هل تستعد السعودية للإطاحة بـ«هادي» للوصول إلى اتفاق سلام في اليمن؟

الخميس 5 مايو 2016 12:05 م

مع مشاهدة وفدهم يخرج من طائرة خاصة في مطار الكويت الأسبوع الماضي، فقد بدا أن الحوثيين يسيرون على الطريق الصحيح. وقد نجحوا في الصعود خلال أشهر قليلة من مجرد مجموعة غامضة نحو مستويات غير مسبوقة من السلطة؛ «من كهوف صعدة إلى جبال صنعاء» وفق ما يحلو للبعض وصف هذا التحول.

تذكرت أول لقاءات أجريتها مع المندوبين الحوثيين، أثناء ذهابهم للتسوق في شوارع جنيف خلال الجولة الأولى من محادثات السلام في العام الماضي. كانت هذه هي المرة الأولى التي يسافر فيها الكثير منهم خارج حدود اليمن. ولكنهم اليوم يتم استقبالهم على السجادة الحمراء من قبل كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الكويتية.

على الرغم من أن المحادثات الحالية في الكويت قد بدأت منذ أكثر من أسبوعين، فإنها لم تحقق أي تقدم يذكر. في واقع الأمر فإنها قد بدأت متأرجحة: وصل وفد الحوثيين / «صالح» ثلاثة أيام متأخرا عن موعده احتجاجا على أن وقف إطلاق النار كان اسميا فقط وأن الطرف الآخر لم يحترمه، وفقا لوصفهم. منذ بداية المفاوضات، كانوا يؤكدون بشكل واضح على وقف كامل لإطلاق النار وليس مجرد وقف للأعمال العدائية. وبعد أن وصل مندوبيهم إلى الكويت، فقد قضوا يومين كاملين فقط في محاولة ضبط هذه النقطة.

وزير الشؤون الخارجية الكويتي، الذين كان يبحث بيأس عن تأمين إنجاز دبلوماسي لبلاده، سارع إلى السفر إلى الرياض من أجل إجراء محادثات مع السعوديين. ومنذ ذلك الحين، وعلى الرغم من التقارير التي تشير إلى أن طائرات التحالف لا تزال تواصل دورياتها في المجال الجوي اليمني، فقد كان هناك عدد قليل نسبيا من الغارات الجوية، وهي نتائج إيجابية بالفعل.

بالنسبة للكثيرين، فإن هذا يعد تحولا واضحا في السياسة السعودية يعكس الحاجة الماسة للتوصل إلى تسوية من جانبهم. ومع ذلك، في حين أن هناك مؤشرات متزايدة أن الرياض تحاول باستماتة الخروج من هذا الصراع، فإن عددا من الدبلوماسيين الأجانب الذين تحدثت معهم يؤكدون أن السعوديين ليسوا على استعداد للبحث عن مخرج بلا ثمن. إنهم لا يزالون يتوقعون، أو يأملون، في نوع ما من الانتصار.

وعلى الرغم من تأخر الأيام الثلاثة في الكويت، فإن المحادثات المباشرة بين الحوثيين والسعودية كانت جارية منذ أسابيع، وكانت بالفعل قد أحرزت تقدما كبيرا. حتى الآن، أسفرت هذه المناقشات عن عدة تدابير لبناء الثقة بما في ذلك تبادل الأسرى، ووقف لإطلاق النار على الحدود. كما تم التوصل أيضا إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية يشمل هجمات الحوثيين عبر الحدود وقصف قوات التحالف في شمال اليمن، وهو ما يزال ساريا إلى الآن.

«الرياض هي الطرف الآخر في المحادثات فعليا»، وفقا لما صرح به مسؤول كبير لي. سألته: ماذا عن الرئيس «هادي» وحكومته؟ فأجاب: «في مرحلة ما عليهم أن يقبلوا أن عليهم الرحيل». تذكرت التقارير الأخيرة القادمة من اليمن والتي أشارت إلى أن بعض الوزراء في حكومة «هادي» كانوا مشغولين ببيع عقاراتهم وأصولهم في البلاد. أردت أن أخبره أنهم على ما يبدو قد تصالحوا مع مصيرهم وأنهم فقد يكسبون بعض الوقت.

لا مزيد من الدفاع عن «هادي»

سألت الدبلوماسي بالقول: «في حال توصل السعوديون والحوثيون إلى صفقة: ما مصير القوات التي تقاتل على الأرض من أجل هادي في تعز وعدن؟». وقد أجاب بالتأكيد أنه صار واضحا منذ فترة أن ليست تحت سيطرة «هادي»، وأنها بالتأكيد لا تحارب من أجله.

هذا الأمر ليس جديدا، ولكني كنت أرفض تصديقه. كما أن سماعه من مصدر دبلوماسي هو أمر صادم. كانت الفكرة التي تقول إن عشرات من المجموعات المسلحة التي تعمل حاليا في جميع أنحاء البلاد لا تخضع لسيطرة أي جهة مخيفة إلى حد كبير. وتؤكد المخاوف من أنه حتى في حال التوصل إلى اتفاق سلام، فإن اليمن قد لا يرى السلام فعليا لسنوات، وربما لعقود قادمة.

ووسط تصاعد الضغوط الدولية، كان هناك حديث حول قرار وشيك من قبل مجلس الأمن الدولي حول اليمن. ومع ذلك، فقد ثبت أنه تهديد أجوف إلى حد كبير في ظل النفوذ السياسي الكبير للمملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة.

في أواخر مارس/أذار الماضي، قام أعضاء مجلس الأمن تقودهم نيوزيلندا ببدأ مناقشة عناصر قرار يغطي قضايا وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، ولكن القرار قد وضع قيد الانتظار على ضوء التطورات السياسية. ومع ذلك، فإن التهديدات تثبت أن تكون حافزا فعالا في إجبار السعوديين وحكومة «هادي» على اللجوء إلى طاولة المفاوضات إضافة إلى المحادثات الثنائية التي جرت في وقت لاحق بين الحوثيين والسعوديين.

ومع ذلك، ببطء ولكن بثبات، ومع كل جولة من المحادثات، يتم تأمين خطوة إلى الأمام. لقد قطعنا شوطا طويلا. إذ شهدنا المقاطعة خلال الجولة الأولى في جنيف. الجولة الثانية، على الرغم من فشلها في التوصل إلى اتفاق، فقد نجحت في كسر الجليد والتقى الطرفان في مكان واحد لأول مرة.

هذه هي الجولة الثالثة من المحادثات والتي تجري في الكويت، ومع ذلك، فإنها بداية لعبة رفع الأثقال الحقيقية. وقد اتفق الطرفان على خطة مكونة من 5 نقاط مبنية على قرار الأمم المتحدة رقم 2216 والذي ينص على ما يلي: سحب الميليشيات والجماعات المسلحة، و تسليم الأسلحة الثقيلة وبدأ الترتيبات الأمنية المؤقتة لاستعادة مؤسسات الدولة، واستئناف الحوار السياسي الشامل، وإنشاء لجنة للسجناء والمعتقلين.

ومع ذلك، فإن المشكلة ليست في هذه النقاط نفسها، والتي قبلها الوفدان بالفعل. ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية تنفيذها. ما إذا كان ينبغي أن يتم ذلك بشكل متتالي أو بالتوازي مع العملية السياسية. الكيفية التي سوف يتم بها حل هذا المأزق من المقرر أن تحدد هوية الفائز والخاسر في هذا الصراع.

الحوثيون يصرون أن الخطة لا بد أن تنفذ بالتوازي مع العملية السياسية ولاسيما تشكيل الحكومة، أو هيئة تابعة للدولة، تشمل جميع الفصائل من أجل تسليم الأسلحة إليها. على النقيض فإن وفد حكومة «هادي» يصر على أن تسليم الأسلحة وانسحاب الحوثيين من المدن، بما يعني الاستسلام الكامل في كل شيء سوى الاسم، هي شروط مسبقة لبدأ العملية السياسية. وهو خيار يبدو أن الحوثيين غير مستعدين للنظر فيه بعد كل الشوط الذي قطعوه في هذا الصراع.

من جانبها، تشير التحركات الأخيرة للمملكة العربية السعودية، والحد من الضربات الجوية العسكرية وقطع صفقة مع الحوثيين لتأمين حدودها مع اليمن، إلى أن المملكة تبدي حسن النية ولكنها تثير تساؤلات حول ما إذا كانت المملكة لا تزال تتشارك نفس جدول الأعمال مع حكومة «هادي»، مما يضع الأخيرة في موقف حساس للغاية.

هل تتخلي السعودية عن «هادي»؟

في التطورات الأخيرة، حرص الحوثيون على إظهار قدرتهم على استئناف القتال عبر الهجوم على قاعدة عسكرية قرب صنعاء الأحد الماضي ما أسفر عن مقتل عدة جنود، في خرق لوقف إطلاق النار الذين يطالبون به. وعلى عكس معظم الجنود اليمنيين، فإن قاعدة العمالقة قد رفضت أن تتخذ جانبا في الحرب بين الحوثيين المدعومين من إيران وبين القوات الموالية لـ«هادي».

الحوثيون، الذين كانوا يتسامحون مع هذا الحياد حتى الآن، قاموا بشن هجوم مفاجئ على منشأة في محافظة عمران وضبط مخزن كبير للأسلحة. كان هذا استفزازا كبيرا للحكومة اليمنية التي ردت من خلال تعليق المحادثات المباشرة مع الحوثيين ولكنها لم تنسحب تماما.

«نحن نحاول تهدئة الوضع في أقرب وقت ممكن»، وفقا لما صرح به مصدر مقرب من المؤتمر الشعبي العام المتحالف مع الحوثي. مصدر آخر، وهو مسؤول حوثي، أصر في وقت لاحق أن السعوديين والموالين لهادي «عليهم أن يفهموا أننا مستعدون للاستمرار في القتال إذا تطلب الأمر». وهذا ذكرني بشيء قاله لي زعيم الحوثيين ذات مرة حين التقينا في صعدة قبل 5 سنوات: «سنقاتل حتى آخر رجل واقف»، وهذا في حد ذاته يمثل احتمالا مرعبا.

التغيير الأخير في لهجة خطاب الحوثي تجاه المملكة العربية السعودية يوحي بالفعل أن هناك صفقة ما بصرف النظر عن التفاصيل. في مقابلة مثيرة للاهتمام بشكل خاص مع صحيفة الوطن السعودية تلتها مقابلات أخرى مع بي بي سي وقناة المسيرة التابعة لجماعة الحوثي، أشار «محمد عبد السلام» زعيم الوفد الحوثي إلى السعودية بوصفها جارة اليمن و«الشقيقة الكبرى». كانت الصياغة غير متوقعة لدرجة أن هناك أقاويل حول أن كلماته أخرجت من سياقها. كنت متشككة جدا وقررت أن أسأله. «هل تم تحريف تعليقك»، فأجاب بالقول: «لا» مع ابتسامة ماكرة.

حتى بيانات الأمم المتحدة تشير إلى تغير في المواقف. في حين أنها دعت في تصريحات سابقة إلى تسليم الأسلحة إلى «الحكومة اليمنية»، فقد أشار البيان الذي صدر مؤخرا إلى نقل الأسلحة إلى «سيطرة الدولة».

ببساطة، فإن هذه الجولة من المحادثات، وفق ما أكده مبعوث الأمم المتحدة مرارا وتكررا «تجعل اليمن أقرب ما يكون إلى السلام». هذه الجولة الحالية من المحادثات، تمثل ربما الفرصة الأخيرة للأطراف النزاع للتوصل إلى حل من خلال الوسائل الدبلوماسية.

وبشكل عام، فإن هناك طريقين يمكن أن تذهب الأحداث من خلالهما. إما أن يدرك الحوثيون أن هذا الطريق جيد بما يكفي للمضي قدما، وأن تتصالح الحكومة اليمنية مع حقيقة أنها لن تكون قادرة على العودة إلى اليمن، أو أن يقرر كلا الجانبين مواصلة القتال على الأرض وإلحاق المزيد من المعاناة الإنسانية وتدمير الاقتصاد بشكل كلي. هذه ليست مجرد مبالغة تهدف إلى إثارة القلق: 50 في المائة من سكان البلاد يقتربون بالفعل من حافة المجاعة، والآثار المترتبة على مزيد من الانهيار تبدو مرعبة إلى درجة لا يمكن تخيلها.

قبل السفر إلى الكويت لتغطية هذه الجولة الحالية من محادثات السلام، كنت أقرأ عن مأساة البوسنة خلال فترة التسعينيات وقد شدني كثيرا اقتباس بعينه. بينما كان يجلس حول الطاولة في جولة ثالثة من محادثات السلام، فإن الرئيس البونسي، «حارث سيلاجيتش»، فكر في نفسه قائلا: «آمل أن يكون هذا هو الوقت الذي قرروا فيه أن يجلبوا ضمائرهم معهم».

وبينما أغادر الكويت، فإنني أتذكر باستمرار أن الوضع على الأرض في اليمن مستمر في التدهور. لا أستطيع التنبؤ بما إذا كانت وطني سوف يشهد السلام في وقت قريب، ولكن كل ما أستطيعه هو أن آمل أنه عندما يلتقي المندوبين اليوم أن يجلبوا ضمائرهم معهم.

 

المصدر | نوال المغافي، ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

السعودية اليمن الحوثيين محادثات الكويت عبدربه منصور هادي

وفد «الحوثيين» يعلن تحفظه على النقاط الخمس كمرتكز لمحادثات الكويت

«ولد الشيخ»: محادثات الكويت تهدف إلى اتفاق شامل ينهي الصراع في اليمن

«أتلانتيك كاونسل»: لماذا تظهر السعودية استعدادا أكبر للتفاوض مع الحوثيين؟

«ميدل إيست بريفينج»: الرواية التي يتم إغفالها عمدا حول الحرب في اليمن

«ذي إيكونوميست»: اليمن .. بين السعوديين والحوثيين والجهاديين

تقدم ملحوظ في مشاورات السلام المباشرة بالكويت بين طرفي الأزمة اليمنية

مصادر: وفد الحوثيين يدير المشاورات عبر 3 غرف عمليات بالتعاون مع إيران

«الحوثيون» يرفضون الدخول في جدول أعمال محادثات السلام اليمنية في الكويت

هل يتجه اليمن نحو تقسيم فعلي؟