استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن التطويع السلطوي للقانون: تجريم التظاهر السلمي في مصر

الثلاثاء 30 أغسطس 2016 03:08 ص

بين صيف 2013 واليوم، تمكنت السلطوية الجديدة في مصر من تكبيل الفضاء العام ومحاصرته بالقيود وفرض الخوف مجددا حقيقة كبرى لبلد مأزوم. 

يحكم جنرالات السلطوية الجديدة بعد فترة اتسمت بالحرية النسبية أعقبت ثورة 2011، وشجعت المواطن على الانخراط بفاعلية في إدارة شؤون البلاد عبر وسائل الحراك السلمي وصناديق الانتخابات، واستفادت منها منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي اكتسبت شيئا من الحيوية. يحكمون في ظروف أزمة معيشية مستحكمة تسببوا في حدوثها، ولا يملكون لها حلولا تتجاوز الترويج لمقولات «إنجازاتنا تفوق الخيال» التي لم تعد تطمئن الكثير من المصريات والمصريين، ولا يكفون هم عن الاعتياش عليها باستحواذهم على مصادر الثروة وباستثماراتهم الواسعة ونشاطهم الاقتصادي غير المراقب.

لذلك، لا يتوقف الجنرالات عن توظيف أدوات القمع المباشر المصممة لإخافة المواطن من مغبة التعبير الحر عن الرأي والعمل المعارض السلمي وتهجيره بعيدا عن الفضاء العام، وللقضاء على استقلالية منظمات المجتمع المدني وتهميش الأحزاب السياسية غير المسيطر عليها أمنيا واستخباراتيا. كما أنهم يواصلون تطويع الأدوات القانونية والقضائية لتعقب وتصفية المعارضين الفعليين أو المحتملين.

وواقع الأمر أن السجل القمعي لجنرالات السلطوية الجديدة بجرائمه المريعة من القتل الجماعي في رابعة والقتل المتكرر خارج القانون إلى التعذيب والاختفاء القسري توثقه بموضوعية تقارير عديدة لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية. أما تفاصيل تطويع الأدوات القانونية والقضائية وتداعياته الكارثية لجهة إفقاد الناس القليل المتبقي من ثقتهم في مفهوم العدل حيادية المؤسسات العامة، فلم تحصل على قدر معقول من الشرح والتحليل لا محليا ولا عالميا.

قد يتعلق هذا الأمر بالطبيعة الفنية للأدوات القانونية والقضائية، وقد يرتبط بالتعاقب السريع لجرائم الجنرالات الذين لا يمر يوم في حكمهم دون مظالم أو انتهاكات للحقوق والحريات. إلا أن الإحاطة الواعية بأدوات السلطوية الجديدة تظل مرهونة بشرح وتحليل النصوص القانونية التي أدخلها أو عدلها الجنرالات منذ صيف 2013 وبفهم خلفيات وأهداف تطويعهم للمحاكم، تماما كما يستحيل البحث عن سبل لاستعادة مسار تحول ديمقراطي دون تفكير منظم في كيفية تفكيك البنية القانونية والقضائية للسلطوية.

في هذا السياق، يستحق قانون «تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية» الذي أصدره في 24 تشرين الثاني / نوفمبر 2013 الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور (قانون رقم 107 لسنة 2013) والمعروف محليا تحت مسمى «قانون التظاهر» اهتماما جادا. ليس فقط لأن هذا القانون اللعين يقدم المسوغات الأساسية لسلب حرية عدد كبير من المصريات والمصريين من الشباب والطلاب والعمال ومن المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين ومن غيرهم، بل لأنه منذ تمريره يصنع وضعية «المواطن المهجر والمجتمع المطارد والدولة المجرمة» التي يطبقها الجنرالات ويحافظون على وجودها دون كلل. 

على الرغم من أن «قانون التظاهر» يقر في مادته الثامنة حق المواطن في «تنظيم الاجتماعات وتسيير المواكب والتظاهرات بالإخطار» الكتابي المسبق ـ ينبغي أن يسبق الإخطار الكتابي حدوث الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة بثلاثة أيام كحد أدنى وخمسة عشر يوما كحد أقصى، وأن يوجه الإخطار إلى قسم أو مركز الشرطة الذي يقع بدائرته النشاط المعني، إلا أنه يعود في مادته العاشرة ليلغي عملا حق المواطن في التجمع والتظاهر السلميين ويفرغ من المضمون الحق في التعبير الحر والعلني عن الرأي دون تهديد أو خوف من تعقب.

تمنح المادة العاشرة الأجهزة الأمنية سلطة مطلقة لإلغاء وتأجيل وتغيير مكان وتعديل مسار النشاط (الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة) استنادا إلى حصولها هي (أي ذات الأجهزة الأمنية) على «معلومات جدية أو دلائل» عن وجود ما يهدد الأمن والسلم. وتلك صياغة خطيرة تجعل من الأجهزة الأمنية الخصم والحكم في الوقت نفسه، وتطلق يدها في التعسف دون رقيب أو حسيب أو إطار موضوعي للتقييم.

كما أن سلطة الأمنيين هنا لا يرد عليها سوى القيد الشكلي محدود الجدوى المرتبط بما تنص عليه المادة العاشرة أيضا من جواز «تظلم مقدمي الإخطار» من قرارات المنع أو الإرجاء «أمام قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية» المختصة، وهو ما يفرض على المواطن صاحب الحق الاكتفاء بخانات رد الفعل.

كذلك يطلق القانون في مادته الرابعة عشرة سلطة الأجهزة الأمنية، ممثلة في وزير الداخلية ومديري الأمن الذين يلزمون بشيء من التنسيق مع المحافظين «كالوكلاء المحليين» لرأس السلطة التنفيذية، في سياق آخر بالغ الخطورة. للأمنيين تحديد «حرم آمن» أمام المرافق العامة بكافة أنواعها (العسكرية والمدنية والإدارية والخدمية) يحظر اقتراب الناس منه. 

كنتيجة متوقعة لنص كهذا في بلد يديره الجنرالات، توسعت الأجهزة الأمنية في توظيف «الحرم الآمن» للمنع العملي للمسيرات والتظاهرات السلمية التي يريد منظموها والمشاركون بها التوجه إما إلى مقار المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية المسؤولة عن صناعة القرار العام الذي أبدا لا يعدم جماعات المعارضين ومجموعات المتضررين أو إلى مقار المؤسسات الرسمية كأقسام الشرطة ودواوين المحافظات والمجالس المحلية التي يحتك بها الناس يوميا في شؤونهم الحياتية وتلحق بضعافهم ومهمشيهم المعاملة الأشد سوءا، ثم ينص القانون على إنزال طيف من العقوبات المالية والعقوبات سالبة للحرية بالمخالفين لأحكامه.

وأخطر ما في تلك العقوبات يتمثل في حظر فضفاض تحمله المادة السابعة ويجمع بين المنع المقبول لتورط منظمي الاجتماعات والمسيرات والتظاهرات والمشاركين فيها في الإخلال بالأمن العام والنظام العام أو في قطع الطرق والمواصلات أو في الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وبين المنع المفرغ لحق المواطن في التجمع والتظاهر السلميين من المضمون بالنص على تجريم تورط المنظمين والمشاركين في الدعوة إلى تعطيل الإنتاج أو تعطيله أو تعطيل مصالح المواطنين أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم.

فإذا كانت محظورات الفئة الأولى تقع في حدود ما يتوقع من قانون للتظاهر النص على تجريمه، فإن محظورات الفئة الثانية تلغي عملا الحق المستقر في المواثيق الدولية والمنصوص عليه في الدستور المصري (دستور 2014) في الإضراب الشرعي عن العمل وفي الاعتصام في مواقع العمل العامة والخاصة وفي التظاهر السلمي في الميادين الرئيسية والتي انطلق من إحداها قطار ثورة 2011 (ميدان التحرير).

ينهي «قانون التظاهر» نصوص الخوف والتعسف وإلغاء حقوق المواطن التي يقرها بمواده من الحادية عشرة إلى الثالثة عشرة التي تعطي للأجهزة الأمنية صلاحية استخدام الهروات وطلقات الخرطوش المطاطي وطلقات الخرطوش غير المطاطي لفض الاجتماعات والمسيرات والتظاهرات التي ترى هي بها (مجددا الأجهزة الأمنية كخصم وحكم) خروجا على الطابع السلمي.

من جهة لا يتضمن القانون تعريفا دقيقا لمفهوم «الخروج على الطابع السلمي»، أو تعيينا قاطعا لمظاهر ذلك الخروج. من جهة أخرى، ليس لتقنين «الفض بالقوة» غير أن يرتب توسع الأجهزة الأمنية في بلد يحكمه الجنرالات ويقمع به المعارضون ويتعقب به المواطن الحر في توظيف أدوات العنف الرسمي وفي تجاهل وسائل الفض الأخرى (المنصوص عليها في ذات المواد في سياق تدرجية الفض السلمي إلى الفض بالقوة).

في قتل المواطنة شيماء الصباغ في 25 كانون الثاني/يناير 2014 (ذكرى الثورة التي انقلب الجنرالات على مطلبها الديمقراطي) أثناء مسيرة سلمية صامتة (بالشموع) دليلا بينا على التداعيات الدموية لتقنين فض الاجتماعات والمسيرات والتظاهرات السلمية بالقوة.

٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة والجامعة الأميركية وعضو مجلس الشعب السابق. 

  كلمات مفتاحية

مصر السلطوية القمع القانون التظاهر حكم العسكر ثورة 2011 الحراك السلمي المعارضة الاستبداد

أكبر جمعية مغربية لحقوق الإنسان تدين انتهاكات السلطات المصرية بحق الناشطين

قانون التظاهر المصري... مخالفات دستورية بررت قمع المحتجين

«الداخلية» المصرية: التظاهر ضد «تيران» و«صنافير» خروج على الشرعية

رغم القمع الأمني .. معدل التظاهر خلال حكم «السيسي» تضاعف 5 مرات

«السيسي» يحذر من التظاهر في ذكرى ثورة يناير

الفرص الضائعة لإصلاح الاقتصاد المصري بعد الانقلاب