العلاقات التركية الروسية.. تجاوز الولايات المتّحدة

الخميس 19 يناير 2017 05:01 ص

فاز الحلفاء بالحرب العالمية الثانية، لكنّ الفائز الفعلي بالحرب كان الولايات المتّحدة. ونشأ نظام عالمي جديد، في شكل عالم ثنائي القطبية، ومثّلت فيه الولايات المتّحدة الدولة الأقوى في غرب العالم. ولم تؤدّي نهاية الحرب إلى عودة الأمور إلى طبيعتها، بالعكس، فقد بدأ صراعٌ جديد. وبينما تشكّلت كتلتين سياسيتين حول كل من الاتّحاد السوفييتي والولايات المتّحدة، اضطرت باقي الدول لاختيار أحد المعسكرين.

وقد تركت الحرب العالمية الثانية القوى الأوروبية التي كانت في طليعة الهجوم في الثلاثينات في حالةٍ يرثى لها من الدمار والخراب، وانشغلت تلك الدول في التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار بعد الخراب الذي خلّفه الصراع. وبذلك تُرِكَ المشهد مفتوحًا للقوتين العظميين الجديدتين في العالم، والولايات المتّحدة بشكلٍ أكبر. وكان هذا هو الاتصال السياسي الأول بمثل هذا المستوى الكبير بين الولايات المتّحدة والدول الإسلامية.

ومع بداية الحرب الباردة، كان على الدول الإسلامية أيضًا أن تنحاز إلى أحد الطرفين في النظام العالمي الجديد. وفي حين كانت دول الشرق الأوسط ذات قومية عربية، وقفت على مقربة من السوفييت بسبب موقفهم المناهض للإمبريالية العالمية والمعادي للغرب. وبدأت الولايات المتّحدة تشجع على مناهضة السوفييت والشيوعيين بدعاية عن عالم جديد من الحريات التي تشمل حرية الدين.

وحجزت الحرب الباردة لنفسها مكانًا في كتب التاريخ، حيث لم تكن فيها الولايات المتّحدة والاتحاد السوفييتي في اقتتال مباشر، لكن حاربا بعضهما البعض في كل مكانٍ آخر حول العالم من خلال الحرب بالوكالة. وأصبحت أفغانستان واحدة من الجبهات الرئيسية في هذا العصر. وفي أعقاب غزو السوفييت لأفغانستان على إثر دعوة عام 1979من الحكومة الماركسية التي استولت على السلطة في انقلاب عسكري عام 1978، ردّت الولايات المتّحدة عبر التعاون مع المسلمين هناك ونفّذت العديد من الأنشطة، مثل تسليح حركة طالبان.

ومع ذلك، فإنّ النظام العالمي وحيد القطب الذي نشأ عقب انهيار الاتحاد السوفييتي شهد نمو الجماعات الإسلامية التي أصبحت تهديدًا أخذ مكان الاتحاد السوفييتي. وأصبح زملاء الأمس في الحرب الباردة هم الأعداء الجدد. وقسّمت الولايات المتّحدة المسلمين حول العالم إلى 4 أقسام، الأصوليون والتقليديون والحداثيون والعلمانيون، واقترحت بناء شبكات من المسلمين الحداثيين، ودعم الحداثيين لهذا الغرض. ومع ذلك، لم تتوقّف الولايات المتّحدة عند تعريف الأصوليين كتهديد ضد العالم الغربي، بل بدأت أيضًا في رؤية التقليديين بأنّهم متشدّدون ويمثّلون تهديدًا أيضًا، وفي بعض الأحيان يطلق عليهم اختصارًا، المحافظون، وهم العمود الفقري للمجتمع الإسلامي.

الحلم الأمريكي الجديد

ودعمت الولايات المتّحدة الربيع العربي في البداية على نفس الشروط. وكما هو واقع الأمر، فقد ساهمت في بعض المحفّزات لركلة البداية للثّورات في الشوارع العربية، وموّلت الحركات الشبابية والجماعات الليبرالية. وتعدّ تركيا نموذجًا في الشرق الأوسط، وبني ذلك على ثقة الولايات المتّحدة في أتباع كولن، وهي شبكة حداثية أنشأتها الولايات المتّحدة، وشكّلت كيانًا موازيًا غير شرعي داخل الدولة التركية. وعندما حانت اللحظة الحاسمة، وضعت الولايات المتّحدة كل الرهانات على أتباع كولن. لقد ظنّت أنّ أتباع كولن سينجحون في النهاية وأنّ «رجب طيب أردوغان» سيستسلم.

وقدّمت الولايات المتّحدة للعالم العربي الحلم الأمريكي الجديد، مع أجهز أيفون ومواقع التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك. وهو يشبه الحلم الأمريكي الذي قدّمته للروس قبل زمن مع سلاسل ماكدونالدز وسحر هوليود ومدينة والت ديزني. وبعد أن يغادر المستبدون، ستنتعش الحرية وستختار الشوارع العربية الحرة الليبرالية العلمانية. لكن ليس ذلك ما حدث. بدأ المحافظون في الفوز بالانتخابات، وكان العرب في صف الحكام الإسلاميين. وبعبارة أخرى، لقد حاد الربيع العربي عن الطريق المرسوم، وكان لابد من التدخل الإجباري. وهكذا، رعت الولايات المتّحدة الثورات المضادّة ودعّمتها عن طريق دول الخليج في دول مثل مصر وليبيا، وغيّرت سياستها في سوريا. وحاول أتباع كولن الانقلاب على الحكومة مرّتين في نفس الفترة، بدأت الأولى بأزمة سياسية بين القضاء والمخابرات في 7 فبراير/شباط عام 2012.

وفي عامي 2014-2015، بدأت الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط في الانتقال إلى داخل تركيا من خلال الجماعات الإرهابية، وفي حين مهّدت جماعة كولن الطريق أمام تنظيم الدولة المتطرف وحزب العمال الكردستاني العلماني، سعت الولايات المتّحدة لإيجاد حلفاءٍ جدد ينسجمون مع مفهومها الجديد للحرب. وكما أظهرت تعاونها مع المسلمين ضد السوفييت «الملحدين» هذه المرّة أظهرت تعاونها مع روسيا ضد المسلمين «المتشدّدين» وبدأت الخطوات الأولى من خلال جلوس الولايات المتّحدة وروسيا معًا على طاولة واحدة لبحث إيجاد حل سياسي لأزمة سوريا، وتبع ذلك لقاءات حميمية بين وزراء خارجية البلدين، وتعاون عسكري ضد تنظيم الدولة وتبادل معلومات استخباراتية، وقرارات بوقف إطلاق النار لم تنفّذ أبدًا.

وكان جزء من الخطة وضع روسيا وتركيا في مواجهة بعضهما البعض. لكنّ الإشارات حول استعادة العلاقات الطيبة بين تركيا وروسيا في العام 2016 لم تكن متوقّعة. لكن لو كانت نجحت محاولة الانقلاب من أتباع كولن، كان سيتم رعاية هذه القضية بالكامل.

وجدت العلاقات الروسية التركية قد وجدت طريقًا للتحسّن إبان محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز، لكن كانت هناك محاولة أخرى لإفساد تلك العلاقة مع اغتيال السفير الروسي في أنقرة، لكنّ تركيا وروسيا لم تقعا في الفخ أيضًا هذه المرّة. واليوم، تجري قضايا عديدة، بما في ذلك الحل في سوريا، الذي نوقش بين البلدين، وإعلان وقف إطلاق النار، الذي خرج في نهاية ديسمبر/كانون الأول، كانت تركيا وروسيا معًا تشكّلان ضامنًا لهذه القضايا والإجراءات.

لقد تمّ خلط الأوراق بالتأكيد في عام 2016، ولم تكن الولايات المتّحدة هي الأسعد بهذا المشهد الجديد غير المتوقّع. ولأول مرةّ خلال أعوام، تتّحد أوراق اللعبة التي خطّطت الولايات المتّحدة لوضعهما في موجهة بعضهما البعض، وينحيانها جانبًا خارج اللعبة. وسنرى كيف ستردّ الولايات المتّحدة في عام 2017.

المصدر | ديلي صباح

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا انقلاب تركيا الولايات المتحدة سوريا