«أوراسيا ريفيو»: قمع «السيسي» يتزايد والمصريون لم يعودوا قادرين على الصمت

الثلاثاء 1 نوفمبر 2016 05:11 ص

في مواجهة تراجع شعبيته، وارتفاع الاحتجاجات الداخلية على الأسعار، والدعوات لتظاهرات واسعة ضد الحكومة، يسعى الجنرال المنقلب الرئيس «عبد الفتاح السيسي» لاسترضاء الشباب ومشجعي الكرة والناشطين بوعود بالتغيير.

ورغم جهود السيد «السيسي» التي شملت رفعًا لمرة واحدة لحظر حضور مباريات كرة القدم، ووعود بمراجعة قانون التظاهر المصري، ومراجعة القضايا التي يحتجز فيها الشباب بدون محاكمة، واجتماعات دورية مع الشباب لمتابعة قرارات المؤتمر الوطني للشباب الذي عقد مؤخرًا في وقت سابق من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أنّها شهدت انتقادات حادة حتى قبل أن تنفذ على الأرض.

وأظهر استطلاع مصري للرأي الشهر الماضي أنّ السيد «السيسي» قد تراجعت شعبيته بنسبة 14%.

ورفض كاتب في صحيفة المصري اليوم في مصر مخاطبة «السيسي» للشباب بأنّهم أبناؤه وبناته، مصرًا أنّ الشباب مواطنين لديهم حقوق وعليهم واجبات. ومع افتتاح المؤتمر الذي نظمته الحكومة، تم إلقاء الضوء على وصف الرئيس «السيسي» لعام 2016 بعام الشباب، واشتعل موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بتجمع افتراضي نظمه الشباب أنفسهم.

ويذهب منتقدو المؤتمر إلى أبعد من رفض القمع الوحشي للسيد «السيسي» لمعارضيه وخيبة الأمل على نطاق واسع من وعود الرئيس السابقة بمستقبل اجتماعي وسياسي مشرق.

وعلى خلفية التدهور الاقتصادي الحاد منذ تولي السيد «السيسي» رأس السلطة بانقلاب عسكري منذ 3 سنوات والتقشف الشديد المحتمل كجزء من شروط صندوق النقد الدولي لإنفاذ برنامج الإنقاذ، ذهب المنتقدون إلى رفض التأسيس الجديد لفكرة الأبوية، القاعدة الرئيسية في الاستبداد العربي.

وفي عبارة صاغها الأكاديمي الأمريكي الفلسطيني «هشام شرابي»، تعني الأبوية أن يلبس الزعيم نفسه لباس الأب. واستبداد العالم العربي، وفقًا لسيد «شرابي»، استند على هيمنة الأب. وتعريف العلاقة بين الحكام والمحكومين كما بين الأب وأطفاله، حيث يتم الحفاظ على العلاقات العمودية. وفي قمة الهرم، يقف زعيم البلاد كأب لكل الآباء.

وأثار المؤتمر الافتراضي (على مواقع التواصل) القضايا ذاتها التي طرحها المؤتمر الرسمي عبر جلساته في موضوعات مثل الحريات العامة والمشاركة السياسية للشباب، ودراسة أسباب العنف في الملاعب، وغيرها.

وتحت وسم #الشباب_فين ركزت التغريدات على احتجاز عشرات الآلاف من الشباب، والاختفاء القسري لعشرات آخرين، وانعدام الحريات الأساسية، واستمرار إغلاق الملاعب أمام جماهير كرة القدم المتحمسة. وظهر وسمًا لاحق بعنوان «لماذا يجب أن نثور مرة أخرى»، استطاع تصدر تصنيف الوسوم على مستوى مصر في مواقع التواصل الاجتماعي.

حوى الوسم العديد من التغريدات منها: «إذا عقد السيسي المؤتمر الوطني للشباب في السجن، لحصل على حضور أكثر من شرم الشيخ»، وغرد «عادل عماد الدين» بالقول: «إلى أين سيذهبون؟ هم إمّا مدفونين تحت الأرض، أو مسجونين على الأرض، أو تم نفيهم من الأرض تمامًا».

وأخبر «السيسي» المؤتمر الرسمي أنّ «الحكومة، بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات الصلة، ستدرس اقتراحات لتعديل قانون التظاهر، وإدراجها أمام البرلمان ليناقشها في دورته الحالية».

ولم يكن الشباب فقط هم من وجدوا صعوبة في الاقتناع بـ«السيسي». فقد حذر رجال الأعمال المصريين من تبعات السطو على مصانع السكر والتجار المتهمين بتكديس البضائع متسببين في نقص حاد في السوق، فمن شأن ذلك أن يهز ثقة المستثمرين الأجانب، في الوقت الذي تحتاجهم مصر فيه لمساعدتها على رأب الصدع الاقتصادي الهائل.

ومع فتح القوات المسلحة لعديد من منافذ السلع الغذائية الأساسية عبر البلاد لمواجهة نقص السلع وارتفاع الأسعار، وعد «السيسي» بالحد من الحصة الهائلة التي يحصل عليها الجيش من الاقتصاد المصري خلال الـ 3 سنوات القادمة.

وزادت معاناة «السيسي» حين أعلنت السعودية توقف أرامكو عن إمداد مصر بالنفط. وقد أثار «السيسي» حفيظة السعودية رغم الدعم المالي السخي الذي حصل عليه منها، بعد أن فشل في دعم سياسة المملكة تجاه إيران وسوريا واليمن.

وكجزء من جهود «السيسي» الجديدة والتي شملت أيضًا محاولات عديدة فاشلة سواء في قمع مشجعي الكرة أو استمالتهم، أعلنت الحكومة السماح بحضور 75 ألف متفرج لمشاهدة التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2018، في 13 نوفمبر/ تشرين الثانين، في استاد برج العرب محافظة الإسكندرية.

وسبق الإعلان السماح لـ 70 ألف من مشجعي نادي الزمالك بحضور المباراة بين فريقهم والفريق الجنوب أفريقي «صن داونز»، في مباراة العودة لنهائي دوري أبطال أفريقيا، رغم اشتهار ألتراس وايت نايتس بتاريخهم من الاحتجاجات ضد الحكومة.

وشهدت الملاعب المصرية ولاسيما الدولية منها حضور أعداد محدودة للغاية أو منع الجمهور تمامًا خلال الـ 5 سنوات الماضية من الدوري الممتاز المحلي. ويرجع إغلاق الملاعب أمام الجمهور لعدم السماح لها لتصبح منصات لتنفيس الغضب والإحباط. وارتفع نسق الغضب في الأسابيع الأخيرة مع ظهور حركة جديدة تسمى حركة غلابة، والتي تدعو لتظاهرات واسعة في 11/11 ضد تقليص الدعم وزيادة الأسعار والنقص الحاد المتزايد في البضائع الأساسية.

ورغم وعود «السيسي»، شدّد وزير داخليته «مجدي عبد الغفار»، أنّ قوات الشرطة لن تتهاون مع أي محاولات تخريبية أو محاولات إثارة الاضطراب الاجتماعي في مصر. كما أضاف في بيان له على فيس بوك أنّ قوات الأمن سيجري تشديد إجراءاتها من أجل «حماية المواطنين والمؤسسات».

وظهرت حوادث عامة مثل حرق سائق تاكسي لنفسه بالنار احتجاجًا على غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وهو ما يذكرنا بالحادث الذي أشعل الثورة في تونس منذ 6 سنوات وتبعتها ثورات الربيع العربي. وظهرت في الآونة الأخيرة منشورات عامة تحذر «السيسي» من انفجار الأوضاع وخروج الأمور عن السيطرة. واحد من تلك المنشورات كانت مقطع فيديو لسائق توك توك صب جام غضبه على المحنة الاقتصادية التي تمر بها مصر، وحصل مقطع الفيديو على 10 مليون مشاهدة في الموقع الإلكتروني للمحطة التلفزيونية التي عرضته، قبل أن ينتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وخرجت أعداد كبيرة إلى الشوارع بمدينة بورسعيد إحدى مدن قناة السويس، والمدينة التي حدثت بها الحادثة الأسوأ في تاريخ كرة القدم المصرية عام 2012 بمقتل 72 مشجع، في وقت سابق من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، للاحتجاج على ارتفاع أسعار الإسكان الاجتماعي.

ويبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كان السخط المتزايد في أماكن متفرقة سيؤهلها للتجمع في تظاهرات واسعة ومتجددة. ويرى المصريون أنّ العديد من البلاد حولهم قد تمزقت بشكل مريع بعد الثورات الشعبية عام 2011 مثل ليبيا وسوريا واليمن، ولا يريدون لبلادهم أن تسير إلى هذا المنزلق. ومع ذلك، يبدو أنّ الصعوبات الاقتصادية والقمع قد وصلت إلى نقطة لم يعد المصريون قادرين فيها على التزام الصمت.

المصدر | أوراسيا ريفيو

  كلمات مفتاحية

السيسي مؤتمر الشباب قمع البطالة في مصر مظاهرات