«لا مفر»..فيلم حركة أمريكي يجسد دعم الغرب للانقلابات العسكرية بالعالم الثالث

السبت 14 يناير 2017 11:01 ص

لو أن الفيلم الأمريكي لا مفر اكتفى بطرح لفتات إنسانية تخص عائلة من تكساس، تضم 4 أشخاص اضطرتهم ظروف العمل إلى هجرة الوطن، والسفر قرابة 20 ساعة إلى إحدى دول العالم الثالث الآسيوية، ليفاجؤوا بظروف لم تكن تختر لهم على بال، هم والأجانب من أمثالهم في البلد، مع خدع الحركة أو (الأكشن) المعروفة المتلاحقة، وقد تميز الفيلم بالفعل بها، لأغنته على مستوى المتعة البصرية، وتدفق مشاهد وصف آلام غربة الأمريكي الذي اعتاد أن يسعى العالم إليه، بدوله وجنسياته ومعتقداته.

ولكن مخرج الفيلم وأحد كاتبيه «جان إيرك دويدل» آثر التعمق في مناطق أكثر أنانية تخص التفوق الأمريكي على الجنس الآسيوي، متمثلاً، بداية، في بلد تم تصوير الفيلم فيه، مع كامل التنكر إليه، حتى إنه لم يتم ذكر اسمه مرة على لافتة، أو من خلال حوار بين أبطاله.

جاءت تايلاند في الفيلم مُنكرة تماماً، مثلما جاءت المجاميع من أهلها أقرب إلى الحيوانات الهائجة بلا سبب، لدى البطل أغلب وقت الفيلم، تقتل مواطنيها، وتحاول اغتصاب زوجته، وذبح ابنتيه، فيما هو فاغر فمه غير مصدق يكاد يجري ويقفز طوال الوقت، (الصورة الطيران التايلاندي العسكري يقصف المواطنين الأمريكيين العُزل بعدما ظنوا أنه جاء لنجدتهم، في قلب نادر للحقائق الواقعية القائلة بأن الأمريكيين هو الذين يقصفون المدنيين في جميع أنحاء العالم).

إلا أن الفيلم الذي دار في 103 دقائق لم يخل من 3 دقائق هي أبرز ما فيه، إذ يشرح الجاسوس البريطاني «هاموند» أو الممثل «بيرس بروسنان» لـ«جاك»، البطل، أن الانقلابات العسكرية في العالم الثالث خطة أمريكية غربية بامتياز تؤتي ثماراً ناضجة لبلديهما!

الأنانية وصراع البقاء

طرح الفيلم للعرض في دور السينما في الولايات المتحدة في 26 من أغسطس/أب 2015م، وحقق 25.7 ملايين دولار، وتم تصنيفه على أنه فيلم حركة محارب للإرهاب.

يعمل «جاك دوير» أو الممثل «أوين ويلسون» مهندساً (هيدروليكي)، يصطحب زوجته «آني» أو «ليك بيل»، وابنتيه، إلى بلد غريب، وليلة وصوله يقوم انقلاب عسكري فيه، وهو إذ يرى في الصباح الشرطة مهزومة على يد (الانقلابيين) رغم إمساكهم العصي المُكهربة والسلاح، في لقطات من معجزات السينما الأمريكية في قلب الحقائق، وتصوير إمبرالية الولايات المتحدة على أنها أفضل من التحرر في العالم الثالث، يحاول البطل النجاة بأسرته إذ إن حكم الإعدام صدر ضد كل غربي من المتمردين.

وخلال قرابة ساعتين من (الأكشن) المتواصل لا يكاد المشاهد يلتقط أنفاسه، وهو يرى مواطني تايلاند بلا ضمير يقتلون الأمريكيين بلا رحمة، ليستقر في وجدانه أن العالم الأخير، برأي البطلة «آني»، ما كان يستحق أن يكون عالماً ثالثاً فقط! 

لكن الحقيقة التي تتفلت من قصة الفيلم هي أن الأمريكيين قرروا الاستيلاء على شركة ماء الشرب الوحيدة في البلاد، وفيما كان رئيس وزرائه يشرب نخب التعاقد، كان الفقراء يشعرون أنهم لن يجدوا الماء، وهكذا تحرك الجيش للاستيلاء على الحكم (الانقلابيين) مع أبناء البلد المُسلحين (المتمردين)، ثم يختلفان لتتحول البلد كله إلى حرب عصابات يموت فيها المئات بلا رحمة في يوم الانقلاب الأول.

«هوليود» والعالم الثالث

جديد الفيلم، وكل فيلم غربي يجب أن تكون له نقاط سبق تحقق له الربح الجماهيري هو مسحة الإنسانية لكن الذائبة في الدماء والعنف والحركة، مع خلطة توابل شهية للمُشاهد غير اليقظ تتمثل في قتل الجميع من الأمريكيين إلا القليل جد، في البلد المنكوب، بالإضافة إلى أبنائه، حتى الذين ساعدوا البطل وابنتيه، الجميع هنا يموت، عشرات الأمريكيين، المفترض أن الفيلم مُنحاز إليهم، إلى جوار مئات من أبناء البلد، وكانت السينما الامريكية من قبل تقدم الغربي الأبيض المشرئب بالحمرة ينتصر على الملونين من الهنود والسمر من الزنوج، لكن التطور مطلوب، وكسر القناعات لإماتة الضمائر في النفوس بخاصة من الشباب المقبل على الحياة، والصغار الذين يتشربون الأنانية على أنها مقياس حياة أمتهم الأمريكية، وحضارتهم الغربية، ضرورية، ومثل الفيلم هو المُمهد للأحداث الأخيرة المعروفة في الولايات المتحدة عبر أعمال كالفسيفساء تلغي البشرية والعقل من المقبلين على الحياة، وتقر غيرهما لدى الأكبر سناّ.

وفي خضم الأحداث المتلاحقة، واضطرار البطل وزوجته إلى القتل لينجيا، وأكبر الابنتين إلى قضاء الحاجة في ملابسها دون أن تتسخ الأخيرة، فـ(الهيرو) الأمريكية الصغيرة لا تتأثر، وكذلك يرتدي «جاك» البطل قميص قتيل مواطن مثقوب من الخلف كأنه أحد غنائم الحرب، ويقفز به أمام أعيننا ليذكرنا أنه الأمريكي الأناني فإن مات مواطنوه وأضعافهم من المُلونين فإنه لا يموت على الإطلاق!

لكن سر الصنعة الانقلابية يشرحها البريطاني، عميل المخابرات البريطانية، وهو أحد الأشرار المقتولين بعد قليل في الفيلم، فـ«هاموند» بريطاني جاسوس لبلاده في تايلاند، والأمريكي لا يفعل ذلك، فهو يحصد الخيرات من أبناء البلد الأشرار عبر الأشرار من مثل «هاموند»، ويبقى هو نوع فريد من البشر!

غير أن الفيلم الذي لا يعطينا تدرجاً للأحداث وصولاً إلى الانقلاب، ويصف أهل البلد على أنهم من انقلابيين بالفطرة، لابد له من عمود فقري تقوم عليه القصة المهلهلة بين الدماء وصولات وجولات الأبطال الأربعة الناجين من الانقلاب فيه، فيروي الجاسوس البريطاني، في إحدى دور الدعارة، حيث يختبأ، ولا يريد الانقلابيون الدخول إليه، إذ إنهم يحبون اللواتي فيه، لأنهم مثلهم، بحسب الفيلم بالسليقة، فيفسر «هاموند» أن بريطانيا مع أمريكا تُقرض دول العالم الثالث المال بلا نهاية، وصولاً إلى ألا تستطيع الأخيرة السداد، وهنا يتم احتلالها بشركات المياه، والبُنى التحتية التي لا تخدم أهل البلد قدر ما تمثل شبكات تجسس واحتكار للخيرات في وقت واحد.

ولما يسأل البطل شريكه في بطولة الفيلم عن ذنبه وزوجته وابنتيه لكي يقتلا هاهنا يقول له:

ـ هؤلاء المتمردون والانقلابيون يبحثون عن النجاة بأرواحهم مثلنا، يا عزيزي، ويريدون التحرر من عبوديتنا، ولكننا لا نهبهم الفرصة.

قمة السخرية

أما قمة السخرية من غير الأمريكيين في الفيلم فجاءت في البداية إذ إن الشخص الوحيد الداكن البشرة فيه الممثل «ساهاچاك بونتاناكيت» محب لمغنٍ أمريكي شهير حتى إنه لا يُركب معه في السيارة الأجرة المُتهالكة الخاصة به سوى عشاقه.

جاءت موسيقى «ماركو بلترامي» معهودة في مثل هذه الأفلام، وبدا بطله اعتيادياً أيضاً «أوين ويلسون» أمام أداء الخبير في مثل هذه الأدوار «بيرس بروسنان»، كما بدا الدور أقل من قدرات «ليك بيل».

الفيلم جرعة غير متوازنة إنسانياً من العنف وتفسير الإمبرالية الأمريكية ومحاولة استحواذها على العالم وإهلاك الأخضر واليابس بلا قلب أو روح، والمهم نجاة بعض الأمريكيين لا جميعهم؛ ربما في إرهاص غير مُبكر، وإشارة لما ينتظر الولايات المتحدة اليوم، قبل العالم على يد قادة مهدت لهم مثل هذه الأفلام، وإن أدعوا أنهم مختلفين في العلن كما فعل نجوم أمريكيين مؤخراً مع الرئيس الذي يوشك على تولي الرئاسة «دونالد ترامب».

  كلمات مفتاحية

لا مفر فيلم حركة أمريكي الدعم الغربي الانقلابات العالم الثالث