«ناشيونال إنترست»: القمع والتطرف يدفعان الإسلام السياسي إلى هامش المشهد في الشرق الأوسط

الأحد 3 يناير 2016 11:01 ص

خلال العام الماضي، أصبح الفضاء السياسي للإسلام اللاعنفي أكثر ضيقا، حيث تم اعتصاره بين مطرقة القمع من قبل الأنظمة من ناحية، وسندان العنف المتطرف من ناحية أخرى، حيث خفت صوت هذا التيار بشكل كبير، وربما يكون قد تم القضاء عليه في عام 2015.

الأحزاب المعتدلة تم تهميشها في مصر والجزائر والأردن والمغرب، وفي سوريا وليبيا واليمن وفلسطين فإن القوى المسلحة قد قامت بتهميشهم وربما مهاجمتهم في كثير من الأحيان.

بالنسبة للكثيرين داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط، فإن صعود نفوذ «الدولة الإسلامية» قد أفقد النسخة السلمية للإسلام السياسي الكثير من مصداقيتها.

هناك استثناءان في هذا الصدد: في تركيا، حصل على حزب «العدالة والتنمية» على أغلبية برلمانية متينة في انتخابات نوفمبر/ تشرين الأول، في تحول كبير عن نتائج الانتخابات التي جرت قبل ذلك بأشهر قليلة، والتي كانت قد شهدت تحولا حادا ضد الحزب.

عزز الرئيس «رجب طيب أردوغان» سلطته، وربما يحاول تعديل الدستور من أجل تعزيز صلاحياته التنفيذية، وفي تونس انضم حزب حركة «النهضة» إلى الائتلاف الحاكم، بعدما حل في المرتبة الثانية خلال الانتخابات التي أجريت في أواخر عام 2014.

ولكن «الدولة الإسلامية» وتنظيم «القاعدة» قد سرقا معظم الأضواء في فضاء الجدال السياسي الإسلامي، حيث قامت هذه المجموعات وأفرعها بشن هجمات في جميع بلدان الشرق الأوسط تقريبا خلال العام الماضي، من تفجيرات في لبنان واليمن ومصر والمملكة العربية السعودية وتونس وتركيا، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص.

كما أطلقت «الدولة الإسلامية» هجماتها في الغرب أيضا، حيث قتل أنصار «الدولة الإسلامية» قرابة 120 شخصا في باريس، و14 شخصا في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا.

هذه الاتجاهات هي نذير سوء للجماعات الأكثر اعتدالا خلال عام 2016 وما بعده، وللأمن في المنطقة ككل.. سوريا وليبيا واليمن هي المناطق الأكثر عرضة للتأثر على الرغم من مبادرات السلام الجديدة.

ولم تكن الميليشيات المتطرفة التي تسيطر على مساحات من الأراضي في جميع الدول الثلاث جزءا من مفاوضات السلام، ومن غير المرجح أن يكونوا متعاونين إذا قدر النجاح لهذه المفاوضات، وفي الوقت نفسه، أصبحت مصر وتركيا تمارسان القمع على نحو متزايد ضد مجموعة واسعة من جماعات المعارضة، مبررة الحملات القمعية كرد فعل على التطرف الإسلامي.

الأحزاب الإسلامية

تهميش الأحزاب الإسلامية يعد انتكاسا للفرص السياسية غير المسبوقة التي قدمها لها الربيع العربي في عام 2011.

«الإخوان المسلمون» في مصر، الأب الأيدولوجي للعديد من الأحزاب الإسلامية، والذين فازوا بمقعد الرئاسة والنصيب الأكبر من مقاعد البرلمان، قد تم إقصاءهم من السلطة، كما تم تصنيفهم كمنظمة إرهابية خلال عام 2013.

وبحلول نهاية عام 2015، كانت الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة قد تمت الإطاحة بها، إما عبر خسارة الانتخابات، أو حظرها، أو اختيارها طوعا مقاطعة العملية السياسية في ظل أنظمة تتحامل ضدها بشكل متزايد.

في مصر، فاز حزب «النور» السلفي باثني عشر مقعدا فقط في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2015 انخفاضا من حصته البالغة 121 مقعدا في انتخابات عام 2011.

حركة «مجتمع السلم» الجزائرية قد دمرت جزءا كبير من مصداقيتها من خلال تعزيز علاقاتها مع جبهة التحرير الوطني الحاكمة، وتم إضعاف حزب جبهة «العمل الإسلامي» في الأردن بفعل شقوق داخلية عميقة.

حزب «العدالة والتنمية» في المغرب، وإن كان لا يزال أكبر حزب في البرلمان، إلا أن نفوذه السياسي لا يزال محدودا بشكل كبير.

بعد تراجعه إلى المركز الثاني في الانتخابات التي جرت في عام 2014، دخل حزب النهضة التونسي في حكومة ائتلافية مع حزب نداء تونس، وهو الحزب العلماني الذي فاز بالكتلة الأكبر ضمن مقاعد البرلمان.

ومثل حزب «العدالة والتنمية» في تركيا شذوذا آخر، حيث وجهت أحزاب المعارضة ضربة قوية للحزب في انتخابات يونيو/حزيران، ولكنها فشلت في تشكيل حكومة، ونجح الحزب الحاكم في استعادة أغلبيته البرلمانية خلال الانتخابات المبكرة التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني.

تركت الصراعات أيضا مساحة محدودة جدا للأحزاب السياسية الإسلامية، عاد المئات من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» إلى سوريا خلال عام 2015 من أجل حشد المعارضة ضد «بشار الأسد»، ولكنهم كافحوا من أجل الحصول على الدعم المالي وتجنيد المقاتلين في مواجهة الميليشيات.

حزب «الإصلاح» اليمني، فرع آخر للإخوان المسلمين، والذي كان يسيطر أيضا على عشرات المقاعد في البرلمان، وأحد أعضائه هي «توكل كرمان»، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام في عام 2011 بسبب دفاعها عن المرأة قبل وأثناء الربيع العربي، كثير من أعضاء الحزب يعيشون الآن في المنفى بسبب الصراع بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين.

المجموعات المتطرفة

في عام 2015، واجه كل بلد في المنطقة تقريبا، بغض النظر عن سياسته، معضلة التعامل مع الميليشيات، سواء من تنظيم «القاعدة» أو «الدولة الإسلامية»، في بعض البلدان، كان المتطرفين الإسلاميون يحاربون بعضهم البعض.

تطورت «الدولة الإسلامية»  إلى شبكة من الفروع تتواجد في ثمانية بلدان على الأقل، وتوسعت إلى أبعد من مركزها في العراق وسوريا، وبحلول أواخر عام 2015، كانت «الدولة الإسلامية»  قد أسست فرعا قياديا مخصصا لتسهيل الهجمات خارج حدود خلافتها المزعومة.

في ليبيا، قام أنصار «الدولة الإسلامية»  هذا العام بقطع رؤوس المسيحيين المصريين وتفجير السيارات المفخخة ومهاجمة السفارات الأجنبية، وفي اليمن، قتلت «الدولة الإسلامية»  مئات الأشخاص في هجمات على مساجد الحوثيين في مارس/أذار، وسبتمبر/أيلول.

أما في غزة، فقد تعهد أنصار «الدولة الإسلامية» بإسقاط حركة حماس، وفي لبنان، فقد تسبب زوج من الهجمات الانتحارية في بيروت في مقتل أكثر من 40 شخصا في نوفمبر/ تشرين الثاني.

وحتى البلدان المستقرة نسبيا لم تكن في مأمن من هجمات «الدولة الإسلامية»، ففي تركيا، ادعت «الدولة الإسلامية»  مسؤوليتها عن قتل أكثر من مائة شخص في مسيرة السلام في أنقرة في أكتوبر/ تشرين الأول.

وفي تونس، قتلت «الدولة الإسلامية»  السياح في متحف باردو ومنتجع الشاطئ في سوسة، وفي وقت لاحق، فقد قامت باستهداف حافلة تقل قوات الحرس الرئاسي.

وشهدت مصر ما معدله 115 هجمة إرهابية من قبل المتطرفين الإسلاميين شهريا ما بين يناير/كانون الثاني، وأغسطس/آب الماضيين.

وكان الاتجاه الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للتنظيم يكمن في تحوله الواضح نحو مهاجمة أهداف غربية، بالإضافة إلى الهجمات في نوفمبر/ تشرين الثاني في باريس، وفي ديسمبر/ كانون الأول في ولاية كاليفورنيا، فقد ادعت «الدولة الإسلامية»  مسؤوليتها عن تفجير طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية في أكتوبر/تشرين الأول، مما أسفر عن مقتل 224 شخصا كانوا على متن الطائرة.

التنافس المحموم بين «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» يزيد من تعقيد الأزمة.. لأكثر من عقدين من الزمان كان تنظيم «القاعدة» يهمين على الساحة الجهادية في الكثير من أنحاء العالم، ولكن بعد استبقت «الدولة الإسلامية»  تنظيم «القاعدة» بإعلان الخلافة العالمية في عام 2014، فإن العديد من الأفرع السابقة التابعة للتنظيم، مثل جماعة بوكو حرام في نيجريا وأنصار بيت المقدس في مصر، قد انحازت إلى «الدولة الإسلامية»، وتؤدي المنافسة بين القاعدة و«الدولة الإسلامية»  إلى المزيد من العنف سواء بين الجماعتين أو ضد الآخرين.

مع تحول الجماعات المتطرفة لتصير أكثر عنفا واستقطابية من أي وقت مضى، وتحول الأنظمة إلى نهج أكثر قمعية، فإن الأحزاب السياسية الإسلامية غير العنيفة ربما تجد نفسها تدفع إلى أطراف المشهد السياسي في العام المقبل، الموسم المروع للإسلام السياسي يبدو أنه لم ينته بعد.

  كلمات مفتاحية

الإسلام السياسي الإخوان المسلمين القمع سوريا مصر تركيا حزب الإصلاح حركة النهضة

تحولات كبرى في مسار حركات الإسلام السياسي

هل نشهد فشل «الإسلام السياسي»؟

الحركات الجهادية العنيفة ولدت من العولمة.. وليس من الإسلام السياسي

إنها الديموقراطية... لا الإسلام السياسي

الوليد بن طلال: لدينا مشكلة مع الإسلام السياسي

«كي مون»: الأغلبية العظمى من ضحايا التطرف هم مسلمون