«واشنطن بوست»: لماذا فشل الانقلاب الأخير في تركيا؟

الأحد 17 يوليو 2016 09:07 ص

بنظرة سريعة في الجدول الزمني للتاريخ الحديث، فإنّ محاولة الانقلاب العسكري في تركيا يوم الجمعة ربما تكون متأخرة عن موعدها عقدا من الزمان. فبالنسبة للأربعين سنة الأخيرة من القرن العشرين أطاح الجيش التركي بالحكومات التي لم يرغب بها مرة واحدة على الأقل كل عشر سنوات.

وأكدت فترة العشرين سنة الخالية من الانقلابات بين آخر إنقلاب في تركيا عام 1997 ومحاولة يوم الجمعة انطباع أن الانقلابات العسكرية قد ولى زمانها. فقد قام حزب العدالة والتنمية الحاكم وقائده «رجب طيب أردوغان» الرئيس الحالي لتركيا خلال هذه السنوات باستخدام الصلاحات الدستورية وكذلك المحاكمات الجنائية للضباط المشتبه بهم لوضع الجيش تحت السيطرة.

وهذا ما جعل الأتراك يفزعون حين رأوا الدبابات في الشوارع والطائرات المقاتلة تطير على ارتفاع منخفض. ظهر الأمر لأصحاب الحنين للعهد البائد لبضع ساعات ويكأن الجيش قد عاد لشكله القديم وسيطر على الأمر حين أعلنت قيادة الجيش نفسها كحصن ضد تجاوزات القادة المدنيين في تركيا، وأنهم في طريقهم لتغيير سياسات البلاد.

لكن هذا لم يكن ليحدث. فبالرغم من سماع دوي إطلاق النار حتى صباح يوم السبت، وظهور «أردوغان» مهتزا فور عودته من أجازته إلى اسطنبول، فإنّه استعاد السيطرة على الوضع. ما أظهر عدم كفاءة المتآمرين حقا، هو فشلهم في القبض على الرئيس أو رئيس وزرائه أو السيطرة على الإعلام (وهذا شيء بديهي في أي انقلاب)، كما استطاع «أردوغان» حشد أنصاره في الميادين والشوارع عن طريق استخدامه لتطبيق فيس تايم للتحدث عبر قناة سي إن إن التركية. هناك ثلاثة أسباب مترابطة توضيح كيف تسيد «أردوغان» وحزبه الأمر.

أولاً:من الواضح أن تركيا قد تغيرت منذ الوقت الذي كانت فيه الانقلابات العسكرية روتينا معتادا في السياسات التركية. في السابق استطاع الجيش في عدد من المرات الإطاحة بالحكومات مبررا ذلك بالحفاظ على علمانية الدولة ومبادئ مؤسسها «مصطفى كمال أتاتورك». وبعد أن أصبحت تركيا مجتمعا أكثر تعقيدا، وسعي حزب العدالة والتنمية لدمج البلاد أكثر داخل المجتمع الدولي، لم تعد مبادئ أتاتورك بهذه الأهمية. رحب العديد من الأتراك بانقلاب 1997 على أول تجربة إسلامية في الحكومة. وبعد عشر سنوات عندما سعى الجيش لمنع واحد من مؤسسي العدالة والتنمية وهو «عبد الله غول» من أن يعتلي كرسي الرئاسة، لمعارضته أن زوجة «غول» ترتدي الحجاب، تظاهر الأتراك محتجين بأنهم لا يريدون حكماً إسلاميا ولا عسكريا أيضا. وأوضحت هذه التظاهرات في عام 2007 أن الشعب التركي لم يعد يقبل التدخل العسكري مهما تم ادعاء أن هذا التدخل لصالحهم.

ثانيا: نجحت الانقلابات السابقة لأنها كانت تتمتع بالدعم الشعبي. فعندما نزلت الدبابات في عام 1980، تنفس الأتراك الصعداء بعدما وعد الجيش بإنهاء العنف بين اليمينيين واليساريين والذي حصد العديد من الأرواح لمدة أربع سنوات سابقة. وفي انقلاب 1997 والذي يسميه البعض (انقلاب ما بعد الحداثة) نظرا لأن الجيش اعتمد فيه على التعاون مع المنظمات النسائية والمدنية بدلا من نشر الجند للإطاحة بقيادة الحزب الإسلامي الذي خرج من رحمه حزب العدالة والتنمية الحالي.

وعلى النقيض في ليلة الجمعة، لم يحصل الفصيل الذي حاول الإطاحة بالحكومة هذه المرة على الظهير الشعبي. ولم يتطلب الأمر سوى مجرد وقت قبل أن يعود لـ«أردوغان» ولرئيس الوزراء اليد العليا بعد أن استجاب أنصار «أردوغان» لدعواته للنزول إلى الشوارع والميادين وصد الانقلاب. فالدعم الشعبي كان للحكومة الديمقراطية هذه المرة.

ثالثاً وأخيراً: فشل الانقلاب بسبب شخصية «أردوغان» نفسه، وما يمثله من قيمة للناخبين، وما فعله منذ وصوله للسلطة. فالرئيس التركي سياسي ذو مواهب خارقة نجح في أخذ لب أكثر من نصف الناخبين الذين صوتوا له بأعداد كبيرة منذ 2007.

وحول العالم، لا يضاهي «أردوغان» في الحنكة السياسية والكاريزما إلا الرئيس الأسبق للولايات المتحدة «بيل كلينتون». وبالنسبة لأنصار «أردوغان»، فإنه قد صحح أخطاءً ومظلوميات تاريخية بالتغلب على النخبة العلمانية المنعزلة عن الشعب وغير الديمقراطية، وبث الحياة في السياسة والإقتصاد، وتحويل بلاده إلى قوة عالمية وإقليمية.

ولم تكن هذه الاستجابة من الأتراك فقط على المستوى العاطفي تجاه «أردوغان» الذي يعد أهم زعيم تركي منذ «أتاتورك»، ولكن بسبب واقع ما حققه أيضا. فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة تمتع الأتراك بدعم أكبر لقطاع الرعاية الصحية، وبنية تحتية أفضل، وخيارات أكثر للتنقل، وأموال أكثر في محافظهم، والفرصة لممارسة الشعائر الإسلامية بطريقة لم تكن مقبولة من قبل.

استطاع العدالة والتنمية أيضا خلال عدة سنوات إصلاح منظومات الفساد في القضاء والحكومة وهو ما لا يريد الشعب التركي العودة له مرة أخرى. وأخطأ المتآمرون أيضا في اعتقاد أن إظهار القوة سيقمع الرفض الشعبي، إلا أنه وفور نزول أنصار أردوغان للشوارع والميادين وقفوا أمام الدبابات واحتجزوا جنود الجيش المتورطين في الانقلاب حتى أتت الشرطة وألقت القبض عليهم. وهذا في الواقع قد ظهر أثره في تصريح «أردوغان» في اليوم التالي السبت: «ليست هناك قوة أكبر من قوة الشعب». نجا «أردوغان» بالفعل، ونجح في تصوير المحاولة الفاشلة بأنها اعتداء على المنظومة الديمقراطية التركية. وينظر «أردوغان» لهذه المحاولة من منحنى آخر، حيث صرح فور وصوله إلى إسطنبول أن هذه المحاولة «منحة إلهية، لأنها ستمنحنا الفرصة لتطهير الجيش من أعضاء هذه العصابة» مشيرا إلى أتباع «فتح الله كولن»، حليف الأمس الذي أصبح عدو اليوم.

الآثار واضحة: سيقوم العدالة والتنمية الآن بالضغط على المنافسين ومعاقبة أتباع «كولن»، وزيادة نفوذ «أردوغان» ودعم خطته نحو تحول تركيا. وبدلا من دعم الديمقراطية، ستؤدي هذه المحاولة الفاشلة إلى تعزيز حكم الفرد المطلق المنتخب في تركيا.

  كلمات مفتاحية

انقلاب تركيا أردوغان أتاتورك الدولة التركية

مصادر: مكالمة قائد الجيش الأول تنقذ «أردوغان» من محاولة اغتياله في مرمريس

«ستراتفور»: كيف يمكن أن يؤثر انقلاب تركيا الفاشل على دورها الإقليمي؟

محاولة الانقلاب التركي الفاشلة.. انقلاب غريب بأسلوب القرن العشرين

محاولة انقلاب فاشلة في تركيا تنتهي باعتقال 1563 عسكريا

أردوغان: 120 مليار دولار خسائر محاولة الانقلاب في تركيا

كيف هزم جهاز الآيفون الدبابات في تركيا؟

تركيا.. لماذا فشل انقلاب 2016؟

مسؤول تركي: تجنّب مصر اتخاذ موقف ضد الانقلاب الفاشل «أمر طبيعي»

«رويترز»: «يلدريم» نجا بأعجوبة وطائرة «أردوغان» كانت على مرأى من الانقلابيين

«نيويورك تايمز»: أمريكا رفضت طلب لجوء قائد قاعدة «إنجرليك» التركية

رئيس المجلس الشرعي بالبحرين لـ«أردوغان»: الشعب التركي «سد منيع»

مسؤول أمني: عزل 8 آلاف شرطي تركي على خلفية محاولة الانقلاب

«جورج فريدمان»: التداعيات المحلية والجيوسياسية للانقلاب الفاشل في تركيا

شهادة على ما حدث في أنقرة أثناء محاولة الانقلاب الأخيرة

«موديز» تتجه إلى تخفيض التصنيف السيادي لتركيا

«القدس العربي»: فشل انقلاب تركيا بشارة بتغيّر المعادلة العربية فضحت انقلاب مصر

«فورين أفيرز»: لماذا فشل الانقلاب العسكري في تركيا ونجح في مصر؟

«نبوءة أردوغان»: كيف يجعل الانقلاب الفاشل الرئيس التركي أكثر قوة؟

«معاريف»: خيبة أمل قاسية في (إسرائيل) عقب فشل انقلاب تركيا

فشل الانقلاب: الطبقة الوسطى المتدينة ترسم مستقبل تركيا على حساب النخبة الكمالية

دراسة: فشل انقلاب تركيا يصب في مصلحة قوي التغيير في العالم العربي

لماذا لا تصلح سردية الصراع الإسلامي العلماني لتفسير محاولة الانقلاب التركية؟

«الإندبندنت»: فشل انقلاب تركيا أنقذ المنطقة من تداعيات كارثية

الليبراليون الخليجيون والانقلابات العسكرية

الجذور الهشة للعلمانية التركية: لماذا تخلع تركيا ثياب أتاتورك؟

«بروكنغز»: الجغرافيا السياسية لانقلاب تركيا الفاشل

«ميدل إيست آي»: لماذا بدا الغرب راغبا في نجاح انقلاب تركيا؟

تركيا.. تجاوزت كارثة اقتصادية

الدروس المستفادة من العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بعد انقلاب عام 1960

الأمل التركي: كيف يمكن أن تستفيد تركيا من انقلابها الفاشل؟

«و.س. جورنال»: هل فشلت المخابرات التركية في كشف محاولة الانقلاب قبل وقوعها؟

ما يمكن أن تتعلمه تركيا من روسيا حول منع الانقلابات العسكرية

«نيويورك تايمز»: لماذا يعتقد معظم الأتراك بتورط الولايات المتحدة في الانقلاب الفاشل؟

روسيا أم الولايات المتحدة: أين تتجه بوصلة تركيا بعد الانقلاب الفاشل؟

قوة كبرى رغم مشاكلها.. الانقلاب الفاشل لن يؤثر على الدور الإقليمي لتركيا