تحالف حكومتي «الإنقاذ» و«المؤقتة» في ليبيا.. مبادرة للم الشمل أم انقلاب؟

الاثنين 24 أكتوبر 2016 07:10 ص

ازداد المشهد الليبي «تعقيداً وغموضاَ»، عقب مبادرة أطلقتها حكومتان، لا تحظيان بالاعتراف الدولي، لتشكيل حكومة جديدة.

فقبل أسبوعين، أطلقت حكومة الإنقاذ الوطني، التي انبثقت في أغسطس/أب 2014، عن المؤتمر الوطني العام، والتي لم تحظ ،منذ ولادتها باعتراف دولي، ما أسمته مبادرة لتشكيل حكومة «وحدة وطنية».

وبحسب حكومة «الإنقاذ» فإن الحكومة تشكل بالتعاون مع حكومة «عبدالله الثني»، المنبثقة عن برلمان طبرق، والتي سحب المجتمع الدولي منها الشرعية لصالح حكومة الوفاق التابعة للمجلس الرئاسي، بزعامة «فايز السراج».

وجاء الإعلان عقب اقتحام موالين لحكومة الإنقاذ، مع مسلحين، قبل نحو أسبوعين، مقرات حكومية، سبق أن خرجت منها بعد استلام حكومة الوفاق الوطني، المنبثقة عن جولات السلام بين الليبيين، لزمام الأمور في العاصمة، وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد.

ذلك الاقتحام المفاجئ، الذي أعاد حكومة الإنقاذ والمؤتمر الوطني، إلى الواجهة السياسية من جديد، عبر بيان تلاه رئيس تلك الحكومة «خليفة الغويل»، بصحبة النائب الأول للمؤتمر «محمد الصادق، لاقى معارضة كبيرة عبر بيانات متتالية لا سيما من المجتمع الدولي، الداعم الأول لنتائج الحوار السياسي، الموقع في الصخيرات المغربية في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015.

«الغويل»، الذي أعلن تسليم السلطة لحكومة الوفاق في 6 من أبريل/نيسان الماضي، قبل أن يَعدل عن ذلك في اليوم التالي ويختفي من المشهد السياسي، لم يكتف بإعلان عودة حكومته بل صعّد الموقف.

ووجه «الغويل»، رسالة للنائب العام، حصلت وكالة «الأناضول» على نسخه منها، طالب خلالها بإصدار مذكرة اعتقال بحق كافة أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وتجميد أعمالهم.

وعلى إثر توجيه تلك الرسالة، أصدر النائب العام أمراً على الفور، لكنه يقضي باعتقال «خليفة الغويل» نفسه وأعضاء من المؤتمر بينهم «محمد الصادق».

وبعد أيام من تلك الأحداث، فوجئ الليبيون بأن ما أعلنه «الغويل»، عبر ما بات يُسمى «انقلاباً»، لم يكن وليد اللحظة، بل تم بالتنسيق على مدى ثلاثة أشهر مع «عبد الله الثني»، رئيس الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب (طبرق/ شرق) في سبتمبر/أيلول 2014، والتي سحب المجتمع الدولي من تحتها بساط الشرعية لصالح حكومة الوفاق.

وأكد ذلك «الثني»، نفسه خلال لقاء تلفزيوني عبر إحدى القنوات العربية قبل أيام، قائلاً: «التقينا مع السيد خليفة الغويل، الذي قدم رؤيته للحكومة الموحدة، وبدورنا قدمناها إلى مجلس النواب السلطة التشريعية للنظر فيها».

«الثني»، الذي لم يذكر مكان لقائه مع «الغويل»، وتحدثت مصادر، إنه تم في الأردن، أوضح أن «الحوار مع الغويل، بدأ منذ 3 أشهر وهو حوار ليبي ـ ليبي نرحب به، واستكمالاً لما بدأه عقيلة صالح رئيس مجلس النواب ونوري بوسهمين رئيس المؤتمر الوطني في مالطا (قبل 8 أشهر) ».

وحمل «الثني» مسؤولية تدهور الأمن في طرابلس إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بقيادة «فائز السراج».

التوافق بين رئيسي حكومتين تنافستا، على مدى عامين على الحصول على اعتراف المجتمع الدولي، جاء بردود أفعال متباينة؛ ففي حين رحب ثلاثة نواب بالبرلمان بتلك الخطوة، استنكرها آخرون.

أول الداعمين لتوافق «الغويل»، و«الثني»، هم النواب «إبراهيم عميش»، «نصر الدين مهنه»، و«زياد دغيم»، الذين أصدروا بيانا مشتركاً، أكدوا خلاله دعمهم «مساعي كل من رئيسسي الحكومتين المؤقتة والإنقاذ» لتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بمحاربة الإرهاب وتدعم المؤسسات العسكرية والأمنية.

وفي مقابل ذلك استنكر نواب آخرون تلك الخطوة، وبينهم «عيسي العريبي»، الذي انتقد، ما أعلنه «الغويل»، و«الثني»، قائلاً: «لن نعترف بحكومة تعتمد على المصالح وتقاسم السلطة بطريقة مشبوهة».

واتهم «العريبي»، «الثني»، بـ«خيانة دماء الشهداء بمدينة بنغازي»، شرقي البلاد، لجلوسه مع «الغويل، الذي أصدرت حكومته في وقت سابق بياناً أعلنت خلاله دعمها «للجماعات الإرهابية وأنصار الشريعة التي يقاتلها الجيش الليبي في بنغازي».

تجدر الإشارة إلى أن حكومة الإنقاذ الوطني خلال سيطرتها على أجزء واسعة من غرب وجنوب البلاد (نهاية 2014/ وبداية 2016)، لم تنف دعمها لـ«مجلس شورى ثوار بنغازي» (تحالف كتائب للثوار الذين أطاحوا بنظام معمر القذافي وشكلوا دروعاً منضوية تحت لواء الجيش الليبي) في حربهم ضد قائد عملية الكرامة «خليفة حفتر».

في الاتجاه نفسه، أكد عضو لجنة الحوار السياسي، المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي، بحسب الاتفاق السياسي، «فتحي باشاغا»، أن ما أعلنه رئيس حكومة الإنقاذ «خليفة الغويل، «لا يمثل إلا نفسه، ولا يمثل مدينة مصراتة (ينتمي إليها الغويل وباشاغا وتبعد نحو 200 كلم شرق طرابلس) أو أي مدينة أخرى».

وتمثل «كتائب مصراته (درع الوسطى أو القوة الثالثة) أكبر قوة عسكرية في غرب ليبيا، ومعظم قوات «عملية البنيان المرصوص»، التي أطلقها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في مايو/أيار الماضي، لتحرير مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) من تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تتهمه بالإرهاب.

«باشاغا»، (نائب في مجلس النواب)، وفي تصريحات صحفية له، اعتبر خطوات الغويل، «محاولة فردية بائسة، هدفها مشبوه خصوصا بعد اقتراب حسم معركة سرت ضد (داعش) ».

واتهم «باشاغا»، الذي كان أحد قادة كتائب مصراته، «الغويل»، بأنه وراء تمدد (داعش) في سرت، وذلك برفضه السابق الاعتراف بوجود التنظيم في المدينة، واعتبار الجرائم التي وقعت أنها من فعل أنصار القذافي (زعيم ليبيا السابق).

الانقسام حول دعم مبادرة «الغويل - الثني»، كما يسميها البعض، أو« الانقلاب» كما يسميه آخرون، طال أكبر الأجسام العسكرية المسيطرة على غرب البلاد.

ففي حين أعلنت غرفة ثوار ليبيا (تكتل من كتائب الثوار الذين قاتلوا نظام القذافي في 2011، لكنه فقدَ الكثير من نفوذه بعد تشكيل تحالف فجر ليبيا في 2014)، دعمها للمبادرة، رفضت قوات «عملية البنيان المرصوص» (معظم كتائبها من مصراته) «الانقلاب» على المجلس الرئاسي.

غرفة ثوار ليبيا، أعلنت في بيان لها «استعدادها للعمل تحت إمرة حكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل».

ودعت كل الثوار التابعين لها «إلى رفع حالة التأهب واعلان الطوارئ للوقوف صفاً واحداً ضد المتآمرين والخونة».

في المقابل أصدرت قوات «البنيان المرصوص»، بيانًا اعتبرت فيه ما تم في العاصمة طرابلس، «انقلابًا على الشرعية التوافقية التي ارتضاها الشعب».

وهددت بأنها «ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بشرعية الاتفاق السياسي والمؤسسات المنبثقة عنه».

كما أكدت تلك القوات، خلال البيان، أنها تضع «كامل قوتها وإمكانياتها تحت تصرف المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، والمجلس الأعلى للدولة، للتصدي بكل حزم وثبات لمثل هذه التصرفات العبثية التي يقوم بها شخصيات مهووسة بالسلطة وخارجة عن القانون والشرعية».

تلك البيانات والتهديدات المتبادلة، جعلت المبعوث الأممي إلي ليبيا «مارتن كوبلر»، يحضر إلى طرابلس، السبت الماضي، ويدعو إلى إيجاد حل سلمي في المدينة، ‎وذلك خلال مؤتمر صحفي، عقب اجتماعات مع «فائز السراج»، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، و«عبد الرحمن السويحلي»، رئيس المجلس الأعلى للدولة، أكد خلالهما دعم المجتمع الدولي للاتفاق الصخيرات، والحكومة المنبثقة عنه.

وفي حين لم يعلن رئيسا «الحكومتين» المؤقتة والإنقاذ، بنود الاتفاق الذي أطلقاه، إلا أن الوكالة السابقة الذكر، حصلت على بنود تلك الوثيقة، والتي تتضمن رؤية وأهداف «حكومة الوحدة الوطنية»، وتوزيع المهام بين السلطات التي ستقود الدولة.

وتنص بنود تلك الوثيقة، التي وقعت بعد أشهر من المشاورات، بحسب مصادر حضرت للاتفاق بين الطرفين، والتي سميت بوثيقة «البرنامج الوطني للوفاق»، على أن يكون مجلس النواب (طبرق)، جسماً رقابياً على الحكومة المزمع تشكيلها بدمج حكومتي الإنقاذ والمؤقتة بواقع 16 وزيراً.

كما تنص الوثيقة على أن يصبح مجلس النواب أيضا الجسم التشريعي المؤقت، على أن لا يقوم بتشريع أي شيء إلا وفقا لطلب محدد من مجلس وزراء الحكومة؛ بإصدار قوانين أو تعديل أخرى أو تجميد بعضها، وأن يصبح المؤتمر الوطني، جسماً يوكل إليه مهام تحقيق المصالحة الوطنية تحت مسمى «مؤتمر الدولة».

ورغم أن تلك الوثيقة حددت اختصاصات كل الأجسام، التي ستنبثق عنها، إلا أنها لم تتطرق لأكثر النقاط جدلاً؛ من سيكون القائد الأعلى للجيش؟ ولمن يوكل اختصاص اختيار المناصب السيادية كقائد الجيش والنائب العام ومحافظ البنك المركزي ورئيس المخابرات؟.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

تحالف الإنقاذ المؤقتة مبادرة لم الشمل انقلاب