استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

نحو مشروع لتسديد بوصلة الأمة

الأربعاء 4 مايو 2016 05:05 ص

ما الخطر الأكبر الذي يتحدى أمة العرب اليوم؟ أهو التطرف؟ أم الإرهاب؟ أم التبشير المذهبي؟ أم الاحتلال؟ أم الاستبداد؟ من المؤكد أن الإجابة على هذه التساؤلات ستكون بالترتيب الذي قدمت به، مع شيء من الاختلاف في تصنيف الثلاثة الأولى. وسيظل الاستبداد في أسفل القائمة لدى الكثيرين لأسباب عديدة.

أولها غياب القادة السياسيين والدينيين الملهمين من ذوي النظرة التحررية والوعي العميق.

ثانيها: أن الإعلام العربي بشكل عام موجه لعدم التطرق لقضايا الاستبداد والحرية، وهو مؤثر جدا برغم الانتقادات التي توجه له.

ثالثها: أن حالة مسخ شديدة تعرض لها العقل العربي، بمستوييه الشعبي والنخبوي، فلم يعد معنيا بالبعد الانساني الذي يشجع الحرية ويروج التعددية والتعايش.

رابعها: أن ظاهرة «التأميم» لكافة الجوانب الحياتية والفكرية أصبحت شاملة، فلم يترك للشعوب شيء من القدرة على صياغة الموقف أو صنع القرار، أو الاعتراض على السياسات الرسمية.

خامسها: أن الدولة تحولت إلى مارد يسيطر ليس على حياة البشر فحسب، بل على الأفكار والمشاعر.

سادسها: أن سياسة «الاستنطاق» هي الأخرى تغولت لدى هذا المارد الذي لم يعد يقبل صمت المواطن، بل أصبح يستنطق الفرد ثم يحاسبه على ما يقول، وتصدر الأحكام القاسية ضده فيما لو عبر عن ذلك على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي. ما سبب هذا التغول؟

كانت حقبة العقدين اللذين سبقا ثورات الربيع العربي حافلة بفعاليات فكرية وسياسية خصوصا في أوساط المنفيين السياسيين في الغرب. ونجم عن ذلك حالة انصهار غير مسبوقة للافكار والرؤى، وأزيلت الحواجز المصطنعة بين الأفراد والنخب. في خضم ذلك السجال كان هناك وضوح رؤية لدى الكثيرين. فمثلا كان قيادي مثل الشيخ راشد الغنوشي يكرر مقولة ثابتة: الاستبداد هو الخطر الأكبر على الامة.

وساهمت السجالات الفكرية والدينية في تأصيل فكرة الحرية والشورى والبعد الإنساني في الإسلام، ووحدة الامة، وواجب التحرر من الاحتلال والتصدي للهيمنة الغربية.

هذه قيم كان لها دورها في بلورة الخطاب الذي انطلق باتجاه بلدان العالم العربي المحكومة بالديكتاتورية. في تلك الحقبة لم تكن أصابع الاستبداد قد تمكنت من تحقيق موطىء قدم في الغرب. وحتى الآن ما تزال تلك المحاولات تصطدم بسياسات الدول الغربية التي تسعى لمنع وصول التطرف والإرهاب اليها.

كانت مقولة الشيخ الغنوشي تلامس الحقيقة وتساهم في توجيه النشء نحو اهداف كبرى كالقضاء على الاستبداد وتحرير اراضي العرب والمسلمين من الاحتلال وتطهيرها من الهيمنة الاجنبية. ومن عاش تلك الحقبة لم يكن يتوقع ان يرى الواقع الذي تعيشه الامة اليوم.

قوى الثورة المضادة كانت تعمل للهيمنة على الشارع العربي ومنعه من القيام بدور مستقل لاختيار انظمة الحكم التي يريدها. فقد كانت تجربة الجزائر المرة التي اعقبت الانقلاب على الخيار الديمقراطي في 1992 مريرة ورادعة لمن تسول له نفسه بالسعي للتغيير. المفاجأة حدثت عندما انطلقت ثورات الربيع العربي. ردة فعل قوى الثورة المضادة لتلك الظاهرة كان حاسما.

فقد استخدمت ابشع وسائل القمع لاطفاء شعلة الثورات ووقف التغيير الذي كان يبدو محتوما.

هذه المرة كانت تلك القوى تخطط لما هو ابعد من القمع المادي الذي تجاوز المستويات السابقة في التوحش. وما حدث بعد الضربات الاولى للثورات يفوق كثيرا ما حدث خلالها.

فبالاضافة للقتل الجماعي في شوارع عواصم الثورات، وفتح السجون على مصاريعها لاستقبال عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين، والافراط في اساليب التعذيب، تبنت قوى الثورة المضادة مشاريع فكرية لضرب العقل التحرري لدى شباب الامة وقياداتها.

مع الاسف الشديد حققت هذه المشاريع قدرا كبيرا من اهدافها. ومن مصاديق ذلك ما يلي:

أولا: تراجع الاهتمام بقضية فلسطين فلم تعد اولوية لدى الكثيرين، وتراجع معها مشروع التحرير.

ثانيا: اصبح التواصل مع القيادات الاسرائيلية مستساغا، بينما كان «خطا أحمر» مرفوضا وباعثا للاشمئزاز والتقزز.

ثالثا: تمكنت قوى الثورة المضادة من «شيطنة» قوى المقاومة للاحتلال الاسرائيلي، فما عادت قوى المقاومة الفلسطينية او اللبنانية، وهي التي صمدت امام العدوان الاسرائيلي مرارا، تحظى بالاحترام والتقدير السابقين.

رابعا: تراجع مشروع الحريات ومقارعة الاستبداد، واصبح الخطاب الرسمي هو الذي يوجه الشارع العربي، تارة نتيجة الانخداع والتضليل، واخرى بسبب الخوف من القمع وردة الفعل، وأيضا لاسباب اقتصادية ومعيشية.

خامسا: ضمرت لدى الكثيرين مشاريع التحسس من الهيمنة الغربية، واصبحت العلاقة مع الولايات المتحدة امرا مستساغا بعد ان كانت مرفوضة. ولم يعد التدخل الانكلو ـ أمريكي في الاراضي العربية يثير الغضب او يحمس الجماهير للاحتجاج ضده على الاقل.

سادسا: انحسرت كافة مشاريع التغيير التي رفعت لواءها طلائع الشباب منذ الخمسينات، وآخرها المشروع الإسلامي الذي ضربت مجموعاته، الواحدة بعد الأخرى، حتى اصبح الحديث عن اي منها، مرفوضا بعد ان تمت «شيطنتها» هي الاخرى كما حدث مع مجموعات المقاومة.

ولعل الخاسر الاكبر في هذه المعمعة السياسية والفكرية، هو مقارعة الاستبداد، واستبداله بقضايا الاختلافات الدينية والمذهبية. والسؤال هنا: ايهما الافضل (او الاقل ضررا): الحاكم الكافر الذي يمارس العدل ام الحاكم المسلم الظالم؟ ثمة نقاط لتوضيح اشكالات الاجابة.

أولها: ورد في المأثور ان «الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم». ومع ان هذا ليس حديثا لرسول الله إلا انه ورد في تفسير الرازي والكامل لابن الأثير ومعارج اليقين للسبزواري. وجاء في كتاب «مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية»: الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة».

ثانيها: ان كوادر الإسلام الاولى لجأت للحبشة التي كانت تحت حكم النجاشي بعد ان وجههم رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام قائلا: ان فيها ملكا لا يظلم عنده احد. وحدثت هجرتان شارك في الاولى 15 رجلا وامرأة، وفي الثانية ثلاثة وثلاثون. ولم يعترض المسلمون على حكمه او يتصدوا له لأنه كان «عادلا» وان لم يكن مسلما.

ثالثا: تصاعدت في العقود الاخيرة هجرة المسلمين إلى الغرب «الكافر» بعد ان ضاقت عليهم بلدانهم التي يهيمن عليها «حكام مسلمون». ألا يعني ذلك ان العدل هو المعيار الاول لمدى صلاح النظام السياسي، وليس الانتماء الديني او المذهبي لحكامه؟

رابعا: ان اقامة العدل يمثل جوهر المشروع الالهي في الارض، ومن اجله بعث الله الانبياء.

ماذا يعني ذلك؟

إذا كان هناك توافق على ان اقامة العدل يمثل جوهر المشروع الديني في الارض، فان أي اعتبارات اخرى تصبح ثانوية. وهذا ما يجدر بعلماء الدين ورموز المشروع الإسلامي استيعابه في هذه الحقبة بالذات.

فحين تطرح قوى الثورة المضادة عناوين اخرى، فانما بهدف ابعاد النشطاء عن الطريق المؤدي لاقامة العدل. وللعدل دلالاته التي تعبر عنه مؤشرات عديدة تعمل منظمات دولية عديدة لرصدها، كالمنظمات الحقوقية المعروفة والشفافية الدولية (ترانسبرنسي انترناشيونال) ومؤشر الديمقراطية ومؤشر حرية التعبير (انديكس اون سنسرشب)، وفريدوم هاوس. ومن يشاهد تقارير هذه المنظمات للعام 2015 يرى مدى تراجع هذه المؤشرات في البلدان العربية.

أليس هذا غيابا للعدل؟

فمشكلة الامة اليوم ليس في وجود اقلية مسيحية هنا او هناك، او انتشار مذهب هنا وانحساره هناك، او في اختلافات فقهية بين المسلمين، فهذه الاختلافات، كبيرة او صغيرة، لا يملك المهتمون بها سلطة الحكم، وينحصر تأثيرها ضمن اطر الاخلاق والضمير، أما ادارة شؤون حياة شعوب الامة فهي التي يجب ان تخضع لمعايير العدل والظلم، ليتخذ القرار بعد ذلك بما إذا كانت المسؤولية الشرعية تقتضي مسايرتها او التصدي لها.

مطلوب في هذه الحقبة السوداء من تاريخ العرب اعادة توجيه بوصلة مساراتها على هدى ووعي وبصيرة. مطلوب اعادة العقل إلى موقع القرار، وإبعاد العواطف والمشاعر.

العدل لا يستقيم إلا بذلك، وقد منع الله المسلمين من السماح لعواطفهم بالتاثير على مسار العدل: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى». فالحب والكره والحساسية من الآخر المختلف ثقافة او دينا او مذهبا، يجب ان تمنع من التأثير على الموقف ازاءه، فذلك ما يوحي به المبدأ القرآني المذكور.

والهوى هو البديل للعقل، ويجب ان يستبعد من دائرة الحكم والعلاقات مع الآخرين، وقضايا الامة الاساس متمثلة بالحرية والكرامة والنظام العادل، يجب ان تحظى بالاولوية في مشروع التغيير المنشود الذي ضربته قوى الثورة المضادة قبل خمسة اعوام، وما يزال يستصرخ القلوب والضمائر لانقاذه وتفعيله، والغاء الاعتبارات الاخرى التي تستخدم للتضليل والتشويش وحرف مسار الامة وتطويعها للطغيان والاحتلال والهيمنة الاجنبية.

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن.

  كلمات مفتاحية

بوصلة الأمة أمة العرب التطرف الإرهاب التبشير المذهبي الاحتلال الاستبداد العدل

مجلس التعاون الخليجي ومحنة الأمة العربية

أين الطريق للأمة الموحدة؟

الأمة والطائفة والتطييف

إيران: قضية أم دولة أمة؟

انتقال الأمة إلى مشروع جديد

مصلحة الأمة ليست نقيضا لمصالح الأوطان

معادلة النهضة الفكرية لوحدة الأمة الإسلامية