«هافينغتون بوست»: الآثار المحتملة لمشاركة مصر عسكريًا في سوريا

الجمعة 9 ديسمبر 2016 07:12 ص

نشرت جريدة السفير المقربة من النظام السوري مقالًا في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني تزعم نشر وحدة عسكرية مصرية في سوريا لتقديم الدعم اللوجيستي لجيش الرئيس «بشار الأسد». وزعم التقرير أنّ الوحدة المصرية قد تمركزت في قاعدة حماه الجوية في وسط سوريا منذ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني وضمّت 18 طيّارًا، 4 منهم يحملون رتبًا عسكرية بارزة. وأضاف مصدر مجهول في المقال أنّ اثنين من جنرالات المجلس العسكري في مصر يقومون الآن بزيارة الخطوط الأمامية للمواجهات في سوريا ويقومون بعقد لقاءات تقييمٍ عسكرية.

وخرجت الأنباء عن التواجد المصري في سوريا بعد أيامٍ فقط من إعلان الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» دعم بلاده لـ«جيش الأسد». وقد أكّد وزير الخارجية السوري «وليد المعلم» لاحقًا في مؤتمر صحفي في دمشق، أنّ العلاقات السورية المصرية تشهد تقدّمًا، مضيفًا أنّه يتبقى فقط «قفزة صغيرة لتعود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها».

وأثار تقرير السفير بعض الارتباك والجدل بين مراقبي المنطقة، الأمر الذي دفع السفارة المصرية في بيروت للرد. وأنكر السفير «نزيه النجاري» الادّعاءات بمشاركة بلاده عسكريًا في سوريا، لكنّ جريدة السفير نشرت توضيحًا يؤكد صدق مصادرها. وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، ذكرت وكالة الأنباء الروسية سبوتنيك أيضًا أنّ الحكومة السورية قد رحبت بمساهمة أي جيش عربي كحليف في «مواجهة الإرهاب في الأراضي السورية».

وبغض النظر عن دقة أنباء جريدة السفير، هي فقط مسألة وقت قبل وضع اللمسات النهائية في تحالف مصر مع «الأسد» وروسيا. وأشار كاتب المقال، «محمد بلوط»، وهو صحفي يشاع عنه علاقته القوية بالمخابرات السورية، إلى أنّ مصر ستزيد من مشاركتها في سوريا مع بدايات شهر يناير/ كانون الثاني عام 2017.

وإذا كانت مصر في الواقع تشارك في سوريا عسكريًا، فمن المرجح أن ديناميكيات القوة الرئيسية في سوريا والمنطقة ستضطرب للغاية.

العلاقات السورية المصرية

لقد حافظت دمشق والقاهرة على علاقات قوية طوال 60 عامًا، توقّفت فقط خلال الربيع العربي عام 2011، عندما خرجت الانتفاضات ضد الحكم العسكري في كلا البلدين. وعندما نجحت الثورة في مصر في الإطاحة بالرئيس في ذلك الوقت «حسني مبارك»، ظلّت العلاقات مع «نظام الأسد» مقطوعة، حتّى استولى الجيش المصري على السلطة وأطاح بالرئيس «محمد مرسي» القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وأودعه السجن.

ومنذ انتخاب «السيسي» عام 2014، كانت سياسة مصر في سوريا دبلوماسية، وليست عسكرية، في صالح الوصول لحل سياسي بين النظام والمعارضة. ودعمت مصر مجموعة من شخصيات المعارضة سمّيت بوفد مؤتمر القاهرة.

وعلى الرغم من التقارب الحالي بين البلدين، جدد «السيسي» في مقابلة مع التلفزيون البرتغالي الأسبوع الماضي أنّ موقف مصر يظل مع «احترام الشعب السوري، والبحث عن حل سياسي كأفضل سبيل للأزمة السورية». لكنّ الدعم المصري لحل سياسي في سوريا يتطلب مواجهة الإرهاب، حيث أنّ أولوية القاهرة «في دعم الجيوش الوطنية»، كما قال «السيسي».

وإذا أعلنت مصر رسميًا نيتها ممارسة دور عسكري في سوريا، فإنها ستظهر دعمها للأسد في شكل القتال ضد تنظيم الدولة. وعلى غرار النهج الذي اتخذته روسيا، سيؤمّن ذلك لمصر موقعًا على طاولة المفاوضات كوسيط وسيسمح لها التواجد العسكري على الأرض بتعزيز موقف «الأسد».

تحولات التحالفات

ومنذ تولي «السيسي» السلطة، اعتمد على السعودية في التغلب على مشاكل مصر الاقتصادية. وكان الملك السعودي سخيًا في المساعدات والقروض والنفط رخيص الثمن. وفي المقابل، انتظرت الرياض الولاء من قبل القاهرة في القضايا الإقليمية، بما في ذلك قضايا سوريا واليمن، والتوترات القائمة مع إيران. مع ذلك، لم تزدهر هذه العلاقة التكافلية. ومع ظهور تحديات اقتصادية خاصة، قطعت السعودية شحناتها من النفط رخيص الثمن عن مصر وقللت المساعدات، الأمر الذي دفع القاهرة لإعادة التفكير في تحالفاتها والبحث عن أصدقاء جدد.

وفي حين استفادت مصر كثيرًا من السعودية في السنوات الأخيرة، أبقت كذلك على علاقات دافئة مع روسيا. وكانت روسيا تاريخيًا صديقة لمصر، مع الوفاق الذي يعود لحقبة الاتحاد السوفييتي. واليوم، تسعى روسيا لإعادة الاستثمار في الأنظمة ذات التوجه العسكري في المنطقة، الأمر الذي يجعل من مصر شريكًا منطقيًا.

وقد انجذب «السيسي» إلى مكانة روسيا المتنامية في المجتمع الدولي أكثر من النقد القادم من السعودية. ومن المنظور المصري، كلّما تدهورت العلاقة أكثر مع السعودية، لابد من توطيد العلاقة أكثر مع روسيا. وتستفيد مصر من صفقات السلاح الروسي، وتستضيف الآن تدريبات عسكرية مشتركة. ومن حيث تجارة النفط، ستكون مصر قادرة على الدخول إلى النفط الإيراني والعراقي كبديل بعد تعليق النفط السعودي.

ستؤثر كل تلك العوامل على القرار المصري بالانخراط في سوريا، حتّى وإن كان ذلك يعني إحاطتها نفسها بأعداء السعودية. وقلبت الحرب السورية النظام العالمي، ونتيجة لذلك، يتغير دور مصر. وتكتسب مع الوقت دعمًا دوليًا، وربما يزيد ذلك مع تولي الرئيس المنتخب «دونالد ترامب»، والذي يركز في سوريا على هزيمة تنظيم الدولة. ومع الدعم الدولي، تكون مع مصر في طريقها لتصبح «قوة استقرار» في المنطقة، كما كانت في الماضي.

كيف هو الأمر بالنسبة للأسد؟

يستمر «الأسد» في الاستفادة من الدول الأجنبية المتنافسة على السلطة في سوريا. ومع الدعم الذي حصل عليه قواته من روسيا وإيران وحزب الله في لبنان والميليشيات العراقية، فقد كان قادرًا على إنشاء نظام جديد للقوى على الأرض في سوريا، لا سيما ضد المعارضة المسلّحة. وبإضافة القوات المصرية سيكون الأمر أكثر من مساعدة عسكرية، ولكن سيترجم ذلك إلى مزيد من الإجماع الدولي على حكمه، وستكون ضربة للمعسكر الذي يدعم المعارضة السورية.

ومع وجود «ترامب» في البيت الأبيض، سيكون لهذا المعسكر المؤيد للأسد وروسيا القدرة على النمو. وستواجه المعارضة السورية قوةً لا تقهر تقريبًا، إلّا إذا وجدت قوى مثل تركيا والسعودية وقطر، بجانب دول الاتحاد الأوروبي، طريقًا لمواجهة النفوذ الروسي المتنامي.

وتحرص القاهرة على توسيع نفوذها في المنطقة، التحرك الذي سيزيد من المنافسة الدولية في الشرق الأوسط، حيث تعزز القوى الأجنبية مواقعها وتحالفاتها. وتساهم مشاركة مصر عسكريًا في سوريا لصالح «الأسد»، في دفع القوى الخارجية المساندة للمعارضة لزيادة مشاركتها العسكرية. وبغض النظر عن الجانب الذي يقاتلون في صفّه، فإنّ إدخال جيوش خارجية جديدة للصراع سيكون له فقط نتائج مأساوية على المدنيين السوريين.

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي بشار الأسد سوريا السعودية تركيا