«ناشيونال إنترست»: هل حان وقت الانسحاب الأمريكي من الخليج؟

السبت 14 يناير 2017 09:01 ص

تضررت تجربة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية على أقل تقدير. وقد قام الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» باستغلال الإحباط لدى الأميركيين على نطاق واسع من فشل السياسة الخارجية الأمريكية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا.

وعد «ترامب» في اجتماع حاشد الشهر الماضي «بوقف سباق الإطاحة بالأنظمة الأجنبية التي لا نعرف عنها شيئا»، مضيفا أن «هذه الدورة المدمرة من التدخل والفوضى يجب أن تنتهي». من ناحية أخرى، استخدم «ترامب» تصريحاته كورقة رابحة كما ملأ إدارته بأناس لا يتورعون عن التدخل الجريء على الإطلاق.

بعيدا عن تناقضات «ترامب»، انتقد الناخبون بشكل حاد العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط. لكن التدقيق في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة يجب أن يذهب إلى أبعد من الشك في تغيير النظم ومطاردة الإرهابيين. بالإضافة إلى الجهود المشؤومة في بناء الدولة في أفغانستان ومكافحة تنظيم الدولة، فإن المنطق التقليدي يتلخص في النفط، على الرغم من أن ليس كل شيء يصب في ضمان تدفق النفط.

عموما يوجد للولايات المتحدة نحو 35 ألف جندي في منطقة الشرق الأوسط. في الكويت (حوالي 13 ألفا) وفي البحرين (نحو خمسة آلاف) هم الأكثر صراحة بشأن أمن الطاقة، على الرغم من أن العديد من القواعد الأمريكية في المنطقة تتعاون في هذا الدور.

أهداف أربعة

و يفترض أن وجود العسكريين الأمريكيين المنتشرين تحقيق أربعة أهداف أساسية خلال أمن الطاقة:

(1) الحماية ضد نشوء نوع من الهيمنة الإقليمية التي يمكنها السيطرة على موارد الطاقة.

 (2) منع أي قوة خارجية من الحصول على موطئ قدم في المنطقة.

 (3) التنافس المثبط ودرء الحرب الإقليمية التي يمكن أن تعطل الإمدادات.

 (4) صد أي محاولة لإغلاق مضيق هرمز، الممر الحاسم الذي يمر عبره 30٪ من النفط المنقول بحرا في العالم.

ولكن هل تخدم القوات العسكرية في وقت السلم الأهداف دائما؟ وفقا لـ«تشارلز جلاسر» و«روزماري كلاينك» فإن الحكمة التقليدية، التي ترى أن المصالح النفطية الأمريكية في الخليج كبيرة جدا، وأن الولايات المتحدة يجب أن تخصص قدرات عسكرية كبيرة للدفاع عنها، غير صحيحة.

بل إن «دانييل كوهين» و«جوناثان كيرشنر» ذهبا إلى حد القول بأن «انعدام الأمن في مجال الطاقة» المنتشر بين واضعي السياسات وبعض الأكاديميين هو أسطورة، و «أن هناك اعتقاد خاطئ بأن الأمن القومي يتطلب اتخاذ تدابير سياسية خارجية طموحة لضمان ملائمة الحصول على الطاقة».

وضع أفضل

والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هي أحسن ما تكون في موضوع اعتمادها على إمدادات النفط الأجنبية مما كان من قبل. في عام 2015، تم استيراد حوالي 24% فقط من النفط الذي تستهلكه الولايات المتحدة من البلدان الأجنبية (أدنى مستوى له منذ عام 1970)، وتم استيراد حوالي 16% من ذلك من الشرق الأوسط. وذلك لأن الإنتاج المحلي زاد بشكل كبير بفضل التقدم التكنولوجي في استغلال مناطق احتياطي الصخر الزيتي.

منذ عام 2008، نما إنتاج الخام الأمريكي السنوي بنحو 75%، ومن المتوقع انخفاض حجم الواردات الصافية بنسبة 55% بحلول عام 2020. كما أن إنتاج النفط الكندي من المتوقع أيضا أن يتضاعف بحلول عام 2040، وهذا يعني أن أمريكا الشمالية في طريقها لتكون مصدرا صافيا للنفط بحلول عام 2020، وسوف تبقى كذلك حتى عام 2040.

والأهم من ذلك أن النفط هو سلعة قابلة للتداول في الأسواق العالمية وتخضع لقوانين العرض والطلب. وصحيح أن تعطل الإمدادات من مصدر واحد يؤثر في السعر الإجمالي، ولكن يمكن بسرعة الزيادة في الإنتاج من مصدر آخر. منذ صدمة النفط عام 1973، تكيفت أسواق الطاقة العالمية بسرعة، عن طريق زيادة الإنتاج من مصادر أخرى، وتم تحويل مسار الإمدادات الحالية، ووضع المخزونات الخاصة التي تسيطر عليها الحكومات في جميع أنحاء العالم في مرحلة الاستخدام. هذه التعديلات تعمل على التخفيف من تداعيات الأسواق وتعمل على استقرار الأسعار أمام صدمات العرض. كما أن الوجود العسكري الأمريكي الخليج لم يمنع الاضطرابات ولم يخفف الألم الاقتصادي الناتج عنها.

أمن الطاقة

وبالإضافة إلى ذلك، فإن ميزان القوى على الصعيد العالمي وفي المنطقة اليوم مواتي لضمان أمن الطاقة.

 أولا: إن فرضية وصول قوة خارجية تكتسب نفوذا في منطقة الخليج هو غير قابل للتصديق. ذهب الاتحاد السوفيتي منذ وقت طويل، وروسيا اليوم تعاني من مشاكل بنيوية تعيق إمكانياتها الاقتصادية وقوتها في الشرق الأوسط. والصين في حين أنها قوية على نحو متزايد في مجالها الخاص، فإنها تفتقر إلى الإرادة السياسية للهيمنة على الخليج.

إن ميزان القوى في المنطقة هو أيضا موات. وفقا لـ«يشوع روفني»، فإن «فرصة ظهور قوة إقليمية مهيمنة في الخليج خلال السنوات العشرين المقبلة ضئيلة. وهذا صحيح حتى لو انسحبت الولايات المتحدة بالكامل». لا يوجد دولة في المنطقة تمتلك القدرات اللازمة للتغلب على الأراضي المجاورة أو الحصول على نفوذ السيطرة على موارد النفط. تعيش المنطقة فيحالة من الهيمنة الدفاعية وجميع قواها أضعف من أن تتجه قواتها أبعد من الحدود والدول مما يجعل تكاليف أي عمل هجومي باهظة للغاية.

لذلك، فإن ثلاثة من السيناريوهات الرئيسية التي بررت تقليديا وجود العسكريين المنتشرين في الخليج من دخول قوة خارجية معادية، وصعود قوة إقليمية مهيمنة والصدام العسكري بين كبرى الدول، غير مرجحة للغاية حتى في غياب الوجود العسكري الأمريكي.

إيران ومضيق هرمز

هناك مبالغة في مدى تقدير أن الوجود العسكري النشط للولايات المتحدة هوالذي يؤمن فعلا التدفق الحر للنفط. ترى هذه السردية أن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية في البحرين والدوريات اليومية في الخليج هي بمثابة الرادع الرئيسي لوقف دولة مثل إيران من محاولة لإغلاق مضيق هرمز. لكن إيران ستخاطر كثيرا عند محاولة القيام بذلك حتى إن غاب الوجود البحري الأمريكي. وبادئ ذي بدء، إن إغلاق المضيق يلحق ضررا شديدا بمصالح إيران الخاصة، كما أن المضيق يمثل مصدرا هاما للدخل القومي، وخصوصا أن العديد من العقوبات قد رفعت في أعقاب الاتفاق النووي. إلا إذا وجدت إيران نفسها في خضم حريق إقليمي هائل فعندها قد يفعل النظام في طهران شيئا متهورا إذا كان عرضة للخطر. ولكن أي محاولة مستمرة لإغلاق المضيق من المرجح أن تحشد تحالف دولي عسكري ساحق ضد إيران، مثل الذي تم إنشاؤه استجابة لغزو العراق للكويت عام 1990، وهو احتمال في حد ذاته يهدد بقاء النظام.

وهناك عقبات عملية أيضا أمام إغلاق المضيق. حيث أن الممر المائي واسع وعميق مما يجعل إغلاقه بشكل تام صعب للغاية، نظرا لقدرات إيران. قد يكون هناك محاولات جزئية مثل ما حدث أثناء حرب الناقلات في الثمانينيات، الذي أدى إلى تباطؤ الحركة، ولكن لم يوقف الشحن.

إن محاولة إيرانية لاستكمال الألغام في المضيق مع هجمات صاروخية مضادة للسفن لن تكون فعالة بشكل رهيب ضد ناقلات النفط، لأن حركة السفن الثقيلة عبر المضيق سوف تستهلك بسرعة الترسانة الإيرانية برمتها.. وأخيرا، فإن الجيش الأمريكي يمكن أن يرد باقتدار على مثل هذا السيناريو المحتمل من الخارج، بقوات على مدى الأفق.

السيناريو الكابوسي

إن الكابوس الذي أن يلحق ضررا خطيرا بمصالح الطاقة الأمريكية هو انهيار أو سقوط للنظام السعودي. لكن هذا السيناريو حتى أقل عرضة للعلاج عن طريق وجود عسكري متقدم. في الواقع، فإن الوجود في حد ذاته قد خلق التوترات التي يمكن أن تزعزع استقرار المملكة. أي مهمة لتحقيق الاستقرار في حالة الاضطرابات المدنية في المملكة العربية السعودية سوف تحتاج إلى احتلال عسكري هائل كما في العراق، وقد أظهرت حملات مكافحة التمرد العراقية أنها مكلفة وغير فعالة في خدمة الأهداف الأمريكية طويلة الأجل. إن التدخل العسكري سيكون خطرا جدا ومحفوفا بالعواقب السلبية المحتملة حيث أن الألم من ارتفاع الأسعار أو النقص المؤقت في الإمداد من المرجح أن يكون أسهل من تحمل التكاليف والمخاطر المرتبطة بعمل عسكري. على أي حال، فإن احتمال حدوث انهيار داخلي في النظام السعودي أو في قدرته على تصدير النفط، وفقا لـ«توماس دبليو ليبمان» ضعيف جدا لدرجة أنه يمكن تجاهله في التخطيط الاستراتيجي.

بشكل عام، لم يكن وجود قوة عسكرية كبيرة ودائمة في المنطقة مفيدا بشكل خاص لأمن النفط، وكانت في كثير من الأحيان تؤدي إلى نتائج عكسية. حتى لو تم نشر قوات الولايات المتحدة قبل غزو العراق للكويت عام 1990، فإنه ليس من الواضح أنه كان سيردع صدام حسين. كما أن الوجود المهيمن لم يفعل الكثير لمنع الحظر النفطي لأوبك لعام 1973.

يجب على الولايات المتحدة سحب قواتها العسكرية تدريجيا من منطقة الخليج، حيث أن القوة الجوية والقاذفات بعيدة المدى، جنبا إلى جنب مع المعدات في أماكن متقدمة في أوروبا سوف تكون كافية لتمكين الانتشار السريع للطوارئ المحتملة. يجب أن نعمل مع دول الخليج الحليفة لتطوير خطوط الأنابيب التي يمكن أن تتجاوز مضيق هرمز في حال وقوع أزمة، وكذلك طرق الإمداد إلى أسواق احتياطية كافية عند اندلاع أي نزاع. وأخيرا، يجب على الولايات المتحدة التفاوض مع روسيا والصين والهند لتطوير معايير المنفعة المتبادلة من السلوك وضمان عدم قيام قوة خارجية بالسيطرة على موارد الطاقة في المنطقة من أجل مصالحها الحصرية وأيضا تشجيع تقاسم الأعباء في منطقة تستهلك فيها الموارد بشكل متزايد من قبل الصين والهند، وتخفت من قبل الولايات المتحدة.

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة أمن الخليج أمن النفط إيران مضيق هرمز