استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«حياة القبور»

السبت 1 أكتوبر 2016 11:10 ص

العنوان أعلاه هو لتقرير صدر قبل يومين عن منظمة "هيومان رايتس ووتش"، يرصد مأساة المعتقلين المصريين في سجن طرة شديد الحراسة، والمعروف بـ"سجن العقرب". يوثق التقرير، من خلال مقابلاتٍ مع أقارب سجناء ومحامين وسجين سابق، الأوضاع البائسة التي يعيشها المعتقلون داخل هذا السجن الكئيب. وكان كاتب هذه السطور قد وصف هذا السجن في مقال سابق بأنه "غوانتانمو" مصر، حيث لا تقع المعاناة فقط علي نزلائه، وإنما أيضاً على أهاليهم الذين، حسب إفادات كثيرين منهم، لا يستيطعون التواصل مع ذويهم داخل المعتقلات. 

تقرأ التقرير، فتشعر وكأنك تعيش في عالم آخر موازٍ، ينتمي إلى عصور الظلام في القرون الوسطى، أو كأنك تعيش في الحقبة النازية أو الفاشية أو الستالينية التي شهدت أبشع انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، تحت وطأة هذه الإيديولوجيات الشمولية. وإذا كان السجن، بحسب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، أكثر مؤسسات الحداثة إفراطاً في الرقابة والعقاب، بعد مؤسسة الدولة، فإنه، في حالتنا هذه، يتجاوز مفهوم الرقابة والعقاب، لكي يصل إلى درجة الحرمان من الحياة لأسبابٍ سياسية. وقد وثّق التقرير وفاة نزلاء في سجن العقرب، أبرزهم القيادي الإخواني، فريد إسماعيل، ورئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، عصام دربالة، وغيرهما. 

وإذا كان تقرير "هيومان رايتس ووتش" يوثّق حالات الوفاة داخل السجون التي تحدث نتيجة لأسباب مختلفة، منها نقص، وأحيانا منع، الدواء عن المعتقلين، وعدم الرعاية الصحية ونقل المرضى إلى المستشفيات في الحالات الحرجة، إلا أن أوضاع من هم على قيد الحياة لا تختلف كثيراً في بؤسها ومراراتها عن أوضاع هؤلاء، فهم يعيشون، كما وصفهم التقرير ببراعة، حياةً أشبه بـ"حياة القبور"، فهم شبه معزولين عن العالم الخارجي، ولا يتمتعون بالحقوق الدنيا التي تكفلها لهم لوائح السجون وقوانينها، كالتريض والعناية بالنفس والأغطية والأكل النظيف. أما الأكثر من ذلك فهو ما يورده التقرير عن أعداد المعتقلين والسجناء، حيث يفيد بأن ما يقرب من 67 ألف شخص تم اعتقالهم منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، ينتمي معظمهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهو الرقم الذي كانت السلطات المصرية تشكّك فيه باستمرار، على الرغم من اعترافها باعتقال ما يقرب من 34 ألف شخص. 

لذا، لم يكن غريباً أن تهاجم الحكومة المصرية، خصوصاً وزارة الداخلية، تقرير "هيومان رايتس ووتش"، وأن تعتبره، كما العادة، "جزءاً من المؤامرة العالمية التي تستهدف تشويه صورة مصر"، بيد أن الأكثر غرابةً جاء من ناشطين في حقوق الإنسان، أو هكذا يدّعون، انتقدوا التقرير واعتبروه "مسيّساً". بل يصل البؤس إلى مداه، حين يغضّ المجلس القومي لحقوق الإنسان الطرف عما ورد بالتقرير من معلومات وشهادات، ولا يتخذ أي إجراءاتٍ لحماية حقوق المعتقلين داخل سجن العقرب. 

قرأنا كثيراً عن معتقلات جمال عبد الناصر، وما فعله بالشيوعيين والإخوان المسلمين في الخمسينات والستينات، وتأثرنا بروايات رموز سياسية عن "حفلات التعذيب" التي كانت تحدث داخل السجون في ذلك الوقت. ولكن ما يحدث الآن في سجون الجنرال عبد الفتاح السيسي ووزير داخليته، مجدي عبد الغفار، يتجاوز بكثير ما كان يفعله عبد الناصر ووزير حربيته شمس بدران في حق المعتقلين، إلى درجةٍ بات يترحّم فيها بعضهم، ويا للمفارقة، على سجون الخمسينات والستينات. 

يشير ما أورده تقرير "هيومان رايتس ووتش" من حقائق وشهادات إلى أن مدى الانحدار والبؤس الذي وصلت إليه الأوضاع السياسية في مصر، منذ تولي العسكر مقاليد البلاد قبل ثلاثة أعوام، ولربما قريباً تتحول حياة المصريين جميعاً، وليس فقط السجناء، إلى ما يشبه "حياة القبور"، إن لم يكن هذا ما هو حادث الآن.

* د. خليل العناني أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جونزهوبكنز الأميركية

  كلمات مفتاحية

مصر سجن العقرب حقوق الإنسان التعذيب رايتس ووتش السيسي حكم العسكر المعتقلين الانقلاب

كيف يموت المعتقلون في «سجن العقرب» بمصر؟