«جيروزاليم بوست»: المصريون يفقدون صبرهم على «السيسي»

الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 08:10 ص

ظهر رسم كاريكاتوري على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مصري يغرق، ويده فقط تظهر من الأعماق تلوح طلبًا للمساعدة. اللقطة الثانية تظهر الرئيس «عبد الفتاح السيسي» يغوص ويأخذ ساعة يد الرجل ثم يذهب بعيدًا.

يرصد الكاريكاتير نفسية الإحباط والغضب بين المصريين الذين يأنون من زيادات الضرائب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخفض الدعم الحكومي. ويخشى البعض من تكرار اندلاع احتجاجات جماعية مثل التي أطاحت بسلفي «السيسي» من السلطة.

ووصل التضخم الأساسي لأعلى مستوياته في 7 سنوات، بالقرب من 14%، بالإضافة إلى الأزمة الحادثة بسبب نقص النقد الأجنبي وارتفاع الرسوم الجمركية في بلد يستورد كل شيء، من السكر إلى السيارات الفاخرة.

ورفعت الحكومة أسعار الكهرباء بنحو 25 إلى 40% في أغسطس/ آب، وبدأت بتطبيق ضريبة القيمة المضافة بالتدريج بقيمة 13% والتي وافق عليها البرلمان في الشهر نفسه.

وكجزء من الإصلاحات الرامية لتحقيق شروط الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لسد العجز الضخم في الميزانية، من المتوقع أن تقوم الحكومة برفع الدعم عن البنزين وخفض قيمة الجنيه المصري، وهو ما سيؤدي لدورة جديدة من التضخم في مصر، التي يعتمد فيها عشرات الملايين من الناس على الخبز المدعم من الدولة.

وقال «جمال درويش»، موظف حكومي: «الأسعار ترتفع يوميًا، وليس شهريًا»، قال ذلك أثناء انتظاره بطابور للحصول على السكر المدعم في القاهرة.

وأكمل: «سيدفع هذا الوضع الناس لفعل أشياء سيئة. من الممكن أن تخرج الأمور عن السيطرة، ولن تستطيع الحكومة التحكم فيها، لأنّ المعدمين إذا لم يجدوا ما يأكلونه فسوف يسرقون. إذا كان أحدهم لديه أطفال ليطعمهم، ماذا سيفعل؟».

وحاولت الجكومة كسب تأييد الرأي العام للإجراءات التقشفية من خلال حملة إعلامية واسعة ولوحات على الطريق، مع وعد بتوسيع برامج الضمان الاجتماعي لحماية الفئات الأشد فقرًا من ارتفاع الأسعار.

لكن العديد من المصريين الذين لن يكونوا مؤهلين لمثل هذه البرامج يشكون أنّهم لم يعودوا يستطيعون شراء اللحم، في الوقت الذي دفع فيه النقص الحاد في السكر لتوقع أزمة غذائية قادمة.

وكانت العدالة الاجتماعية أحد الشعارات الرئيسية في ثورة 2011، والتي أنهت حكم «حسني مبارك» الذي استمر 30 عامًا.

وفي عام 2013، امتلأت الشوارع من جديد بالمتظاهرين ضد «محمد مرسي»، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، والمنتخب ديمقراطيًا بعد الثورة، لكن تمّ الإطاحة به بعد عام واحد من الحكم على إثر أزمات في الكهرباء ونقص البنزين والاضطراب الاقتصادي.

وبعد 3 سنوات من إطاحة «السيسي»، الجنرال بالجيش، بـ«مرسي» واستحواذه على السلطة، يبدو أنّ وعوده بإعادة الاستقرار قد ذهبت أدراج الرياح.

وتسبب وصول السكر في سيارة حكومية بحالة من الهيجان وسط الطبقة العاملة في السيدة زينب يوم الثلاثاء، حيث تكدس الناس، ولوحظ أنّ كلًا منهم يحمل في يده 10 جنيهات للحصول على حصة تبلغ 2 كيلوجرام.

ويقول «عبد الحسيب أحمد محمد»، موظف محكمة في منتصف العمر: «بعد ثورتين، الشعب المصري يرجع إلى الخلف لا إلى الأمام. نحن نتجه لانفجار، وهذه المرة لن يكون سلميا».

لا إجابات سهلة

من جانب الحكومة، فإنّ الحاجة لإصلاحات اقتصادية والحصول على موافقة صندوق النقد الدولي على حزمة قروض مدتها 3 سنوات، صارت ملحة وواضحة.

ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي لمصر 3.5% لعام 2016/2017 وفق ما أظهره استطلاع لرويترز يوم الثلاثاء، مبتعدًا عن هدف 5% الذي أعلنته الحكومة سابقًا، ومنخفضًا عن معدل النمو للعام الماضي.

ويقترب عجز الموازنة من نسبة 10% من الناتج الوطني. وتسبب النقص الحاد في النقد الأجنبي في صعوبات أمام المؤسسات والشركات التي تقوم بعملية الاستيراد، وصعب على المستثمرين الأجانب تحويل الأرباح. والبعض منهم أغلق فقط بعد عامين من تشديد ضوابط رأس المال والاستيراد.

وأدى تقنين الدولار في البنوك التجارية لاتجاه أصحاب الأعمال نحو السوق السوداء التي ارتفع الدولار فيها ليتخطى 15.5 جنيها، بفارق شاسع عن السعر الرسمي في البنوك والبالغ حوالي 8.8 جنيها.

ولم تحظ مصر بموافقة صندوق النقد الدولي على القرض بعد بسبب فشلها حتى الآن في تحقيق شرط الصندوق بالحصول على تمويل بـ 6 مليارات دولار من مصادر أخرى، والتي توفر لها النقد الكافي لخفض وتعويم العملة المحلية، وهي الخطوة التي قال صندوق النقد الدولي أنّها ستساعد مصر على تأمين الأموال اللازمة.

وصرحت الحكومة هذا الأسبوع أنّها نجحت حتى الآن في تأمين 60% من التمويل المطلوب، وهو ما رفع احتياطياتها من النقد الأجنبي إلى 19.6 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول.

وقد صرح محافظ البنك المركزي «طارق عامر» أنّه سينظر في تعويم الجنيه فور وصول الاحتياطيات إلى 25 مليار دولار.

ولكن ارتفاع الأسعار ونقص الأغذية المدعومة من الدولة قد أجبر الحكومة على زيادة مشترياتها الغذائية وهو ما يحرق الدولارات الجديدة بسرعة، في الوقت الذي كان يتعين على الحكومة فيه خفض النفقات.

ويشكل استمرار انخفاض الجنيه في السوق السوداء منذ الإعلان عن قرض صندوق النقد الدولي في أغسطس/ آب، تحديًا كبيرًا.

وإذا ما أقدم البنك المركزي على تعديلات طفيفة بسعر صرف الجنيه، يقول الاقتصاديون أنّ الضغط الهبوطي للجنيه سيستمر. ولكن إذا قام بتعديلات بـ 6 إلى 8 جنيهات، من الممكن أن ينفجر الوضع السياسي والاجتماعي.

وعلى الرغم من أنّ سعر الدولار في السوق السوداء يؤثر بالفعل على القطاع الخاص بشكل كبير، فإنّ تخفيض سعر الجنيه سيكلف الحكومة كثيرًا، لأنّها تستورد شهريًا آلاف الأطنان من السلع الأساسية مثل القمح وزيت الطعام، وكذلك الغاز الذي تدعم به محطات توليد الكهرباء.

وكانت الشائعات قد انتشرت بأن 11 نوفمبر/ تشرين الثاني سوف يشهد ثورة على الأوضاع الاقتصادية. وقد ألقت الشرطة بالفعل القبض على أكثر من 70 شخصا على خلفية الدعوات لهذا اليوم، ووجهت الاتهام للكثيرين منهم بالولاء لجماعة الإخوان المسلمين. وكانت الجماعة قد تم حظرها تحت حكم «السيسي» وتم اعتبارها جماعة إرهابية، وهي تهمة ترفضها الجماعة.

ويقول «أنجوس بلير»، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة فاروس القابضة: «انخفض تضخم أسعار الغذاء بشكل طفيف في سبتمبر/ أيلول، مقارنةً بنفس الشهر من العام الماضي، لكن يظل هذا المعدل بالنسبة للفقراء، عند مستوى سام سياسيًا. ويثير ذلك الأمر القلق، ولاسيما مع دعوات الاحتجاج في 11/11».

لا رؤية

في خطاباته، حاول «السيسي» إقناع المصريين أنّ التضحية الجماعية مطلوبة لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي، حتى أنّه قد طالب الشعب بالتبرع بـ «الفكة»، وهو ما أثار العديد من التعليقات الساخرة على الإنترنت.

لكنّ «السيسي» الذي سحق الإخوان، وسجن المعارضين من العلمانيين أيضًا، توعّد وحذّر من إمكانية انتشار الجيش في البلاد في 6 ساعات في حال وقوع اضطرابات في الشوارع.

لا توجد في الحقيقة علامات على إمكانية وقوع احتجاجات مثل التي وقعت في 2011 و2013، على الرغم من أنّ الغضب المتزايد لارتفاع تكاليف السكن الاجتماعي قد تحول لتظاهرة من قبل المئات الأسبوع الماضي في بورسعيد، بالقرب من قناة السويس الاستراتيجية.

الخوف من المستقبل ليس مقتصرا على المصريين الأشد فقرًا، ولكنّهم أكثر المتضررين. رجال الأعمال أيضا يعانون يوميًا مع أزمات الدولار، التي تعوق تصريف أعمالهم.

ويقول «أشرف مرقص» الذي يدير شركة استيراد وتصدير: «إنّ أزمة الدولار سيئة للغاية، وتتسبب في تراكم البضائع في الميناء لوقت طويل ولا يمكنك إخراجها. الدولارات غير متوفرة، والوضع يتدهور».

ويبدو أنّ بعض السياسات الجديدة تخالف نوايا الحكومة للإصلاح. على سبيل المثال، طالب وزير التموين الحكومة بزيادة الدعم على بطاقات التموين الذكية، والتي تعطي للمصريين نقاط للحصول على الخبز وأغذية أخرى.

ويضيف «مرقص»: «هذه الحكومة لا تمتلك رؤية، ولا تقدم شفافية حول سياساتها. والناس لا يحتاجون لخطابات، الناس يحتاجون توفير حاجاتهم الأساسية من طعام وشراب».

المصدر | جيروزاليم بوست

  كلمات مفتاحية

السيسي مصر انهيار اقتصادي احتجاجات أزمة الدولار