مدير مخابرات «بشار» ينسق المواقف مع القاهرة في زيارة تعيد رسم تحالفات المنطقة

الاثنين 17 أكتوبر 2016 04:10 ص

على غير المعتاد في المرات السابقة، أعلنت القاهرة ودمشق أمس الأحد عن الزيارة التي قام بها رئيس مكتب الأمن الوطني للنظام السوري اللواء «علي المملوك» إلى مصر، والتقى خلالها مسؤولين أمنيين كبار.

لم تخف دمشق تحديدا، تفاصيل الزيارة التي التقى خلالها «مملوك» الذي يعد بمثابة مدير المخابرات، مسؤولين في جهاز المخابرات المصري وعلى رأسهم رئيس الجهاز اللواء «خالد فوزي»، وذلك بعد دعوة رسمية تلقاها من القيادة المصرية، وهي التفاصيل التي لم ينكرها نظام «عبد الفتاح السيسي»، وأكدها عبر وسائل إعلامه الذين نقلوا المعلومة عن وكالة أنباء النظام السوري.

وبحسب مراقبين للشأن في الشرق الأوسط، فإن الإعلان عن هذه الزيارة وتفاصيلها، كان مقصودا من جانب نظامي «بشار الأسد»، و«السيسي»، فالأول أراد أن يرسل رسالة مباشرة لتركيا مفادها أنه اكتسب لاعبا جديدا في ملعبه في مواجهة أنقرة التي وطدت علاقتها مؤخرا مع السعودية وبات هناك تناغما كبيرا بينهما في العديد من المجالات والقضايا لا سيما فيما يخص القضية السورية.

أما رسالة «السيسي» من الإعلان عن الزيارة، فكانت موجهة للسعودية، أن ثمة ما يجمع مصر مع المحور السوري الروسي الإيراني وهو قابل للزيادة.

ويأذن ذلك بتغيير خريطة التحالفات في المنطقة، وقد يتطور المشهد إلى تحالف سعودي تركي، في مواجهة انحياز مصر لمواقف متماهية مع إيران والنظام السوري.

وفي هذا الصدد فسر مراقبون أن التقارب السعودي التركي الكبير الذي حدث مؤخرا متمثلا في الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو»، خلال زيارته للسعودية قبل أيام، بعد أخرى أجراها ولي العهد السعودي «محمد بن نايف» إلى تركيا والتقى خلالها الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، بأن الرياض باتت تدرك أخير أن أنقرة الآن هي المهمة وليس نظام «السيسي» المهدد حاليا من أكثر من زاوية، والذي أصبح واضحا أنه لا يمكن الرهان عليه.

تغيير خريطة تحالفات المنطقة

الرؤية السابقة عضدتها صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، التي قالت قبل أيام، إن الخلاف الذي وقع بين مصر والسعودية في مجلس الأمن على خلفية تصويت القاهرة لصالح قرار موسكو الخاص بحلب السورية، يشير لإعادة ترتيب مراكز القوى بالشرق الأوسط.

وأضافت أن الخلاف هو الأول العلني بين الرياض والقاهرة، منذ الإطاحة بحكم «الإخوان» عام 2013، والتي تبعها تدفق مليارات الدولارات من المساعدات السعودية، والتي «أبقت الاقتصاد المتداعي في مصر واقفا على قدميه».

وتابعت الصحيفة أن استمرار التوتر بين مصر والسعودية، يشير إلى إعادة ترتيب مراكز القوى في الشرق الأوسط، وحرمان العالم العربي، السني في أغلبه، من تحالف مهم في مواجهة توسع النفوذ غير العربي، متمثلا في إيران وتركيا.

وأشارت الصحيفة إلى تقارب مصر وروسيا، وأوضحت أن الرياض أدانت موسكو بسبب تدخلها العسكري في سوريا، كما أشارت إلى التقارب السعودي- مع تركيا، التي تتهمها مصر بدعم المسلحين الإسلاميين الذين يسعون للإطاحة بالحكومة المصرية.

وأوضحت الصحيفة أن فتور العلاقات المصرية - السعودية بدأ منذ سعى الملك «سلمان بن عبد العزيز»، إلى توطيد العلاقات مع تركيا وقطر، بجانب سوريا وقضايا أخرى.

ولفتت الصحيفة إلى أن السعودية توقعت من مصر إرسال قوات برية كجزء من القتال ضمن قوات التحالف العربي في اليمن، الأمر الذي رفضته القاهرة.

وذكرت الصحيفة أن السعوديين غاضبين من الاجتماعات بين المسؤولين المصريين وممثلي المتمردين الشيعة المدعومين من إيران في اليمن، بالإضافة إلى حفاظ مصر على قنوات اتصال مع طهران، كما أن مصر تتمتع بعلاقات وثيقة مع خصم سعودي آخر، متمثلا في الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة المدعومة من إيران.

وذهب البعض إلى أن الوصول إلى الحالة التي تعيشها العلاقات السعودية المصرية الآن، هو مجرد تحصيل حاصل، وكان لزاما أن يحدث في يوم من الأيام، لا سيما في ظل وجود النظام الحاكم في مصر حاليا، والذي كان يحاول أن يبدي أنه قريب من السعودية ويؤيد وجهات نظرها في ملفات المنطقة في وقت سابق من أجل المحافظة على الدعم المادي الذي يحصل عليه منها ليس أكثر، حيث كان يعطي جسده للسعودية، بينما روحه هي مع نظام «بشار الأسد»، ومع النظام الروسي، نظرا للتشابه الكبير بينه وبينهما، ويذهب مؤيدو هذا الرأي إلى أن ما يؤكد وجهات نظرهم أنه مع أول إعلان من قبل السعودية عن رفع يدها «المادية» عن مصر، ظهرت القاهرة على حقيقتها وأدارت ظهرها للمملكة بقوة.

علاقات «السيسي» و«الأسد»

شواهد عدة تؤيد وجهة النظر السابقة، ومنها أن زيارة «مملوك» إلى القاهرة لم تكن الأولى، إذ أفادت وسائل إعلام عدة بوجود زيارات سابقة، التقى في بعضها «السيسي» ومنها في أغسطس/آب من العام الماضي، إلا أن الزيارة الأخيرة هي أول زيارة للمسؤول الأمني السوري للقاهرة التي تعلن عنها وسائل الإعلام الرسمية، مشددة على تنسيق المواقف سياسيًا وأمنيًا.

وقال مصدر دبلوماسي سوري رفيع المستوى، لموقع «مدى مصر»، إنه إنه على الرغم من الأهمية الكبرى لزيارة المملوك بالنسبة للبلدين، بالذات في الوقت الذي تتغير فيه مفاعيل عدة في القضية السورية، إلا أنها لا تحمل جديدًا على مستوى التعاون بين البلدين.

وأكد المصدر أنه «منذ البداية ونحن نفهم موقف الدولة المصرية، نحن دولتين لهما تاريخ مشترك كبير، بالذات على المستوى العسكري، ونواجه الآن نفس التحديات من جهة الإرهاب المحلي أو من جهة التحفز الدولي لإسقاط النظام، والرئيس السوري سبق وتحدث عن هذا الأمر صراحة، فلا عجب من الإعلان عن هذه الزيارة».

فيما قال «الأسد» في حوار تليفزيوني مع قناة المنار اللبنانية منتصف العام الماضي إن «التواصل بين سوريا ومصر لم ينقطع حتى في ظل (الرئيس محمد) مرسي لأن عدد من المؤسسات في مصر رفضت قطع العلاقة، واستمرت بالتواصل مع سوريا وكنا نسمع منها خطابا أخويا (..) الآن هذه العلاقة موجودة وقد لا توجد بشكل ظاهري كما نريد.. السبب هو أن مصر دولة هامة وبكل تأكيد من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق يركزون الضغوط على مصر لكي لا يسمحوا لها لأن تلعب دورها المأمول (..) ما قلته الآن حول التواصل، قلناه على مستوى التواصل المباشر بيننا وبين مسؤولين مصريين هامين، أمنيين تحديدا».

التعاون بين نظام «السيسي» و«الأسد» لم يكن فقط على مستوى تبادل المعلومات، ولكن وصل إلى حد قيام مصر بمد النظام السوري بأسلحة يستخدمها في ضرب المعارضة عليها ختم الجيش المصري (الهيئة العربية للتصنيع).

زوبعة في فنجان

ورغم ما سبق، فقد قلّل المحلل السياسي السعودي، «جمال خاشقجي»، من الحديث عن وجود توتر في العلاقات بين البلدين في الوقت الراهن.

وقال «خاشقجي» لوكالة «الأناضول»، إنه «لم يصدر شيء رسمي في هذا الشأن، باستثناء تصريح المندوب السعودي في مجلس الأمن الذي عبّر عن ضيقه من تصويت نظيره المصري لصالح المشروع الروسي الخاص بسوريا».

وأكد على أن «البلدين حريصان على العلاقة بينهما، لكنه لم يعد خافيًا على أحد أن هناك شيء من العتب عبَّر عنه بشكل رسمي السفير السعودي في الأمم المتحدة».

وذهب «خاشقجي» إلى أن «السياسة المصرية تتعارض مع السياسة السعودية، بشأن الخطر الإيراني وبقاء(بشار) الأسد في سوريا».

ومتطرقًا إلى تداعيات التوتر بين البلدين، أكد أنها «ليست جيدة على مصر، بينما السعودية لا تداعيات عليها».

وتابع «السعودية متألمة فقط لغياب الدور المصري المحوري في المنطقة، ومن الصعب أن تكون مصر موجودة بجانب المملكة وهي مختلفة برؤيتها على المجموعة الخليجية».

فيما قال الكاتب السعودي فهد الأحمري قال لوكالة «الأناضول» إن «المصالح الاستراتيجية لكل من السعودية ومصر مختلفة في بعض القضايا كما هو الحال في قضية سوريا».

وأوضح فكرته بهذا الخصوص بالقول «ترى مصر أن سقوط دمشق يعد سقوطا لها لاعتقادها أن دمشق بوابة القاهرة، بينما تعتبر السعودية أمنها يمتد من دمشق وينتهي في صنعاء لذا فهي معنية بهما من أي اختراق‫ يهدد كيانها».

ورأى الكاتب السعودي الذي كان يشغل منصبًا في شركة أرامكو للنفط ويكتب مقالات بجريدة الوطن السعودية أنه «لا ضير في هذا الاختلاف لأنه ليس بالجديد غير أن هناك من يحرص على تجديد الأزمات وإضرام نارها في كل مناسبة ومنها قضية تصويت مصر في مجلس الأمن»، دون أن يسمّ من يقصد.

متفقًا معه، قال الإعلامي السعودي «عبد الله الحارثي»: «ما يحدث لن يعدو كونه سحابة صيف بين البلدين، سببه خطأ سياسي من جانب القاهرة».

واعتبر أن الدبلوماسية المصرية أخطأت بتصويتها لصالح الموقف الروسي.

من جانبه توقع الكاتب السعودي «عبد الله ناصر العتيبي» أن تنتهي تلك «الزوبعة السياسية» بسرعة.

وقال «العتيبي» الذي يكتب مقالات في جريدة الحياة اللندنية لوكالة الأناضول: السعودية لا يمكن أن تتخلى عن مصر في الوقت الحالي لسببين؛ الأول متعلق بمصر نفسها فإيقاف الدعم الاقتصادي والسياسي لها قد يحولها إلى دولة فاشلة، وهذا الأمر ليس خطرًا على المصريين فحسب وإنما هو خطر يمتد للمنطقة بأسرها.

  كلمات مفتاحية

العلاقات السعودية المصرية إيران خريطة تحالفات المنطقة روسيا سوريا السيسي بشار الأسد بوتين

مصر تعلن موافقة «الأسد» على مساعيها لإدخال مساعدات إنسانية لحلب

بعد زيارة «المملوك» الشهر الماضي.. وفد سوري جديد في القاهرة لحضور اجتماعات «إيكاو»

وفد إعلامي مصري إلى سوريا لتهنئة «الأسد» بالسيطرة على حلب

خاص: اعتقالات تطال ضباطا في الجيش المصري هاجموا «الأسد»

موالون لـ«السيسي» يدشنون حملة لإعادة العلاقات مع «الأسد»

مصادر: اتفاق لوقف القتال جنوب دمشق برعاية مصرية بالقاهرة