استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الأمة بين إقامة جسور التواصل وبناء جدران العزل

الثلاثاء 6 سبتمبر 2016 06:09 ص

الوحدة قيمة مقدسة لدى العقلاء، بينما الفرقة مذمومة وكذلك البغض والتناحر. وبرغم تباين الاعراق والثقافات لا يعدم البشر اسباب التقارب في ما بينهم، ابتداء بأبسط ظاهرة في المجتمع الانساني، وهي الزواج وصولا إلى رغبة الافراد والشعوب في تقارب شعوبهم واممهم وتوحدها. ولذلك اعتبر القرار البريطاني بالخروج من اوروبا خارج المألوف والمقبول لدى الكثيرين، وان كانت له اسبابه ودوافعه.

وتعبر الرغبة في الوحدة عن وعي حقيقي، وتعتبر مؤشرا لهيمنة العقل والمنطق، بينما تمثل المفاصلة والافتراق استسلاما لواقع مر وتعبيرا عن الهبوط والجهل. والشعوب المتوحدة هي القادرة على فرض التغيير، بينما تسعى قوى الاحتلال والاستبداد لتمزيق الشعوب وتبديد قوتها. ومن مؤشرات الوعي رفض الظلم والديكتاتورية، وكذلك التضامن من اجل الحرية واحترام حقوق البشر واقامة العدل.

أما حين تسود حالة التمزق فتستبدل تلك القيم بالتعصب والجهل وغياب المنطق. وهنا يهيمن الجهال على العلماء، وينظر للاصدقاء بعين العداء، ويتم التقارب مع الاعداء الحقيقيين، بسبب غياب القيم والمبادىء والمعايير. 

عندها يضيع الحق ويسود الباطل، وينتشر الظلم ويغيب العدل، وتنتشر ظواهر الاضطراب والخوف والجوع، وهي ظواهر ربطها القرآن الكريم بتفشي ظاهرة الظلم. والاستبداد ظلم، وكذلك الاحتلال، وتغييب العدل وتغليب لغة السلاح وتهديد حياة الانسان. وحين تعيش الامة مقهورة|، تنكفئ على نفسها ويتراجع دورها في التغيير، وتتحول إلى قوة سلبية غير فاعلة، وتصبح اكثر ميلا للسفسطة والاسترخاء والاستسلام للواقع الذي تعيشه، والاستماع إلى «نصائح» الاعداء.

وتعيش الشعوب العربية اوضاعها الحالية المزرية التي يشوبها الخلاف والحرب والتناحر الداخلي، نتيجة انقلاب قوى الثورة المضادة على ارادة الشعوب وكسر معنوياتها واحتواء تطلعاتها. وحين تهيمن تلك القوى الشريرة تشجع الفرقة والتناحر والاحتراب الداخلي والاستسلام للهيمنة الاجنبية والاحتلال الغاشم.

تعيش أمة العرب والمسلمين اليوم حالة من التمزق غير المسبوق، ويتسابق بعض قطاعات شعوبها لتكريس تلك الظاهرة التي يشارك فيها بعض «العلماء» و«المثقفين». وقد غاب العقلاء طوعا، او تم تغييبهم قسرا، عن الشؤون العامة، بعد ان لاحظوا صعود اصوات الفرقة والتناحر واستبدل العقل والمنطق بالعصبية والجهل، واستبدل الدين المؤسس على العقل والمنطق بالتعصب للمذهب استجابة لنزعات العصبية والجهل، ليس حبا في القيم السماوية المقدسة بل تحصنا وراء الخطوط التي رسمها الانسان.

وفيما يتصاعد اللغط في الولايات المتحدة الأمريكية مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية بعد شهرين، تتجلى ظاهرة الجهل والتعصب في مشروع المرشح الرئاسي دونالد ترامب، الذي يدعو لبناء جدار فاصل على الحدود مع المكسيك الذي ساد اللغط حول تمويل بنائه الاسبوع الماضي بعد لقاء ترامب مع الرئيس المكسيكي.

بناء الجدران تعبير بليغ عن الازمات، ويمثل جدار برلين الذي تم تشييده في ذروة الحرب الباردة في 1961، رمزية واضحة للاختلاف والتفرق.

وما ان انتفضت شعوب اوروبا الشرقية على واقعها حتى كان شباب برلين يتوجهون نحو ذلك الجدار ويزيلونه. فالحرية لا تقر التمزق او الانقسام، بل تدفع رعاتها لبذل الجهد من اجل تحقيق وحدة حقيقية قادرة على التحاور مع القوى الكبرى بهدف تحقيق ما يتطلع الشعب اليه. اما الجدار الذي شيدته قوات الاحتلال الاسرائيلية عند مدينة القدس لعزل الفلسلطينيين، فهو الآخر، مصداق للخلاف والاختلاف. وقد اصبح بناء الجدران بين الشعوب تصرفا ممقوتا لدى الكثيرين برغم ضرورته احيانا.

ففي الاسبوع الماضي بدأت الجزائر في بناء جدار ترابي عازل على حدودها مع ليبيا وتونس، لـ«أسباب أمنية تهم حماية الأراضي الجزائرية من تسلّل المقاتلين الجهاديين»، حسب ما قاله مسؤولون جزائريون. وقد شرعت السلطات الجزائرية في بناء الجدار على الجانبين الحدوديين التونسي والليبي.

هذا الجدار سبقه آخر قامت به الحكومة التونسية على الحدود مع ليبيا لوقف تسلل الإرهابيين، اعتبر مقبولا لدى الكثيرين، ولكن العقلاء يرفضونه نظرا لرمزيته غير الايجابية. وتشهد الحدود الجزائرية الليبية محاولات اختراق مستمرة من طرف المهربين والمهاجرين غير الشرعيين من مختلف الجنسيات.

وفي العام الماضي تداولت اوساط عراقية مقترحا لبناء جدار عازل وسط بغداد لشل حركة الإرهابيين بين مناطقها ذات الانتماءات الدينية والعرقية المتعددة. ولم يجد المقترح طريقه للتنفيذ بعد ان سيطرت الحكومة على الوضع الامني في العاصمة. بينما استأنفت السلطات التركية الاسبوع الماضي بناء جدار إسمنتي على الحدود مع سوريا في قضاء «قرقامش» بولاية «غازي عنتاب» جنوبي البلاد. وذكرت وكالة أنباء «الأناضول»، أن الهدف من بناء الجدار هو مكافحة الإرهاب ومنع عمليات التسلل إلى الأراضي التركية من الجانب السوري، وذلك عقب تطهير المنطقة من الألغام التي زرعها تنظيم «داعش» الإرهابي.

وقبل شهرين أقامت حكومة البحرين حواجز من الاسلاك الشائكة لعزل منطقة الدراز بهدف منع المواطنين من دخولها لزيارة الرمز الديني الاكبر في البلاد. واعتبرت تلك الخطوة تجسيدا لازمة، وليس حلا لمشكلة. فالشعوب قادرة على اختراق جدران العزل والفصل، وحين تتوفر لها فرصة هدمها تبادر لذلك بهمم رفيعة، كما حدث لجدار برلين في 1989، اذ تم هدمه في فترة زمنية قياسية.

جدران العزل والفصل ليست هي التجلي الوحيد لظواهر الفرقة والاختلاف. فهي ظاهرة مادية ملموسة تستثير الناس للعمل لهدمها لأنها تحد عميق لانسانيتهم. اما البعد الاخطر للفرقة والانقسام فيتمثل بتجمد مشاعر البشر امام مظاهر الموت والقتل والاحتراب العبثي. فحين تركن الامة للصمت امام الموبقات فانها تحكم على نفسها بالزوال التدريجي. حين تتكلس المشاعر امام مشاهد الموت والدمار اليومي فذلك مؤشر للوفاة وموت القلب وتلاشي الضمير.

عندما تمر مشاهد القتل الوحشي للبشر والتفنن في تمزيق الاشلاء، سواء بالعمليات الانتحارية ام قطع الرؤوس وتمزيق الجثث واستخدام المناشير الكهربائية لتقطيع الاوصال او سحل الموتى او تنفيذ احكام الاعدام بالحرق او الاغراق، وسوى ذلك من الاساليب الوحشية، بدون ان تصدر صيحات الاستنكار والرفض والتضامن لوقف ذلك، فان الامة تكون قد قطعت شوطا كبيرا على طريق الموت. حين يستمر قصف افقر بلد عربي على مدى 18 شهرا بدون توقف ولا يصدر صوت واحد لوقف الحرب، فان ذلك افلاس اخلاقي وقيمي غير مسبوق.

وحين يتواصل تدمير آثار الامة وتراثها التاريخي بايدي جهالها ويستخدم الدين غطاء لذلك، فما الذي يشد الامة إلى تاريخها الخاص او التاريخ الانساني الذي ينتمي البشر اليه؟

ما معنى ان تزهق الاسبوع الماضي ارواح جميع افراد عائلة امام مسجد (16 فردا) بضربة جوية في شمال اليمن ويقتل هو ونجلاه وزوجتاهما واطفالهما جميعا بدون ان يرف جفن لذلك؟

وماذا يعني ازيز الطائرات في اجواء قرى العرب والمسلمين ليلا ونهارا بدون توقف، ولا تكون هناك ردة فعل او تصريح او موقف واضح او دعوة صريحة لوقف الحروب العبثية؟ أذلك مؤشر لصحة الامة ام موتها؟

ما الذي جرى لهذه الامة لكي تغيب عنها مشاعرها الإنسانية وتتكلس ضمائرها فلا يبقى شيء يحرك منها ساكنا؟

تختزن ذاكرة الجيل المتقدم في العمر من العرب روح الوطنية والإنسانية التي صدحت يوما: بلاد العرب اوطاني، وكل العرب اخواني. هل كان ذلك شعارا فارغا من المعنى والصدق؟

وحين يصدح شباب الامة بالنشيد الذي كثيرا ما رددته الاذاعات العربية «التقدمية»: من المحيط الهادر، إلى الخليج الثائر، لبيك عبد الناصر، أليس ذلك تعبيرا عن وضع مختلف تماما عما يعيشه العرب اليوم؟

لم يكن عبد الناصر حاكما مثاليا كما لم يكن اي من حكام عصر التحرر الوطني من العرب وغيرهم، ولكن الهتاف المذكور ينسجم مع واقع عربي مختلف، ومشاعر يتطلع اصحابها لمستقبل من الحرية ويتنصلون من الهيمنة الغربية.

أوليس ذلك نسخة من مشاعر شعوب الامة ليس ايام الرسالة فحسب، بل ايام ثورات الربيع العربي قبل اقل من ستة اعوام. 

الشعوب يومذاك تحررت من قيود الاستبداد وأصرت على استعادة سيادتها، فقد كبرت نفوس ابنائها وتناغمت قلوبهم، فهتف المشرقيون دعما للمغربيين، وسادت الامة اجواء الوئام والحب والتضامن، وتفاعلت الشعوب الاخرى معهم، واعتقد الجميع ان غدا مشرقا ينتظر العرب بعد نهضة شعوبهم من اجل الحرية.

لكن سرعان ما انقلب الامر وتردت الامور واستعادت قوى الثورة المضادة تماسكها فانقضت على الجماهير بدون رحمة ونكلت بها ايما تنكيل. عندما انطلقت الشعوب لتحقيق احلامها في الحرية والديمقراطية والاستقلال، لم يكن اي منها ينتظر دعما من الخارج، بل كانت سواعد ابنائها كفيلة بانجاح الحراك الجماهير الذي تحول سيلا جارفا يهدد عروش الطغيان والاستبداد.

كان الضمير حيا، والمشاعر ملتهبة، وأفق التغيير واضحا، ولكن سرعان ما حدث اكبر انقلاب في التاريخ المعاصر على قوى التغيير، فاذا بالسجون تفتح ابوابها للنزلاء الجدد ممن تحدى السلطان وهتف بالتغيير وصدح ضد الاحتلال. لا يمكن انكار ما احدثته وحدة الامة في مسارها التحرري وهدفها والتئام شملها على طريق الحرية من خوف شديد في نفوس الذين مارسوا الديكتاتورية والاستبداد واولئك الذين فرضوا الاحتلال ودعموه وذادوا عنه. 

السؤال هنا: كيف استطاعت القوى الشريرة الانقضاض على مشاعر الخير والحب والحرية والوحدة في نفوس العرب والمسلمين واستبدلتها بالتمزق وثقافة الكراهية والتطرف والطائفية والإرهاب؟

ألم يحن الوقت لصحوة ضمير وعقل توقف التداعي وتعيد التوازن وتحفظ الامة وتحمي الدين والإنسانية من وبال هذه الامراض القاتلة؟

٭ د. سعيد الشهابي كاتب بحريني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الأمة التواصل جدران العزل الوحدة الفرقة المجتمع الانساني