فيلم «الفتاة في القطار»: حلم سفر نظيف لأبطال غارقين في الخطايا

الاثنين 19 ديسمبر 2016 11:12 ص

فور مشاهدة فيلم «the girl on the train»، أو «الفتاة في القطار» وإفاقة المشاهد من جماليات القطع السريع لمشاهده، بخاصة ما تصور التداعي الحر، أو التذكر المبني على الشك في جميع الحقائق في حياة بطلته «راتشيل واتسون» (الممثلة إيميلي بلنت)، بالإضافة إلى روعة الموسيقى التصويرية لـ«داني إلفمان»، وحسن انتقاء مناطق الظل والضوء في أكثر مشاهده تكثيفاً للأحداث، وإلى الغموض الشديد الذي يجعل المتابع للعمل السينمائي الأمريكي المُرشح الرابع لـ«أوسكار» العام المقبل، فور نهاية العمل السينمائي الذي قدّم كل هذا لا يملك المشاهد الجيد إلا أن يتألم لحال القطار السريع؛ النظيف؛ الفائق السرعة، الذي ينقل البطلة ذات الملامح البريئة، والأفعال المُنافية للشكل، وإن كانت أقل الأبطال إثماً، في حرص منها على نجوميتها الحقيقية من الإغراق في الأدوار السلبية.

إننا أمام عمل اكتملت له عناصر النجاح التقنية، التصوير السينمائي الآخاذ لـ«شارلوت بروس كريستنسن»؛ اختيار مناطق غابات جيدة أحياناً، بيوت مطلة على خط السكك الحديدية غالباً، قطار غربي على أحدث طراز أوقات كثرة، شخصيات تلمع في ظاهرها، وفي المقابل ملايين الدولارات والجنيهات الإسترلينية حصدها الفيلم بعد أيام قليلة من عرضه الأول فحسب في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة (بدأ العرض في 7 من أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، ليحقق 24.5 ملايين دولار في 16 من نفس الشهر في أمريكا، بحسب «رويترز»، وفي 20 من الشهر نفسه، في أسبوعه الثاني يحقق 3.4 ملايين جنيه إسترليني في بريطانيا حائزاً المركز الثاني في نسبة الإقبال بالأخيرة، والرابع في أمريكا، بحسب «بي بي سي» عربي، في إدانة مزدوجة لذوق المشاهد والفيلم معاً).

غلاف جيد لمضمون سىء

يعاني صنّاع السينما في العالم، وعلى رأسهم «هوليوود» من تراجع محتمل للإقبال على دور العرض، بخاصة في ظل التكنولوجيا والإنترنت بما يحتويه، لذلك يعمدون إلى جذب مستمر للمشاهد عبر استحداث تقنيات تصوير ومونتاج وإيقاع فني متلاحق للأعمال السينمائية، على نحو لا يخلو من غرابة وفق تفاصيل تختلف من فيلم إلى آخر، أما في مضمون فيلم «الفتاة في القطار» فتُقدم للمشاهد الغربي وجبة دسمة متكاملة تظهر في إعلانات الأفلام، بخاصة المقاطع المصورة، وغالباً تحتوي الوجبة لدى المخرجين المحبين للمال الجنس المبالغ فيه بالإضافة إلى العنف، وهو ما حرص عليه «تيت تايلور».

ولكن مخرج الفيلم حاول الجمع بين المعادلتين الجماهيرية، بما تحمله من سطحية، وعمق المضمون، وهو اتجاه في «هوليوود» وغيرها غير جديد، بأن لجأ إلى رواية للمؤلف الإنجليزي «باولا هوكينز»، تحمل نفس اسم الفيلم، وصدرت العام الماضي فحسب، لتعيد «إيرين ويلسون» كتابته بما يتماشى مع رغبة المخرج.

وهو ما جعل تكنولوجيا التصوير والإيقاع الخاصة بالفيلم أكثر من جيدة فيما المحتوى بالفعل يسقط في بئر الجسد ورغباته بما يقرب الأبطال من غير الإنسانية!

الشهوة بين الخيانة والسفر والإلحاد

تعاني البطلة «راتشيل واتسون» من إدمان الكحول، ولتهرب من الواقع لا تجد إلا السفر كل يوم إلى لندن، بلا هدف على الإطلاق، وفي القطار اللامع يتلاشى الوجود من حولها، والبشر، وفيهم صديقات وأصدقاء في العمل لها، لتذوب في لحظة مرور القطار بمنزلها السابق مع طليقها «توم» أو (جستن ثيروكس)، ولا يقدم الفيلم لنا بقية اسمه في تفصيلة جيدة من القائمين عليه، ولإنها تشعر بغرابة ما مرت به، فإن نظرها يتعلق ببيت جارها «سكوت» أو (لوك إيفانز)، وزوجته «ميغان» أو (هيلي بنت دور)، ولإنها تفتقد الدفء الاجتماعي تجد في النافذة، والعلاقة الزوجية في جانبها المباشر الحميمي الخاص، فضولاً وراحة يسعداها، وإن جعلها متوترة تحسد الزوجين، اللذين كانا جارين لها، على ما هما فيه.

ولكنها صباح الجمعة تفاجىء بأن أحد طرفيّ العلاقة تبدل، وأن «ميغان» مع آخر غير زوجها، مما يجعل «راتشيل» تتذكر تفاصيل مشوشة عن حياتها الشخصية، وفي صباح اليوم التالي تندهش إذ تجد دماء على رأسها، وجسدها، ولاتتذكر كيف أصيبت ولا متى مما يجعلها تشك في الجميع، وتزيد معاناتها لما تعرف أن «ميغان» (زوجة جارها/الخائنة) مختفية، ثم قتيلة، وأن «سكوت» الجار الطيب، بالنسبة لها متهم بالقتل.

حتى آخر دقائق الفيلم يظل المشاهد، غير الاستهلاكي أو الغارق في البحث عن متعة الجسد، يعاني من تكثيف المشاهد المُخلة، وعدم الاستقرار على حقيقة ما يحدث، والبحث عن قاتل «ميغان» الحقيقي، رغم أنها كانت خائنة لا تعرف عن الحياة سوى البحث عن الملذات، وهاربة من زوجها النقي لكن المحب للتملك، لمجرد أنه أراد الإنجاب منها، ومنعها من خيانته، (في إشارة إلى تبدل الصورة النمطية للقيم لدى صُنّاع الفيلم).

تذهب «راتشيل» للطبيب النفسي، الطرف الآخر في العلاقة المُحرمة السابقة مع «ميغان» «كمال عبدتش» (إدغار راميرز) لعلها تعرف حقيقته أو حقيقتها، فتكتشف أنه غارق في الوحل مثلها، فقد بادرت «راتشيل» بخيانة الزوجة المقتولة، (التي كانت خائنة بدورها) مع زوجها في لحظة ضعف منه، وهرب من الملاحقات الأمنية باللجوأ إليها، ويكتفي الفيلم ببداية العلاقة الفاجرة دون التمادي فيها كعادته، حرصاً على صورة البطلة (إيميلي بلنت) واستعاضت الأخيرة عن المشهد بآخر فيه تعرٍ مبالغ!

أما الحقيقة، التي يكتشفها المشاهد في النهاية، فهي إن «توم» طليق «راتشيل» جعل منها مدمنة كحول لكي يخونها مع جميع العاملات في المكتب معه، حتى يتم فصله من العمل، ثم خانها مع جارته «آنا» (ريبيكا فيرغسون)، وأخيراً مع «ميغان»، ولما تشاهدهما «راتشيل»، وهما يهربان نحو الغابة، ليلة اختفاء «ميغان» يحاول «توم» قتلها، وهو ما يجعلها تجد الدماء على جسدها وملابسها في الصباح، ثم يقتل «ميغان» في الغابة لما تخبره أنها حامل منه، لكن بطلة الفيلم تنتصر للقيم المُختفية منه طوال 114 دقيقة بقتلها «توم»، ثم تتخلى عن القيم نفسها بعد دقائق بذهابها إلى قبر غير مؤكد في نهاية الفيلم أهو لـ«ميغان» العشيقة أم «توم» أحد عشاقها، والنقيض بالنقيض فهي إحدى عشيقاته، لتقول (راتشيل/البطلة) أنها بالإضافة إليهما صادروا (ثُلاثياً) لا ينفك عن بعضه.

ويستحضر المخرج، قرب نهاية الفيلم،  تماثيلاً في ميادين عامة لثلاثة أشخاص، وفي وسطها صورة للتثليث المسيحي المعروف في انتصار واضح للإلحاد!

تشابه وعبثية وأحلام مفتقدة

الرواية المأخوذ عنها الفيلم تدور في لندن، والفيلم تم تصويره في نيويورك على أنها لندن، إنه اعتراف بتشابه المجتمعات الغربية إلى حد التماهي، والمعاناة من أمراض واحدة، وهو أمر لم يعد حتى محل استفسار من النقاد، أما ما هو أشد فانتصار الفيلم للعبثية، تشاهد «راتشيل»، في القطار طفلة رضيعة سوداء مع أمها فيقفز إلى ذهنها ملء رضعتها بالخمر، فيما البطلة نفسها تم طلاقها لأنها لا تنجب، فيما تفر «ميغان»، من زوجها «سكوت» إلى «توم» والطبيب النفسي «كمال»، عاشقيّها، (لا يحرص الفيلم على نفي الخطيئة عن أحد من أبطاله أياً ما كان، بل يحاول الرمز إلى المُعالج النفسي ذي الملامح الشرقية والاسم غير المُحايد على أنه ساقط في بئر الرذيلة هو الآخر) تفر «ميغان» لعدم رغبتها في الحمل من زوجها، فتحمل من عشيقها «توم» ليقتلها، وقد سبق لها قتل طفلتها بالإهمال في سن مبكر من حياتها القصيرة، فيما «آنا» زوجة «توم» لديها طفلة ينكر الأخير بنوتها محاولاً قتلها.

باختصار الكل غارق في بئر الخيانة، والكل كان يود الاستقرار الأسري، وقد شاركوا جميعاً في اختفائه بخياناتهم الجنسية المتعمدة!

 وفي النهاية يبدو القطار في المشهد من أعلى وإلى جوار الكاميرا ظل شخص فيما يوحي بأن ما يجري مجرد مؤامرة من مجهول على أبطال الفيلم!أما أشد مناطق الفيلم عبثية فالبداية مع اسمه الفتاة لا المرأة، كما هو معهود لتسمية التي سبق لها الزواج والخيانة، والنهاية التي تصور القطار، الذي يطارد البطلة طوال الوقت في الحقيقة والوهم، في إشارة إلى رغبتها مغادرة العالم الذي لم تحبه ولم يحبها لأفعالها والمُقربين إليها!

  كلمات مفتاحية

الفتاة في قطار حلم السفر أبطال خطايا

فيلم «السر في عيونهم»: العدالة الأمريكية .. اقتل واتهم المسلمين بأثر «رجعي»!

«المتدرب» .. فيلم أمريكي «ينصحك» بإكمال المتاهة للبحث عن حل «حضاري» لحياتك!

بعد 15 عاما..فيلم «سايلانس» المثير للجدل يعرض في الولايات المتحدة