«البشري»: إحالة الحكومة اتفاقية تيران وصنافير للبرلمان أصبح منعدما

الأربعاء 18 يناير 2017 09:01 ص

أكد الفقيه الدستوري المصري المستشار «طارق البشري» النائب الأسبق لرئيس مجلس الدولة، أن اتفاقية تيران وصنافير أصبحت منعدمة، ولا يمكن للبرلمان أن يناقش العدم، مشددا على أن الحكومة أثبتت أنها غير أمينة على ملك الدولة، ولم تعد مؤهلة لتمثيلها في حال اللجوء إلى التحكيم الدولي.

وقال «البشري» في حوار مع صحيفة «الشروق» المصرية، اليوم الأربعاء: «إن أعمال السيادة تخضع لرقابة القضاء بمجرد مخالفتها الدستور والقانون»، مؤكدا أن حكم الإدارية العليا مفخرة تاريخية لمجلس الدولة، والحكومة في موقف لا تحسد عليه.

وأضاف «البشرى» أن أهم دفاع للحكومة في القضية كان اعتبار أن الاتفاقية من أعمال السيادة التي لا يختص القضاء الإداري أو غيره بالنظر فيها، وأن المحكمة ردت جيدا على هذا الدفع، موضحا أن أعمال السيادة المستبعدة من رقابة السلطة القضائية تقتصر على المجالات التي تتسع فيها إرادة السلطة التنفيذية (الجهات الحكومية) في التقدير الموضوعي للاختيار.

ودلل «البشرى» على قوله بمثال: «نضرب لأعمال السيادة أمثلة كاختيار الوزراء أو إعلان حالة الطوارئ، لكن هذه القرارات ليست مستبعدة من الرقابة القضائية بذاتها، ولكنها مستبعدة لاتساع سلطة الحكومة في تقدير ملاءماتها، وإذا خالفت الحكومة الدستور أو القانون في هذه القرارات تكون تصرفاتها تحت الرقابة القضائية».

وأوضح «البشري» على سبيل المثال أن أعمال السيادة تتعلق باختيار الوزراء، طالما صدر القرار من صاحب الولاية بحكم الدستور والقانون، أما إذا صدر القرار من أحد الوزراء أو أحد المحافظين، فيدخل ساحة الرقابة القضائية مرة أخرى، ويكون على القضاء إلغاء القرار لصدوره من غير ذي ولاية.

وأشار إلى أن إعلان حالة الطوارئ ابتداء من قبل رئيس الجمهورية هو عمل سيادي، أما إذا كان الدستور يلزمه باستفتاء الشعب أو أخذ موافقة البرلمان على مد حالة الطوارئ ولم يقم بذلك، فيدخل قراره ساحة الرقابة القضائية مرة أخرى، ويكون على القضاء إلغاء القرار لصدوره بالمخالفة للدستور.

وقال «البشرى» إن مخالفة الدستور هو المدخل الذي ولجت منه محكمتا القضاء الإداري والإدارية العليا للرقابة على الاتفاقية التي وقعها رئيس الوزراء المصري «شريف إسماعيل» في أبريل/نيسان من العام الماضي، مضيفا: «لا مجال في هذه الحالة للسلطة التقديرية التي لا تراجعها المحاكم، بل إن الأمر كله متعلق بحدود الولاية المسندة للسلطة التنفيذية، فلا ولاية لأي سلطة في التنازل عن جزء من أرض مصر».

وذكر «البشرى» أنه ولأول مرة في تاريخ القضاء والمحاماة،  يكون دفاع جهة أو شخص مركزا على أنه لا يملك بل ويقدم أسانيد وأدلة على ذلك، قائلا: «الحكومة المصرية فعلت ذلك، وهو أمر عجيب، أن نراها تدافع عن غير مصلحتها وعما يضرها سياسيا واستراتيجيا».

وأوضح أن موقف الحكومة كان يدعو للرثاء بأن تتمسك بفكرة أعمال السيادة وهى تتنازل عن سيادتها على جزء من أرض مصر، ووضعت نفسها في موقع لا تحسد عليه.

وأضاف: «أثبتت الحكومة على نفسها أنها غير أمينة على ملك الدولة والأمة ـوذلك بحكم قضائي وأقول هذا الكلام بمناسبة ما أثير عن رفع دعوى أمام التحكيم الدولي، وهذا مردود عليه بأن الحكومة لا تملك شرط المصلحة الواجب توافره للجوء إلى التحكيم، وإذا حدث وتجاسرت على الموافقة على اللجوء للتحكيم الدولي؛ يكون هذا التصرف قرارا إداريا خاضعا لرقابة مجلس الدولة مرة أخرى».

وتعليقا على مضى البرلمان قدما في مناقشة الاتفاقية، قال «البشرى» إن الاتفاق الذي أحالته الحكومة للبرلمان أصبح منعدما وساقطا بحكم الإدارية العليا، ومن ثم لم يعد هناك شيء يمكن عرضه على السلطة التشريعية، ولا يجوز أن ينظر البرلمان شيئا معدوم المحل، كما أنه ليس من سلطة البرلمان أن يبرم بذاته معاهدات مع الغير، مبينا أن الحكم أسقط جميع التصرفات الحكومية السابقة في الاتفاقية.

وحول ما تردد في الأوساط القانونية والقضائية من أنه كان يجدر بدائرة فحص الطعون بالإدارية العليا برئاسة المستشار «أحمد الشاذلى» أن تحيل القضية إلى دائرة الموضوع بالمحكمة بدلا من الفصل فيها، لتعلق القضية بمبدأ قضائي جديد، أوضح «البشرى» أن الإحالة لدائرة الموضوع سلطة تقديرية لدائرة الفحص إذا ما وجدت ما يدعو لذلك.

ولفت إلى أن دائرة الموضوع تتشكل من جميع قضاة دائرة الفحص، إضافة إلى قاض واحد هو رئيس مجلس الدولة، موضحا أن إجماع دائرة الفحص على رأى واحد وتناولهم جميع دقائق القضية كما جاء في الحيثيات أمر لا يتطلب الإحالة لدائرة الموضوع.

وقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر، أول أمس الاثنين، حكما نهائيا ببطلان توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر إلى المملكة.

وفي جلسة بثها التلفزيون المصري على الهواء مباشرة، رفضت المحكمة -وهي أعلى جهة للطعون الإدارية وأحكامها نهائية- الطعن الذي قدمته هيئة قضايا الدولة (ممثلة الحكومة) على حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري في يونيو/حزيران الماضي، ببطلان الاتفاقية التي تم توقيعها في أبريل/نيسان الماضي.

وقال رئيس المحكمة القاضي «أحمد الشاذلي» بمنطوق حكمه إن «سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها، موضحا أن هيئة المحكمة أجمعت على هذا الحكم».

الحكومة: البرلمان سيقرر مصير الاتفاقية

من جهة أخرى، أكد وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب في الحكومة المصرية، «مجدي العجاتي»، في أول تصريح بعد الحكم القضائي النهائي ببطلان الاتفاقية، أن البرلمان هو صاحب القول الفصل في اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وفقا لنص المادة 151 من الدستور.

وقال «العجاتي» في تصريحات، أمس الثلاثاء، إن مناقشة الاتفاقية التي أعلن بموجبها وجود جزيرتي تيران وصنافير ضمن المياه الإقليمية للمملكة، حق أصيل للمجلس.

وأوضح أن توقيت مناقشة البرلمان للاتفاقية يرجع إلى النواب أنفسهم، لافتا إلى أنهم أصحاب القرار في رفضها أو الموافقة عليها.

وكان رئيس مجلس النواب المصري «علي عبدالعال»، قد أكد أن المجلس هو الوحيد المخول بتحديد إن كانت اتفاقية ترسيم الحدود ‏مع السعودية دستورية أم لا والحكم القضائي سيكون ورقة ضمن الأوراق التي سينظر فيها المجلس.‏

وقال «عبدالعال» في حوار متلفز مع فضائية مصرية خاصة: «إن الأحكام القضائية لها كل التقدير والاحترام، والدستور يحدد الأطر الدستورية للسلطات الثلاث، ويرسي مبدأ الفصل بينها».

وأوضح «عبدالعال» أن اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية أرسلت إلى مجلس النواب طبقا لنص الدستور، والاتفاقيات الدولية تمر بـ5 مراحل، هي المفاوضات والتوقيع والمناقشة في مجلس النواب ثم تصديق رئيس الجمهورية والنشر في الجريدة الرسمية.

وأضاف: «طبقا لنص الدستور، لا توجد اتفاقية دولية بشأن تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، لأنها لم تعرض على البرلمان ولم تمر بالمراحل الخمس حتى الآن».

وأكد «عبدالعال» أن البرلمان هو الجهة الوحيدة التي تحدد ما إذا كانت اتفاقية ترسيم الحدود مخالفة للدستور أم لا.

وقد أقر مجلس الوزراء المصري في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، مع إحالتها إلى مجلس النواب (البرلمان) لمناقشتها وإقرارها بشكل نهائي.

وشهدت مصر، مظاهرات يومي 15 و25 أبريل/نيسان الماضي، احتجاجا على توقيع الاتفاقية، وإعلان الحكومة المصرية في الشهر ذاته بأحقية السعودية في الجزيرتين بموجب اتفاقية لإعادة ترسيم الحدود.

وتدافع الحكومة المصرية عن الاتفاقية بالقول إن الجزيرتين تتبعان السعودية وخضعت للإدارة المصرية عام 1967 بعد اتفاق ثنائي بين القاهرة والرياض بغرض حمايتها لضعف القوات البحرية السعودية آنذاك، وكذلك لتستخدمها مصر في حربها ضد «إسرائيل».

وأثارت اتفاقية ترسيم الحدود التي وقعت خلال زيارة العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» للقاهرة احتجاجات واسعة في مصر، إذ اتهمت جماعات معارضة الحكومة بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير مقابل استمرار المساعدات السعودية.

ورفضت الحكومة المصرية إجراء استفتاء بشأن الاتفاقية، واعتقلت مئات الناشطين الذين قاموا بمظاهرات احتجاج عليها سميت بـ«مظاهرات الأرض».

ودافعت الحكومة المصرية عن الاتفاقية، وقالت إن الجزيرتين الواقعتين عند مدخل ميناء العقبة في البحر الأحمر كانتا تخضعان فقط للحماية المصرية منذ عام 1950، بناء على طلب من الملك «عبد العزيز آل سعود» مؤسس المملكة العربية السعودية.

المصدر | الخليج الجديد + الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية

السعودية مصر تيران وصنافير الحكومة البرلمان الدستور طارق البشري ترسيم الحدود