الاقتصاد المصري 2016.. سنوات عجاف و«الدولار» و«الغلاء» يحكمان «أم الدنيا»

الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 02:12 ص

«ما فيش.. معنديش.. مش قادر أديك.. هتاكلوا مصر يعني.. لازم نجوع.. لوعاوزين استقلال بجد.. متاكلوش ولا تناموش».. عبارات وردت على لسان الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» في خطاباته للمصريين، لكنها تجسدت على أرض الواقع خلال عام 2016 الذي يلملم أوراقه، مكبدا جيوب المواطنين فاتورة باهظة للحصول على السلع الغذائية والمواد التموينية والدواء والوقود.

الورقة الخضراء كانت بطلة الأحداث الدراماتيكية التي شهدها اقتصاد البلاد، بداية من تعويم الجنيه، وارتفاع سعر الدولار إلى مستويات قياسية، ورفع أسعار الوقود، واختفاء السكر، ونقص الدواء، واللجوء إلى القروض بحثا عن بر الأمان.

دولار «مرسي» و«السيسي»

لم يدر بمخيلة أسوأ المتشائمين أن الدولار الذي بلغ سعره 7 جنيهات في عهد «محمد مرسي» أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وصار الأمر وقتئذ مثار انتقاد لاذع للرئيس الذي أطاح به الجيش في انقلاب عسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، أن يكسر سعر العملة الأمريكية حاجز الـ 19 جنيها في عهد «السيسي».

فقد الجنيه المصري أكثر من ضعف قيمته، أو ما يعادل 150% أمام الدولار الأمريكي، وذلك بعد شهر من قرار التعويم الذي اتخذه البنك المركزي المصري في 3 نوفمبر/ تشرين الماضي، فيما عرف إعلاميا بـ«الخميس الأسود».

ويبلغ سعر الدولار في السوق الرسمية، 19 جنيها، صعودا من 8.88 جنيهات، قبل قرار التعويم، مقتربا من حاجز الـ 20 جنيها في عدد من البنوك المصرية.

خطوة تحرير سعر صرف الجنيه، ليخضع لقواعد العرض والطلب، قوبلت بترحيب من جانب المؤسسات المالية الدولية، ومن بينها صندوق النقد والبنك الدوليين، ووكالات التصنيف الائتماني الكبرى في العالم «فيتش» و«موديز» و«ستاندرد آند بورز»، لكن بنوك استثمار ومراكز أبحاث منها مؤسسة «كابيتال إيكونومكس» توقعت ارتفاع التضخم في مصر بعد تعويم الجنيه، وحدوث اضطرابات اجتماعية في البلاد.

جاء قرار التعويم ضمن حزمة اشتراطات فرضها صندوق النقد، قبل منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، شمل رفع أسعار الوقود، وطرح شركات مملوكة للدولة للبيع في البورصة، وإقرار قانون ضريبة القيمة المضافة، بهدف الحصول على أموال إضافية؛ لمواجهة تداعيات نقص الدولار وتراجع القطاع السياحي والاستثمارات الأجنبية.

تداعيات قرار التعويم

خلال ساعات، وعقب تعويم الجنيه، شهدت الأسواق المصرية قفزات جنونية في الأسعار، واختفت العديد من السلع الرئيسية، وطال الغلاء مختلف مناحي الحياة، زاد الأمر قسوة قرار الحكومة المصرية، مساء يوم الخميس 3 نوفمبر/تشرين ثان الماضي، رفع أسعار الطاقة بنسب تراوحت بين 30% و87%.

سعر جرام الذهب عيار 21 تجاوز حاجز الـ 600 جنيه، وسعر أنبوبة البوتاجاز ارتفع من 8 إلى 15 جنيها، بينما ارتفع سعر طن الألومنيوم من 25 إلى 30%، وسجلت أسعار السلع الغذائية ارتفاعا بنسبة 20%، بالإضافة إلى رفع تذاكر الطيران، وتعريفة أجرة النقل والمواصلات، وأسعار الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، ومختلف السلع المستوردة.

واستكمالا للإجراءات الاقتصادية الصعبة قررت مصر زيادة التعريفة الجمركية على مجموعة من السلع المستوردة من الخارج، تصل لنحو 600 سلعة، الأمر الذي تبعه قفزة في الأسعار بالأسواق المحلية.

وسط استياء شعبي إزاء تلك القرارات تداول المصريون على نطاق واسع دعوات للتظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار «ثورة الغلابة» أو مظاهرات 11/11، لكن القبضة الأمنية وحملات الاعتقال الاستباقية وإغلاق السلطات للميادين الرئيسية ونزول قوات الجيش، أجهض تلك التحركات، دون أن تسفر عن أي نتيجة، سوى القبض على المئات بدعوى التظاهر. 

أزمة نقص الدواء

إحدى أبرز الأزمات التي خيمت على الشارع المصري، جراء تحرير سعر صرف الجنيه، والذي انعكس بالسلب على سوق الدواء، مخلفا أزمة كبيرة تتعلق بنقص عدد كبير من الأدوية في الصيدليات بما في ذلك أدوية علاج أمراض السرطان، إضافة إلى أدوية أساسية مثل الأنسولين والتيتانوس وحبوب منع الحمل.

وبلغت الأدوية الناقصة التي ليس لها أي مثيل في السوق المصري 43 صنفا دوائيا، بينما وصل عدد الأدوية الناقصة ولها بدائل إلى نحو 100 صنف، وفق تقارير حقوقية معنية بحق المريض في الدواء.

لكن الأزمة تصاعدت حتى الشهور الأخيرة من 2016، بإصدار تعليمات من قبل شركات التوزيع والأدوية تقضي بوضع حد للسحب لجميع العملاء خاصة أصناف الأدوية المستوردة، وتضمنت التعليمات المتداولة بين العاملين في شركات الدواء، والصيدليات، تنبيهات بعدم بيع الأصناف بكميات كبيرة، تحسبا لأي ظروف طارئة.

وارتفع عدد الأصناف الدوائية الناقصة إلى 1600 صنف دوائى، نتيجة عدم قدرة مصنعى الأدوية على توفير احتياجاتهم من المواد الخام الدوائية اللازمة للصناعة، خاصة أن 90% من مستلزمات الإنتاج للأدوية المصنعة محليا مستوردة من الخارج، بحسب تصريحات «أسامة رستم»، نائب رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة الأدوية في مصر.

طالت الأزمة المستلزمات الطبية، ومراكز غسيل الكلى، وأقسام العمليات الجراحية، وبلغ الأمر بتداول تقارير في وسائل الإعلام المصرية عن إصدار المستشفيات تعليمات بتقليص المستخدم من المستلزمات الطبية إلى النصف توفيرا للنفقات، ويتضمن ذلك استخدام السرنجات (الحقن) أكثر من مرة.

اختفاء لبن الأطفال

مطلع سبتمبر/ آيلول الماضي، كان الشارع المصري على موعد مع أزمة اختفاء لبن الأطفال المدعم، تظاهر أباء وأمهات أمام مستشفى معهد ناصر على كورنيش النيل وسط القاهرة، وأغلقوا الطريق من الاتجاهين، احتجاجًا على رفع أسعار لبن الأطفال المدعم ورفض الشركة الحكومية صرفه؛ ما أدى إلى شلل مروري تام، وإغلاق الشركة أبوابها خوفا من رد فعل المحتجين.

وكان المصريين قد فوجئوا بارتفاع ثمن عبوة لبن الأطفال من 17 إلى 60 جنيها، في الصيدليات بعد رفع الدعم عنه، بالإضافة إلى عدم توافرها وصعوبة الحصول على اللبن الذي مازال مدعما من الدولة، منتقدين رفع الدعم عن لبن الأطفال الرضع الذي يباع في الصيدليات بدعوى تحسين أحوال الاقتصاد.

وتحول الأمر إلى مثار جدل وسخرية بعد قرار الجيش المصري التدخل لحل الأمة، والتعاقد على استيراد شحنات ألبان الأطفال تمهيدا لطرحها بالسوق المحلية بالتنسيق مع وزارة الصحة بسعر 30 جنيها للعبوة، وسط اتهامات له باستغلال الأزمة لتحقيق مكاسب اقتصادية، وانتقادات لإجراءات وضعتها وزارة الصحة المصرية من أجل وصول اللبن المدعم إلى مستحقيه؛ منها الكشف عن الأمهات، والتأكد من خلو أثدائهن من الحليب؛ الأمر الذي اعتبره البعض مهينا لنساء مصر.

ندرة المعروض من السكر

مطلع أكتوبر/ تشرين أول الماضي طال الغلاء السكر، وسط ندرة الكميات المعروضة منه في الأسواق، وصولا إلى اختفائه في عدد من مناطق العاصمة المصرية القاهرة.

طوابير أمام منافذ القوات المسلحة تمتد إلى عشرات الأمتار، وسط العاصمة القاهرة، والسبب الرغبة في الحصول على 2 كيلو جرام من السكر، بعد تفاقم الأزمة، ووضع كمائن أمنية في الطرق بحثا عنه، وتوجيه الاتهامات لـ«خلايا الإخوان» بإخفاء السكر لإحداث أزمة في الشارع المصري.

وقد شهدت منافذ البيع التي خصصها الجيش المصري لبيع السكر للمواطنين بسعر 5 جنيهات للكيلو جرام، تكدسا وزحاما من الرجال والنساء، وسط مشادات كلامية ومشاجرات في بعض المناطق.

لكن سعر الكيلو قفز في بعض المناطق إلى 15 جنيها للكيلو، بفارق 10 جنيهات عن سعره الأصلي، وشنت أجهزة الأمن حملة ضد البقالين وتجار التجزئة، وصادرت كميات كبيرة بمصانع الحلوى، وانتهت إلى قرار بحذف 2 مليون مواطن من بطاقات التموين بدعوى عدم أحقيتهم، ورفع سعر الكيلو المدعم إلى 7 جنيهات، لكن الأزمة لم تنته، وتسببت في ارتفاع أسعار المشروبات على مقاهى مصر، كذلك الحلويات والمخبوزات التي يدخل في صناعتها السكر.

قرض صندوق النقد

كان تحرير سعر صرف الجنيه، وما تلاه من رفع أسعار الوقود المرتبطة بصرف الدولار، عاملين أساسيين لموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على طلب مصر اقتراض 12 مليار دولار، في 11 نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، وصرف الشريحة الأولى من القرض بقيمة 2.75 مليار دولار، بعد اتفاق بين الصندوق والحكومة المصرية تم إبرامه في منتصف أغسطس/آب الماضي.

كما تستعد الحكومة المصرية لإنهاء إجراءات الحصول على قرض دولي بقيمة 1.5 مليار دولار، منها مليار دولار من البنك الدولى و500 مليون دولار من التنمية الافريقى.

وبلغ حجم المنح والقروض التى تلقتها مصر خلال العام الحالي 2016، نحو 15 مليار دولار، بحسب الدكتورة «سحر نصر» وزيرة التعاون الدولي المصرية.

وعانت مصر خلال العامين الأخيرين أزمة حادة في توفير العملة الصعبة، وانهيارا في قيمة العملة المحلية، وتراجع إيرادات قناة السويس، وتحويلات المصريين في الخارج، وتراجعا في النمو الاقتصادي، وسط تفاقم عجز الموازنة، وارتفاع التضخم، واستمرار الحظر الروسي البريطاني على السفر لمصر، وهروب المستثمرين الأجانب، وهي الأوضاع التي ذهبت بوعود نظام «السيسي» ومنها «مصر هتبقى أد الدنيا» و«بكرة تشوفوا مصر» أدراج الرياح. 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد المصري عبدالفتاح السيسى حصاد 2016 الدولار تعويم الجنيه أزمة السكر نقص الدواء