اليمن يتمزق .. مشهد بانورامي للحرب السعودية في اليمن

السبت 26 ديسمبر 2015 02:12 ص

اليمن الآن هو بلد محطم. هذه البلاد، التي أطلق عليها يوما ما من قبل الرومان اسم «أرض العرب السعيدة» بسبب الوديان الخصبة والزراعة الغنية، تتمزق الآن في الحرب.

وتقدر الأمم المتحدة أن ما يقرب من 6000 شخص قد قتلوا منذ بداية الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية منذ مارس/آذار من عام 2015 على أمل هزيمة المتمردين الحوثيين الذين استولوا على نصف البلاد.

ومع كونها أفقر دولة في العالم العربي، وهي الآن تواجه تضاؤل ​​احتياطيات النفط والمياه، فإن اليمن تواجه كارثة حقيقية. وقد تحطمت البنية التحتية الأساسية للبلاد، بينما يوشك اقتصادها على التحطم كليا في الوقت الذي يعتمد فيه ما لا يقل عن 80 في المائة من السكان على المساعدات الغذائية.

وتنقسم السيطرة على الأرض في اليمن ما بين المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق «علي عبد الله صالح» من ناحية، وما بين الجيوش الخليجية والقوات الموالية للرئيس الحالي «عبد ربه منصور هادي» من ناحية أخرى، كما أنها تشهد منافسة جهادية بين تنظيمي القاعدة و«الدولة الإسلامية».

وقد تم افتتاح جولة من محادثات السلام في ديسمبر/كانون الأول في سويسرا، ولكن في حال فشلت المفاوضات التي سيجري استئنافها في يناير/كانون الثاني، فإن الحرب في اليمن سوف تستمر خلال عام 2016 وما بعده.

كيف بدأ مسلسل الأخطاء؟

في عام 2011، شهدت اليمن احتجاجات الربيع العربي، جنبا إلى جنب مع مصر وتونس والبحرين وليبيا وسوريا. نتيجة لقلقها من أن الاحتجاجات يمكن أن تخرج عن السيطرة أو تمتد إلى خارج الحدود، فقد توسطت دول الخليج العربية في صفقة تم بموجبها إبعاد الرئيس الأسبق «علي عبد الله صالح» ليحل محله الرئيس الحالي «عبد ربه منصور هادي». إلا أن الرئيس الأسبق لم يستسلم إلى لتقاعد بهدوء ويغادر البلاد، وبدلا من ذلك قد بقي في اليمن يدبر المؤامرات من أجل تقليص فرص الرئيس الجديد في النجاح. 

في عام 2014، ألقى «صالح» دعمه خلف المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، ما مكنهم من السير دون مقاومة تقريبا وصولا إلى العاصمة اليمنية صنعاء، وبحلول يناير/كانون الثاني من العام 2015 كان الرئيس «هادي» قد فقد السلطة تماما وهرب إلى المنفى في المملكة العربية السعودية حيث لا يزال هناك إلى اليوم. وفي مارس/أذار عام 2015، كان الحوثيون قد استولوا على كامل مدن غرب اليمن، حيث يتركز معظم السكان.

نظر السعوديون وحلفاؤهم إلى هذا الأمر بمثابة استيلاء للإيرانيين على هذه المناطق، وتعاظمت مخاوفهم من أن إيران على وشك السيطرة على ميناء عدن، المدخل الاستراتيجي للبحر الأحمر، والذي تمر من خلاله آلاف السفن في كل عام.

بالنسبة للسعوديين، فقد كان هذا تجاوزا للخطوط الحمراء لذا فقد قرروا التحرك، في مارس/أذار بدأت السعودية في شن حملة جوية مكثفة تستهدف كلا من المتمردين الحوثيين وأعوانهم من الوحدات الموالية للرئيس المخلوع «صالح». وقد كان السعوديون يتوقعون أن ضرباتهم النارية سوف تدفع الحوثيين سريعا نحو طاولة المفاوضات. ولكن وبعد مرور 9 أشهر، لا يزال الحوثيون يفرضون سيطرتهم على معظم العاصمة صنعاء وأجزاء كبيرة من شمال البلاد.

اليمن لديها الآن عاصمتين فعليتين هما صنعاء وعدن. وقد وتعثرت قوات التحالف التي تقودها السعودية في حرب غير حاسمة، ولا يبدو في الأفق أن لها نهاية واضحة.

تكلفة مروعة

وقد جاءت الخسائر البشرية والدمار الذي أصاب البنية التحتية مروعين بشكل كبير. وفقا لجماعات حقوق الإنسان، فإن كلا الجانبين قد تورطا في الانتهاكات، والتي قد يرقى بعضها إلى مستوى جرائم الحرب. تم الإبلاغ عن أكثر من 2500 مدني سقطوا كقتلى معظمهم في الغارات الجوية. التحالف الذي تقوده السعودية متهم باستخدام 4 أنواع على الأقل من القنابل العنقودية، إضافة إلى إسقاط القنابل على منازل المدنيين والمستشفيات والمصانع ومحطات التعبئة.

وتصر المملكة العربية السعودية على أنها تنتقي أهدافها العسكرية بعناية. ولكن كانت هناك روايات عديدة من اليمنيين على الأرض أفادت أنه تمت مهاجمة بعض المواقع السكنية التي تخلو من أي تواجد للحوثيين. ودعت جماعات حقوق الإنسان لقطع مبيعات الأسلحة الغربية إلى المملكة العربية السعودية حيث تستخدم قواتها طائرات وصواريخ أمريكية وبريطانية الصنع، بينما تقوم ناقلات الوقود الأمريكية بإمداد هذه الطائرات. كما أن مستشاري الاستخبارات الأمريكية يقفون بجوار السعوديين في مراكز العمليات.

ويتهم المتمردون الحوثييون بقصف المناطق السكنية بشكل عشوائي، إضافة إلى زرع الألغام واحتجاز المدنيين من السكان بغير تهمة. وقد تمت إعاقة توزيع المواد الغذائية بسبب القتال والحصار الجزئي للموانئ اليمنية ما دفع وكالات المعونة للتحذير من الخطر المتزايد من سوء التغذية وتفشي الأمراض إذا استمرت الحرب لفترة أطول.

الصورة الاستراتيجية

ويرى البعض أن الصراع في اليمن هو حرب بالوكالة الطائفية بين الخصمين الإقليمين الأكبر في الشرق الأوسط وهما المملكة العربية السعودية وإيران. المملكة العربية السعودية هي دولة ذات أغلبية سنية مع أقلية شيعية في الشرق تشتكي من التمييز. بينما إيران بلد ذات أغلبية شيعية، وهما يتنافسان على السيطرة والتأثير في خريطة الشرق الأوسط سريعة التغير.

وحتى ما قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، كانت البلاد الغنية بالنفط تحكم من قبل السنة تحت قيادة «صدام حسين». لم يكن حكام الخليج العربي يهتمون به كثيرا، ولكنهم كانوا ينظرون إلى العراق بوصفه حصنا منيعا في مواجهة إيران ومساعيها لتصدير ثورتها الإسلامية.

واليوم تحكم البلاد من قبل الشيعة، وترتبط بعلاقات وثيقة جدا مع طهران. سوريا، التي تمزقها الحرب الأهلية، لا تزال تحكم اسميا من قبل رئيسي شيعي مدعوم من طهران، في حين تقع لبنان بشكل فعلي تحت سيطرة ميليشيا حزب الله.

وبالتالي فإن السعوديين يشعرون بالهلع من أن يتم تطويقهم من قبل الهلال الشيعي الذي يمتد من أفغانستان غربا إلى البحر المتوسط. ولم يكن من المقبول بالنسبة إليهم تقبل مجرد احتمال أن اليمن سوف يشكل جزءا من هذا المجال الشيعي للنفوذ، وهذا هو سبب التزامهم تجاه الحرب في اليمن رغم عدم وجود نهاية واضحة في الأفق.

المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين يظهرون الآن اهتماما أكير تجاه ما يحدث في اليمن أكثر من سوريا. في الممارسة العملية، فقد تمت ترجمة هذا الأمر في صورة تقليص المشاركة الخليجية العربية في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

الحملات العسكرية

هذا الموقف الجديد الأكثر عدوانية من قبل زمرة الحكم في المملكة العربية السعودية قد فاجأ العديد من الناس. وعلى الرغم من مليارات الدولارات التي تنفق على شراء الأسلحة على مر السنين، فإن السعوديين لم يخوضوا حربا منذ أن توحدت القبائل في عام 1932.

عندما غزا الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين» الكويت في عام 1990، فإن بعض الأمراء السعوديين قد اقترحوا صفقة يتم من خلاله شراء خروجه من الكويت. تقليديا، كان السعوديون يفضلون دبلوماسية التفاوض الهاديء والتسويات المدعومة بالمال، بدلا من السعي نحو المواجهة. ولكن ذلك النهج قد تغير بشكل كبير منذ يناير/كانون الثاني لعام 2015 عندما تولى الملك «سلمان» السلطة، ومنح الكثير من القوة والنفوذ إلى نجله عديم الخبرة البالغ من العمر 29 عاما الأمير «محمد بن سلمان». كان «بن سلمان» هو أصغر وزير دفاع في العالم حين أعطى الضوء الأخضر لشن الحرب ضد الحوثيين.

اليوم، فإن القوات السعودية تتواجد على الأرض في اليمن، جنبا إلى جنب مع الإماراتيين والبحرينيين ومزاعم عن وجود مصريين وسودانيين إضافة إلى مرتزقة كولومبيين. في سبتمبر/أيلول، أسفر هجوم صاروخي استهدف قاعدة لقوات التحالف عن مقتل46  جنديا إماراتيا إضافة إلى العديد من البحرينيين والسعوديين.

دولة الإمارات العربية المتحدة لديها بعض الخبرة في الحملات الحربية (إرسال قوات إلى الخارج للقتال)، بعد أن شاركت في كل من كوسوفو وأفغانستان. ولكن بالنسبة للسعوديين، فإن الحرب في اليمن هي مغامرة جديدة محفوفة بالمخاطر.

سوف ينظر إلى أي صفقة يمكن أن يترك المتمردين مسيطرين على صنعاء والمنطقة المحيطة بها على أنها فشل للسعوديين وقوات التحالف، وهو الشيء الذي يمكن أن يكون له عواقب سلبية على وزير الدفاع الشباب. ولكن تشير التقارير الواردة من اليمن أن انقسامات ظهرت بين المتمردين الحوثيين وأنصار «صالح». هناك دلائل على أن بعض قادة الحوثيين يريدون جلب هذه الحرب إلى نهاية سريعة، في حين أن آخرين يريدون مواصلة القتال.

الوضع في اليمن هو أكثر تعقيدا من أي وقت مضى. يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار ثم يتم خرقه، ويتم عقد محادثات السلام ثم تنتهي إلى لا شيء. يتم توريط المزيد والمزيد من البلدان في هذا المستنقع. ومع عدم وجود فائز واضح، فمن الواضح أن سكان اليمن المحاصرين يبرزون بوصفهم الخاسر الأكبر في هذه الحرب.

 

  كلمات مفتاحية

اليمن السعودية علي صالح عاصفة الحزم إيران

الانقلابيون والشرعية اليمنية إلى «جنيف 2»

اليمن.. الخصومات مع الإصلاح

«ذي إيكونوميست»: اليمن .. بين السعوديين والحوثيين والجهاديين

البحث عن حل سياسي .. هل فشل التدخل العسكري السعودي في اليمن؟

من الذي رهن اليمن في بورصة المساومات؟

عن اليمن الذي دمرته أحلام الولي الفقيه ولا تزال

اليمن بين طريقين

«و.س. جورنال»: الولايات المتحدة تدرس تعزيز دعمها العسكري لحرب السعودية في اليمن