«25 يناير» تتراجع.. انقلاب وثورة مضادة وعودة رموز «مبارك» وتهميش وتشويش واتهام

الأربعاء 25 يناير 2017 12:01 م

تراجع الحديث عن الثورة المصرية، في الخطاب الرسمي للبلاد، وسط تقدم وزحف متزايد للقضايا الأمنية والاقتصادية.

يأتي ذلك في وقت بدا الهجوم على الثورة، وكأنه أمرا عاديا، تبناه الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» وأذرعه الإعلامية، دون خجل، وحملوها مسؤولية الصعوبات التي تواجهها البلاد في الوقت الراهن.

انحسار وتراجع

الخبير الإعلامي «عادل اليماني»، قال إن «المساحة التي يأخذها الحديث عن ثورة يناير/ كانون الثاني، ضاقت بشكل كبير في الخطاب الرسمي، وحل بدلا منها الأزمات الاقتصادية والسياسية وكذلك الأوضاع الإقليمية».

وأضاف أن «الثورة انحسرت سياسيا وإعلاميا، الأمر الذي ألقى بتبعاته على الصعيد الرسمي».

ومدللاً على هذا الانحسار، قال «اليماني» إن «أغلب المحسوبين على ثورة يناير/ كانون الثاني أصبحوا خارج المشهد الرسمي حاليا، كما أن الأصوات المدافعة عنها بالإعلام أصبحت قليلة جداً حتى بدا وكأن الستار يسدل عليها بهدوء».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة «حسن نافعة»، الذي اكد «انحسار حضور الثورة في الخطاب الرسمي»، منوهاً إلى أن «الأمر يمتد إلى خطاب الأحزاب السياسية أيضا».

وقال نافعة، إن «الأمر طبيعي؛ لأن الثورة لم تُحقق أيًا من أهدافها وفشلت في إرساء مبادئها»/ بحسب «الأناضول».

ورأى أستاذ العلوم السياسية أن «المؤسسة العسكرية احتوت الثورة حتى تُسقط رأس النظام (السابق)؛ للقضاء على مشروع توريث الحكم من الرئيس الأسبق (حسني مبارك) إلى نجله جمال، إلا أنها أبقت النظام كما هو وحالت دون انهياره».

وتابع «نافعة»: «المتصدرون للمشهد الرسمي حالياً لا يؤمنون بالثورة، بل ينقمون عليها ويعتبرونها مضادة لمصالحهم».

الثورة مستمرة

وظلت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، التي تحل ذكراها اليوم، ونتج عنها الإطاحة بنظام «حسني مبارك»، تتصدر الخطاب الرسمي، خلال فترة حكم المجلس العسكري التي امتدت حتى يونيو/ حزيران 2012، فضلاً عن عام رئاسة «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب (يونيو/حزيران 2012- يونيو/حزيران 2013).

وبعد تنحي «مبارك» في 11 فبراير/ شباط 2011، احتفى المجلس العسكري بثورة يناير/ كانون الثاني، وحظي شهداؤها بتحية عسكرية من جانب اللواء «محسن الفنجري» عضو المجلس العسكري آنذاك، أثناء إلقائه بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة للشعب المصري على شاشة التليفزيون الرسمي حينها.

فيما ركز «مرسي» في معظم خطاباته على تضحيات الثوار، مشدداً على أنه يعمل لـ«استكمال المشوار»، في استحضار لهتاف جماهيري تردد كثيراً في الشارع المصري وقتها، وهو «ثوار..أحرار.. هنكمل المشوار».

وقدم الدستور المصري الصادر في عام 2012، ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، باعتبارها مرجعية التغيير السياسي في البلاد، وأساس الانطلاقة الوطنية لتحقق الآمال التي عبر عنها المصريون في مختلف ميادين البلاد بشعارهم «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».

وجاء بديباجة الدستور: «تستمر ثورة هذا الشعب التي بعثت فيه روحاً طاهرة، جمعت المصريين والمصريات على كلمة سواء، لبناء دولة ديمقراطية حديثة».

الانقلاب

وإثر احتجاجات شعبية اندلعت في 30 يونيو/ حزيران 2013، تم وقف العمل بهذا الدستور بالتزامن مع الانقلاب على «مرسي» من قبل قيادات الجيش تساندهم قوى سياسية ودينية.

وقالت قيادة الجيش المصري وقتها، إن هذه الإجراءات تشكل بداية مرحلة انتقالية جديدة لـ« تصحيح مسار ثورة يناير/ كانون الثاني 2011»، التي «حاول البعض أن يحيد بها عن أهدافها الوطنية».

غير أن الحديث عن 30 يونيو كـ«ثورة شعبية وتصحيح مسار» طغى تدريجياً، على الخطاب الرسمي الذي مال إلى إبراز ما أطلق عليه «محاولات استغلال ثورة يناير/ كانون الثاني لتحقيق أهداف خاصة»، وذلك على غرار ما تكرر في أحاديث كل من الرئيس المؤقت «عدلي منصور»، والرئيس الحالي «عبدالفتاح السيسي».

وفي خطاب ألقاه في ذكراها الثالثة (يناير / كانون الثاني 2014)، قرن «منصور» ثورة يناير/ كانون الثاني وعيد الشرطة الذي يوافق اليوم نفسه، مشدداً على أن «كلا اليومين» يمثل جزءًا من الذاكرة الوطنية المصرية.

وتضمن خطاب «منصور» إشادة مزدوجة بالمناسبتين، فقال إن «يوم الخامس والعشرين من يناير 2011، شهد بداية كسر جدار الخوف لدى المصريين»، منوهاً أيضاً إلى أن «يومَ عيدٍ الشرطة عيد لكل مصري؛ لارتباطه بفصل مهم من كفاح الشعب ضد قـوى الاحتلال الإنجليزي» (1882- 1954).

وفي 25 يناير/ كانون ثان 1952، سقط 50 قتيلاً و80 جريحًا من الشرطة المصرية على يد قوات الاحتلال الإنجليزي، بعد رفضهم تسليم سلاحهم وإخلاء مبنى محافظة الإسماعيلية (شرق).

وخلال حكم «منصور»، الذي استمر عاماً واحداً، تم إقرار دستور جديد للبلاد، ربط بين 25 يناير/ كانون الثاني و30 يونيو/ حزيران 2013، باعتبارهما «ثورة واحدة» دعت إلى «العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية».

ونوه الدستور الجديد إلى أن «ثورة 25 يناير/ كانون الثاني و30 يونيو/ حزيران 2013، فريدة بين الثورات الإنسانية بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين وبدور بارز لشباب متطلع إلى المستقبل».

إشارات خاطفة

أما الرئيس الحالي «عبدالفتاح السيسي»، الذي كان عضواً في المجلس العسكري وقت الإطاحة بـ«مبارك»، فيكثر من الاستشهاد بما حدث في 30 يونيو/ حزيران 2013، كلحظة «إنقاذ لمصر»، في مقابل إشارات خاطفة إلى «ثورة يناير/ كانون الثاني 2011»، اللهم إلا في ذكراها السنوية، حيث يُخصها بخطاب تبثه وسائل الإعلام الحكومية.

وفي خطابه في الذكرى الخامسة لها (يناير/ كانون ثان 2016)، ثمّن «السيسي» ما حققته للشعب المصري، وأشاد بـ«شباب من خيرة أبناء الوطن ضحوا بأرواحهم من أجل دفع دماء جديدة في شرايين مصر».

لكنه استطرد قائلاً إن «أي عمل إنساني يخضع للتقييم، وما اعترى تلك الثورة من انحراف عن المسار الذي أراده لها الشعب لم يكن من قبل أبنائها الأوفياء، وإنما جاء نتاجا خالصا لمن حاولوا أن ينسبوها لأنفسهم عنوة».

وموضحاً، قال «السيسي»: «الشعب الذى ثار من أجل حريته وكرامته، صوب المسار وصحح المسيرة، فجاءت ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013، لتستعيد إرادة الشعب الحرة وتواصل تحقيق آماله المشروعة وطموحاته المستحقة».

هجوم واتهام

أما في خطاب «السيسي»، أمس، فكان الاتهام صريحا للثورة المصرية، بأنها كانت محاولة للوقيعة بين مؤسسات الدولة في 2011، وإحداث حالة من الانقسام بين الجيش والشعب، أو الجيش والشرطة.

وأضاف «السيسي»، في احتفالية بعيد الشرطة: «كان الهدف منها إحداث انقسام واختلاف بين المصريين»، موضحا أن «الهدف من الوقيعة هو التقسيم وجعل أهل مصر والمؤسسات تصطدم مع بعضها البعض».

صحيفة «القدس العربي»، قالت في افتتاحيتها اليوم، إن «السيسي» بدلاً من إبداء العرفان للثورة التي أدّت مجرياتها إلى الوصول به رئيساً للجمهورية في مصر، اختار الاحتفال بـ«عيد الشرطة»، وهي إساءة متعدّدة الأوجه.

الوجه الأول لهذه الإساءة، بحسب الصحيفة، كان للشعب المصري نفسه، الذي صبر وصابر، وتابع على مدى سنوات طويلة الاحتجاجات السياسية والمطلبية، وكافح على مدى عقود طويلة أشكالاً من العسف والقمع والظلم الذي هو ميّزة لصيقة بحكم الجنرالات في العالم بأجمعه.

ووجه الإساءة الثاني، كان للحراك العظيم الذي ساهمت فيه النخب والجماهير المصرية، وأنهى حكم الرئيس الأسبق «حسني مبارك»، وخططه لتوريث أبنائه بلداً عظيما كمصر، وافتتح مرحلة جديدة من التاريخ المصري والعربي عنوانها ضرورة التغيير للخروج من الاستنقاع الهائل الذي تعيش فيه المنطقة العربية.

وجه الإساءة الثالث، هو مقاربته لهذا اليوم من خلال الاحتفال بعيد الشرطة، وهو أمر كان يمكن تقبّله في أي يوم آخر لولا أنه تعمّد وتقصّد أن يضع هذه المقاربة الكاسرة: ثورة الشعب، من ناحية، والشرطة «التي يقول شعارها الشهير إنها في خدمة الشعب»، من ناحية أخرى، بحيث يضع جهازاً أمنيّاً، وظيفته الافتراضية هي حماية المدنيين وممتلكاتهم والمحافظة على القوانين والحريات، في موقع يتجابه فيه مع الناس ومع توقهم الهائل للعدالة والكرامة والخبز والحرية وهو أمر جسّدته ثورة 25 يناير/كانون الأول 2011 أكبر تجسيد.

وأضافت الصحيفة: «وكي لا يكون هناك شكّ، ولو ضعيف، في الرمزية التي تقصدها السيسي والغاية التي حرّكته فقد تحدّث في خطابه الذي حضره رموز وزارة الداخلية (بكل محمولها القمعيّ) والجيش عن «محاولات للوقيعة بين المصريين سواء الجيش والشرطة أو الجيش والشعب في عام 2011».

وتابعت: «وبذلك لم تحصل تلك الثورة حتى على تسمية أو توقيت لحصولها، كما لو كانت حادثاً لقيطاً في التاريخ المصري، أما الحديث عن الوقيعة بين الجيش والشرطة، فالمقصود منه، عمليّاً، أن استيلاء الجيش على السلطة لا يعني أن امتيازات جنرالات الأمن وصلاحياتهم القمعية ستتراجع، وذلك، كما قال، لأن الحفاظ على مؤسسات الدولة يعني الحفاظ على مصر، ولأنها، على عكس ما يريده دعاة التقسيم فإن تلك المؤسسات لن تصطدم مع بعضها البعض».

كما كان الهدف الآخر لخطاب «السيسي»، بحسب الصحيفة، إعلان اتحاد مؤسستي الجيش والأمن ضد منجزات الثورة المصرية بعد أن صار اسمها الرسميّ بعد حدث الانقلاب على المؤسسات المدنية والرئيس المنتخب «محمد مرسي» هو «الإرهاب»، ومنع أي أفق لعودتها بأي شكل من الأشكال.

ولعلّ أسوأ ما كان في خطاب «السيسي»، تخصيصه الحديث عن شهداء الجيش والشرطة وتجاهل مئات المدنيين الذين قُتلوا على أيدي مؤسسة الشرطة هذه، إن لم يكن في ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، ففي سجون التعذيب ومخافر التنكيل والقهر.

إحدى أكبر الرسائل في خطاب «السيسي» التي وجهها للمصريين هي أن عليهم الرضوخ والاستسلام لحكم أجهزة ضباط الأمن وفساد جنرالات الجيش وألا يعودوا للتفكير بالثورة من جديد.

التهميش والتشويش

وباعتقاد القاضي السابق «أحمد مكي» وزير العدل في عام رئاسة «مرسي»، «لم تشهد مصر ثورة حقيقية»، معتبراً أن إطلاق هذا الوصف على ما حدث في 25 يناير/ كانون الثاني 2011 «مبالغ فيه».

وقال «مكي»: «لم تكن ثورة؛ لأن نظام مبارك تشقق نتيجة لتظاهرات عادية مصحوبة بشيء من المؤامرات أو تراخي من السلطة عن أدائها ما أنتج الوضع الحالي».

وأضاف: «ما حدث في 25 يناير/ كانون الثاني، يتم كل يوم في أفريقيا، حيث تندلع مجموعة مظاهرات تزيح الحاكم وتأتي بغيره، ولكن التغيير الحقيقي لم يحدث بعد».

ثورة مضادة

وبتقدير السفير معصوم مرزوق، القيادي بالتيار الشعبي الناصري، «لا يعد تراجع ذكر ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في الخطاب الرسمي «أمراً مفاجئاً»، والسبب، إن «الثورة المضادة هي من تحكم الآن».

وأشار «مرزوق» إلى أن «القائمين على الحكم حالياً لا يؤمنون بأهداف يناير ويرى كثير منهم أنها كانت أمراً سلبياً».

وتابع أن «الثورة المضادة تمكنت بعد 30 يونيو/ حزيران 2013، بشكل كبير من الحكم في مصر، وأصبحت تُسيطر على غالبية مفاصله».

وخلال الانتخابات البرلمانية التي جرت نهاية عام 2015، تمكن نواب سابقون للحزب الوطني (الحاكم في عهد مبارك) من السيطرة على ربع مقاعد مجلس النواب الجديد (596 إجمالي المقاعد)، فيما عادت بعض قياداته السابقة، لمواقع وزارية، مثل «خالد عبدالعزيز» الذي يشغل حاليا منصب وزير الشباب، و«إبراهيم محلب» رئيسا للحكومة ثم مستشارا لـ«السيسي»، و«فايزة أبو النجا» وزيرة التعاون الدولي سابقا ومستشارة «السيسي» حاليا.

انحسار واسع

من جانبه، أقرّ «أحمد البرعي» وزير التضامن الاجتماعي في أول حكومة بعد الإطاحة بـ«مبارك»، بانحسار ثورة يناير/ كانون الثاني، وقال إن «الأمر امتد إلى غالبية الأصعدة وليس الخطاب الرسمي فقط».

ورد «البرعي» هذا الانحسار إلى أن الثورة «قامت بتلقائية وافتقدت لتنظيم يدعمها، لتصل إلى مواقع الحكم».

وأوضح أن «اليوم.. نرى اختفاءً شبه كامل لثورة يناير/ كانون الثاني 2011؛ لأن من في الصدارة يُعادونها؛ كونها أتت مضادة لمصالحهم، بل يحملونها مسؤولية الصعوبات التي تواجهها مصر في الوقت الراهن».

نفس الرأي، ذهب إليه الناشط السياسي «خالد تليمة»، الذي برز في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إذ قال إن «رجال الثورة المضادة الموجودين في الحكم يحاولون تشويش وإخفاء كل معالم الثورة؛ لأنها قامت بالأساس ضدهم».

كما انتقد الثورة إعلاميون محسوبون على النظام الحالي حيث وصفها الإعلاميان المصريان «توفيق عكاشة» و«أحمد موسى» بأنها «ثورة خساير»، فيما اعتبرتها الإعلامية «رولا خرسا» بأنها «مؤامرة» كانت تهدف إلى تدمير مصر والمنطقة العربية.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

ثورة مصر السيسي مرسي الانقلاب ثورة مضادة الإعلام تراجع