قانون الكنائس المصرية .. هل ينهي 160 عاما من الأزمات أم يُجددها؟

الثلاثاء 30 أغسطس 2016 08:08 ص

شكل قانون بناء الكنائس أزمة مستمرة بين الأنظمة الحاكمة في مصر والمسيحيين لفترات طويلة، حتي عُدّ أنه يواجه مصيرًا مجهولًا؛ هذا قبل أن يوافق مجلس النواب المصري (البرلمان)، في جلسته، اليوم الثلاثاء، بشكل نهائي وبأغلبية الثلثين عليه مُبدداً شكوكاً استمرة لسنوات طويلة في إمكانية أن يرى النور من الأساس.

وبحسب جريدة «البديل» المصرية في يناير/ كانون الثاني الماضي فإن القانون لابد من أن يحتوي على مواد غير متوافقة مع الرؤية القانونية للحكومة، فيما ذهب رأي آخر إلى أن الدستور الحالي يلزم مجلس النواب، بمناقشته وإصداره، في أول فصل تشريعي له، حتى لو لم تقره الحكومة.

أما ما حدث اليوم فإن الأطراف كلها اتفقت على إقراره: الحكومة، ومجلس النواب، والمسيحيين، ووفق صيغة توافقية جرى إعداداها خلال الفترة الماضية وشارك فيها الرئيس «عبد الفتاح السيسي» وهي غير معلنة من الأساس.

واستمرت المناقشات البرلمانية حول القانون حوالي 3 ساعات؛ ورفضه حزب النور السلفي؛ فلم يرفع نوابه أيديهم بالموافقة خلال التصويت على القانون، فيما هتف نحو ثلثا النواب بعد التصويت «تحيا مصر» و«عاش الهلال مع الصليب».

وكان مجلس النواب وافق، اليوم، من حيث المبدأ على قانون بناء وترميم الكنائس المقدم من الحكوم،بحسب وكالة أنباء «الشرق الأوسط».

أصل الأزمة

ترجع أزمة قانون بناء الكنائس بمصر إلى عهد الدولة العثمانية، تحديدًا في ولاية «سعيد باشا»، لمصر، حيث نص مرسوم الخط «الهمايوني»، الصادر عام 1856 ميلادية، في مادته الثالثة، على أن «السلطان شخصيًّا فقط هو من له الحق في ترخيص بناء الكنائس وترميمها، وكذا المقابر الخاصة بغير المسلمين»، مما أعاق بشكل مباشر بناء الكنائس، واستمر العمل بذلك المرسوم، إلى عام 1933 م، عندما وضع «العزبي باشا»، وزير الداخلية في ذلك الحين، 10 شروط لبناء الكنائس، بديلة عن مادة الخط «الهمايوني»، وظل القانون على ثوابته، حتى أعد «جمال العطيفي»، وكيل مجلس الشعب الأسبق، عام 1972 م، تقريرًا يحوي علاجًا للأزمات المتكررة الخاصة ببناء الكنائس، في أعقاب حادث الخانكة، في عهد الرئيس الأسبق «محمد أنور السادات»، وخرج ذلك التقرير بعدة توصيات، أهمها تعديل قوانين بناء دور عبادة المسيحيين، وهو ما لم يلق إرادة جادة من الدولة في تطبيقه، فذهب التقرير أدراج الرياح.

عهد مبارك

طوال فترة رئاسة الرئيس المخلوع «محمد حسني مبارك»، ظل وضع بناء الكنائس بكل المحافظات على حاله، فيما لجأت الكثير من «الإيبارشيات» إلى بناء كنائس غير مرخصة، أو إقامة الطقوس  المسيحية، في مباني الخدمات التابعة للكنائس؛ وكثيرًا ما تحدَّث البابا السابق «شنودة الثالث» عن تقرير «العطيفي»، في وسائل الإعلام المختلفة، كحل أمثل للقضية، من وجهة نظره، دون استجابة من النظام، حتى جاءت ثورة 25 من يناير/كانون الثاني.

المجلس العسكري

أعاد المجلس العسكري، حسابات القضية، وظهرت مساع لإصدار قانون موحد لدور العبادة للمساجد والكنائس على السواء، إلَّا أن القانون لاقى معارضة من الجانبين الإسلامي والمسيحي؛ بسبب الاختلافات الجوهرية بين المسجد والكنيسة في المكونات الداخلية والمساحة المطلوبة والكثافة السكانية اللازمة.

مشروع قانون

صرح «إبراهيم الهنيدي»، وزير العدالة الانتقالية السابق، في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي بأن الوزارة ستشكل لجنة من ممثلي الكنائس المصرية والحكومة؛ لدراسة مقترحات المسيحيين حول قانون بناء الكنائس، الذي كان منصوصًا في الدستور على إصداره بمجلس النواب.

 وبناء عليه توافقت آنذاك جميع الكنائس المصرية على مشروع قانون موحد لبناء الكنائس، وتضمن مشروع القانون، 20 مادة تنظم بناء الكنائس وملحقاتها، والأديرة والطراز المعماري لها، وفقًا لطبيعة المذاهب المسيحية، والمساحات المحددة لبناء الكنائس.

 وتم تسليم مشروع القانون إلى وزارة العدالة الانتقالية، التي لم تقبل بعض مواد القانون، وأرجعت مصادر أسباب الخلاف، إلى إصرار الكنائس على ترخيص المباني الكنسية، غير المرخصة، طوال الفترات السابقة، التي تصل نسبتها، إلى أكثر من 50% من المباني الكنسية بمصر، بالإضافة إلى احتواء القانون على أحقية محافظ المدينة في رفض بناء الكنيسة أو أي من المباني الملحقة خلال 30 يومًا، من موافقة الجهة الإدارية المختصة، صراحة أو ضمنًا، ما لم يتوافق عليه الجانبان، مما أدى إلى توقف الإجراءات اللازمة، وعودة قانون بناء الكنائس إلى نقطة البداية من جديد.

وقبل صدور القانون قال «صفوت البياضي» بأشهر، قال رئيس الطائفة الإنجيلية: « إن90% من كنائس مصر الخاصة بجميع الطوائف المسيحية، مبنية بدون ترخيص، فتصريحات بناء هذه الكنائس، تصدر بخصوص بناء مخزن لكنيسة، أو مبنى خدمات، لكنه يستخدم ككنيسة مستقلة».

قنبلة أم حل

ويبلغ عدد الكنائس المقامة في مصر نحو 3126 كنيسة بناء على إحصائية رسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، علاوة على عشرات الأديرة المنتشرة في ربوع المحافظات، وهي تتسع لنحو 24 مليون مصلّ، مع أن عدد الأقباط في مصر لا يتجاوز نسبة 10% من تعداد السكان البالغ عددهم أكثر من 90 مليون نسمة، ما يجعل من هذه المسألة قنبلة قابلة للانفجار أو الاحتقان، إذا جرى الإمعان في تداول الحديث عنها، والعزف على وترها.

وكشف باحث في الشأن المسيحي عن كثب لجريدة «العرب» اللندنية، اليوم الثلاثاء، أن رفض الأقباط لقانون دور العبادة الموحد «سببه الخوف من وضع الكنائس وأموالها تحت رقابة الدولة والجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة التضامن الاجتماعي، ما يفتح الباب على مصراعيه لـ(الطوائف) الأخرى للمطالبة بحقها في دور العبادة».

وأكد الباحث القبطي الذي رفض ذكر اسمه أن هذا الأمر أدى إلى إلغاء تراخيص العديد من الكنائس، ووقف أعمال البناء في كنائس أخرى، بصورة ربما تزيد من حدة التوتر والاحتقان الطائفي في مصر.

وعلمت الجريدة السابقة الذكر أن أسباب الخلاف تكمن في إصرار الكنائس على الحصول على تراخيص لمباني كنسية غير مرخصة، طوال الفترات السابقة، تصل نسبتها إلى أكثر من 50% من المباني الكنيسية في مصر، وهو ما تم الاتفاق على تضمنه في القانون في النهاية

وصرح المستشار «مجدي العجاتي» وزير الشؤون القانونية أنه تم بحث مقترح صياغة مشروع قانون بناء وترميم الكنائس في ضوء التوافق الذي تم بين الحكومة وممثلي الكنائس، مضيفًا أنه تم حل جميع الخلافات مع الكنيسة حول قانون بناء الكنائس والتوصل إلى حل في أزمة تقنين الكنائس التي تم بناؤها بدون ترخيص.

وقال إن القانون سيمنع تفجر المشكلات حول بناء الكنائس لمدة 100 عام قادمة.

الأنبا «بولا»، رئيس لجنة العلاقات العامة في الكنيسة، كشف عن تفاصيل قانون الحكومة وقال إنه تم حذف جميع المواد والمصطلحات التي كانت ترفضها الكنيسة في القانون ومنها الشرط الذي وضعته الحكومة في المادة الثانية من القانون والخاص بمساحة الكنيسة، كما تم حذف مادة أخرى كانت تنص على طلب التصريح لأي نشاط رياضي أو ثقافي داخل الكنائس أو خارجها وحذف المواد من رقم 9 إلى 17 والمتعلقة بالكنائس السابقة المبنية قبل وضع هذا القانون بدون استثناء. بحسب «العربية نت» الأحد 31 من يوليو/تموز الماضي.

وكانت مصر قد شهدت خلال الشهور القليلة الماضية عدة أزمات طائفية بسبب شائعات عن قيام بعض الأقباط ببناء كنائس على أراض ببعض القرى مثل: كوم اللوفي، وصفط الخرسا، وطهنا الجبل، وأبو يعقوب بمحافظتيّ المنيا وبني سويف الأمر الذي أدى إلى عقد الرئيس المصري، «عبد الفتاح السيسي»، اجتماعًا مع البابا «تواضروس الثاني»، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وعدد من أساقفة المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لمناقشة ومواجهة تلك الأزمات.

ووصل الأمر أخيراً إلى القانون الذي أقره البرلمان المصري بصورة مؤقتة، فهل ينهي التاريخ الطويل من الصراع حول بناء وترميم الكنائس أم يفتح الباب على مصرعيه لفصول أخرى منه، وربما مواجهات جديدة بين المصريين؟

المصدر | الخليج الجديد+متابعات

  كلمات مفتاحية

الكنائس قانون حل نزاع تجدد

بأغلبية الثلثين.. مجلس النواب المصري يوافق على قانون بناء وترميم الكنائس

«السيسي» يعتذر للأقباط عن تدمير الكنائس ويتعهد بترميمها في أقرب وقت