«فورين أفيرز»: حرب «السيسي» على الإخوان تحولت إلى كابوس مصر

الخميس 20 أكتوبر 2016 12:10 م

في 25 يناير/كانون الثاني من سنة 2011، خرج عشرات الآلاف من المصريين إلى الشوارع للمطالبة بضرورة إنهاء حكم الرئيس حسني مبارك الذي استمر لمدة 30 سنة تقريبًا، وبعد ثمانية عشر يومًا، تنحى مبارك عن السلطة، كان المصريون يرددون في ميدان التحرير شعارات مثل «ارفع رأسك فوق أنت مصري».

وقال العضو السابق في البرلمان «جمال حشمت» خلال مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» إنه «بعد غياب عن الساحة العالمية لمدة 30 سنة، عادت مصر»، أما الآن، فقد أصبح هذا الفخر والأمل طي النسيان، فمرة أخرى، وضع الرئيس «عبد الفتاح السيسي» نظاما أكثر استبدادية من النظام الذي أشرف عليه الرئيس السابق «مبارك».

بكل المقاييس تقريبًا، تعتبر الأوضاع في مصر الآن أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل الثورة، فالاقتصاد يشهد ركودًا، كما أن احتياطيات مصر من العملات الأجنبية انخفضت إلى مستويات «خطيرة»،في وقت تمر فيه السياحة بأزمة كبرى حيث انخفض زوار مصر إلى أكثر من النصف.

هذا بالإضافة إلى انهيار البنية التحتية المصرية وتدهور نظم التعليم والصحة العامة، كما أن حاولي 22.5 مليون مصري، يعيشون في الفقر، ووصلت نسبة البطالة في صفوف الشباب تجاوزت 40%.

وعلى الرغم من كل هذه الأزمات إلا أن حكام مصر لم يحاولوا فعل الكثير لإنعاش الاقتصاد، بدلاً عن ذلك، واصلوا التركيز على أمر واحد لأنهم بارعون فيه: قمع المواطنين. منذ سيطرة «السيسي» على السلطة في يوليو/تموز من سنة 2013، ألقت قواته الأمنية القبض على أكثر من 40 ألف شخص، كما قاموا بقتل أكثر من 3000 شخص، كما «اختفى» مئات آخرون وتم احتجاز آلاف الأشخاص في انتظار محاكمتهم.

وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الإطاحة بالرئيس «محمد مرسي» بعد انقلاب عسكري، أصبح للدولة المصرية وظيفة واحدة: تدمير جماعة الإخوان المسلمين، ولم يهتم قادة مصر بما قد يلحق المواطن المصري العادي بسبب هوسهم بهذه الجماعة. فالمصريون يعانون وبشدة، لكنهم ليسوا وحدهم في هذه المعاناة، فسكان غزة وسوريا وليبيا يدفعون الثمن أيضًا، وذلك لأن ملاحقة مصر للإخوان المسلمين، أو أي منظمة لها أدنى نقاط التشابه مع الإخوان، أصبح أهم مبادئ السياسة الخارجية والداخلية لمصر.

وفي الوقت الحالي، لا يمكن للولايات المتحدة (أهم مصدر للمساعدات الأجنبية) المساعدة في تغيير مسار البلاد، لذلك، فإنه على الحكومة المصرية أن تحاول حل مشاكلها بنفسها، لكن حت الآن، لم يظهر «السيسي» أي علامات على استعاده أو قدرته على إحداث أي إصلاح.

أصل كل شيء

ارتياب الحكومة المصرية في جماعة الإخوان المسلمون وخوفهم منهم بدأ قبل تولي «السيسي» للسلطة، ويعود ذلك إلى سنة 1948، عندما قامت الحكومة المصرية بحل الجماعة متهمين إياهم بالتخطيط للثورة، وسَجن الرئيس «جمال عبد الناصر» آنذاك الآلاف من أعضائها بعد نجاته من محاولة اغتيال سنة 1954، أما «أنور السادات» فقد حاول اتباع طريق مختلف، وتحمل وجود جماعة الإخوان لفترة قصيرة إلى أن ساءت علاقته مع الجماعة بعد أن وقع معاهدة سلام مع (إسرائيل) سنة 1979.

 أما مبارك فقد تساهل أيضًا مع الجماعة في البداية على أمل أن تكون وسيلة لمنع ظهور جماعات أخرى عنيفة، لذلك، تم السماح لأعضاء الجماعة بالعمل في الجامعات على سبيل المثال، ولم يحاول مبارك تعطيل شبكة الخدمات الاجتماعية للجماعة على الرغم من أن حكومته حاولت التحكم فيها، لكن عندما تبين لـ«مبارك» أن سلطة جماعة الإخوان تعززت، قام باتخاذ إجراءات صارمة، خاصة بعد فوز المرشحين التابعين لجماعة الإخوان بحوالي 20% من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2005، وقد سجن على إثر ذلك المئات من أعضاء الجماعة.

في كانون الأول/ ديسمبر، وضعت الحكومة المصرية جماعة الإخوان المسلمين في قائمة المنظمات الإرهابية، ومنذ ذلك القرار، وإلى جانب الاعتقالات الجماعية، دفعت الحكومة بالعديد من قادة الجماعة إلى الفرار من القمع والتوجه إلى الدوحة ولندن وإسطنبول، كما قامت الحكومة المصرية بوقف نشاط ما يقارب عن 500 منظمة غير حكومية، مدعية أنها مرتبطة بالجماعة.

وللمصريين أسباب كثيرة تجعلهم يساندون مثل هذه الممارسات، فخلال فترة حكمهم، أثبت الإخوان أنهم استبداديون وغير أكفاء على الرغم من أن لهم جذورًا عميقة في المجمتع المصري، فمنذ إنشاء الجماعة سنة 1928 على يد «حسن البنا»، كان الإخوان رمزًا للأصالة والقومية والإصلاح الديني، وهو ما اعتبره المصريون أمرًا جديدًا وجذابًا، كما أن الجماعة نجحت في استقطاب أتباعها من خلال معارضتها للصهيونية في ثلاثينات القرن الماضي، ومعارضتها للنظام الملكي في الأربعينات وللبريطانيين في الخمسينات، ومؤخرا، من خلال معارضتها للولايات المتحدة وتقديم خدمات اجتماعية للآلاف من المصريين الذين أصبحوا فيما بعد أهم مصدر دعم سياسي للجماعة، كل هذه العوامل تجعل أي محاولة للقضاء كليًا على الإخوان غير ممكنة. لكن ما نجح فيه «السيسي» هو التصعيد في العنف، الأمر الذي أصبح مألوفًا لدى المصريين منذ تنحي «مبارك».

ويبدو أن حرب «السيسي» على الإرهاب أصبحت بمثابة سخرية من الدعوات إلى الوحدة والآداب والتسامح التي ملأت ميدان التحرير في شتاء سنة 2011 وفي أواخر حزيران/ يونيو سنة 2013، وفي الحقيقة، «محمد مرسي» لم يكن ملاكًا، خاصة وأن سياساته أصبحت تمثل تهديدًا على النسيج الاجتماعي المصري، وربما كان للجيش مبررات للإطاحة به، لكن إصرار الجيش على القضاء على أتباعه جعل الأوضاع أكثر سوءًا.

لكن إلى حد الآن، يبدو أن «السيسي» لا يهتم بذلك، وبدعم من وسائل الإعلام، بدت حملة «السيسي» ضد الإخوان وكأنها حرب من خلال المبالغة في التحدث عن الخطر الذي تفرضه الجماعة. لكن على «السيسي» أن يهتم بأشياء أخرى مثل الفساد والبيروقراطية التي أدت إلى ركود في الاقتصاد المصري، ويبدو أن «السيسي» قد اختار نهج المشاريع العملاقة، فقد أنفق أكثر من 8 مليارات دولار بهدف توسيع قناة السويس، لكن لم يكن لهذا التوسيع أي إيرادات. وبدلاً من ذلك، كان على «السيسي» أن يعمل على تحسين البنية التحتية التي من شأنها أن تعزز الاقتصاد، أو أن يطور شبكة النقل العمومي، علاوة على ذلك، يعاني قطاع التعليم وقطاع الصحة في مصر من نقص التمويل، كما أن الحكومة عاجزة تقريبًا عن توفير الماء الصالح للشراب.

الخوف والبغض

إن الحالة المزرية التي وصلت إليها مصر في هذه الفترة مقلقة بما فيه الكفاية، لكن الخراب الذي خلفه هوس «السيسي» بملاحقة جماعة الإخوان المسلمين امتد خارج مصر ليزعزع استقرار المنطقة، فلنتحدث عن غزة على سبيل المثال؛ فقد عرض «مرسي» على حماس دعمًا رمزيًا، لكن لم يغير مرسي الكثير في سياسات مصر تجاه فلسطين، وواصل الحفاظ على الحصار الذي بدأه مبارك سنة 2007.

ومنذ تولي «السيسي» للسلطة، سعت مصر إلى تدمير حماس، فخلال الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس، قامت الحكومة المصرية بتشجيع (إسرائيل) على إعادة احتلال قطاع غزة والقضاء على حركة حماس، لكن الإسرائيليين رفضوا ذلك، لذلك، ومنذ ذلك الحين، تولى «السيسي» مهمة القضاء على حركة حماس غير متردد في تضييق الخناق على قطاع غزة، كما حدّت حكومته من عدد الفلسطينيين المسموح لهم بدخول مصر ودمرت العديد من الأنفاق التي بنيت تحت الجدار الحدودي المصري منذ فترة طويلة والتي كانت مصدرًا هامًا للمواد الغذائية ومواد البناء والسلع الفاخرة والأسلحة. وفي أواخر سنة 2014، أنشأ الجيش المصري منطقة عازلة على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة، وقام بهدم ما يقارب عن 800 منزل لإنشاء تلك المنطقة، وبعد فترة قصيرة، تم توسيع المنطقة العازلة وهدم 500 منزل آخر، وبحلول منتصف سنة 2016، كان الجيش قد هدم قرية كاملة في رفح وأنشأ طريقًا حزاميًا أمنيًا يبلغ طوله من ثلاثة إلى خمسة أميال يمتد على طول الحدود المصرية مع مصر.

تجاهل الرئيس المصري الاختلافات الجوهرية بين حماس وجماعة الإخوان في مصر. حيث إنهما مختلفتان في التكتيكات والاستراتيجيات والأهداف؛ فحماس تريد تحرير فلسطين من خلال استعمال العنف، في المقابل، فإن جماعة الإخوان المسلمين سعت منذ عقود إلى تولي السلطة من خلال وسائل سلمية غير عنيفة، ومما لا شك فيه أنه يوجد تضامن بين المجموعتين، لكن توجد أدلة قليلة جدًا تفيد بإمكانية تعاون حماس وجماعة الإخوان على تقويض النظام المصري. لكن «السيسي» لا يهتم بمثل هذه الاختلافات، فمحاولاته للقضاء على حماس زادت من معاناة سكان غزة الذين يبلغ عددهم 1.8 ملايين. ومع تراجع الدعم المقدم لحماس، قد يبدأ صراع جديد بين حماس و(إسرائيل)، الأمر الذي سيزيد من معاناة الفلسطينيين في غزة.

محور «السيسي»

هوس مصر بجماعة الإخوان المسلمين أصبح مرجعًا لسياساتها في سوريا، فبعد تنحي «مبارك» عن السلطة، لم يبد الحكم العسكري المصري اهتمامًا كبيرًا بالحرب الأهلية في سوريا، حيث كان لمصر عدة تحديات يجب التعامل معها، لكن ذلك تغير في فترة حكم «مرسي». أما الآن فإن الحكومة المصرية دائمة الحذر عند الحديث عن سوريا، لكن في أواخر أيلول/ سبتمبر سنة 2015، وخلال مقابلة مع «سي إن إن» قال السيسي إن «الأولوية في سوريا تتمثل في ضرورة محاربة الإرهابيين الذين يضمون جماعة الإخوان المسلمين».

في سوريا، كما هو الحال في غزة، خلط «السيسي» بين جماعة الإخوان والمتطرفين العنيفين، وبما أن لجماعة الإخوان فرعًا في سوريا، فإن السيسي يخشى من أن يلعب الإخوان دورًا في بناء حكومة سورية جديدة، وبالتالي سيبين أن الإخوان قد يصبحون قادرين على أن يكونوا قوة سياسية بديلة في مصر.

وتجدر الإشارة إلى أن فكرة لعب الإخوان المسلمين دورًا فعالاً في الحكومة السورية المستقبلية يعتبر فكرة غير بعيدة المنال، فعلى الرغم من سحق «حافظ الأسد» لهذه الحركة فيما يعرف بمجزرة حماة سنة 1982، فإن نجله «بشار الأسد» سمح لأعضاء هذه الحركة بالتعافي وإعادة جمع شتاتهم، وعندما بدأت الانتفاضة في سوريا في مارس/ آذار 2011، كان الإخوان المسلمون في غاية الحذر ولم يبدؤوا بالتحرك إلا في الخريف الذي تلا الثورة من خلال المساهمة في تأسيس المجلس الوطني السوري الذي ضم أغلب أطياف المعارضة. وقد تعزز وجود الإخوان المسلمين في سوريا بفضل حليفها التركي، «رجب طيب أردوغان»، الذي سيسعى حتمًا إلى حماية مصالح تركيا في سوريا في مرحلة ما بعد «الأسد» من خلال تفعيل وتعزيز دور الإخوان المسلمين.

وعلى ما يبدو، فإن القاهرة تبالغ في خوفها من تأثير الإخوان المسلمين في سوريا، لكن على خلاف ما كرسته جماعة الإخوان في مصر، فإن هذه الحركة لم تمارس أي نوع من التأثير الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي في سوريا، منذ مجزرة حماة، ظلت القيادات الحركة في المنفى بعيدة تمامًا عن الرأي العام السوري، من الواضح أن السيسي مرة أخرى تجاهل الفوارق بين الحركتين بسبب خوفه غير المنطقي من إمكانية تكرر السيناريو المصري في دمشق، وعلى الرغم من أن حلف النظام سوري هو الملام الأول على مقتل الآلاف وتشريد الملايين، فإن السيسي قرر الانسحاب من الحلف المعارض للأسد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات والسعودية، والانضمام إلى الحلف المساند له، بقيادة روسيا إيران وحزب الله، وحتى بعد الوقوف إلى جانب النظام فإن السلطات المصرية لم تزود الأسد بالأسلحة أو الجنود أو الأموال، لكنها اكتفت بالخطابات الرمزية.

ولئن حطّ حسني مبارك وحلفاؤه من شأن مصر ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط، فإن الخطابات المصرية ما زالت تحتفظ بمكانتها، وقد قسّم السيسي القوى العربية الكبرى من خلال دعم الأسد تحت راية مكافحة الإرهاب وقدم لحلفاء الأسد العرب والأجانب الغطاء الدبلوماسي والسياسي المناسب للتدخل في سوريا، وتجدر الإشارة إلى أن جماعة الإخوان في مصر قد ساهمت في زعزعة الاستقرار في ليبيا، البلد الذي غرق في الفوضى منذ الإطاحة بمعمر القذافي وقتله سنة 2011، وفي يونيو/ حزيران سنة 2014، عقدت ليبيا انتخابات تشريعية فاز فيها الائتلاف المكون من الليبراليين والعلمانيين والفدراليين على التيار اليميني المكون من الإسلاميين والإخوان وقادة القبائل الواقعة في مدينة مصراتة، وعلى إثر صدور نتائج انتخابات مجلس النواب، طعن الخاسرون في النتائج وشككوا في نزاهة الانتخابات ورفضوا التخلي عن مقاعدهم، كما أنتج ذلك برلمانين؛ هيئة يهيمن عليها الإسلاميون في العاصمة طرابلس ومجلس نواب معترف به دوليًا في طبرق شرقي البلاد.

بعد الانشقاق، ساهم العنف الذي تمارسه الميليشيات في تأزم الأوضاع في ليبيا مما أدى إلى وقوعها في منزلقات الحرب الأهلية، كما أن الكشف عن هذه الأزمة نبه السيسي إلى العديد من الأمور ومنها الأمن المصري، إن إمكانية سيطرة الجماعات المسلحة على الحدود المصرية الغربية شكّل تهديدًا حقيقيًا على الأمن المصري، وما يزيد من قلق السيسي هو اعتقاده في إمكانية تعزيز هيمنة البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون في طرابلس، وبالتالي قام عبد الفتاح السيسي بمساندة الجنرال خليفة حفتر، وهو أحد القادة العسكريين السابقين في حكومة القذافي والذي انقلب عليه في أواخر الثمانينات، ثم عاد إلى ليبيا عقب الثورة بعد عشرين سنة من الغربة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد عودته إلى ليبيا، أسس الجنرال جيشًا دون علم الحكومة سنة 2014 وذلك بعد استيائه من تواصل الفوضى في ليبيا طيلة ثلاث سنوات، وشن حملات عسكرية ضد المتشددين والإسلاميين.

يعتبر حفتر من أشد المناهضين للإسلاميين ويرى أن القوة العسكرية بمثابة الوسيلة الوحيدة لإرساء النظام في ليبيا وهي نظرة مشتركة بينه وبين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومن الواضح أن مصر وفرت الإمدادات العسكريّة اللازمة للجنرال حفتر كما قدم له الدعم الدبلوماسي (كما فعلت فرنسا والإمارات العربية المتحدة).

إن انخراط مصر في الشأن الليبي قد ساهم في تعميق الانشقاقات داخل هذا البلد الذي يعاني من الانقسامات والحركات الانفصالية، وقد أدت مساندة مصر لحفتر إلى استبعاده لفكرة المصالحة الوطنية؛ فهو مستعد لتعزيز وجود حلفائه في طرابلس وإن فشل في ذلك، سيؤدي ذلك إلى إنشائه لمنطقة حكم ذاتي في برقة، والجدير بالذكر أن «حفتر» رفض جهود الأمم المتحدة في حل النزاع داخل ليبيا من خلال المفاوضات وإقامة حكومة الوحدة الوطنية سنة 2015 المعروفة بحكومة الوفاق الوطني، وعلى خلفية هذا الرفض للتدخل الأجنبي، منع الجنرال «حفتر» أعضاء مجلس النواب من تزكية حكومة الوحدة الوطنية الجديدة.

إن السلطات المصرية تصر على دعم «حفتر» باعتباره الوسيلة المثلى لإعادة الاستقرار في ليبيا، حيث تعدّ حكومة الوفاق الوطني، بالنسبة لهم، غير مؤهلة لتسيير شؤون البلاد ولا يمكن أن تكون بمثابة الحصن المنيع ضد المتشددين والإسلاميين، ووفقًا للمعطيات الراهنة، فإن مخاوف السلطات المصرية مبررة لأن ليبيا تشكل تهديدًا على الأمن المصري، وتتمثل هذه التهديدات بالأساس في تشكيل الحدود بين البلدين لمنطقة عبور للأسلحة والأشخاص، لكن الإجراءات المتخذة من قبل السلطات المصرية تحركها هواجس «السيسي» أكثر من التهديدات الأمنية المزعومة.

سياسة مصر الحالية لا تتيح لواشنطن اتخاذ قرارات كثيرة لصالح مصر دون الحصول على مساعدات من واشنطن، وصندوق النقد الدولي، ودول الخليج مما قد يؤدي إلى انهيار الاقتصاد المصري الهش، كما أن فشل مصر قد تكون له عدة تداعيات على منطقة الشرق الأوسط المهددة بانقسامات داخلية في كل من ليبيا والعراق وسوريا واليمن وتفشي العنف والفوضى، لكن في الوقت الراهن، من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقطع المساعدات عن مصر، ولكنها لن تستطيع إقناع القيادات المصرية بالعدول عن قرارهم لأنهم يعتبرون حربهم ضد الإخوان المسلمين مسألة وجودية.

ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد على الأقل في منع تفاقم الأوضاع حيث يدرس الكونغرس حاليا إمكانية تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية. لكن تورط الولايات المتحدة في الشأن الداخلي المصري قد يلحق الضرر بموقع الولايات المتحدة في بلد يشكك أغلب الفاعلين السياسيين فيه بنواياها، كما أن اعتبار الإخوان جماعة إرهابية قد يصلح العلاقات بين الأمريكان و«السيسي»، لكنه سيكون بمثابة تغاض عن القمع الوحشي المرتكب في حق المنتمين لهذه الحركة.

أما بالنسبة لقطاع غزة، فإن الدبلوماسيين الأمريكيين يحتاجون لتشجيع الطرفين التركي والقطري، الذين يمكنهما أن يلعبا دورًا هامًا في إعادة إعمار المنطقة، إلى التنسيق بين جهودهما لتخفيف الضغوط الناجمة عن الحصار المصري والإسرائيلي ولتفادي انتشار الفوضى في غزة.

أما بالنسبة إلى سوريا، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع الحيلولة دون دعم «السيسي» لـ«بشار الأسد» ما لم تتدخل فعليًا في حل النزاع السوري.

عندما يتعلق الأمر بالشأن الليبي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول الاتفاق مع الأوروبيين والأمم المتحدة، على إعادة الشرعية إلى الحكومة الجديدة في طرابلس، في وقت لا تزال فيه مصر تعتبر «حفتر» الوسيلة الوحيدة لمحاربة الإرهاب، وبالتالي، فإن إمكانية نجاح حكومة الوفاق الوطني تعتبر ضئيلة جدًا في ظل المعارضة المستمرة لها من قبل كل من «حفتر» و«السيسي».

تعتبر مصر هي الطرف الوحيد الذي يُلام على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، كما تكشف تلك الأزمة عن مدى إفلاس سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر على مدى السنوات الأربعين الماضية، والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 80 مليار دولار على برنامج دعم التنمية الاقتصادية في مصر، والأمن القومي، والمجتمع المدني، وعلى مدى عقود، راهن صناع السياسة الأمريكية على إمكانية لعب مصر دورًا فعالاً في إعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط. احترمت مصر بنود معاهدة السلام المبرمة مع (إسرائيل) سنة 1979، خاصة في عهد «مبارك»، التي تفضي إلى دعم العمليات العسكرية الروتينية في المنطقة، وقمع المتطرفين، ومع ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في فكرة أن مصر يمكن أن تكون سفيرة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. مصر تصدرسياسة القمع الموجه للإخوان، والتي تحمل في طياتها آثارًا قد تكون مدمّرة، بالنسبة جيرانها.

المصدر | فورين أفيرز/ ترجمة نون بوست

  كلمات مفتاحية

السيسي الإخوان المسلمين ليبيا حفتر سوريا ولاية سيناء