«فورين أفيرز»: لماذا فشل الانقلاب العسكري في تركيا ونجح في مصر؟

الأربعاء 20 يوليو 2016 11:07 ص

خلال نصف عقد من اللحظات غير الاعتيادية في الشرق الأوسط، كانت صور المواطنين الذي يحتشدون أمام الدبابات والعربات العسكرية الأخرى من بين الأكثر جذبا. من بين الصور «الأيقونية» لهذا العصر كانت الصور التي تم التقاطها في أوائل يوليو/تموز 2013 والتي أظهرت فرحة المصريين بخروج الجيش من ثكناته لعزل الرئيس المنتخب للبلاد، «محمد مرسي»، وإنهاء تجربة الإخوان المسلمين في الحكم التي امتدت لعام واحد. أعاد تدخل الجيش تأكيد هيبته ونفوذه وسلطته داخل النظام السياسي المصري.

في مساء الجمعة الماضية، شهدت شوارع إسطنبول وأنقرة مشاهد مماثلة. ولكن بدلا من الفرح، كان الأتراك غاضبون من سعي الجيش إلى عزل الرئيس «رجب طيب أردوغان»، السياسي الذي اعتاد حسم الانتخابات بداية من رئاسة بلدية إسطنبول إلى رئاسة الوزراء إلى رئاسة الدولة بدءا من عام 1994. خلفت محاولة الانقلاب الفاشلة وعملية التطهير الجارية القوات المسلحة التركية، ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، في حالة من الفوضى. كيف تمكن الضباط المصريين من القيام بما لم يستطع القيام به فصيل كبير من الجيش التركي، لاسيما بالنظر إلى التاريخ الطويل للانقلابات في تركيا؟ الجواب يكمن في طبيعة التدخلات نفسها والنظرة الكامنة خلفها والتي مثلت أساس القوة الظاهرة للضباط. (الصورة: مصريون مؤيدون لعزل مرسي).

كما أشار محللون آخرون بالفعل، فإن هناك مجموعة متنوعة من الأسباب التقنية التي تفسر فشل انقلاب الجمعة الماضية. لم يتمكن المتآمرون من اعتقال «أردوغان» كما لم يتمكنوا من إحكام سيطرتهم على الاتصالات، وواصلت المطارات عملها وبقي جميع وزراء الحكومة أحرارا. في مصر، نجح «عبد الفتاح السيسي»، وزير الدفاع آنذاك والرئيس الحالي للبلاد، في التعامل مع جميع هذه المهام بكفاءة نسبيا. خلافا لما حدث في تركيا، حيث ظهر رئيس الوزراء «بن علي يلدرم» على شاشات التلفاز خلال الساعات الأولى لنشر القوات يعلن أن التحركات العسكرية كانت غير شرعية ويتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها، في وقت كان القادة المدنيون يخضعون فيه للحماية الأمنية. أظهر الضباط المصريون أيضا وحدة في الهدف، على النقيض من القوات التركية التي بدت منقسمة بشدة.

فروق أعمق

تبدو هذه التفسيرات منطقية ولكنها تحجب فروقا أعمق وأكثر أهمية بين الجيش التركي ودوره في الحياة السياسية وبين الحالة المصرية على الجهة المقابلة. كما نتذكر جميعا ربما،  كان الصحفيون والأكاديميون يصورون هيئة الأركان العامة على أنها الجهة التي تجمع كل السلطات. وكان قادة الجيش بارعون في ترهيب السياسيين الذين كان عليهم إما أن يسيروا على الخط المرسوم، أو تتم الإطاحة بهم من السلطة. في أواخر التسعينيات، أشار «بولنت أجاويد»، الذي كان يتولى منصب رئيس الوزراء، إلى الأتراك، أن صلاحيته لتولي هذا المنصب تستند في جزء منها إلى قدرته على التواؤم مع الجيش.

العديد من المراقبين لقادة الجيش في مصر ودورهم في الحياة السياسية (قبل انتفاضة 2011) كانوا يعتقدون أنهم منصاعين نسبيا. وكانت اللحظة التي أقال فيها الرئيس المصري الأسبق «حسني مبارك» القائد الكاريزمي للجيش المشير «عبد الحليم أبو غزالة» في عام 1989 هي اللحظة التي تم فيها حل مشكلة العلاقات المدنية العسكرية في مصر. خلال العقد الذي سبق الانتفاضة التي أطاحت بـ«مبارك» في عام 2011 أو ربما قبل ذلك،  بدأ صعود وزارة الداخلية المصرية. بدأ المحللون المصريون والغربيون في الاعتقاد بأن الهيمنة العسكرية التي بدأت مع «جمال عبد الناصر» والضباط الأحرار بدأت تفسح الطريق لصالح صعود دولة بوليسية.

ولكن هذه النظرات التقليدية سواء لهيئة الأركان التركية أو حتى للجيش المصري أثبتت أنها غير دقيقة في حد ذاتها. تصوير الجيش التركي على أنه كان قويا، والحديث عن سلبية الجيش المصري كان خطئا أيضا.

بين جيشين

الجيش التركي، منذ فترة طويلة، ضعيف سياسيا إلى حد تشهد به الانقلابات الأربعة السابقة التي قام بها وتدخله الفاشل نهاية الأسبوع الماضي. لماذا قام الجيش التركي بإسقاط الحكومات في أعوام 1960، 1971، 1980، و 1997؟ تم تبرير جميع هذه التدخلات بدعوى حماية الطابع الجمهوري للنظام السياسي والمبادئ التي وضعها مؤسس البلاد، «مصطفى كمال أتاتورك»، الذي يستند إليه. في عام 1960، ووفقا للكولونيل الذي أطاح بـ«عدنان مندريس»، فإن رئيس الوزراء وحزبه الديمقراطي قد انحرفوا عن قيم المجتمع وأهانوا القوات المسلحة. وقع «انقلاب المذكرة» الشهير في عام 1971 بعد أن أفصح المدنيون عن رغبتهم في تعديل بعد أجزاء الدستور الذي تم وضعها بعد تدخل عام 1960، وهي تعديلات اعتبرها الجيش «متحررة للغاية». قام المجلس العسكري بعد ذلك بالاستيلاء عل السلطة مرة أخرى في 12 سبتمبر/أيلول عام 1980 وقام بإدارة البلاد لمدة 3 سنوات قام خلالها بوضع دستور جديد كلية. وفي حين أن هذا الدستور منح الأتراك العديد من الحريات الشخصية، فإنه كان يهدف بشكل أساسي إلى حماية الدولة التركية من الوقوع تحت سيطرة السياسيين المدنيين الذين لا يمكن الوثوق بهم لإعلاء القيم الكمالية العلمانية. في عام 1997، أجبر الضباط الحكومة أولا على الاستجابة لبعض المطالب المتعلقة بالعلمانية في المقام الأول. ولما لم تقم الحكومة بالوفاء بهذه المطالب، تحركت هيئة الأركان العامة بمساعدة من منظمات المجتمع المدني والصحافة وأصحاب الأعمال والأكاديميين والسياسيين لإسقاط الحكومة.

يمكن للمرء أن يفهم، بناء على هذا السجل، لماذا يعتقد المراقبون أن الجيش التركي أكثر قوة. ولكن عليهم أن يفهموا أيضا لماذا يعتقد الضباط أن هذه التدخلات كانت ضرورية. مع مرور الوقت، رفضت أعداد متزايدة من الأتراك الالتزام بالنهج الكمالي الذي يريده الجيش. في حال كان الضباط وحلفاؤهم من المدنيين قد نجحوا في ترسيخ الأفكار الكمالية وكأنها أمر طبيعي في أذهان الأتراك، لما كان هناك حاجة لنشر الضباط في المجالس العليا للتعليم والثقافة أو المطالبة، من خلال مادة دستورية، بأن تخضع الحكومة لتوصيات مجلس الأمن القومي الذي يهيمن عليه الضباط، فضلا عن الإطاحة بأربع حكومات على مدار أربعة عقود. (الصورة: الجنرال كنعان إيفرين قائد انقلاب 1980 في تركيا).

لم يشتر الأتراك البضاعة التي يبيعها الجنرالات. لذلك اضطر الضباط لإبقاء الجميع على الخط عبر استخدام الإكراه. مع تنحية الأسلحة المتطورة والقدرة التدميرية للجيش التركي جانبا، فإن التدخل المتكرر في السياسة يكشف عن ضعف واضح وليس عن قوة. كان الجيش يتدخل نظرا لأن الكمالية، الأيديولوجية الحاكمة ومنبع القوة المزعوم، كانت بلا معنى  بالنسبة معظم الناس.

يمثل الجيش المصري حالة مناقضة بشكل مذهل. باستثناء عامي 2011 و 2013، لم يكن هناك حاجة للتدخل المباشر في النظام السياسي المصري والتضحية بالقوة والدعم الشعبي للضباط الذين كانوا نادرا ما يرون خارج ثكناتهم ونواديهم. على عكس الأتراك، لم يكن لدى الضباط المصريين دوافع لفعل ذلك. النظام السياسي الذي يتواجدون ضمنه، والذي يعود تاريخه إلى اللحظة التي رسخ فيها الضباط الأحرار سلطتهم في إبريل/نيسان عام 1954،  يعمل بشكل جيد. وتبقى السردية القائمة حول دور الجيش في البلاد، مع وجود استثناءات ملحوظة، غير خاضعة لجدال كبير. تقوم الأمور على السردية التالية: في عام 1952 أطاح الجيش بسلالة حكم فاسدة. بعد ذلك بأربعة أعوام، دافعت القوات المسلحة ببطولة عن استقلال مصر حين نجحت في صد العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل). كانت الخسائر في شبه جزيرة سيناء في عام 1967 نتيجة العدوان الإسرائيلي. نجح جنود الجيش الأبطال في عبور قناة السويس المحتلة في أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، واستعادة الكرامة الوطنية المصرية، وفي نهاية المطاف استعادة الأرض بنجاح. الجيش المصري هو الضامن للاستقرار في البلاد والدافع نحو التحديث المتماشي مع القيم الإسلامية.

لا تعبر الطريقة المبتهجة التي استقبل بها المصريون من مختلف ألوان الطيف السياسي، ومن أعلى وأسفل السلم الاجتماعي الاقتصادي لتدخل الجيش للإطاحة بـ«مرسي» عن كراهتم للرئيس وقتها، بقدر ما تعبر عن مدى عمق وتعقيد الأساطير الإيجابية التي يحملونها حول القوات المسلحة. هذا هو السبب أنه على الرغم من تدهور الحالة الأمنية في مصر، واقتصادها المتعثر وسجلها المخجل في انتهاكات حقوق الإنسان، فإن «السيسي» وزملاءه الضباط لا يزالون يحظون بالكثير من الدعم.

عدم كفاءة مدبري الانقلاب في تركيا ربما تكون مذهلة، ولكن فشل انقلابهم لم يكن مفاجئا. الجيش التركي، منذ فترة طويلة، ضعيف سياسيا وهو أمر تشهد به انقلاباته الأربعة السابقة، وتدخله الفاشل نهاية الأسبوع الماضي.

  كلمات مفتاحية

تركيا مصر أردوغان السيسي مرسي انقلاب تركيا الجيش التركي الجيش المصري

«جورج فريدمان»: التداعيات المحلية والجيوسياسية للانقلاب الفاشل في تركيا

«واشنطن بوست»: لماذا فشل الانقلاب الأخير في تركيا؟

«ستراتفور»: كيف يمكن أن يؤثر انقلاب تركيا الفاشل على دورها الإقليمي؟

محاولة الانقلاب التركي الفاشلة.. انقلاب غريب بأسلوب القرن العشرين

محاولة انقلاب فاشلة في تركيا تنتهي باعتقال 1563 عسكريا

«القدس العربي»: فشل انقلاب تركيا بشارة بتغيّر المعادلة العربية فضحت انقلاب مصر

«نبوءة أردوغان»: كيف يجعل الانقلاب الفاشل الرئيس التركي أكثر قوة؟

مساعد رئيس الأركان التركي يعترف بضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة

انقلاب أفشله الشعب وحكومته المنتخبة وقواه السياسية

باعترافات المنفذين.. التفاصيل الكاملة لمحاولة اغتيال «أردوغان» ليلة الانقلاب الفاشل

«معاريف»: خيبة أمل قاسية في (إسرائيل) عقب فشل انقلاب تركيا

فشل الانقلاب: الطبقة الوسطى المتدينة ترسم مستقبل تركيا على حساب النخبة الكمالية

دراسة: فشل انقلاب تركيا يصب في مصلحة قوي التغيير في العالم العربي

واشنطن والانقلاب التركي

لماذا لا تصلح سردية الصراع الإسلامي العلماني لتفسير محاولة الانقلاب التركية؟

«الإندبندنت»: فشل انقلاب تركيا أنقذ المنطقة من تداعيات كارثية

الليبراليون الخليجيون والانقلابات العسكرية

الجذور الهشة للعلمانية التركية: لماذا تخلع تركيا ثياب أتاتورك؟

«ميدل إيست آي»: لماذا بدا الغرب راغبا في نجاح انقلاب تركيا؟

الدروس المستفادة من العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بعد انقلاب عام 1960

التكلفة الباهظة والفرصة التاريخية لمحاولة الانقلاب الفاشلة

حتى لا يقع انقلاب تركيا القادم

محاولة لفهم ما يجري في تركيا وتفسيره

ثلاث ملحوظات على تناولات عربيّة لتركيا

الأمل التركي: كيف يمكن أن تستفيد تركيا من انقلابها الفاشل؟

«و.س. جورنال»: هل فشلت المخابرات التركية في كشف محاولة الانقلاب قبل وقوعها؟

«نيويورك تايمز»: لماذا يعتقد معظم الأتراك بتورط الولايات المتحدة في الانقلاب الفاشل؟

روسيا أم الولايات المتحدة: أين تتجه بوصلة تركيا بعد الانقلاب الفاشل؟

قوة كبرى رغم مشاكلها.. الانقلاب الفاشل لن يؤثر على الدور الإقليمي لتركيا