إجابات يجهلها «السيسي».. الفقر والقهر ردا على وسم «بنهرب ليه من مصر»

الاثنين 26 سبتمبر 2016 06:09 ص

العزف على وتيرة العيش الرغيد وحلم الثراء والخلاص من عسر الحياة هو ما تستعمله عموما عصابات الهجرة غير الشرعية لاجتذاب الشباب العربي بمن فيهم الشباب المصري.

القوارب القديمة المتهالكة المكدسة بأعداد كبيرة من راغبي الهجرة مشهد يتكرر كذلك في مصر، حيث يستقل هؤلاء الشباب بعض هذه المراكب سواء للسفر بها إلى ليبيا ومن هناك إلى أوروبا أو للسفر بها إلى قبرص أو اليونان مباشرة.

ويكاد لا يمر عام إلا وتسلط وسائل الإعلام الضوء على حادثة مروعة يتعرض لها فوج من الشباب المصري الحالم بالسفر إلى «شاطئ الثراء» على الجانب الآخر من البحر المتوسط، حيث تعود جثث هؤلاء إلى ذويهم ليواروها الثرى بعد أن غرق مركبهم وضاعت أموالهم وتلاشت أحلامهم.

وكشفت حادثة غرق مئات المهاجرين، الأربعاء الماضي، أمام سواحل مدينة رشيد شمالا، أن مصر باتت معبرا لآلاف المهاجرين غير النظاميين لأوروبا، بعد أن انخرط صيادون ضاقت بهم السبل في هذه التجارة.

ووفق تقديرات «المنظمة الدولية للهجرة غير النظامية»، تحتل مصر المركز الثاني في محاولات شبابها الهجرة غير النظامية.

وتذكر إحصائيات «الأمم المتحدة» أن نحو 10 آلاف مهاجر غرقوا في البحر المتوسط في طريقهم لأوروبا منذ 2014، منهم 2800 منذ بداية 2016.

وتتضاربت التقديرات بشأن ضحايا المركب المنطلق من مدينة رشيد المصرية، لكن السلطات أكدت أن 166 لقوا حتفهم غرقا بينما أنقذ 165 من بين 600 كانوا على متن المركب المتجه إلى أوروبا، فيما لا يزال المئات في عداد المفقودين.

#بنهرب_ليه_من_مصر

وتزايدت حدة التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي كرد فعل لغرق مركب الهجرة غير الشرعية بمدينة رشيد، وذلك عقب التصريحات التي خرجت من بعض المسؤولين وأعضاء مجلس النواب الذين تساءلوا عن أسباب الهجرة وأدانوا الشباب الذين اتخذوا قرار الهجرة غير الشرعية.

ودشن رواد التواصل الاجتماعي وسما بعنوان «#بنهرب_ليه_من_مصر»، والذي تنوعت التعليقات من خلاله ما بين الساخر والمحزن ليرد البعض ببساطة وسخرية على بعبارات، مثل «من كتر الإنجازات»، و«والله قلنا السجون زحمة قلنا نموت في البحر»، و«مصر بتهرب مننا»، والعديد من التعليقات التي أشارت إلى المزيد من الأسى.

الوسم الذي تصدر «تويتر» بأكثر من 36 ألف تغريدة نشر خلاله صور الأهالي وهم في انتظار ذويهم وصور الطفل الذي غرق بالمركب، مع المزيد من التعليقات التي ألمحت إلى ضياع أحلام الكثير من الشباب في البقاء بمصر، وأن الغلاء والعديد من السلبيات في مصر كانت وراء تفكير الجميع في الهجرة.

المغرد «فارس عايش» للنضال كتب: «عشان الاحتلال العسكري اللي احتلنا وقاعدين في البلد مستنين الموت حسبي الله ونعم الوكيل اللهم الطف بنا»، فيما كتب حساب «سهرعبدالعزيز» قائلا: «افرجوا عن مصر المخطوفه من العسكر.. واحنا منهربش».

وسخر المغرد «Blak&White» قائلا: «انا انسان لعين يااخي بهرب من النعمه والخير والعدل واحترام حقوق الانسان والتعليم المحترم والصحه المحترمه انا غاوي فقر»، كما سخر «حساب رئيس تويتر» مغردا: «معرفش الصراحة يمكن عشان الانجازات الكتير والفلوس والقصور والعربيات والغنى الفاحش اللى احنا فيه»، وكتب حساب «طبيب الفلاسفة»: «في مصر كل شيء متاح مفيش متعة الشقا والحرمان والمعاناة والفقر.. بنهرب من مصر عشان بنحب نعيش المغامرة».

وعلق حساب «@medo_2396» قائلا: «علشان انا مش في الجيش ولا الشرطه ولا الاعلام ولا القضاء ولا رجل اعمال موالي للنظام».

وطن يجهله «السيسي»

وفي عتمة الظلام الذي يعيشه المصريون والسواد الذي تتشح به أسر الضحايا من غرقى المركب المنكوب، خرج الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، اليوم الاثنين، بعد زهاء أسبوع على وقوع الحادث بسؤال أحمق للمهاجرين، قائلا: «سايبنا وماشي ليه مزعلنا ومزعل أهلك ليه، هتسيبوا بلدكم ليه؟».

علامات الاستفهام المصطنعة التي بدت على وجه «السيسي»، ولغة جسده الباردة تدلل على أنه يعيش عالما موازيا في قصره المحصن وبين سياراته المصفحة وطائراته الفارهة وسجادته الحمراء، إما غير مدرك للواقع المرير الذي يعيشه المصريون والفقر المدقع الذي يئن منه المواطن، وإما محاولا إخفاء فشله وإلقاء اللوم على المسؤولين لا سيما وإن اعتبر نفسه مسؤولا عن رقاب المواطنين التي دأب على إخضاع الكثير منها لسطوته، تارة بالترهيب والتعذيب، وتارة أخرى بلقمة العيش والغلاء ومطالبة الشعب الذي لم يعد يجد ما يسد به رمق جوعه بالتبرع من قوته لتمويل مشاريع وهمية وأخرى فاشلة لم يجن منها المواطن سوى ارتفاع الأسعار وتردي الأوضاع المعيشية برمتها.

ولم يكتف «السيسي» بأسئلته التي أثارت المزيد من استياء المصريين، لكنه وبدلا من أن يواسي أسر الضحايا ويعلن عن حلول ناجعة لمن ضاقت بهم سبل العيش في وطنهم، طالب «السيسي» بجمع (الفكة) من العملة، قائلا: «يعني مينفعش نأخد معرفش تعملوها إزاي، الفكة الخمسين قرش والجنيه في المعاملات تتحط في حساب لصالح المشروعات والخدمات».

الدعوة الجديدة التي أطلقها «السيسي» لجمع (الفكة) من طبقات الشعب التي ترزح تحت وطأة الفقر، ربما ستجد طريقها سريعا إلى وسائل الإعلام المصرية التي اعتادت على الترويج لمثل تلك الحملات، وإبراز إنجازاته الوهمية دون توجيه أي انتقاد لما آلت إليه الأوضاع وما خلقه النظام من (مناخ تشاؤمي) اتهم معارضيه بإشاعته دون أن يلتفت إلى أن هذا المناخ يخضع بالكامل لبطش سيطرته.

انسداد الأفق الاقتصادي

وفي ذات السياق، قال رئيس تحرير صحيفة «المشهد» المصرية الأسبوعية «مجدي شندي» إن مصر باتت نقطة انطلاق لما يسمى قوارب الموت المتجهة إلى أوروبا، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة في ليبيا التي كانت تحتل مركز السبق في هذا المجال منذ سنوات، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر.

وعزا «شندي» ظاهرة الهجرة غير النظامية من مصر ودوافعها كون غالبية من ماتوا غرقا بحادثة مركب رشيد من المصريين، إلى الظروف الاقتصادية وتفشي البطالة وسط فئة الشباب، داعيا إلى تنمية حقيقية في البلاد لاستيعاب الشباب من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل.

من جهته، قال الباحث في قسم العلوم السياسية بجامعة برلين الحرة الدكتور «أحمد بدوي»، إن هناك مشكلة هيكلية في فلسفة الدولة المصرية تجاه التنمية، وعليها أن تجري مراجعة شاملة وجذرية لأسلوبها في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وحول أمر الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» تشديد إجراءات تأمين المنافذ البرية والبحرية والشواطئ لمنع التسلل إلى الأراضي المصرية، قال إن المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، معتبرا أن المشكلة تكمن في وجود نموذجين متناقضين للتنمية في الدولة المصرية.

ووصف «بدوي» مصر بأنها دولة شبه منهارة يحكمها أناس ليست لديهم كفاءة، ولديهم فرصة أخيرة ووحيدة هي الاستفادة من قرض «صندوق النقد الدولي» البالغ 12 مليار دولار، لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد ومحاربة الفساد في غضون سنتين أو ثلاث، وإذا لم يحدث ذلك فسيكون هناك فشل ذريع وسقوط مدو.

وأكد على أن الحل في مصر يكمن في التنمية الحقيقية واقتلاع الفساد من جذوره، لكن هذه مشكلة كبيرة لأن من يحارب الفساد هم الفاسدون أنفسهم.

إلى ذلك، اعتبر الدكتور «محمد محسوب» وزير الشؤون القانونية والبرلمانية المصري السابق أن مصر أصبحت بلدا مصدرا للهجرة غير النظامية من شعبها لا من الشعوب الأخرى فقط، وليست معبرا لها فحسب.

وقال إن الدولة المصرية لا تتبنى أي سياسة للتنمية، وإنما تفتح المجال للمؤسسة العسكرية للاستحواذ على مقدرات البلد والتنمية.

بدوره، اعتبر الدكتور «مصطفى شاهين» الأكاديمي المصري ومدرس الاقتصاد في كلية أوكلاند الأمريكية أن في مصر عدم عدالة في توزيع الدخول، حيث يوجد 44% من المصريين تحت خط الفقر، مشيرا إلى أن الطبقة المتوسطة تنهار تماما في المجتمع المصري.

وقال إن ما يحصل في مصر الآن هو صراع طبقي، مشيرا إلى أن سعي المصريين للهجرة ومنهم أطفال وبمساعدة أسرهم، سببه انسداد الأفق الاقتصادي أمامهم وظاهرة الفساد المتفشي في البلاد. 

وصمة عار

وقال المتحدث باسم «منظمة الهجرة الدولية»، «ليواردو دويل» إن غرق مجموعة من المهاجرين قبالة السواحل المصرية يشكل وصمة عار أخرى للعالم.

وأضاف «دويل» أن السلطات المصرية تتحمل جانبا مهما من المسؤولية، ولابد من اتخاذ قرارات صحيحة لإنقاذ الجميع.

ويحاول كثيرون عبور البحر المتوسط إلى إيطاليا من الساحل الأفريقي خلال أشهر الصيف خاصة من ليبيا، وينطلقون أيضا من سواحل مصر.

ويضع المهربون مئات المهاجرين غير النظاميين في مراكب متهالكة، مما يعرضها للغرق في منتصف الطريق بفعل الأمواج العالية.

ومع إغلاق طريق البلقان الذي كان يسلكه المهاجرون الراغبون في الوصول إلى دول شمال أوروبا وإبرام اتفاق بين «الاتحاد الأوروبي» وأنقرة لمكافحة الهجرة انطلاقا من تركيا، بدأ الراغبون في الوصول إلى أوروبا البحث عن خيارات أخرى.

وبالرغم من أن المبالغ المالية التي يتحملها الشاب الراغب في الهجرة يمكن أن تكون أساسا لا بأس به لتغيير حياته في بلده إذا قرر أن يبذل الجهد نفسه الذي من المؤكد أن يبذله في أرض المهجر، لكن يظل دوما حلم الغنى والثراء أكبر أثرا من كل حديث يستند إلى مفردات الواقع.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مصر الهجرة غير الشرعية غرق عبدالفتاح السيسي الفقر البطالة