فقراء مصر يترحمون على أيام «الإخوان».. و«الاستخبارات» تحاول إنقاذ الموقف

الثلاثاء 1 نوفمبر 2016 04:11 ص

تتفاقم أزمة الفقراء في مصر، بعد تعثر العمل الخيري والإغاثي بشكل كبير، منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وحظر العديد من المؤسسات والجمعيات الأهلية والخيرية، وفرض المزيد من القيود على نشاطاتها، بدعوى تورطها في دعم وتمويل الإرهاب.

الأمر ظهر جليا في أزمة السيول التي ضربت عدة محافظات مصرية، الأسبوع الماضي، وتسببت في مقتل وإصابة العشرات، وتشريد آلاف الأسر، الذين غرقت منازلهم في محافظات (البحر الأحمر، الوادي الجديد، سوهاج، قنا، أسيوط، شمال سيناء، جنوب سيناء).

وسجل عدد الفقراء في مصر ارتفاعا خلال العام الماضي بنسبة 28% من إجمالي عدد السكان البالغ 90.1 مليون نسمة، وفق إحصاءات رسمية.

وأكد «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» بمصر (حكومي)، في تقريره عن الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2015، أن الفقراء الذين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء يشكلون 27.8% من إجمالي عدد السكان، بعد أن كان 26.3% في 2013/2012.

وكشف الجهاز أن 57% من سكان الريف بالوجه القبلي (جنوب) فقراء، مقابل 19.7% بريف الوجه البحري (شمال)، مشيرا إلى أن نسبة الفقر بلغت 27.4% بحضر الجنوب، فيما بلغت 9.7% في حضر الشمال.

فراغ وسخط

تحاول الحكومة المصرية ملء الفراغ الذي تركته جماعة «الإخوان» فيما يتعلق بالعمل الخيري والإغاثي، بعد حظر الجماعة وتجميد أنشطتها، ومصادرة أموالها وممتلكاتها، منذ عزل «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، فضلا عن انسحاب «السلفيين» و«الجمعية الشرعية» (منظمة خيرية غير حكومية)، من صدارة المشهد؛ خوفًا من الملاحقات القضائية وحملات التحريض في الإعلام المصري.

يقول مراقبون إن الفراغ الذي أحدثه توقف الأنشطة الخيرية لمئات الجمعيات، زاد من حالة الاحتقان والسخط بين المواطنين الفقراء المنتفعين من هذه الخدمات، الأمر الذي ربما يعيد إلى الشارع المصري نغمة الترحم على أيام «الإخوان» بشكل خاص، والإسلاميين بشكل عام.

وكانت جماعة «الإخوان» تمتلك المئات من الجمعيات الخيرية والطبية، التي تقدم خدماتها لملايين الفقراء في مصر، وتوفر خدمات طبية وعلاجية بأسعار زهيدة لمحدودي الدخل، كما كانت الجماعة تعتمد نظام «لجان البر» في أكثر من 4 آلاف قرية على مستوى الجمهورية، وهي لجان تقوم بحصر المحتاجين، وتقدم إعانات شهرية لهم، تشمل كساء وأطعمة ومبالغ نقدية.

وتخوض الحكومة المصرية معركة سياسية، قد تكون الأصعب بالنسبة إليها، تسعى من خلالها إلى مجابهة استخدام الحركات الإسلامية للعمل الخيري لزيادة نفوذها، إلى الدرجة التي أدت إلى استحالة تخلي الطبقات الفقيرة عن المساعدات المقدمة إليهم، ما وضع أجهزة الدولة في حرج أمام المواطنين، وفق صحيفة «العرب» اللندنية.

غياب مؤثر

غياب «الإخوان» بشكل خاص، والإسلاميين بشكل عام، عن ساحة العمل الخيري، بدا مؤثرا، مع تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، والارتفاع الجنوني في الأسعار، وتراجع القوة الشرائية للجنيه المصري بشكل كبير، الأمر الذي يعني أن الفقراء في مصر دفعوا ثمن ارتفاع الأسعار مرتين، الأولى بعدم قدرتهم على شراء ما يحتاجونه، والثانية بضعف الأمل في الحصول على احتياجاتهم عبر التبرعات التي تأتي من القادرين.

وتشير الحملة التي أطلقها الإعلامي المصري «عمرو أديب» خلال برنامجه «كل يوم» المذاع عبر شاشة قناة «أون تي في»، تحت شعار «مصر الدفيانة»؛ لجمع مليون بطانية للمتضررين من السيول، إلى حجم الأزمة في المناطق المتضررة من السيول خاصة في صعيد مصر، والذي يمثل الإسلاميون فيه قطاعا كبيرا، ونالوا في تلك المحافظات الحصة الأكبر من أصوات الناخبين في الاستحقاقات الانتخابية التي سبقت انقلاب 3 يوليو.

ومن المظاهر اللافتة للأزمة التي يمر بها العمل الخيري في مصر، غياب حقيبة أغراض رمضان، التي تعرف باسم «شنطة رمضان» باللهجة المصرية، ما أثر في كثير من بيوت الفقراء بمصر والذين كانوا يعتمدون عليها في توفير الطعام لأسرهم في الشهر الكريم.

الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد على ما يبدو جعلت عدد «الشنط» يتناقص بشكل كبير إلى جانب التضييق الأمني، وخوف القادرين على تجهيز الشنط من الملاحقات الأمنية، بالإضافة إلى اختفاء بعض السلع وارتفاع الأسعار، ما أدى إلى خفض مكونات «الشنطة» في كثير من الأحيان أيضاً، بحسب موقع «هافينغتون بوست» الأمريكي.

و«شنطة رمضان» تقليد اجتماعي ظهر منذ سنوات، يقوم فيه الموسرون من المواطنين بجمع عدد من السلع الغذائية الأساسية التي ارتفعت أسعارها في الفترة الأخيرة مثل السكر والأرز والسمن والزيت واللحوم أو الدجاج، بالإضافة إلى التمر وبعض المعلبات الأخرى، ليقدموها عبر الجمعيات الخيرية أو بطريق مباشر إلى الفقراء في شهر رمضان.

ضربة للفقراء

في سبتمبر/آيلول 2013، أعلنت حكومة رئيس الوزراء المصري الأسبق «حازم الببلاوي»، تشكيل لجنة لمصادرة وإدارة أملاك جماعة «الإخوان» في أعقاب الانقلاب العسكري، يرأسها المستشار «عزت خميس» مساعد وزير العدل المصري الأسبق.

وفي 15 يناير/كانون ثاني 2015، أعلنت الحكومة المصرية التحفظ على أموال وممتلكات الجمعية الطبية الإسلامية، وهي شبكة من المستشفيات الخيرية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وتضم أكثر من 38 مستشفى و10 مراكز متخصصة للغسيل الكلوي و12 صيدلية، يشكل الفقراء غالبية المستفيدين من خدماتها.

ويعمل بالجمعية ما يقرب من 2000 طبيب، وما يزيد عن ثلاثة آلاف موظف، وتعالج سنوياً أكثر من 3 ملايين مريض، وتجري أكثر من 75 ألف عملية جراحية، وتتركز فروعها في المناطق الشعبية الفقيرة من القاهرة الكبرى أو في الأقاليم البعيدة عن العاصمة، وهي جميعا منطق تفتقر بشد للخدمات الطبية التي يحتاجها المواطنون.

وتقول مصادر قانونية في جماعة «الإخوان»، إن «الحكومة تحفظت على 342 شركة و1107 جمعية أهلية، و174 مدرسة تابعة للجماعة»، وفق موقع «عربي21».

لكن الضربة الأكبر للعمل الخيري في مصر، جاءت بالتضييق على «الجمعية الشرعية الرئيسية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية»، التي تعد واحدة من أكبر الجمعيات التي تقوم بالعمل الخيري في مصر والعالم الإسلامي، وقد نالت جائزة الملك «فيصل» العالمية لخدمة الإسلام، عام 2009.

مبررات التضييق الأمني، وقرارات الحظر والتجميد، طالت 1055 جمعية خيرية وأهلية، بدعوى ارتباطها بشكل أو بآخر بـ«الإخوان»، أو أن من بين أعضاء مجالس إداراتها منتمون لـ«الإخوان»، وهى القائمة التى تم إخطار البنوك المصرية رسمياً بتجميد أموالها.

وضمت القوائم، «مؤسسة بنك الطعام» وهى المؤسسة التى نفت مراراً وتكراراً علاقتها بالإخوان (تم استثناؤها لاحقا)، أيضاً «الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة» وهى الجمعية التى تسيطر عليها مجموعات سلفية بشكل عام، وقد تم تجميد أموال العشرات من فروع هذه الجمعية فى مختلف المحافظات، بالإضافة إلى المركز الرئيسى، أيضاً تم تجميد أموال عدد من فروع «جمعية الشبان المسلمين» فى بعض المحافظات، وكذلك عدد من فروع جمعية «الحفاظ على القرآن الكريم»، وعدد من فروع جمعية «أنصار السنة المحمدية»، بحسب صحيفة «المصرى اليوم».

تدخل استخباراتي

النقص الحاد في الخدمات الخيرية والإغاثية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، دفع جهات سيادية في مصر، إلى التحرك في محاولة لملء الفراغ، وتعويض غياب الإسلاميين عن المشهد، وتبلور ذلك في أكثر من اتجاه، ومن خلال منابر سياسية مختلفة.

القوات المسلحة المصرية، وفي محاولة لمغازلة المواطن المصري، قامت بدور اجتماعي بارز، من خلال توزيع بعض السلع الغذائية على المواطنين في المناطق الأكثر فقرًا في القاهرة وبعض المحافظات، بالإضافة إلى فتح منافذ بيع متحركة في الميادين ومداخل المناطق الشعبية المزدحمة بالسكان، لمواجهة ظاهرة ارتفاع الأسعار، وتوفير السلع للمواطنين.

ولم يغب جهاز «المخابرات العامة» عن المشهد، وتلاحظ وجود تشابه في الدور الاجتماعي لذلك الجهاز مع دور «القوات المسلحة» و«الداخلية»، إلا أنه تركز في محافظات الصعيد الفقيرة؛ حيث سعت تلك الجهة، خاصة في بداية شهر رمضان، لمساعدة المواطنين غير القادرين، ووزعت ما يزيد عن نصف مليون كرتونة رمضانية في عددٍ من المحافظات، منها (بني سويف، المنيا، الأقصر، سوهاج).  

وزارة «الداخلية» المصرية، سعت هي الأخرى بالتنسيق مع مديريات الأمن، إلى توزيع المنتجات والسلع الغذائية على المواطنين الأشد فقرًا في تلك المحافظات، وهدفت وزارة الداخلية من هذا الدور إلى دعم أواصر العلاقة بين جهاز الشرطة والشعب، وفق بيان صدر عن الوزارة في وقت سابق.

وزارة «الأوقاف» المصرية، دشنت مبادرة «المسجد الجامع» قبل عدة أشهر؛ للوصول إلى الفقراء والمحتاجين، كما أطلقت العديد من المبادرات، كان أبرزها «مشروع صكوك الأضاحي» لتوزيع اللحوم على المحتاجين.   

وبحسب رأي «محمد مختار جمعة» وزير الأوقاف المصري، فإن المبادرة تقوم على أمرين، «الأول تخفيف المعاناة عن الفقراء والمحتاجين، والثاني سحب البساط من الجماعات المتاجرة باحتياجات الناس، والتي تستغل مثل هذا العطاء في تجنيد عناصر جديدة لصفوفها أو شراء ولاءات انتخابية لأحزابها»، على حد قوله.

أهداف سياسية

لكن هذه الأدوار الخيرية للجهات العليا، وفق دراسة بحثية، يمكن أن تفسر بأن وراءها أهداف سياسية وكسب ود الأوساط الشعبية، وهو الأمر الذى يسيىء لهذه الجهات خاصة أنه يتم عمل دعايات إعلامية مكثفة بالصحف والفضائيات عن هذه التبرعات، هذا بالإضافة إلى أن هذه الأعمال الخيرية التى تقوم بها تلك المؤسسات تؤكد فشل كل أجهزة ووزارات الدولة المعنية بشئون مكافحة الفقر والقضاء على العشوائيات ومراقبة الأسواق والأسعار وغيرها، بحسب «المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية».

«خدمات الإطعام والإيواء والعلاج والمساعدة على الزواج، نشاطات كان يتحملها المجتمع الأهلي، ويخفف بها العبء عن الدولة، ويحميها من التذمر الشعبي، صحيح أن الإسلاميين، استثمروا تلك الأنشطة، فى رفع رصيدهم الشعبي، وتحويله إلى طاقة سياسية لمصلحتهم وقت الانتخابات، إلا أن الدولة أيضًا كانت مستفيدة فى المقابل، إذ قام الإسلاميون بالتغطية على انسحاب الدولة من دورها ووظيفتها الاجتماعية. ويبدو لى أن المخابرات وجدت نفسها، مضطرة إلى إصلاح ما أفسدته سياسات أجهزة أخرى»، بحسب الكاتب المصري «محمود سلطان»، في صحيفة «المصريون».

يضيف «سلطان»، قائلا «المخابرات لم تقدم إلى مثل هذه المبادرة، إلا بعد تيقنها بأن ثمة فراغًا كبيرًا قد اعترى المجتمع الأهلى والعمل الخيري، قد أثر كثيرًا فى تقليل الإحساس بالجوع والفقر والعوز، لدى قطاع كبير من الأسر المصرية، وهو فراغ قد يعزز من مشاعر السخط والتذمر بين الطبقات المحرومة».

مسؤول مصري بـ«الجمعية الشرعية»، اشترط عدم ذكر اسمه، قال إن «الأزمة طالت الجميعات الغير تابعة للإخوان، وتم فرض المزيد من القيود على تلقي التبرعات، ما تسبب في نقص حاد في خدمات الجمعية، وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه آلاف الأسر الفقيرة».

وأضاف «التجميد طال 1150 فرعا، والمراكز الطبية باتت إما عاجزة عن تقديم الخدمة العلاجية للمرضى، أو مضطرة لرفع رسوم خدماتها».  

وكانت الجمعية الشرعية قد أصدرت بياناً في ديسمبر/كانون الأول 2013، استنكرت فيه قرار تجميدها لما له من تأثير على 9.5 مليون مواطن يستفيدون من خدمات الجمعية، والتي تتنوع ما بين صحية وتعليمية وخيرية، مؤكدة أنها ستواصل التزامها بعلاج الأطفال المبتسرين المتواجدين في حضانات الجمعية، وعددها 1090 حضانة، واستمرار نفقات الأيتام والفقراء حتى آخر مليم لديها، بحسب «بي بي سي».

وإزاء تأزم الموقف، جراء قرارات التجميد العشوائية، لجأت الحكومة المصرية، إلى استثناء بعض الجميعات والفروع من قرارات الحظر، وحاولت مرارا عبر مبادرات، من عينة «تحيا مصر»، و«دعم مصر» و«بأمر الشعب» و«الجيش الرابع»، و«صبح على مصر بجنيه» ومبادرة «الـ 5 جنيه» و«المليون بطانية»، و«هنبني ونعمر»، و«أنقذوا رأس غارب»، العمل على إنقاذ الموقف، لكن أزمة السيول كشفت المستور. 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الفقر في مصر الإخوان عبدالفتاح السيسى ثورة الغلابة أزمة السيول حملة المليون بطانية غلاء الأسعار