«فورين بوليسي»: لماذا توقّف أقباط مصر عن حب «السيسي»؟

الاثنين 12 ديسمبر 2016 03:12 ص

بعد أن كان بمثابة المنقذ بالنسبة لأقباط مصر، لم يثبت الرئيس الجديد لمصر أنّه أفضل من أسلافه.

عندما تمّت الإطاحة بالرئيس المصري عن جماعة الإخوان المسلمين، «محمد مرسي»، عن طريق انقلابٍ عسكري في يوليو/ تموز عام 2013، فرح الأقباط كثيرًا. لقد رأوا في الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي قاد الانقلاب على مرسي وتولّى فيما بعد رئاسة البلاد، شخصية المنقذ. وكان «بيشوي أرمانيوس»، مهندس الكهرباء البالغ 30 عامًا من ضواحي القاهرة، من بين أكبر مشجّعي «السيسي». وخرج بين الآلاف من المصريين لدعم الجنرال. ويقول بيشوي: «كنّا نصلّي من أجل أن يحدث التغيير. لقد أنقذنا السيسي من العدم الذي كان يقودنا مرسي إليه».

وفي الأيام القليلة التي تلت الإطاحة بـ«مرسي»، كان العديد من الأقباط يشاركون «بيشوي» هذه القناعة. وحتّى إنّ البعض منهم، مثل القس «مكاري يونان»، قد ادّعى أن السيسي قد «تمّ إرساله من السماء».لكنّ فشل «السيسي» في معالجة المظالم التي طال أمدها أدّى إلى خيبة الأمل. ويرى الكثير من الأقباط الآن أنّ «السيسي» لم يفِ بوعود العدالة التي قطعها قبل 3 سنوات. وفي علامة على الاستياء المتصاعد، زادت الاحتجاجات في أوساط المجتمع المسيحي في الأشهر الأخيرة لدرجةٍ غير مسبوقة. وبعد أن كان يتم اعتبارهم ركيزة من ركائز دعم نظام «السيسي»، أصبح الأقباط يشكلون الآن وبشكل متزايد تحديًا للحكومة في القاهرة.

ويعدّ الأقباط الأقلية الأكبر في البلاد ويمثلون 10% من سكان مصر البالغ عددهم 92 مليونًا. وقد واجهوا تمييزًا ممنهجًا طوال عصور متتالية من الحكم الاستبدادي، ويرى الكثيرون منهم أنّهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. وتعدّ القيود المفروضة على بناء الكنائس نقطة التوتر الدائمة. ولطالما كان على الأقباط التعامل مع إجراءات بيروقراطية شاقّة ومرهقة للحصول على إذن من السلطات من أجل بناء أو تجديد أو حتّى ترميم مرحاض داخل الكنيسة. وغالبًا ما تكون شائعة حول بناء كنيسة جديدة كافية لإشعال غضب الحشود أو حتّى التسبب في العنف.

الكنيسة والدولة

وكانت العلاقات بين الكنيسة والدولة قد تدهورت بشكلٍ حادّ منذ سبعينات القرن الماضي تحت حكم الرئيس «أنور السادات»، والذي غازل القوى الإسلامية علنًا، حتّى أنّه قد أودع البابا «شنودة الثالث» المنفى، وهو رأس الكنيسة القبطية. وعلى الرغم من تعافي العلاقات بين الأقباط والدولة بعد موت «السادات»، إلّا أنّ أوضاعهم لم تتحرك للأفضل، وظلّت قضية بناء الكنائس ورقة مساومة في أيدي الحكومات المتعاقبة. وقيل إن الرئيس السابق «حسني مبارك»، والذي حكم مصر لثلاثين عامًا، قد وافق خلال العقد الأول من حكمه على بناء 10 كنائس، وقد وافق الرئيس «محمد مرسي» بنفس المعدّل خلال حكمه الذي استمرّ لعامٍ واحد على بناء كنيسةٍ واحدة.

ووافق البرلمان في شهر أغسطس/ آب على تمرير قانون طال انتظاره ينظّم بناء الكنائس. لكنّ التشريع الجديد لا يدعو للاحتفال. فوفقًا لمنظمة هيومان رايتس ووتش، يعزز هذا القانون من هيمنة السلطات، ويتضمن بنودًا أمنية قد تعرقل عملية البناء استنادًا لنزعات الحشود العنيفة. وعلى الرغم من موافقة بعض رجال الدين على القانون، إلّا أنّه قد أثار موجةً من الانتقادات بين رموز قبطية مؤثرة، والتي أكّدت أنّ التشريع الجديد يسعى لتكريس سيطرة الدولة على المجتمع المسيحي.

تصاعد العنف

ويمثّل تصاعد العنف الطائفي إشكالية أخرى. وقد وصل العنف ضد الأقباط إلى ذروته في أغسطس/ آب عام 2013، عندما هاجمت الحشود ملكيات 200 من الأقباط. وتعهّدت السلطات في وقت لاحق بإعادة بناء وترميم الكنائس والمنازل المتضررة لكنّها لم تحقّق تلك الوعود إلّا جزئيًا. نتيجةً لذلك، لا تزال العديد من الكنائس تعاني حالة الخراب، ولازال المسيحيون يشعرون بالخطر.

ومنذ أسبوعين فقط، تمّ الهجوم على منازل 15 قبطيًا في سوهاج من قبل 2000 من المهاجمين. وما يجعل الأمور أسوأ، أنّ هؤلاء الذين يهاجمون كنائس الأقباط أو المسيحيين بشكل متكرر، يلوذون بالفرار بفعلتهم في كل مرّة. والطريقة التي فضّلتها السلطات للفصل في هذه المشاكل، لم تقدم شيئًا للتخفيف من شعور الظلم بين الأقباط، حيث تسمح غالبًا للجناة بالإفلات من العقاب. ورسميًا، تمّ تنظيم هذه الجلسات العرفية لتحقيق السلام خارج النطاق القانوني، لكنّ ما يحدث في الحقيقة غير ذلك. وفي تقرير صدر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أدانت المنظمة ممارسات تعزيز التمييز والخلافات الدينية.

وفي مناسبات أخرى، مارست الحكومة المصرية نفسها العنف ضد الأقباط. ويعدّ المثال الأكثر وحشية، مذبحة ماسبيرو في شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2011، والتي قتل فيها 28 متظاهرًا مسيحيًا بيد قوات الأمن المصرية وسط القاهرة. وبعضهم تمّ دهسه بالدبابات. وما يجعل المشهد أكثر فجاجةً، هو أنّ هؤلاء كانوا يتظاهرون بسبب إحراق كنيسة في مدينة أسوان في الجنوب. وأدّى هذا الحدث لتكوين اتحاد شباب ماسبيرو، وهو اتحاد قوي من الناشطين الأقباط.

وعلى الرغم من السجل السيء للدولة في مجال حقوق الإنسان، وقف غالبية المسيحيين داعمين للسيسي عندما استولى على السلطة عام 2013. والعديد، مثل «بيشوي»، كانوا قلقين من الحكم الإسلامي للرئيس «مرسي»، حيث كانوا يخشون تفاقم وضعهم غير المستقر.

وبعد أن خالف «السيسي» التوقّعات، يتساءل العديد من الأقباط الآن حول أهداف الرئيس. وقد ارتفعت موجة الاحتجاجات القبطية الصيف الماضي، بعد سلسلة من الهجمات شديدة العنف. فقد تمّ تجريد سيدة قبطية تبلغ من العمر 70 عامًا من ملابسها من قبل حشدٍ من 300 رجل وساروا بها في شوارع قريتها، الأمر الذي أثار غضب الأقباط حول البلاد. وفي يونيو/ حزيران، اعتدى مجموعة من الغوغاء على الأسر القبطية في قرية جنوب المنيا وأحرقوا روضةً للأطفال يديرها الأقباط، كما قتل قس أرثوذكسي في سيناء. وفي يوليو/ تموز، قتلت راهبة من دير معروف بالقاهرة القديمة عن طريق رصاصة طائشة على الطريق السريع بين القاهرة والإسكندرية، وفي طنطا تمّ طعن صيدلي مسيحي حتّى الموت وقطع رأسه. ومؤخرا جاء حادث تفجير الكاتدرائية المسيحية.

أثارت تلك الموجة من الهجمات غضبًا هائلًا ضد النظام. وسافرت العديد من أسر الضحايا حول البلاد إلى القاهرة في أغسطس/ آب لمطالبة الحكومة بحماية حقوقهم. وفي واشنطن، دعا الأقباط الولايات المتحدة للضغط على حكومة القاهرة بسبب إهمالها العنف الطائفي. ووقّع بعض المثقفين الأقباط عريضة عبّروا فيها عن معارضتهم للنظام، خلال زيارة «السيسي» لنيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

تزايد المعارضة

وتتزايد المعارضة أيضًا في صفوف الكنيسة، وقد قاطع الأنبا «مكاريوس» أسقف المنيا كثيرًا جلسات المصالحة. وقد تحدّث الأسقف أنّ الأقباط في مصر قد أصبحوا «قبيلة غير مرغوب فيها»، وقام الأسقف أيضًا بـ تذكير «السيسي»، في تغريدة له، أنّ «الأقباط مصريون أيضًا».

وتعرّض رأس الكنيسة القبطية، البابا «تواضروس الثاني»، للانتقادات أيضًا بسبب دعمه للسيسي. وقد أدّت الإصلاحات السياسية منذ خمسينات القرن الماضي، لجعل البطريرك ممثلًا رئيسيًا للأقباط في الحياة السياسية، الأمر الذي أدّى إلى شلل في المجتمع القبطي المدني، الذي كان يومًا ينبض بالحياة.

ويعكس عدم ارتياح الأقباط في المجتمع المصري انهيار الدولة في عهد الرئيس «السيسي». وفي الأشهر الأخيرة، شهد الاقتصاد المصري أزمات للعملة، حتّى مع استمرار الحكومة في التعامل مع «التشدّد» الإسلامي. ولم تؤدِّ ثورة 2011 التي وعدت بالتغيير، سوى إلى الركود، وليس فقط للمسيحيين. وقد ضرب الاقتصاد جيوب الجميع، وعانت الأقليات الموجودة في البلاد مثل الشيعة والنوبيون والملحدون ومجتمع الشواذ من اضطهاد أعظم من ذي قبل. وعدديًا، يشكّل الأقباط أقلّية. لكنّ غالبية المصريين يشاركونهم المعاناة.

المصدر | فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

السيسي أقباط مصر تفجير الكاتدرائية الكنيسة المصرية