«ميدل إيست بريفينغ»: كيف تقوض أزمة تيران وصنافير حكم «السيسي»؟

الجمعة 20 يناير 2017 03:01 ص

لا يزال الأمر لغزًا لجميع المراقبين لمعرفة كيف تحرك الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» إلى المكان الذي وضع نفسه فيه الآن. وقد حكمت المحكمة الإدارية العليا بالقاهرة بمصرية جزيرتي تيران وصنافير جنوب خليج العقبة بالبحر الأحمر، وأنّهما ليستا سعوديتين. وكان «السيسي» قد وقّع معاهدة ترسيم للحدود البحرية مع الملك «سلمان بن عبد العزيز»، أعطى من خلالها الجزيرتين للسعودية. وأصرّت الحكومة على سعودية الجزيرتين. ومنذ ذلك الحين، تم تداول الاتفاقية في المحاكم وتحوّلت إلى دعوة حشد وتعبئة للمصريين، الذين يؤمنون كل الإيمان بمصرية الجزيرتين، من أجل إلغاء الاتفاقية.

وحاولت الحكومة التوضيح بأنّه يوجد وثائق تثبت أنّ الجزيرتين سعوديتان، وأنّ مصر قد أعطيت السيطرة عليها نتيجة ظروف مؤقتة تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي في الخمسينات والستينات. وكلما فعلت الحكومة ذلك، كلّما ظهرت وكأنّها تبيع جزءًا من الأرض وتخون الوطن.

ومن البداية، كان التخطيط لهذه الخطوة سيئًا. فقد تمّ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود وسط اتفاقيات كبيرة أخرى باستثمارات سعودية في مصر وبدون نقاشٍ عام. وبدت عقود الاستثمار ثمنًا لبيع جزء من تراب الوطن بالمال في عيون المصريين. وكلما حاول «السيسي» توضيح أسباب اتفاق الجزيرتين، كلّما ظهر خائنًا لمصر وبائعًا لأرضها.

ولم يكن هذا من الإنصاف من وجهة نظر الرئيس المصري. لكن عندما أصدرت المحكمة حكمها في 16 يناير/كانون الثاني، بدا الرئيس في موقفٍ أسوأ. هنا، تقول المحكمة، التي فحصت الوثائق ذات الصلة، أنّه «استقر في يقين المحكمة بلا شك أنّ تيران وصنافير مصريتين». وبعبارة أخرى، كانت المحكمة تقول أنّ «السيسي» لم يكن في الواقع يدافع عن التراب المصري.

ويقول معلّقون سعوديون أنّ الاتفاقية لا تخضع لأحكام المحاكم المحلية في أيٍ من الدولتين، وأنّ الرياض تمتلك جميع الوثائق اللازمة لإثبات أنّها جزر سعودية. وقد تتجه الرياض إلى التحكيم الدولي.

لكنّ القضية تحوّلت إلى خطر على أي حكومةٍ مصرية، وقد تحوّلت من قضية قانونية إلى سياسية بامتياز. والسؤال هو، كيف فشل «السيسي» في رؤية هذه السلسلة من الأحداث التي لا تهدده هو فقط، لكنّها تضع العلاقات السعودية المصرية في وضعٍ حرجٍ غير مسبوق؟

ضغوط مكثفة

كان الرئيس المصري في وسط مجموعتين من الضغوط. الأولى، الوضع الاقتصادي السيء لمصر، والثانية، الضغط السعودي المكثّف الذي لم يراع الوضع الحرج للسيسي ولمصر في خضمّ الظرف الحالي.

وقالت الحكومة المصرية أنّ حكم المحكمة الإدارية العليا يتعلّق بصحّة إجراءات الحكم السابق من المحكمة الابتدائية وليس بموضوع الدعوى. وقالت أنّها ستلجأ للمحكمة الدستورية العليا للفصل في الاختصاص. لكنّ مشكلة «السيسي» لم تعد قانونية الآن، بل هي سياسية. فهو يظهر في ثياب الرجل الذي يحاول التفريط في أراضي مصر. ويعدّ هذا أمرًا حساسًا للغاية في بلدٍ قديمة مثل مصر، ويبدو أنّه عالق عند هذه النقطة، حيث لا يمكنه المضي قدمًا أو التراجع. لكنّ الحل قد يكون بتجميد المحكمة الدستورية العليا للقضية لعدة أعوام حتّى تهدأ حرارتها. ويبدو أنّ الأهم الآن هو عدم فتح الحديث حول القضية، تحت أي ظرف، لبعض الوقت.

وحتّى في البرلمان، قاوم العديد من الأعضاء مناقشة إعطاء الجزيرتين للسعودية، على الرغم من حقيقة أنّهم تم اختيارهم بعد موافقات الأجهزة الأمنية، والتي غالبا ما تكون ترشيحاتها دقيقة وصارمة في هذه الحالات.

وإذا قرّر «السيسي» التحوّل إلى جانب الرأي الشعبي في هذا الوقت، فسيكون متأخرًا للغاية، فقد جرحت صورته في عيون الشعب بالفعل. وإذا حاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فسيواجه غضبًا عميقًا من السعوديين. إنه في موقف خسارة واضحة لا بديل لها، وسيكون من المدهش أن نرى كيف سيحول الرئيس المصري هذا الوضع. وسيكون التكتيك الأفضل له هو صبّ الماء البارد على القضية والسماح بنسيانها لبعض الوقت.

تعميق الجراح

ولجعل الموقف السيء أسوأ، قتلت قوّات الأمن 6 شباب في مدينة العريش شمال سيناء، وصفتهم بالإرهابيين. وأكّدت عائلات بعضهم أنّ ذويهم تمّ إلقاء القبض عليهم قبل عدّة أشهر. وأكّد جيرانهم على أنّهم كانوا محتجزين لدى قوّات الأمن. كيف يظهرون فجأة مقتولين في موقع محاط بالبنادق إذا كانوا بالسّجن منذ أشهر؟

وفي يوم 15 يناير/كانون الثاني، ملأت تظاهرة ضخمة شوارع العريش احتجاجًا على قتل الشباب من قبل قوّات الأمن. وتجمّعت تظاهرة أكبر في جنازة لأحد الشباب في 16 يناير/كانون الثاني. يحدث كل ذلك في العريش التي تعاني أساسًا من مشكلة الإرهاب. وكالعادة، شخص ما من القوّات الأمنية كان غبيًا بشكلٍ كافٍ كي لا يرى تداعيات مثل هذا الانتهاك غير المعقول للقوانين في منطقة حسّاسة أمنيًا مثل العريش.

هل يمكن للسيسي تجاوز هذه الأزمة، التي لم يكن هناك حاجة لبدئها؟ سنعرف مع الوقت. نعتقد أنّه سيفعل، لكنّ السؤال الأهم هو: هل يمكن للنظام المصري تجنّب المزيد من خلق المشاكل التي لا حاجة له بها؟ فوسائل إعلام «السيسي» قد فقدت القدرة على تشكيل الرأي العام أو أي رأي حول أي مما يحدث، ورسالتهم صارت ساذجة وسطحية للغاية لتترك أي تأثير. وستكون خطوة غبية أخرى في حالة إظهار قضية الجزيرتين كلعبة من «السيسي» الفذّ للحصول على المساعدات من السعودية مقابل لا شيء، فهذا يسيء للسيسي على الساحة الإقليمية. لكن ما هو الواجب فعله إذا كانت الحكومة غير قادرة على مساعدة نفسها بإنشاء وسائل إعلامٍ فعالة؟ طالما تتعرض وسائل الإعلام لإجراءات السيطرة المعتادة من الأجهزة الأمنية، ستفقد أي قيمة سياسية.

والمشكلة هنا ليست في مستقبل السيسي، إنّها حول مستقبل مصر. فإذا اهتزّت مصر الآن، سيكون التأثير الإقليمي هائلًا. يمكن للسعودية الردّ بترحيل 2.5 مليون مصري يعملون بالمملكة إلى بلادهم. لكنّ ذلك سيضع ضغطًا هائلًا على الاقتصاد الهشّ في مصر، وقد يزعزع استقرار البلاد بالكامل.

إذا سقطت مصر في الفوضى، ستفوق العواقب الخيال. ولدى الشرق الأوسط ما يكفيه من الرمال المتحرّكة لكي يضيف مصر إلى قائمة الاضطرابات في المنطقة. وإذا اشتعلت حرب أهلية في مصر ستكون أعنف من أي حرب أخرى شهدناها في المنطقة. وستكون السعودية واحدة من أكبر الخاسرين إذا تحوّلت مصر إلى هذا الاتّجاه. فهناك العديد من الخطط الأجنبية القائمة بالفعل لاختراق مصر، وعدد كافٍ من الإسلاميين هناك لاحتلال الاهتمام العالمي لعشرات الأعوام.

ويعدّ الصدع في شعبية «السيسي» كافيًا لاستدعاء الإخوان المسلمين والقاعدة و (داعش) في شمال سيناء وبعض القوى الأجنبية العالمية والإقليمية الراغبة في رؤية السيسي خارج المشهد. وبهذا، ليس «السيسي» فقط هو من يواجه معضلة هنا، ولكنه صار نفسه معضلة بالنسبة إلى جميع القوى التي تعتمد عليه.

  كلمات مفتاحية

السعودية مصر السيسي تيران وصنافير العلاقات المصرية السعودية

«السيسي» يسعى لإقناع السعودية بإرجاء تسليم «تيران وصنافير» لحماية نظامه

«عشقي»: مصير «تيران وصنافير» بيد التحكيم الدولي.. وحقوقي مصري: لابد من موافقة البلدين

"تيران وصنافير"... التفاوض المقلوب!