لماذا فاز العدالة والتنمية بانتخابات المغرب البرلمانية؟

الثلاثاء 11 أكتوبر 2016 09:10 ص

قبل أيام من موعد الانتخابات البرلمانية التي جرت بالمغرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وفي ذروة الحملة الانتخابية، خرج «عبد الإله بنكيران»، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ليقول إنه سيعتزل الحياة السياسية إن لم يتصدر حزبه الانتخابات.

لم يكن هذا التصريح عابرًا في خطابات وتصريحات «بنكيران» الكثيرة في هذه الفترة، بل إنه أصر عليه في أكثر من مناسبة، مما جعل الكثير من المحللين يعتبرون أن الرجل رفع تحديًا لم يسبقه إليه أحد من رؤساء الحكومات السابقة واعتبر هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على شخصه ومساره.

وعندما سألت «الأناضول» «بنكيران»، قبل ساعات من انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول، عن مغامرته بربط مستقبله السياسي بتصدر حزبه في هذه الانتخابات، والرسائل الضمنية لهذا التحدي، أجاب بقوله: «أنا شخص لدي مسار وأطروحة دافعت عنها، وهي الإصلاح في ظل الاستقرار».

وأضاف أنه منذ انتخابه أمينًا عاما للحزب في 2008 وإعادة انتخابه في 2012، وبعد قيادة الحكومة منذ 2011، «كل المؤشرات تدل على الحزب سيتصدر المشهد السياسي، وإذا لم يقع هذا كما في الديمقراطيات كلها، فإن الشخص الذي كانت عنده رؤية ولم يستطع تحقيقها، يستقيل، ولماذا لا استقيل».

لذلك كان أول نطق به «بنكيران» للصحافة، لحظة وصوله للمقر المركزي للحزب بالرباط، بعد ساعتين على إغلاق مكاتب التصويت، هو إعلان نحاجه في التحدي بقوله: «الراجح أن حياتي السياسية لم تنته». وتابع: أن «النتائج التي بلغنا بها إلى الآن إيجابية جدا كما توقعنا».

لم ينته ليل الجمعة الطويل، وإلا وقد ربح «بنكيران» الرهان بإعلان وزير الداخلية المغربي تصدر حزب العدالة والتنمية نتائج الانتخابات بمقاعد أكبر مما حصل عليه في 2011، كما توقع «بنكيران».

حصيلة الحكومة

في أول تعليق له بعد إعلان تصدر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية، قال عبد «الإله بنكيران» إن «حزب العدالة والتنمية بعد ترأس الحكومة لخمس سنوات، وبعدما قام بالإصلاحات والإنجازات التي قام بها، واهتم بميزانية الدولة وأوقف الإضرابات الشائكة والعشوائية، وبعد أن اهتم بالفئات الهشة.. فإن الشعب المغربي اليوم جازى (كافأ) الحزب بالتصويت له بكثافة».

في تصريح «بنكيران» ما يفصح على اعتراف الناخبين الذين صوتوا لحزبه بنجاح حكومته، وأنهم صوتوا على ما يعتبره «بنكيران حصيلة مشرفة لهذه الحكومة، رغم أن قطاعات كثيرة لا تتفق مع التقييم الذي تعطيه هذه الحكومة لحصيلتها، خصوصا فيما يتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد ورفع الدعم عن قطاع المحروقات، وما تعتبره زيادات طالت أثمنة المواد الأساسية.

وتعتبر أن حصيلتها في أحسن الحالات «لم ترق إلى ما كان يطمح ليه المغاربة»، خصوصًا أن هذه الحكومة جاءت بعد حراك الربيع العربي وتعديل الدستور.

لكن الحزب الذي قاد هذه الحكومة لم يتضرر انتخابيًا ما يعتبرونه حصيلة سلبية لها، بل رفع من عدد مقاعده بحوالي 18 مقعدًا إضافيًا في البرلمان مقارنة مع 2011.

وبذلك «سقطت فرضية التصويت العقابي» ضد العدالة والتنمية، حسب «حسن طارق»، أستاذ العلوم السياسية، والبرلماني السابق عن حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض.

واعتبر «طارق» أن «الناخبين عموما لم يحولوا سلوكهم الانتخابي إلى موضوع للمساومة النقابية بين مصالحهم الاقتصادية وعروض الحكومة».

هذه الخلاصة يجد «طارق» تفسيرها في عاملين اثنين، أولهما يتعلق بما وصفه التقاطب الحاد الذي أنتجته خطابات كل من قادة العدالة والتنمية من جهة والأصالة والمعاصرة (المعارض) من جهة أخرى.

ويوضح قائلًا: «هذه الخطابات لم تجعل الحصيلة الحكومية والعرض البرامجي موضوعا للنزال الانتخابي، معوضة ذلك برهانات سياسية فوق برنامجية، رهان مواجهة التحكم (يقصد انتقاد حزب العدالة والتنمية لما يعتبره إرادة من أطراف نافذة في الدولة للتحكم في القرار السياسي والاقتصادي في البلاد خارج الشرعية الانتخابية) من جهة ورهان مواجهة الأسلمة (اتهام حزب الأصالة والمعاصرة لحزب العدالة والتنمية بكونه يحمل مشروعا لأسلمة المجتمع) من جهة أخرى».

أما العامل الثاني، يتابع «طارق»، فهو أن «الناخبين المُنتمين إلى فئات من الطبقة الوسطى، والمفترض تضررهم من السياسيات الاجتماعية للحكومة، لم يجدوا في المقابل أمامهم بديلًا مقنعًا وذي مصداقية»، حتى ولو لم يكونوا راضين عن حصيلة الحكومة.

وهذا الوضع جعل الكثير من المتابعين يعتبرون أن حكومة «بنكيران، استفادت من «ضعف المعارضة»، والتي كان أغلبها في الحكومات السابقة على الربيع العربي، وحدا بـ«الحسن بوقنطار، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الرباط، أن يقول في مقال له، الاثنين، إن «مجموعة من الممارسات غير المدروسة من طرف خصوم العدالة والتنمية ربما أدت إلى تدعيمه أكثر من النيل من شعبيته».

«كاريزما» بنكيران

بقدرته التواصلية اللافتة، وبقفشاته التي لا تفارقه، وبلغة بسيطة قريبة مما يتداوله بسطاء المغاربة، يحضر «بنكيران في يوميات الحياة السياسية في المغرب.

خصومه يعتبره شعبويًا، لكن أنصاره يصرون على أن البساطة في حياة الرجل أصيلة وليست مصطنعة. ومهما اختلفت آراء الناس حوله، فإن شخصية «بنكيران» طبعت الحياة السياسية المغربية بنموذج من الزعماء لم يتعودوا عليه.

لذلك فإنه جل من يتحدثون على النجاح الانتخابي والسياسي لحزب العدالة والتنمية لا يغفلون «أثر بنكيران»، حسب تعبير «طارق».

ويرى أستاذ العلوم السياسية أن «بنكيران» أحد العوامل المفسرة للقوة الانتخابية والسياسية لحزب العدالة والتنمية، «خاصة مع التدبير السياسي لمرحلة الحملة الانتخابية وما قبلها، وتطوير بنكيران شبكة من المفاهيم والرموز الدلالية للتواصل الفعال والنافذ مع الشعب»، ما جعل «بنكيران» يربط بين مستقبله السياسي وفوز حزبه.

في الاتجاه نفسه، يقول «الحسن بوقنطار» إنه لا يمكن إغفال «الإسهام الواضح» لـ«بنكيران» في هذا السياق «فقد تمكن خلال السنوات الخمس الماضية من تمرير صورة رجل لا يخلو من تلقائية ومن رغبة في ممارسة السياسة بمفهومها الأصلي المتمثل في تدبير الشأن العام».

حضور «بنكيران هذا جعل شعار «الشعب يريد بنكيران من جديد»، أحد أكثر الشعارات التي رفعت في الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، إلى جانب «الشعب يريد ولاية ثانية» (يقصدون ولاية حكومة ثانية بعد انتهاء الولاية الأولى)، في المهرجانات الخطابية الحاشدة التي حضرها بنكيران طيلة أيام الحملة، وهو يرفع تحدي الفوز في الانتخابات أو الانسحاب من السياسة.

غير أن الذين يقرون بـ«أثر بنكيران» في فوز النجاح الذي حققه حزبه، يقرون بالتوازي بما يعتبرونه «قوة تنظيمية»لهذا الحزب والفعالية النضالية لأعضائه ومتعاطفيه.

وفي هذا السياق يقول «الحسن بوقنطار»، إن «حزب العدالة والتنمية يستفيد من كتلة ناخبة متجانسة ومعبأة كما من تجند (حشد) كافة ناخبيه وإدلائهم بأصواتهم».

وتابع: الحزب «نجح في تعبئة الطاقات الحزبية وفي استمالة جزء من الرأي العام الذي تعاطف معه، خاصة عندما يعزف على نغمة المظلومية وعلى مصداقيته في مواجهة خصومه».

وظل الحزب يراكم وجوده في المحطات الانتخابية التي شارك فيها منذ سنة 1997. فبعدما كان يقتصر وجوده على بضعة مدن، استطاع أن يكتسح جميع المدن الكبرى في البلاد، في الانتخابات البلدية في سبتمبر 2015، ويعزز هذا الحضور في انتخابات 7 أكتوبر، ويتوسع حتى في البوادي، التي ظلت نقطة ضعفه الكبرى.

الحكومة المعارضة

«أنا أعمل خمسة أيام في الأسبوع في الحكومة أدافع عن الدولة والمقاولة الجادة والمجتمع والشعب والفئات والهشة، لكن يومي السبت والأحد (يومي العطلة الأسبوعية) لما أتجول مناطق المغرب أول في اجتماعات الحزب أعلن موقفي ضد الفساد والاستبداد لأنهما ليس في صالح لا الدولة ولا المجتمع ولا المقاولة»، هكذا خاطب «بنكيران مناصريه في أحد المهرجانات الخطابية في الحملة الانتخابية الأخيرة، ردا على منتقديه الذين يتهمونه بتقمص لغة المعارضة وهو يقود الحكومة.

يبدو خطاب بنكيران تهكميًا على أحزاب المعارضة، لكن كثير من المراقبين يرون أن من بين ما يفسر تصدر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البرلمانية الأخيرة بل وزيادة عدد مقاعده بمجلس النوب بـ 18 مقعدًا إضافية رغم قضائه خمس سنوات في الحكومة، راجع إلى ما يعتبرونه ضعف في المعارضة التي لم تستطع أن تكون بديلًا يقنع الناخبين بالتصويت عليها لخلافة الحكومة الحالية.

على أن المعارضة التي قال «بنكيران» إنه يقوم بها في عطلة نهاية الأسبوع، لم تجن ثمارها كل مكونات الائتلاف الحكومة، فإذا كان «الحزب الذي قاد الحكومة لم تستنزفه الممارسة الحكومية، ولم تنل من متانته التنظيمية والتعبوية»، حسب «الحسن بوقنطار»، فإن أحزاب الإئتلاف الحكومي فقدت العديد من المقاعد في البرلمان في هذه الانتخابات مقارنة مع انتخابات 2011.

وخسر حزب التجمع الوطني للأحرار (يمين وسط) 15 مقعدًا، وفقد حزب الحركة التقدم والاشتراكية 6 مقاعد وحزب الحركة الشعبية 5 مقاعد.

لكن خسارة بعض أحزاب المعارضة كانت أكبر، باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة الذي انتقل من 47 مقعدا سنة 2011 إلى 102 مقعدًا في انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن حزب الاتحاد الاشتراكي (يسار معارض) خسر 19 مقعدا، وحزب الاستقلال خسر 16 مقعدا، والاتحاد الدستوري 4 مقاعد.

تعاون لا صراع

ظل حزب العدالة والتنمية يدافع في أعقاب الربيع العربي عما يعتبره خيارًا ثالثًا بين خياريّ «المحافظة على الوضع القائم»، وخيار ما يعتبرونه «مغامرة بالنظام»، رافعين شعار «الإصلاح في ظل الاستقرار»، و«محاربة الاستبداد والفساد». واختصر الحزب مشروعه السياسي في علاقاته بالمؤسسة الملكية، في صيغة تؤكد على "التعاون لا الصراع».

لكن الأمين العام، «عبد الإله بنكيران»، ظل يردد في الكثير من المناسبات تلميحًا أو تصريحًا أن ولاءه للمؤسسة الملكية لا يعني «الانبطاح»، بحسب تعبيره.

بعد مرور خمس سنوات على رفع هذه الشعارات، تعرض الحزب وأمينه العام الذي شغل منصب رئيس الحكومة، لانتقادات كثيرة فيما يعتبره البعض تساهلاً في محاربة في الفساد وإيثاره للاستقرار على إنجاز إصلاحات سياسية عميقة بل وتنازلا منه عن صلاحياته الدستورية لصالح الملك من أجل الاستمرار في الحكومة.

وعن هذه الانتقادات قال رئيس الحكومة قبل إجراء الانتخابات: «صحيح»، آثرنا الاستقرار، ولا تستغرب أننا لم نحارب الفساد والاستبداد، بل استغرب أنه هو لم يقض علينا، لأن الفساد والاستبداد له أنصار كثيرون يستفيدون منه».

وأكد «بن كيران» بذلك مقولة ظل الحزب يرددها شعارها: «الإصلاح الهادئ والمتدرج».

لكن «بنكيران» لم يتردد في نفى تهمة التنازل عن صلاحياته الدستورية بالقول: «في بعض الأحيان يضطر الإنسان إلى أن يتنازل، لكن أنا لم أتنازل عن أي من صلاحيتي الدستورية، لكنني تعاملت مع جلالة الملك بمنطق التعاون».

وأكمل بتذكير طالما ردده بصيغ مختلفة حسب السياق والظروف: «على كل حال كنت واضحًا معكم يا معشر المغاربة وقلت لكم إذا كنتم تريدون شخصًا يخاصم ملككم فأنا لا أصلح لكم، ونفس الشيئ أكرره لكم اليوم».

  كلمات مفتاحية

العدالة والتنية فوز انتخابات المغرب