استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الاستلاب للدعاية الغربية

الاثنين 5 ديسمبر 2016 11:12 ص

بمجرد رحيل شخصية عامة معروفة في العالم، تبدأ النقاشات بين الناس في وطننا العربي حول تقييمها، وتطلق الأحكام، وهذا طبيعي، لأن الشخصيات العامة تثير الجدل عادة، وينقسم حولها الناس. ما يلفت الانتباه هو معايير التقييم، خصوصا لشخصيات من خارج الوطن العربي، مثل فيديل كاسترو، الذي أثارت وفاته، أخيرا، الجدل من جديد، حول سيرته وحكمه.

بالنسبة لمن يحكمون من خلال المعيار الليبرالي الغربي دون سواه، النقاش بشأن كاسترو محسوم، فهو ديكتاتور مستبد، ويصح هذا الحكم على كل قادة حركات التحرر من الاستعمار الذين استلموا الحكم، إذ لا يقيم المعيار الليبرالي الغربي وزنا لأية زاوية في التقييم، غير تداول السلطة.

الحكم على شخصيات تاريخية، بحجم كاسترو، وفق المعايير الليبرالية، المرتبطة بثنائية الاستبداد/الديمقراطية، انتقائي. عادة ما توصم شخصيات مناهضة للولايات المتحدة بالديكتاتورية في هذا الخطاب، بمن فيهم المنتخبون ديمقراطيا، مثل هوغو تشافيز (لا يعني هذا أن الانتخاب وحده كاف لتوصيف شخص بأنه ديمقراطي، لكن الحديث هنا عن الانتقائية المتماشية مع الهوى الأمريكي)، في حين لا يكون الاستبداد موضع نقاش بالنسبة لأنظمة تقليدية مغلقة، ليس فيها الحد الأدنى من الديمقراطية والحريات.

ذلك لأنها في الدعاية الغربية، والإعلام العربي الرديف لها، لا تصور على أنها شرسة وهمجية، وتنتهك حقوق الإنسان كل يوم، ويعود هذا إلى تموضعها ضمن المنظومة الغربية. أكثر من ذلك، لا يجد هؤلاء مشكلة في هيمنة طبقة سياسية واحدة على الحكم في الولايات المتحدة، والتداول الشكلي للسلطة بين حزبين ينتميان للطبقة ذاتها، بينما يملأون الدنيا صراخا ضد حكم "الأوليغارشيا" في روسيا والصين.

وهو ما يجعل مصداقية استخدام المعيار الليبرالي في الحكم على كاسترو مثلا، أو غيره من القادة المناهضين للولايات المتحدة، ضعيفة، بالنظر إلى الانحيازات الثاوية خلف استخدام هذا المعيار، المحكومة بالتوجه الغربي عادة.

يتجاهل المعيار الليبرالي الذي ينسف تجربة تاريخية بمقاييس الديمقراطية والاستبداد السياق التاريخي لهذه التجربة، والأبعاد المختلفة في تقييمها. في حالة كوبا، وعلى الرغم من الحصار الأمريكي الجائر، تحقق تقدم كبير وملفت في التعليم والرعاية الصحية، وعلى مستوى العدالة الاجتماعية، إضافة بالطبع إلى إقامة حكم وطني، يجابه الإمبريالية الأمريكية في حديقتها الخلفية، ويبني تجربته المستقلة عنها، ولا يدور في فلكها. 

لا تتجاهل محاكمة حركات التحرر بمعيار الديمقراطية الليبرالية المعايير الأخرى المهمة وحسب، ويحول الديمقراطية الليبرالية إلى قيمة عليا تعلو باقي القيم، ويجعل التمثيل البرلماني وتداول السلطة أهدافا بذاتها، لا وسائل لتحقيق أهداف تنموية ووطنية كبرى، بل أيضا يتغافل عن سياق حركات التحرر من الاستعمار التي كانت تهدف، بالأساس، إلى طرد المستعمر، وتحقيق الاستقلال الوطني، كما أن الديمقراطية الليبرالية، والتمثيل البرلماني، لم تكن التفسير الوحيد للديمقراطية في تلك الحقبة، خصوصا مع اعتقاد كثير من حركات التحرر بأن الأحزاب القائمة تمثل مصالح طبقة برجوازية مرتبطة بالمستعمر، وأن الحل يكمن في ديمقراطية شعبية (أو بتعبير آخر ديكتاتورية البروليتاريا) يقودها حزب واحد يمثل الطبقة الكادحة، وينهي الطبقية، والاستزلام للمستعمر.

لا يعني هذا عدم نقد تجارب حركات التحرر في قضايا مثل تقليص الحريات، والبناء على مراجعة أخطائها بتبني المزاوجة بين التأكيد على الحريات العامة والتمسك بخيار الاستقلال الوطني ومناهضة الإمبريالية، لكن اختزال التجربة في هذه الناحية، مع إغفال الحصار الأمريكي، والاستهداف المباشر للتجربة، بمبررات حقوق الإنسان والديمقراطية، مشكلة أساسية في التقييم، خصوصا وأن هذا يجعل أي حكم مستهدف في حالة حرب، بما يعزز القبضة الأمنية، خوفا من الاختراق. لا يراعي الحكم على تجربة تاريخية، من زاوية الواقع الحالي، الظروف التاريخية وقتها، ومطالب الناس الذين نقلتهم بعض تجارب حكم حركات التحرر، من التهميش الكامل والغياب التام، إلى الحضور في مؤسسات الدولة، بالتعليم المجاني والتدريب المهني، وإيجاد الوظائف، وهذا ما حصل في التجربة الناصرية مثلا. 

يتضح الانسياق خلف الدعاية الغربية في تقييم الشخصيات السياسية، في تبني العربي المعيار الليبرالي وحده في الحكم على تجربة مثل تجربة كاسترو، إذ يغيب عن النقاش، أو يهمش إلى حد كبير، موقف كاسترو من قضايا العرب في مواجهة أعدائهم، وتحديدا من قضية العرب المركزية، وهذا معيار أساسي في حكم العربي على الشخصيات والدول والجهات السياسية في العالم. لو كان التقييم وإطلاق الأحكام على التجارب متعلقا فقط بالديمقراطية الليبرالية، سنكون أمام تبجيل الدول الديمقراطية الليبرالية، المساندة للاحتلال الصهيوني، فيما ينظر لكاسترو بسلبية، وهو المناصر للحق الفلسطيني والعربي. يشير هذا إلى حجم الإهمال الذي بات يصاحب قضية فلسطين، في تقييمنا واقعنا، واتخاذ مواقفنا.

تتماشى الاختزالية التي يتم التعاطي بها مع كاسترو، في غالب الأحيان، بقصد أو من دونه، مع الدعاية الأمريكية، خصوصا مع إهمال الحصار الأمريكي على كوبا. تحتاج التجارب التاريخية إلى مقاربتها بأكثر من زاوية، وفي تجربة كاسترو ما لا يمكن اختزاله بوصمه بالاستبداد، كما لا يمكن تجاوز أثر الثورة الكوبية، في محيطها والعالم، وهو أثر إيجابي، إذا كنا نرى مجابهة الإمبريالية أمرا مهما ومركزيا لا يمحى بجرة قلم.

* بدر الإبراهيم - كاتب سعودي صدر له كتابان: "حديث الممانعة والحرية"؛ "الحراك الشيعي في السعودية"

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

الدعاية الغربية الناصرية الليبرالية الديمقراطية فيدل كاسترو حركة التحرر الوطني المعيار الليبرالي تداول السلطة ثنائية الاستبداد/الديمقراطية