أحكاماً، وأمضى منهم سبيلا. حتى كان إعلان الانقلاب، وتهليل بعضهم الجارف له، بل ومشاركتهم في مشهده التأسيسي الفاضح والكاشف.

ولكن طريقة توظيف الدين/الإسلام في خطاب هذه المؤسسة والقيادات الدينية الأقرب إليها، شهدت ظاهرة خطيرة جديرة بالتوقف؛ مفادها: التوظيف المباشر للخطاب الديني الإسلامي في تبرير الانقلاب وتمريره، والمدافعة عن ممارساته، والهجوم على خصومه، وما اشتمل عليه هذا التوظيف من استغلال مصادر وأساليب وأدوات شرعية، وقبل هذا وبعده، ما اشتمل عليه من: غايات هذه المؤسسات والقيادات ومنطلقاتها. 

تمثل الانتخابات أو الاستفتاءات، كلما حدثت، حالة نموذجية، لإبراز الدور الدنيء المتدني للظهير الديني للانقلاب، في إسناد سياسات الانقلاب وكوارثه، في سياق خطاب تمرير وتبرير، يصل إلى حد التزوير المتعمد والمعتمد من منظومة سلطة مستبدة باطشة، فلا يترك شيخ الأزهر فرصة في أية انتخابات تمر بها البلاد، تشريعية أو رئاسية، من دون أن يوجه حديثه إلى المواطنين بضرورة النزول للإدلاء بأصواتهم، فضلا عن توجيه اللوم إلى الممتنعين، مطلقاً، في كل مرة، اتهاماً جديداً من نصيبهم، كما أشار بعضهم، ففي انتخابات برلمانية هزلية، في هذا الشهر وسابقه، أدلى شيخ الأزهر بصوته في المرحلة الثانية للانتخابات التشريعية، وقال، في تصريحات تلفزيونية، إن مقاطعة الانتخابات في منزلة عقوق الآباء والأمهات، داعيا الجميع إلى أداء واجبهم الوطني، وطالب المواطنين، وخصوصاً الشباب، إلى النزول والمشاركة في الانتخابات البرلمانية، مشيراً إلى أن للوطن حقا على كل مصري، أثارت هذه التصريحات غضب النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وأكد أحد علماء الأزهر الشريف أن فتوى شيخ الأزهر الشريف، والتي اعتبر فيها أن من يقاطع التصويت في المرحلة الثانية للانتخابات البرلمانية كمن يعقّ والديه، لا تجوز شرعاً، وتعد تسييساً للدين، وإقحام عقوق الوالدين في هذا الأمر قياس في غير محله.

أما وزير الأوقاف ووزارته، فقد دعا إلى الاصطفاف خلف المنقلب، وأن الخروج عليه، أو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة "خيانة وعمالة واضحة" في مواجهة الإرهاب، وفي معركة البناء والتعمير، وقطع يد دعاة الفوضى والتخريب من الخونة والعملاء. وأضاف البيان الذي صدر باسم وزير الأوقاف "نؤكد، وبوضوح، أن أي دعوات للخروج على النظام هو رأس الخيانة الوطنية، وعمالة واضحة لأعداء الوطن، ومحاولات بائسة لإسقاط الدولة، يجب أن يتم التعامل معها بمنتهى الحسم".

ها هو الخطاب المعاد المكرّر الذي يشخصه الإمام ابن القيم، واصفا أحوال العلماء المضلين "كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها؛ فلا بد أن يقول على الله غير الحق، في فتواه وحكمه، لأن أحكام الله كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، لاسيما أهل الرئاسة، والذين يتبعون الشهوات، فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه... وعلماء السوء جلسوا على أبواب الجنة، يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقاً، كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة "قطاع طرق". 

هكذا نرى هؤلاء المطففين في أحكامهم، المزورين في مواقفهم المبرّرين في خطابهم، الممرّرين ظلم مستبديهم، يخرجون، المرة تلو المرة، يزينون لفرعون سوء عمله وخطابه وسياسته، مهما كان كارثياً، أو حتى مستهيناً بالنفوس والأرواح، بل لا يجدون غضاضة في لغة التحريض على إراقة الدماء، ويتحدثون بلغة النفاق الاجتماعي والسياسي الرخيص، المستند لمواقف دنيئة ورخيصة، لغة مكشوفة ومفضوحة. تجعلنا نتساءل بحق: من يتاجر بالدين؟ إنهم بحق لا يجيدون إلا أن يكونوا "قطاع طريق".

 

* سيف الدين عبد الفتاح كاتب وباحث مصري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة. 

  كلمات مفتاحية

مصر الانقلاب العسكري تسييس الدين ثورة يناير شيخ الأزهر

عدوى التعصب الديني

تحرير الدين