«تيسير النجار».. المختفي قسريا في الإمارات

الجمعة 5 فبراير 2016 04:02 ص

أعادت حادثة اختفاء الصحفي الأردني، «تيسير النجار»، في دولة الإمارات، التذكير بموضوع الاختفاء والإخفاء القسري في بعض الدول العربية، بحس ما أفاد به تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد.

وكشفت المعلومات الشحيحة المتاحة، والتي توفرت من زوجته المقيمة في عمان، عن قيام السلطات الأمنية في أبوظبي، حيث يعمل، بمنعه من السفر إلى عمّان في 3 ديسمبر/ كانون أول 2015، لتعتقله في 13 من الشهر نفسه. 

ويسود اعتقاد، غير دقيق، مفاده بأن معرفة الجهة التي أوقفت الصحفي الأردني يزيل صفة الإخفاء القسري عن هذه الحالة.

وجملة الأسباب التي تجعل من هذه الحالة إخفاء قسريا تتجلى في العناصر الثلاثة التي وضعها فريق الأمم المتحدة المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي، والتي من شأن هذه الحالة التوافق مع متطلباتها، وهذه الأركان: الحرمان من الحرية ضد إرادة الشخص المعني؛ وضلوع مسؤولين حكوميين، على الأقل بالقبول الضمني؛ ورفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده. 

وبصرف النظر عن أي خلفية للجوء السلطات الأمنية إلى إخفاء «تيسير النجار»، فإنها، وفي المقام الأول، وعند توقيفها له، لم تعلن عن صدور أوامر من جهات قضائية باعتقاله أو توقيفه. والأصل أن يتم التوقيف بناء على مذكرة قضائية وفقا للأصول المتبعة، وبما يضمن أن يتوفر إشراف قضائي على مسار التحقيق، والتوقيف، وتوجيه الإتهام. 

وإذا كانت السلطات الأمنية في الإمارات قد أوقفت النجار احتياطيا على سبيل المثال، فذلك لا يعفيها من تبيان سبب التوقيف، وإعلانه وإشهاره، على الرغم من أن التوقيف الاحتياطي، أو الاعتقال الإداري، ليس على الإطلاق منسجماً مع المبدأ الذي ينص على افتراض البراءة إلى حين ثبوت التهمة أو الجرم المنسوب، بل على العكس تماماً، فمن شأن الاعتقال الاحتياطي تقويض أهم أسس سيادة القانون، والقائمة على ضمان توفير محاكمة عادلة للمتهمين. 

ومما يعزز من ثبوت صفة الإخفاء القسري أن التوقيف لم يترافق مع إبلاغ الأسرة، أو على الأقل الهيئة الدبلوماسية التي ترعى مصالح الصحفي المعني، بمكان احتجازه ومدتها وسببها وطبيعة التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية معه.

وعلى افتراض اغتراب «تيسير النجار»، بمعنى وجوده في بلد هو ليس مواطنا فيها، وبما قد لا يجعل من توفر الأقارب أو الأهل ممكنا، فيتوجب على السلطات القيام بأقصى المساعي لإبلاغ سلطات البلد الذي يتبع له الشخص المعني بتوقيفه، وسبب توقيفه، وطبيعة الإجراءات المتخذة في القضية. 

ولا سبب على الإطلاق يدعو إلى اعتبار الصحفي الأردني مفقودا، طالما هو موجود بحوزة السلطات في الإمارات، إلا أن غياب أي دليلٍ على تمكينه من توكيل محامٍ للدفاع عنه والتماس المشورة القانونية، والطعن على سبب توقيفه أمام جهاتٍ قضائية مسؤولة، يجعل من هذه السلطات مسؤولةً عن إخفائه قسراً، وبما يتوافق مع الأركان التي وضعها فريق الأمم المتحدة لتعريف الإخفاء القسري. 

وفي ظل أن الفترة التي قضاها «النجار» في الإخفاء القسري طويلة نسبيا، تسود مخاوف من تعرضه إلى سوء المعاملة والتعذيب، كون الإخفاء القسري، بحد ذاته، ممارسة تخرج عن إطار القانون، وطالما أن الحادثة ابتدأت بضرب القانون بعرض الحائط، فلا ضمانات من أن أشكالا أخرى لانتهاك القانون قد لا تحدث في أثناء التوقيف. 

ليست دولة الإمارات العربية المتحدة طرفا في الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي دخلت حيز التنفيذ في 23 ديسمبر/كانون أول 2010.

وليس في ذلك ما يجعل من ممارسة سلطاتها الإخفاء القسري أمرا شرعيا أو قانونيا.

بل على العكس، فاللجوء إلى إخفاء الأشخاص قسرا يعني، بالضرورة، انتهاكا بالغا لحق الفرد في عدم التعرض للاعتقال التعسفي، أي الاعتقال بدون موجب قانوني؛ كما يحرم الفرد من الحق في الاستعانة بدفاعٍ قانوني أو محامٍ؛ ويحرمه من الحق في محاكمةٍ عادلةٍ ومُنصفة، ويجرّده من أي ضماناتٍ يوفرها القانون، لعدم التعرّض للتعذيب أو المعاملة القاسية واللا إنسانية. وكل هذه أمورٌ تتداخل مع بعضها، لتشكل حجر الأساس لالتزامات جميع الدول، بما فيها الإمارات، في مجال حماية الحق الإنساني. 

وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات في الإمارات إلى الإخفاء القسري، ولعل أبرز حادثة، احتجاز الأكاديمي الإماراتي، «ناصر بن غيث»، في 18 أغسطس/ آب 2015 في مكان سري غير معروف، حتى هذه اللحظة، دون الإبلاغ عن سبب احتجازه، أو التهم الموجهة إليه، أو تمكين أي أحد من التواصل معه، ما دفع منظمة العفو الدولية، في وقت سابق من العام المنصرم، للإعراب عن خشيتها من أن يكون عُرضةً «لخطر التعذيب، وغيره من صنوف المعاملة السيئة على أيدي جهاز الأمن في البلاد».

* فادي القاضي خبيرٌإقليمي، من الأردن، في مجالات حقوق الانسان والإعلام والمجتمع المدني.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

اختفاء الصحفي الأردني تيسير النجار الإمارات الاختفاء والإخفاء القسري الدول العربية سُلطات أبوظبي الأمنية اتفاقية الأمم المتحدة

تشكيل لجنة إعلامية في الأردن لمساندة الصحفي «النجار» المعتقل بالإمارات

صمت إماراتي حول مصير الصحفي الأردني «النجار» المختفي منذ 50 يوما

اختفاء قسري لصحفي أردني بالإمارات منذ 40 يوما

إدانات حقوقية لقرار حبس صحفي أردني بتهمة نشر تفاصيل «المخطط الإيراني»

إيقاف صحفي أردني خرق حظر النشر في قضية عميل «فيلق القدس»

الإمارات تؤجل محاكمة لبنانيين متهمين بتشكيل خلية لـ«حزب الله»

«رايتس ووتش» تطالب الإمارات بإطلاق سراح أكاديمي وصحفي انتقدا «السيسي»

لجنة أردنية من الصحفيين والمحامين لمتابعة قضية «النجار» المعتقل في الإمارات