الهزيمة الاستراتيجية للمعارضة السورية ومشروع المنطقة الآمنة لـ«ترامب»

الأحد 5 فبراير 2017 05:02 ص

في حين تلقي عوامل إضافية بظلالها على المشهد السوري والهزيمة الاستراتيجية للمعارضة السورية، سنبدأ بالحديث أولًا عن 4 تطورّات على الأرض تستحق الملاحظة. الأول، الاقتتال الداخلي بين معسكرين من معسكرات المعارضة، واحد تقوده أحرار الشام والجيش السوري الحر، والآخر تقوده جبهة فتح الشام. والتطور الثاني هو تقدّم قوّات «الأسد» باتّجاه معقل تنظيم الدولة في مدينة الباب، في حين فشلت القوّات المدعومة من تركيا التي يقودها درع الفرات في تحقيق أي اختراق في تقدّمها نحو المدينة. والثالث هو موقف دير الزور حيث تستمر القوّات الجوّية الأمريكية في قصف مقاتلي تنظيم الدولة في المدينة وحولها. والرابع هو نجاح «الأسد» في استعادة وادي بردى، وبالتالي استئناف إمدادات المياه إلى دمشق.

ومع ذلك، سنركّز فقط على تطوّرين اثنين، الاقتتال الداخلي بين جماعات المعارضة والتطوّرات التي تحدث، ليس فقط على الأرض، ولكن على المسار الدبلوماسي، لاسيما اقتراح إدارة «ترامب» إعلان منطقة آمنة في شمال سوريا. والسبب أنّ هذه التطوّرات، أولًا مرتبطة بالداخل، وثانيًا، خطيرة نوعيًا على المسار العام للأزمة السورية.

تخلّى كل حلفاء المعارضة عنها. وفي طريقها نحو الهزيمة، شاهدنا كل مظاهر الانحدار. شكّلت جبهة فتح الشام هيئة تحرير الشام، والتي شملت عددًا من جماعات المعارضة للقتال ضدّ «بيع الثورة السورية للأسد والروس». وكان السبب الرئيسي لانقسام الكيان العام للمعارضة هو التقدّم في المجهود الدبلوماسي الجاد برعاية الأتراك والروس. وقد توقّعنا كثيرًا في (ميدل إيست بريفينغ) أنّ أي دبلوماسية حقيقية من هذا النوع ستقود مباشرةً إلى انقسام المعارضة.

وتملك هيئة تحرير الشام قوّةً لا يستهان بها. ولا ينبغي الاستخفاف بها. وفي حين يضع الاقتتال الداخلي ضغطًا على الأتراك والروس من أجل تسريع الجهود الدبلوماسية لتشكيل نتائج الصراع، فإنّ المعارضة تنزلق باطّرادٍ من سيءٍ إلى أسوأ. وفي الواقع، ستنحصر المعارضة جميعها في نهاية المطاف إلى هذه الجبهة التي تقودها القاعدة، لذا فإنّنا نؤمن بأنّ هيئة تحرير الشام ستشهد انقسامات عديدة في المستقبل كلّما حدثت تقدّمات في العملية.

ومن الواضح أنّه إذا استمرّ البحث عن حل لأشهر، فمن الممكن أن تتمكّن هيئة تحرير الشام في النهاية من توسيع سيطرتها. وإذا حدث ذلك، فإنّ فرص نجاح هذا الحلّ ستكون أقلّ ممّا هي عليه الآن.

وعلى الجانب الآخر، فإنّ أحرار الشام والجيش السوري الحر وحلفاءهما ينبغي عليهم الإسراع في التأهب لجنيف. ومن الواضح أنّه كان خطأً فادحًا في العلاقات العامة من الروس عندما نشروا اقتراحهم لمشروع الدستور السوري الجديد. فقد أساءت تلك الخطوة العديد من السوريين المعتزّين بقوميتهم. لكنّ الروس تراجعوا خطوة للوراء لتصحيح الخطأ وأعلنوا أنّ المشروع كان مجرّد اقتراح. وقالت المعارضة في الأستانة أنّه سينظرون في المشروع لكنّهم سيعملون على نسخة خاصة بهم.

ولا يختلف الحلّ الأخير عمّا طرحناه قبل عامين، سوريا لامركزية تتمتع المناطق بها بدرجة أكبر من الحرية في إدارة شؤونها الداخلية على أن تضمن تلك المناطق خلوّها من الإرهابيين والجماعات المسلّحة المنظّمة غير الشرعية. وبغض النظر عن الاسم الذي سيطلق على ذلك، كونفدرالية أو فيدرالية أو بدون اسم، إلاّ أنّ المهم هو المضمون.

ومع ذلك، يقع المحلّلون في افتراضين خاطئين، الأول أنّهم يفترضون أنّ روسيا وإيران قد يصبحان في طرفين متعارضين في وقت ما من الأزمة السورية. والثاني أنّهم ما زالوا يعتقدون «الأسد» لديه دورٌ مستقل عن طهران. وكلا الافتراضين خاطئ بحكم الواقع على الأرض. تسيطر إيران على الوضع في أراضي النظام بإحكام. والتقليل من سيطرة إيران على سوريا هو خطأ شائع. لقد كان في الحقيقة درسًا في كيف توسّع قوّة أجنبية من قبضتها على دولة ما إلى هذا الحدّ.

المنطقة الآمنة

وعلى الجانب الآخر، قد ينبني الهدف النهائي على الجهود المشتركة لقتال هؤلاء الذين يرفضون السلام. ولكن من أجل أن يعمل ذلك، ينبغي أن يكون تعريف السلام واضحًا للغاية لجميع السوريين. إذا كانت سوريا ستعود إلى ما قبل عام 2011، سيجلب ذلك عنفًا أكبر ممّا حدث في العراق عندما هزمت القاعدة هناك بين عامي 2006 و2010.

ولا تزال المنطقة الآمنة اقتراحًا غير واضحٍ من قبل الرئيس «ترامب». هل سيكون «الأسد» جزءًا منها؟ هل سيكون الروس؟ كيف ستتم حماية تلك المناطق ضدّ الجماعات المسلّحة في كلا الجانبين؟ هل سيتعيّن على الولايات المتّحدة إرسال قوّات للدفاع عن تلك المناطق؟ في كل الحالات، ستؤثّر هذه الأمور على الديناميكيات داخل مجموعة المعارضة كما ستلقي بتأثيرها على التقدّم نحو الحل الروسي التركي الإيراني.

وقد يكون النهج السليم هو البدء بمنطقة آمنة محدودة شمال سوريا، بالإضافة إلى الاعتماد على تركيا وروسيا كشركاء في الدفاع عنها. وإذا نجح الأمر هناك، سينجح في أي مكانٍ آخر في سوريا. وقد قالت أنقرة أنّها توافق على الفكرة. وقالت موسكو أنّها ستوافق في حالة إشراك «الأسد» (ونظن أنّها تعني إيران).

لكن على أي حال، يقول الواقع أنّ روسيا لن تشعر براحة في وجود القوّات الأمريكية رسميًا على الأراضي السورية. وسترفض إيران الفكرة بكل قوّتها، إلّا إذا حصلت على ضمانات كافية من روسيا بأنّ العملية ستكون محدودة. وحتّى الآن، تظهر سوريا كراعية للبلاد، في حين أنّ إيران هي المسيطر الحقيقي على البلاد. وستستغرق معالجة الفوضى التي تركها «أوباما» في سوريا والشرق الأوسط وقتًا وتحتاج إلى التعقّل.

ويتطلب المفهوم الكامل لإعلان منطقة آمنة في سوريا أولًا وجود إطار عمل استراتيجي مشترك يوضّح ما هي سوريا الجديدة التي تسعى إليها كل الأطراف، وكيفية الوصول إليها. ونأمل أنّ وزير الخارجية «جيمس ماتيس» سيدرس كل الخيارات بحذر ويركّز على منطقة آمنة في الشمال، حيث خرجت المأساة الإنسانية هناك عن السيطرة. وسيضرّ الأمر أكثر ممّا ينفع إذا ما اتّبعت الولايات المتّحدة نهجًا ينتهي بالفشل مبكرًا. وإن لم يرتكز مفهوم المنطقة الآمنة على إطار عمل استراتيجي متعدّد الأطراف من قبل كل المعنيين، سيقود بالطبع إلى نتائج غير مرغوبة.

ويرتبط مفهوم المناطق الآمنة بشكلٍ خفي بالمسار الدبلوماسي المتّبع منذ محادثات الأستانة. عندما يحقّق هذا المسار تقدّمًا، فإنّه يغيّر أيضًا جوانبًا محدّدة في مشروع بناء منطقة آمنة. وبعبارةٍ أخرى، يتشكّل مشروع المنطقة الآمنة، بين أشياءٍ أخرى، بمدى نجاح المسار الدبلوماسي. ولأنّ هذه العملية لا تزال عائمة، فإنّ الاندفاع لافتراض أي ثوابت على الأرض سيكون من الخطأ. وإذا كان هناك ما ينبغي فعله، وفق الاعتبارات السياسية في واشنطن، فسيكون الإعلان عن منطقة آمنة محدودة شمال سوريا بالتنسيق مع الأتراك والروس.

وفي كل الجوانب، نبدأ مرحلة جديدة من الأزمة السورية. ونأمل أنّ الخاسرين الرئيسيين في تلك القصّة، الشعب السوري، سينجون من هذا الكابوس الذي يعانون منه لأكثر من 6 سنوات لأنّهم فقط في يومٍ من أيام عام 2011 خرجوا للشوارع يهتفون «حرية». وفي المقابل، فقدوا أحباءهم ومنازلهم، ناهيك عن بلادهم.

  كلمات مفتاحية

ترامب المنطقة الآمنة بشار الأسد روسيا سوريا تركيا إيران

الخطة الأمريكية في سوريا: الإطاحة بتنظيم «الدولة» و«الأسد» وبقاء القواعد العسكرية الروسية