تصفية قيادات الإخوان في مصر.. الانقلاب يصعّد المواجهة لكنّ التداعيات غير محسوبة

الثلاثاء 4 أكتوبر 2016 04:10 ص

سيناريو متكرر في أكثر من محافظة مصرية؛ جثامين ملقاة على الأرض، طلقات اخترقتها من مسافات قريبة، تهتكات وكسور في جثث الضحايا، بيانات رسمية بوقوع اشتباكات بين مطلوبين وقوات الأمن، تضارب في الروايات المتداولة، أبرز ملامح مسرح العمليات التي تنفذها وزارة الداخلية المصرية بحق معارضين لنظام «عبدالفتاح السيسي».

ومنذ تولي وزير الداخلية الحالي، «مجدي عبد الغفار»، مهام منصبه في مارس/آذار 2015، تكررت حوادث قتل طالت عناصر معارضة للانقلاب العسكري، وبينها قيادات بـ«جماعة الإخوان المسلمين»، ومعارضون من تيارات سياسية أخرى.

وبينما تدعي الأجهزة الأمنية في مصر أنهم قتلوا بعد مبادرتهم بإطلاق النار على الأمن، يؤكد ناشطون معارضون وجماعة الإخوان المسلمين، عبر بياناتها وتصريحات مسؤولين فيها، أنه تم تصفيتهم بشكل متعمد؛ الأمر الذي تعززه دلائل عدة على مسرح الأحداث.

عملية «البساتين»

القيادي «محمد كمال»، الذي كان يشغل عضوية مكتب إرشاد «جماعة الإخوان»، منذ تعيينه في هذا المنصب عام 2011، أبرز ضحايا مسلسل الاغتيالات الذي طال كوادر وقيادات الجماعة منذ الإطاحة بها من الحكم في انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

الرواية الرسمية لوزارة الداخلية المصرية تقول «إنه تم تكثيف الجهود على مدار الأيام الماضية (...) ما أسفر عن تحديد مكان محمد كمال في شقة سكنية كائنه بالعقار رقم 4147 بالدور الثالث منطقة المعراج علوى/ (بمنطقة) البساتين/ (التي تتبع) محافظة القاهرة حيث تم استهدافه مساء أمس الاثنين».

وأضافت الوزارة، عبر بيان لها، إنه «عقب استئذان نيابة أمن الدولة العليا للقبض على المذكور فوجئت القوات الأمنية بإطلاق أعيرة نارية تجاهها من داخل مكان تواجده (كمال)؛ ما دفع القوات للتعامل مع مصدرها وهو ما أدى لمصرعه».

الشكوك تحيط بالرواية الرسمية خاصة مع توارد أنباء على مواقع إخبارية مصرية قريبة من أجهزة سيادية في البلاد، تؤكد خبر القبض علي «كمال» حيًا قبل ذلك بساعات.

وما يزيد الشكوك، أن خبر القبض على «كمال» حياً، ومعه القيادي الإخواني «ياسر شحاتة علي رجب»، شرق القاهرة، كان منسوبا إلى وزارة الداخلية في الساعة العاشرة من مساء الإثنين، حسب صحيفة «اليوم السابع»، المعروفة بعلاقاتها بالأجهزة الأمنية.

في تمام الساعة 12:44 من صباح اليوم الثلاثاء، نقلت الصحيفة ذاتها عن مصدر أمني، قوله إن "الأجهزة الأمنية داهمت وكراً للعناصر الإرهابية بضاحية المعادى فى القاهرة، بعد تبادل إطلاق النار مع القوات، وأن المواجهات أسفرت عن مقتل محمد كمال».

وحتى الساعة الـ10 من مساء اليوم، لم تنشر وزارة الداخلية أي صور للقياديين الإخوانيين بعد مقتلهما، أو صور الأسلحة والذخيرة التي عثر عليها في مسرح الاشتباكات، على غرار ما فعلته إبان تصفية قيادات الإخوان في مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة)، العام الماضي، وهي الصور التي تحولت، آنذاك، إلى دليل إدانة للوزارة بشأن نهجها سياسة التصفية والاغتيال خارج إطار القانون.

«رواية إخوانية» جديدة

وفق بيان للجماعة صدر منذ ساعات، نشره متحدثها الإعلامي «محمد منتصر»، قالت إن جماعة الإخوان المسلمين قد تأكد لديها بعد البحث والتوثيق بالأدلة والشهود، إنه تم اعتقال «محمد كمال» و«ياسر شحاتة» من الشارع، ومن ثم اقتيادهم إلى مقر سكنهم، وتصفيتهم داخل المسكن.

وعرض بيان الجماعة، تسلسلا للأحداث، قالت إنه بدأ بإلقاء «قوات أمن الانقلاب القبض على الشهيد الدكتور محمد كمال، في غضون الساعة الخامسة عصرا، بمنطقة المعادي، خلال توجهه مع مرافقه الأخ الشهيد ياسر شحاتة، بسيارة إلى إحدى المستشفيات بالمنطقة لإجراء فحوصات عاجلة للدكتور كمال، لإصابته المتكررة بأزمات صدرية خلال الفترة الماضية».

وأضافت: «فقدت الجماعة الاتصال بالدكتور محمد كمال خلال ذلك التوقيت، بانقطاع اتصال هاتفي بين الأخ ياسر شحاتة مع آخرين بشكل مريب».

وتابعت: «بعد البحث والتوثيق تأكدنا من قيام أجهزه أمن الانقلاب، باقتياد الدكتور محمد كمال ورفيقه الأخ ياسر شحاتة، إلى مكان اقامة الشهيد كمال، وذلك بعد القبض عليهما، وقد تمت مشاهدتهما أثناء صعودهما لمقر سكنهما وسط حراسات أمنية».

وأشارت الجماعة في بيانها، إلى أنه «سُمع دوي إطلاق 5 رصاصات داخل المسكن الخاص بالدكتور في غضون الساعة السابعة مساء».

واستطرد البيان: «تم استدعاء سيارة إسعاف في الثانية عشر من منتصف الليل، لنقل جثمانين من العمارة التي وقعت بها حادثة الاغتيال».

بصمات «6 أكتوبر»

تعد العملية الأبرز والأخطر في انتهاج أسلوب الاغتيالات والتصفية بدم بارد، وجرت وقائعها في شقة سكنية بمدينة 6 أكتوبر مطلع يوليو/تموز 2015، والضحايا كانوا 13 من قيادات الجماعة أثناء اجتماع تنظيمي لبحث دعم أسر المعتقلين والشهداء بالجماعة، ومن أبرزهم «ناصر الحافي»، البرلماني السابق، و«عبدالفتاح محمد إبراهيم»، مسؤول لجنة دعم أسر المعتقلين، والدكتور «هشام خفاجي»، مسؤول المكتب الإداري لجماعة الإخوان في محافظة القليوبية (شمال القاهرة).

جاءت حادثة التصفية بعد أقل من مرور 48 ساعة من وعيد الرئيس «عبدالفتاح السيسي» بتنفيذ أحكام الإعدام بحق قيادات «الإخوان»، بعد مقتل النائب العام المصري «هشام بركات» بانفجار سيارة ملغومة بالقاهرة  في 29 يونيو/حزيران 2015.

وزارة الداخلية المصرية في بيانها، آنذاك، قالت «إنه بتاريخ أول يوليو(تموز) الجاري تمت مداهمة وكر التنظيم المنوه عنه بعد استصدار إذن من نيابة أمن الدولة العليا، وأنه حال اقتراب القوات من وكر التنظيم المشار إليه بادرت العناصر المتواجدة به بإطلاق النيران على القوات التي ردت سريعًا على مصدر النيران»، ونتج عن المواجهة مقتل العدد المذكور.

لكن الصور التي بثتها «الداخلية» للضحايا، في ذلك الوقت، أظهرت دلائل قاطعة تفيد بإطلاق النيران على قيادات الإخوان من الظهر؛ ما ينفي وضعية الاشتباك التي أوردها بيان الوزارة، فضلا عن ظهور «البصمة» بأصابع اثنين من جثث الضحايا، في إشارة إلى أنه تم القبض عليهم أولا واستجوابهم وأخذ بصماتهم "فيش جنائي" لاستكمال أوراق القضية، ثم تصفيتهم بدم بارد.

شهادة «زينهم»

أظهرت صور عملية «6 أكتوبر»، وفق خبير بالطب الشرعي، صحة اتهامات «جماعة الإخوان المسلمين»، لقوات الأمن، بتصفية قيادات الجماعة الـ13.

إذ قال «إسماعيل حامد هانجي»، الأستاذ في قسم الطب الشرعي، بكلية الطب في جامعة أنقرة، أنه حلل الصور التي نشرتها وزارة الداخلية المصرية على صفحتها الرسمية على موقع «فيس بوك»، مضيفا: «توجد طلقات في خزينة السلاح الذي قيل إنه للشخص المقتول، لكن فارغة طلقات السلاح الرشاش تكون أكبر، لذلك فإن الفارغة الوحيدة التي تظهر في الصور ليست من هذا السلاح، ويمكننا أن نستنتج من ذلك أنه لم يحدث إطلاق نار من هذا السلاح؛ لأنه لا توجد فوارغ طلقات سلاح رشاش في مسرح الحدث».

وفي معرض رده على سؤال لوكالة «الأناضول»، عما إذا كان من المحتمل أن تكون قد جرت تصفية القتلى في مكان آخر ومن ثم أُحضروا إلى المكان الذي يظهر في الصور، رأى «هانجي» أن «ذلك ممكن؛ حيث يُفترض في مثل هذه الحالات بروز بقع دماء أكثر، ونزف دماء بكمية أكبر من الشخص المقتول، لكن لا يظهر شيء من هذا القبيل في مسرح الحدث؛ ما يشير إلى أن احتمال مقتلهم في اشتباكات يعد ضعيفا، وأن احتمال تصفيتهم يبدو أقوى».

تصريحات الدفن الصادرة من مشرحة زينهم بحق قيادات «الإخوان المسلمين» الذين تمت تصفيتهم، بمدينة السادس من أكتوبر، كشفت النقاب عن وجود كدمات وتهتكات بالأحشاء وكسور بالعظام، وآثار حبر على أصابع بعض الضحايا؛ ما يثبت فرضية تعرضهم للتعذيب قبل قتلهم بالرصاص الحي.

جثث مقطوعة الأطراف

هناك حوادث أخرى تظهر دلائل على تنفيذ القوات الأمنية عمليات تصفية بحق المعارضين.

ففي أغسطس/آب من العام الماضي، أعلنت وزارة الداخلية المصرية، عن مقتل سبعة أشخاص كانوا مطلوبين على ذمة قضايا، وقتلوا في اشتباكات في محافظتي الجيزة (غرب العاصمة) والفيوم (وسط مصر)؛ إثر مبادرتهم بإطلاق النار على قوات الأمن التي حضرت للقبض عليهم، حسب بيان الوزارة آنذاك.

الضحايا هم: «عبد العزيز مراد»، و«عبدالفتاح عبد الناصر»، و«ربيع خراد»، و«عبد الناصر علواني»، و«عبد العزيز هيبة»، و«عبدالسلام حتيتة»، و«مجدي بسيوني».

وفي مقابل الرواية الأمنية، اتهمت «جماعة الإخوان المسلمين» قوات الأمن بتصفية المعارضين الستة في الفيوم، وقالت إن «ميلشيات النظام الانقلابي قامت بقتلهم وتصفيتهم ومثلت بجثثهم؛ حيث ظهرت جثثهم مقطوعة الأطراف؛ ما يدل على تعذيب بشع ومجرم (بحقهم) من بلطجية الداخلية».

«خلية حلوان»

وفي يونيو/حزيران الماضي، رصد مركز حقوقي مصري ما قال إنه تضارب واضح في بيان وزارة الداخلية حول تصفية 3 أشخاص في مدينة رأس البر بمحافظة دمياط (شمال)، بتهمة انتمائهم لـ«خلية حلوان».

الثلاثة الذين تمت تصفيتهم هم: «وليد حسين محمد حسين، 27عامًا مندوب مبيعات أدوية، و محمود طلعت طلعت أحمد 28عامًا كهربائي، ومحمد عبد الهادي محمد محمود 40عامًا».

وأكد مركز «النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب»، أنه لا صحة لما نشر على صفحات الأمن بإعلانها مقتل واحد والقبض على الاثنين الآخرين، ثم إعلان مقتل اثنين والقبض على واحد فقط، وفي النهاية أعلنوا تصفية الثلاثة، مشيرًا إلى أنه تمت تصفية الثلاثة في آن واحد.

وأوضح المركز أن الصورة الأولى التي انتشرت لأحد الضحايا لم يكن يحمل سلاحًا، لكن صفحات الأمن نشرت صورة أخرى ظهر بجانبه سلاح لتلفيق التهمة له، وهو ما يبين تضارب بيان وزارة الداخلية، حسب تأكيد «النديم».

النتائج والداعيات

تصفية «محمد كمال»، وغياب الحبكة القانونية والإجرائية عن بيانات «الداخلية المصرية»، ربما يحقق للنظام الحاكم في البلاد مكسبا على المدى القصير بالتخلص من قيادي بارز بالجماعة، وإبراق رسالة شديدة اللهجة للمعارضين باعتماد سيناريو الاغتيال خارج إطار القانون.  

وسياسيا، تؤشر الحادثة إلى أنه لا نية لدى النظام للتهدئة أو تغيير تعامله الأمني الوحشي مع معارضيه.

وبالاضافة إلى تزايد احتمالات تصاعد العنف ضد النظام، والرد على الاغتيالات بعمليات مماثلة أو زيادة نشاط حركات أو جماعات مسلحة، «حسم» و«لواء الثورة» نموذجا، فإن اغتيال «محمد كمال» ومرافقه، قد يدفع إلى مزيد من الضغوط والإدانات الحقوقية والدولية ضد نظام «السيسي»، ويعزز على جانب آخر دعوات الاصطفاف الثوري في الشارع المصري.

«ترقبوا ثورة شعب باتت قريبة بعد أن انكشفت أمامه حقيقتكم وتبينت له جرائمكم»، كانت رسالة الإخوان في بيانهم الرسمي ردا على عملية الاغتيال، التي تصدرت، عبر وسم «#محمد_كمال»، المرتبة الأولى في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» في مصر.

كما أعلن مكتب الإخوان في الخارج أنه لن يقيم عزاء حتى يثأر لمقتل «كمال»، وهي، فيما يبدو، رسالة لها ما بعدها.

ليس مستبعدا تكرار عمليات التصفية خارج القانون، في ظل توالي عمليات قتل مواطنين على يد أمناء الشرطة، واستمرار تجاوزات المؤسسة الأمنية بحق سجناء الرأي والمعتقلين السياسيين؛ الأمر الذي يؤكد أن أطرافا مؤثرة داخل نظام «السيسي» تدفع في إتجاه التصعيد، لكن الأمر برمته قد يحمل معه ما يقلب السحر على الساحر.

«كمال»، الذي يعد أرفع شخصية بالجماعة تقتل منذ إعلانها جماعة «إرهابية» في ديسمبر/ كانون الأول 2013، ربما يتسبب في صداع مزمن للنظام، ويدفع بالجماعة إلى النزول بقوة للشوارع والميادين من جديد. 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

محمد كمال جماعة الإخوان تصفية قيادى وزارة الداخلية المصرية خلية حلوان