«أردوغان» و«ترامب».. تركيا تسعى لفرض سياسة الأمر الواقع في سوريا

الاثنين 21 نوفمبر 2016 02:11 ص

بعد أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نشرت الصحف المقربة من حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم قصصا تزعم أن عناصر من الحكومة الأمريكية تتآمر لإزاحة «دونالد ترامب» من الحكم. كان ورقة رابحة، وموضع إجماع في وسائل الإعلام الموالية للحكومة على أنه الخيار الأفضل لتركيا: الملياردير الذي يقع خارج التيار الرئيسي في واشنطن، وهو خارج نفوذ أعضاء حركة «غولن»، الذي أعطى بعضهم المال لدعم «هيلاري كلينتون».

كان الرئيس الفعلي لحزب العدالة والتنمية، «رجب طيب أردوغان»، من بين أول من هنئوا الرئيس المنتخب «ترامب»، ويقال أنه دعاه إلى تركيا من أجل «إعادة ضبط» العلاقات المليئة بالتوتر والخلافات حول سوريا. وقد أشار «ترامب» إلى أن الإدارة القادمة سوف تقوم بإجراء تغييرات كبيرة في الاستراتيجية الأمريكية الحالية في سوريا. وحاليا فإن حزب العدالة والتنمية مشغول في خلق «حقائق على الأرض» للإدارة القادمة. تسعى تركيا باستخدام القوة العسكرية إلى تحقيق هدفين مترابطين:إبطاء الهجوم على الرقة والسيطرة على مدينة الباب، من أجل الحيلولة دون ربط المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.

وقد دفعت هذه السياسة جهودا دبلوماسية كبيرة إلى تركيا، وذلك لقياس نوايا أنقرة في نهاية المطاف، وضمان أن تركيا وحلفاءها لن يتصادموا بشكل كبير جدا مع الأكراد السوريين، وهي النتيجة التي قد توسع النزاع المدني السوري وتضر الحرب الجوية التي تقودها الولايات المتحدة.وسترث إدارة «ترامب» حربا جوية وبرية ضد الدولة الإسلامية تسير بشكل جيد، ولكن الحرب الأهلية السورية أصبحت أكثر تعقيدا.

الرئيس المنتخب «ترامب» والتواجد التركي في سوريا

وخلال الحملة، تعددت مواقف «ترامب» ومعاونيه من تركيا، بدءا من انتقاد سياسة تركيا تجاه «الدولة الإسلامية»، وصولا إلى تكرار حديث الحكومة التركية الحديث عن محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/ تموز، ومدح التزام أنقرة في الحرب ضد «الدولة الإسلامية» مؤخرا.

عدلت الحكومة التركية سياستها في سوريا في يونيو/حزيران الماضي، مما يشير إلى عزمها على إنشاء «منطقة عازلة» على طول الحدود. وقد وجهت الحكومة التركية في 24 أغسطس/آب، قوات عبر الحدود، لأول مرة إلى مدينة جرابلس قبل التقدم إلى دابق ثم الاتجاه جنوبا نحو الباب. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، فإن تركيا وقوات مسلحة من العرب والتركمان المتحالفين معها يقفون على مشارف المدين،ة ويبدو أنهم يستعدون لبدء الهجوم. ولدعم هذه العملية، قالت لي مصادر مطلعة أن الجيش التركي زاد عدد القوات، على الرغم من أن القوة الكلية لا تزال تبدو مقصورة على العمليات الخاصة الذين يقاتلون جنبا إلى جنب مع لواء مدرع. ولكن الزيادة في عدد القوات التركية تساعد على تعويض الضعف في الجماعات المسلحة المتحالفة مع تركيا.

على افتراض أن «الدولة الإسلامية» ستختار الدفاع عن المدينة، يمكن للمناطق العمرانية أن تعطي ميزة تركيا في قوة النيران. الجيش التركي ربما يقصف مواقع المدن بالمدفعية ونشر الدبابات إلى الأمام، قبل إعطاء الضوء الأخضر للجماعات المتحالفة على الأرض لبدء الهجوم. ومن شأن هذا النهج أن يكون مماثلا لعمليات سابقة للجيش التركي في جنوب شرق البلاد، حيث استخدمت أنقرة تكتيكات مماثلة لاستعادة السيطرة على المدن من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي.

وقد كان من نتائج هذه الاستراتيجية وقوع أضرار جسيمة وسقوط ضحايا من المدنيين. في هذه المعارك، كانت القوات الخاصة التركية تركز انتباهها على الأكراد، وهي حقيقة يمكن أن تنذر بمعارك مطولة. وفي الوقت نفسه، ظهرت تقارير موثوقة تشير إلى أن الجزء الأكبر من قوات تنظيم الدولة ينسحبون من أجل الدفاع عن الرقة من هجوم متوقع من قوات تدعمها الولايات المتحدة وهي حالة يمكن أن تؤدي إلى معركة سهلة في الباب.

تقاتل «الدولة الإسلامية» تحت الضغط العسكري المكثف الآن على جبهات متعددة، تمتد من الموصل إلى الباب. ولدى المجموعة حافز لجذب القوى المعادية للمناطق الحضرية، حيث يمكن تنفيذ مقاومة كبيرة مع قوات أقل. إن هذا التكتيك يسمح للمجموعة بإعادة تخصيص الموارد المحدودة للرقة. في حالة فقدت السيطرة على الرقة، يمكن بعد ذلك التراجع إلى وادي نهر الفرات والمناطق الصحراوية بين العراق وسوريا، من حيث يمكنها توجيه حركات تمرد.

تشكل هذه الاستراتيجية تحديات على المدى الطويل. اعتمدت المجموعة على هذه التكتيكات في العراق قبل انتقالها إلى سوريا في عام 2011. ومع تأسيس الخلافة في عام 2013، فإنها لجأت إلى مثل تكتيكات المافيا لجني الإيجارات من المدن. في العراق، تمكنت المجموعة من جني المال من عقود إعادة الإعمار وفرض رسوم إيجار في المدن المتنازع عليها، وحتى في المناطق التي تم تهطير المجموعة فيها، فقد بقيت لها «خلايا نائمة».

هذا التاريخ يوضح الآثار المترتبة على المدى الطويل للقوات التركية، حيث ربما تحتاج أنقرة للبقاء في المناطق التي تم تطهيرها للمساعدة في دعم عدد القوات التي تم حشدها للسيطرة على الأراضي في سوريا.

تركيا والرقة واللغز الكردي

تمنع القوات التركية والقوات المتحالفة معها حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي، من السيطرة اللاحقة على الباب لمنع تحقيق مزيد من التقدم من الكانتون الغربي من عفرين، نحو منبج، حيث جبهة تتقاسم قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على المناطق مع قوات درع الفرات. برزت ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي، بوصفها أقرب شريك للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة. في أغسطس/آب، قامت بدعم من الولايات المتحدة و تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية بالسيطرة على مدينة منبج من «الدولة الإسلامية». ومن المرجح أن يكون هذا نموذجا للخطة الحالية للسيطرة على الرقة. وكما كان الحال مع منبج، يبدو أن العملية الجارية تهدف إلى تطويق المدينة باستخدام القوات الكردية، قبل أن تشكل الأغلبية العربية قوة للسيطرة على الأرض من حزب الاتحاد الديمقراطي. ومن المؤكد أن القوات العربية ستكون مستقاة من العناصر المحلية و القبلية في المناطق الريفية والصحراوية المحيطة بالمدينة.

أعربت الحكومة التركية عن استيائها مع النهج الأمريكي الحالي. وكانت أنقرة قد طلبت في وقت سابق من الولايات المتحدة تأخير الهجوم لمدة أربعة أشهر، وهي خطة من شأنها أن تعطي فرصة لإنشاء قوة بديلة لحزب الاتحاد الديمقراطي للسيطرة على المدينة. عمليات شمال المدينة هي واضحة نسبيا وتتطلب قوى عاملة قليلة، ولكن أي هجوم على المدينة نفسها سوف يتطلب انتقال الوحدات الكردية من الخطوط الأمامية المختلفة على طول الحدود التركية وبالقرب من نهر الفرات.

من أجل إبطاء هجوم الرقة، هددت الحكومة التركية مرارا مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية، لاسيما في منبج وعلى طول الحدود. وهددت تركيا باستخدام القوات التي تقاتل إلى جانب قواتها قرب الباب لمهاجمة مواقع هذه الفصائل على الحافتين الشمالية والغربية من منبج. تقوم أنقرة أيضا بتدريب قوات منافسة لقوات سوريا الديمقراطية. هذه المجموعة هي جزء من المعارضة السورية التي تم فحصها ولكنها معادية لحزب الاتحاد الديمقراطي. ويمكن أن تستخدم هذه المجموعة لتقود عملية بدعم تركي في تل أبيض، وهي بلدة تسيطر عليها الأكراد على الحدود التركية. ولكن يمكن لهذه المجموعة في نهاية المطاف ألا تكون أكثر من مشروع ضعيف للقادة العسكريين في الخارج.

بغض النظر، فإن الجمع بين هذين العاملين يعني أن قوات حزب الاتحاد الديمقراطي مترددة في إرسال تعزيزات لدعم عملية الرقة التي من شأنها أن تتركها عرضة للهجوم التركي. موقف تركيا يعني أنه ليس من الضروري أن تتدخل فعلا في منبج أو تل أبيض، ولكن بدلا من ذلك يمكن استخدام التهديد باستخدام القوة لإبطاء حملة أمنية تدعمها الولايات المتحدة. يمكن لأنقرة أيضا استخدام عناصر عربية لتنظم الهياكل في المدن والبلدات التي تسيطر عليها القوات الديمقراطية، وهي سياسة من شأنها أن تضعف سيطرة هذه القوات على الأراضي على المدى الطويل.

ترث إدارة «ترامب» هذه المشاكل، بغض النظر عن السياسة التي سيختارها في نهاية المطاف في سوريا. وتشير الدلائل أنه سيركز على الفور على قضية تنظيم الدولة، على الرغم من تصريحاته حول الاستراتيجية التي تشير إلى أنه ربما يفضل فقط التوسع في استخدام سلاح الطيران. وهذا النهج، إذا ما اتبع في الواقع، سيأتي بصمة صغيرة تمزج بين قوات العمليات الخاصة مع القوة الجوية. قوات سوريا الديمقراطية ستظل على الأرجح شريكا مفضلا للولايات المتحدة. أنقرة تعرف هذا وبالتالي ستستمر بالعمل على تغيير الحقائق على الأرض الآن. هذه السياسات، دون شك، تضر الهدف الاستراتيجي الأميركي بهزيمة تنظيم الدولة والسيطرة على الرقة في المدى القريب، ولكن ينظر في أنقرة بشكل أكبر إلى حيوية المصالح القومية على المدى الطويل.

ولذلك فإن تركيا تعمل جاهدة لتقديم ورقة رابحة من خلال فرض الأمر الواقع في سوريا. حتى الآن، نجح الانخراط الدبلوماسي الكبير من وكالات الحكومة الأمريكية المتعددة في منع اندلاع خطير من التصعيد التركي الكردي في سوريا. يجب على الرئيس المقبل أن يأخذ هذه المشكلة على محمل الجد، وذلك لضمان أن التحدي السوري لا يتطور ليصبح أكثر تعقيدا. ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة أيضا الاستعداد للأسوأ واستعراض خيارات الإدارة، والتحديات مثل هذا التصعيد، والتي من شأنها أن تشكل خطرا على المصالح الأمريكية في سوريا.

تشجيع حزب العدالة والتنمية للرئيس الأمريكي القادم، لا ينبغي أن يفسر على أنه إشارة لتغيير تركي. على العكس من ذلك، أنقرة تصلب مواقفها وتعمل بشكل مستقل لتعزيز مكانتها وجها لوجه مع واشنطن. تدل إجراءات تركيا في سوريا بشكل واضح أن قيادتها تخطط لتقاسم ممكن للنفوذ مع الولايات المتحدة. لابد أن تعمل الإدارة القادمة على إدارة هذه المشكلة، وينبغي أن تكون مدركة لحقيقة أن الفاعلين المعنيين من غير المحتمل أن يقبلوا صفقة يرونها غير ملائمة لمصالحهم في سوريا.

المصدر | وور أون ذا روكس

  كلمات مفتاحية

تركيا الدولة الإسلامية الأكراد درع الفرات الرقة منبج