«نيويورك تايمز»: صراع الإمبراطوريات.. مسار التصادم الخطر بين تركيا وإيران

الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 08:12 ص

إن المنافسة اليوم بين تركيا وإيران هي تكرار للعبة السلطة القديمة. وهو صراع بدأه الأسلاف، بين الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، للسيطرة على بلاد ما بين النهرين، العراق اليوم وسوريا. وبالرغم من استمرار التنافس حتى بعد تحولها من إمبراطوريات إلى دول قومية، فإنهما تمكنا من الحفاظ على السلام بينهما لما يقرب من 200 عام.

نلاحظ أن كل من تركيا وإيران هما الآن على مسار تصادمي، بسبب مشاركتهما كقوى سنية وشيعية رئيسية في الصراعات الطائفية المتفاقمة في العراق وسوريا. كما أن عدم قدرتهما على استيعاب بعضهما البعض يسهل تقويض أو حتى التراجع عن العلاقات القوية التي تطورت على مدى العقدين الماضيين، حيث أصبحت اقتصاداتهما متداخلة على نحو متزايد.

تشير الديناميات الحالية نحو مزيد من سفك الدماء وعدم الاستقرار المتزايد ومخاطر أكثر مباشرة - حتى لو كانت غير مقصودة - مثل المواجهة العسكرية.

ويعد التدخل العسكري التركي في سوريا والعراق في جزء منه ردا على الاعتقاد بأن إيران تتعدي بنحو متزايد على المجال التاريخي لنفوذ تركيا، وخاصة حول ساحات القتال في حلب والموصل بالقرب من حدودها الجنوبية.وهو أيضا محاولة لمنع حزب الإتحاد الديمقراطي السوري التابع لحزب العمال الكردستاني من الحصول على مزيد من الأراضي.

يتقدم الثوار السوريون بدعم من الجيش التركي حاليا باتجاه الجنوب، بعد أن دفعت الدولة الإسلامية من بلدات جرابلس، الراعي ودابق بالقرب من الحدود التركية بين أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول. وهم الآن على أبواب مدينة الباب، يمهدون الطريق للمواجهة في المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية للدولة الإسلامية والتي يطمع فيها من قبل الآخرين: من حزب الاتحاد الديمقراطي المدعوم من الولايات المتحدة من الشرق، ومن الجيش السوري والقوات الإيرانية المتحالفة معها من الجنوب. بالفعل، وقد زعم بعض المسؤولين أن طائرة استطلاع إيرانية الصنع متورطة في قتل أربعة جنود أتراك في هجوم جوي قرب الباب في 24 نوفمبر/تشرين الثاني.

صراع الإمبراطوريات

إن الاحتكاك بين البلدين ووكلائهما في تصاعد مقلق في الوقت الذي قد وصلت فيه الثقة المتبادلة إلى الحضيض. تفسر طهران السياسة التركية في سوريا أنها في المقام الأول نتاج طموح العثمانيين الجدد لاستعادة النفوذ والتمكين لتركيا وأهل السنة في المناطق التي كان يحكمها أسلافهم. وقال مسؤول في الأمن القومي الإيراني: «ما الذي تغير في سوريا بعد أن بدأت الحرب الأهلية هو أن الطموحات التركية لم توقف تدفق الجهاديين إلى سوريا عبر الأراضي التركية ومنحتهم الدعم اللوجستي والمالي».

في السياق نفسه، يؤكد مسؤولون في أنقرة أن إيران تسعى لإحياء النسخة الشيعية من الإمبراطورية الفارسية القديمة. وفي مارس/أذار 2015، اتهم الرئيس «رجب طيب أردوغان» إيران بمحاربة الدولة الإسلامية في العراق لتحل محلها فقط. وتقول تركيا أيضا أن تعبئة ودعم إيران لميليشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان لحماية سيادة الأقلية الطائفية من العلويين، على الأغلبية السنية في سوريا أدت إلى ازدياد التوترات الطائفية سوءا وإعطاء المتطرفين السنة أداة تجنيد قوية.

وفي تبادل الاتهامات، يستهجن كل طرف رفض الآخر أن يعترف بوجهة نظر الآخر للواقع، في حين أن هناك تجاهل لحقيقة تصرفات كل منهما. وقد حاول كلا البلدين البناء على المصالح المشتركة مثل هزيمة أو على الأقل تهميش الدولة الإسلامية وكبح صعود الأكراد السوريين الذين يطالبون بالحكم الذاتي، ولكن الشكوك العميقة حول الطموحات الأخرى للاستفادة من الفوضى منعت من الوصول إلى هذا الترتيب الذي يمكن أن يقلل التوترات.

لتجنب ما هو أسوأ، فإن تركيا وإيران بحاجة إلى التغلب على انعدام الثقة والذهاب أبعد من مجرد إدارة الخلافات ولمرة واحدة، الاعتراف بصراحة بالمصالح الجوهرية والمخاوف الأمنية لبعضهم البعض.

وتحقيقا لهذه الغاية، فإنهما بحاجة إلى إنشاء قناة للمفاوضات على مستوى عال بشأن العراق وسوريا. وكانت وتيرة هذه الاجتماعات حتى الآن إشكالية. اللقاءات الدورية على مستوى الكبار تدوم يوما أو يومين، تليها فترات طويلة نسبيا من الفراغ الدبلوماسي وفي كثير من الأحيان تكون مليئة بالتصعيد و الحروب بالوكالة. يجب على السيد «أردوغان» والزعيم الأعلى «علي خامنئي» في إيران تعيين ممثلين شخصيين لإدارة القنوات الدبلوماسية.

يجب على الحكومات أيضا إيجاد سبل لزيادة التعاون والثقة، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية لمحاربة الخصوم المشتركين وتجنب الاشتباكات العرضية، وتنسيق الخطوات التي يمكن أن تنزع فتيل التوترات في مناطق اصطدام النفوذ. وكخطوة أولى، في شمال العراق، قد تعرض إيران كبح جماح الميليشيات الشيعية المنتشرة في محافظة نينوى في مقابل موافقة تركيا على سحب دباباتها وغيرها من الأسلحة الثقيلة من المنطقة. يجب على الولايات المتحدة وروسيا، والتي لها علاقات عسكرية قوية مع تركيا وإيران على التوالي أن تدعم مثل هذه الخطوات، على الرغم من الخلافات.

إن تركيا وإيران كدولتين ناضجتين مع تاريخ طويل من العلاقات السلمية، لا ينبغي أن يسمحا لنفسيهما بالانجرار إلى مستقبل مجهول. فقط من خلال إيجاد أرضية مشتركة يمكن الإسهام في منطقة أكثر استقرارا وأمنا. والبديل هو المزيد من الفوضى والمعاناة.

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

تركيا إيران روسيا سوريا