أيدلوجية «الدولة الإسلامية» أسسها التعليم السعودي!

الأربعاء 29 أكتوبر 2014 12:10 ص

نشرت «الدولة الإسلامية» في الآونة الأخيرة «دليلا إرشاديا» لنظام المدارس التي تسيطر عليها في العراق وسوريا، والهدف المُعلن من وراء هذا «الدليل الإرشادي» - الذي يحمل إذنا بالطبع والنشر من أمير المؤمنين «أبوبكر البغدادي» – هو «اجتثاث الجهل ونشر علوم الشريعة».

وعلى الرغم من أن «الدليل الإرشادي» يتسم بالتطرف والهيمنة والرجعية إلا إن بعض العناصر الرئيسية في البرنامج التعليمي لتنظيم «الدولة الإسلامية» شبيه بدرجة كبيرة لما يجده المرء في نصوص الكتب الدراسية السعودية؛ خاصة تلك الكتب الدراسية التي تدرس في المدارس العامة على مستوى المرحلتين المتوسطة والعالية، فالأساسات الأيدلوجية للتعليم العالي في السعودية مبنية على الفكر «الحنبلي-السلفي-الوهابي».

لا يكاد يوجد فارق واحد باستثناء التركيز على الدولة القومية، في الوقت الذي يقبل فيه التعليم السعودي وغيره من الدول العربية والإسلامية بالحدود المرسومة بين الدول والأخلاقيات الوطنية، فإن «الدولة الإسلامية» ترفض وجود ما يُسمى بحدود الوطن داخل دار الإسلام، ولا تعترف بدولة مستقلة داخل تلك الدار، وبدلا من ذلك فهي تنادي بدولة «الخلافة».

«الدليل الإرشادي» الجديد يطالب المدرسين بالتأكيد على «نظرية الخلق»، ورفض «داروين»، واجتثاث الموسيقى والفنون، وتعليم التاريخ من منظور «الإسلام السني»، ونبذ «الحداثة» على أن تكون الدروس غير مُختلطة بين الجنسين.

نصوص الكتب الدراسية السعودية

معظم المناهج الدراسية لدى «الدولة الإسلامية» تجد جذورها في نصوص الكتب الدراسية السعودية؛ خاصة في المراحل المتوسطة والعالية، كل المواد الدراسية – اللغة العربية والأدب والتاريخ والتربية الوطنية والقيم الحضارية والسلوك – تدرس طبقا لتفسيرات «الإسلام السنّي».

وتتغلغل تفسيرات «الحنبلية-السلفية-الوهابية» في حصص التربية الدين؛ خاصة تلك التي تُركّز على الشريعة والفقه والحديث، وحتى العلوم البيولوجية والفيزيائية تدرس من خلال المنظور الديني الذي يرفض «الحداثة» لصالح المذهب التقليدي.

النظريات العلمية مسموح بها فقط بما لا يتعارض مع عقيدة التوحيد وربوبية الله، فالله خلق كل شيء وكل مخلوق، ولا وجود لنظرية «الانفجار العظيم» ولا «نشوء وتطور داروين».

حتى منهج الجغرافيا يناقش حدود المنطقة من منظور إسلاميٍ، على سبيل المثال؛ يتعلم الأطفال أن «الصهاينة» احتلوا دولة فلسطين بصورة غير قانونية، وأن الأمة الإسلامية يوما ما ينبغي عليها أن تعيد «الأقصى»؛ القبلة الثالثة إلى قبضة الحكم الإسلامي، و«إسرائيل» على سبيل المثال؛ لا تظهر على خريطة العالم العربي في كتب مادة الجغرافية بالسعودية.

المناهج التعليمة الدراسية تشبه إلى حد كبير ما تفرضه «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا في محاولة منها لحشو عقول الطلاب بأفكار معينة وإغلاقها على مبادئ لا يرون غيرها؛ منها على سبيل المثال: لا تسامح مع ديانات أخرى، وربما مع طوائف أخرى تحت مظلة الإسلام، والشيعة «مرتدون أو روافض»، فهناك تمييز الشيعة في السعودية والبحرين في الوظائف الحكومية الرئيسية ووزارة الدفاع ومناصب الأمن القومي.

ونشأ الشباب السعودي اجتماعيا في مدارس عامّة متشربا أهمية الإسلام على المستوى الشخصي والعائلي والقومي، وعندما يواجه الإسلام تهديدا – في العقيد ة والأرض – فعلى المسلمين فريضة الجهاد ضد أعداء الإسلام.

ويناصرُ التعليم السعودي تلك الأيدلوجية التي يحملها تنظيم «القاعدة» و«الدولة الإسلامية»، فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية شارك الشباب المسلم بأعداد ضخمة في الجهاد على مستوى العالم الإسلامي من أفغانستان حتى الشيشان، ومن البلقان حتى العراق وسوريا.

المملكة العربية السعودية تشارك في التحالف الأمريكي ضد «الدولة الإسلامية»، وما زالت أيدلوجية جهاديي «الدولة الإسلامية» يتعلمها الشباب السعودي، حكومة المملكة تحدثت عن سلام مُحتمل مع «إسرائيل» لتنسحب إلى حدود 1967م في الوقت الذي لا يرى الشباب السعودي وُجودا لـ«إسرائيل» على الخريطة التي يدرسونها في كتبهم الدراسية.

في حالة أن الشباب السعودي تعلم واجب الجهاد في مواجهة «الحرب على الإسلام» كما أعلن «أسامة بن لادن» لسنوات، ونظروا إلى «الدولة الإسلامية» باعتبارها «مدافعة» عن حياض الإسلام، فإن هذا الشباب لن يستوعب سبب انضمام حكومتهم لـ«أعداء» الإسلام في «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن.

لقد أصبح الأمر معقدا للغاية؛ خاصة منذ أن أقر علماء الدين في السعودية - وبشدة - تلك المناهج التعليمية التي تُجبر «الدولة الإسلامية» التلاميذ والطلاب على تعلمها في العراق وسوريا.

وتلعب الكتب الدراسية دورا محوريا في تعليم الشباب السعودي وتنشئته اجتماعيا، فمعظم المدرسين في المدارس السعودية غير حاصلين على شهادة جامعية من كليات معنية بتخريج المدرسين، ويعتمدون على الكتب الدراسية فقط في عملية التدريس. وحتى الذين تخرّجوا من جامعات فإنهم حصلوا على شهاداتهم من كليات مُعلمين لم يحصلوا فيها إلا على دراسات إسلامية أو لغة عربية بمجالاتها كالأدب والنحو.

وزارات التعليم والشئون الدينية التي تعجّ بالسلفيين توافق على المناهج الدراسية، ولها وحدها الكلمة الأخيرة بشأن ما يُدرّس في المدارس.

ولا يُسمح للمدرسين الخروج عما تضمنه نصّ الكتاب، أو حتى إعطاء حكم تحليلي أو اقتراح رأيه في مادة الكتاب أو القضايا الآنية التي ربما تمت بصلة لموضوع المناقشة، فطريقة الحفظ تسيطر على عمليتي التعليم والتعلم؛ فليس هناك مجالا للتفكير النقدي، ولا أحد يشجع التفسير المنطقي.

المدرسون والطلاب لا يسعهم إلا قبول ما يجدونه بالكتب من تفسيرات؛ خاصة إذا ما كانت تلك التفسيرات منسوبة إلى القرآن أو الحديث أو الشريعة، وبغض النظر عن المادة فإن هذه الكتب تُثير الكثير من التساؤلات التي بحاجة لإجابات وتوضيحات.

آثار السياسية

ماذا لو كانت المناهج التعليمية لـــ«الدولة الإسلامية» تسير جنبا إلى جنب مع التعليم السعودي؟ هل تتحرك الولايات المتحدة وغيرها من الدول لتنّبي أي خطوات أو إجراءات تجاه ذلك؟

وقبل سنوات عدّة رفعتُ تقريرا إلى شخصيات بارزة في صناعة القرار في الولايات المتحدة وغيرها من الدول بشأن المناهج التعليمية في السعودية، والرسالة الجهادية التي تصل إلى الشباب، والتطرف الذي يسلكون طريقه، ولقد كان ذلك بمثابة عمل استخباراتي تمّ إهماله بصورة تستوجب المحاسبة تساعد الدبلوماسيين الغربيين في التحدث إلى القادة السعوديين حول مشكلة مُحددة ليعالجوها.

وطبقا لتقارير إعلامية؛ فإن المسؤليين السعوديين كان من السهل إقناعهم بقبول مراجعة الكتب الدراسية بهدف تلطيف الرسالة الإسلامية؛ لكن لسوء الحظ لم يكن هناك أي خطوات.

علماء الدين السعوديين يرفضون أي مراجعات للكتب الدراسية، مُعتبرين ذلك تدخلا من أجانب غير مسلمين في التعليم الديني في المملكة، بعض من هؤلاء العلماء وصل إلى حد وصف هذه المطالب المتزايدة بأنها «مؤامرة» على الإسلام، ولم يجد الدبلوماسيون الذين طرحوا القضية حيال ردود الفعل تلك سوى أن يتراجعوا.

اهتمامات أخرى في السنوات الأخيرة – تشمل العراق وإيران ونتائج الربيع العربي ومكافحة الإرهاب والتجارة والنفط والجهاديين ضد «بشار الأسد»، ومُؤخرا جدا بناء تحالف ضد «الدولة الإسلامية» – جاءت في المقام الأولى قبل التفكير في «إصلاح» الكتب الدراسية السعودية.

لقد ناقشت في مقال سابق أنه على الرغم من أن هزيمة واحتواء «الدولة الإسلامية» هو أمر ممكن من خلال التعامل مع أسباب التطرف الأيدلوجي؛ وإلا حتى لو تمكنّا من القضاء «الدولة الإسلامية» من دون معالجة هذا الأمر فتنبعث مجموعات أخرى من رمادها لتكمل طريقها.

«الدليل الإرشادي» الأخير الخاصّ بالتعليم الذي أصدرته «الدولة الإسلامية» هو نموذج صارخ لما عليه استراتيجيتنا الخطأ الرامية إلى التعامل مع جذور الإرهاب، فمناقشة الكتب الدراسية السعودية هي الخطوة الأولى تجاه «إضعاف ثم تدمير» تنظيم «الدولة الإسلامية».

 

المصدر | اميل نخلة - لوبي لوج

  كلمات مفتاحية

الدولة الإسلامية السعودية التحالف الدولي

استطلاع رأي لـ«الخليج الجديد»: 66% غير راضين عن سياسات «الدولة الإسلامية»

واشنطن تبحث مع حلفائها سبل القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية فكريا

«معهد واشنطن»: 8% فقط من السعوديين والمصريين يدعمون «الدولة الإسلامية»

السعودية.. 20 لقاء فكريا في كافة مناطق المملكة لمكافحة "التطرف"

السعوديون نفذوا 60٪ من عمليات «الدولة الإسلامية» الانتحارية في العراق

ملك السعودية وقادة «الدولة الإسلامية» وأمراء موسيقي البوب الأكثر تأثيرا في العالم!

أمريكي يعترف بدعم «الدولة الإسلامية» ماديا ومحاولة التحاقه بالتنظيم فى سوريا

«الدولة الإسلامية» تُجهز «جيل الخلافة» القادم

«الدولة الإسلامية» يقر موازنة 2015 بفائض متوقع 250 مليون دولار

اتفاق خليجي لتوحيد المناهج الدراسية وتنقيحها من «التطرف والإرهاب»

«الجفري» يحمل كتب الشيخ «بن عبدالوهاب» مسؤولية ظهور «داعش»

«الإفتاء المصرية» تتهم «ابن عثيمين» بـ«الضلال».. ونشطاء: «السيسي» يورط السعودية مع فرنسا

علماء دين سعوديون: «ابن عثيمين» بريء من فتاوى هجمات «الدولة الإسلامية»

«التعليم السعودية» تشدد رقابتها على مكتبات المدراس لمواجهة «التطرف»

سحب كتب «حسن البنا» و«القرضاوي» و«قطب» من المدارس السعودية

مصادرة «كتب الإخوان» من معرض جدة .. والحظر لم يشمل كافة الجامعات بعد

مدير تعليم الطائف يهدد طالب بسبب سؤال .. ونشطاء: يعلمونهم سياسة تكميم الأفواه