عام على اكتشاف جثة «ريجيني».. قاتل مجهول وتحقيقات مضللة وعلاقات متوترة

الثلاثاء 7 فبراير 2017 08:02 ص

«لن نتوقف عن هذه القضية إلا بعد حصولنا على الحقيقة الكاملة، فنحن نريد الحقيقة الكاملة والجاني الحقيقي».. هكذا قال وزير الخارجية الإيطالي «باولو جنتيلوني»، الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للحكومة، متحدثا عن مقتل مواطنه «جوليو ريجيني» في مصر، قبل عام، إلا أن الحقيقة لا تزال غائبة.

في مثل هذه الأيام، يمر عام العثور على جثة الطالب الإيطالي «جوليو ريجيني» الذي جاء على مصر في سبتمبر/ أيلول 2015، لدراسة الدكتوراة، لتاتهي حياته تحت التعذيب، ما أثر سلبا على العلاقات المصرية الإيطالية، التي وصلت إلى سحب روما سفيرها من القاهرة.

في 25 يناير/ كانون الثاني 2016: اختفى «ريجيني» عن الأنظار، دون أن يعرف سبب لاختفائه، ما دفع ذويه إلى إبلاغ الحكومة الإيطالية التي قامت بدورها بإبلاغ الحكومة المصرية.

وفي 3 فبراير/ شباط، أعلنت وزارة الداخلية المصرية على لسان مصدر أمني، العثور على  جثة مجهولة الهوية، على طريق صحراوي، غرب القاهرة، عليها آثار تعذيب، تبين انها لـ«ريجيني».

ومنذ لك الحين، والتحقيقات جارية، سواء في مصر، أو في إيطاليا، وسط اتهامات صريحة من النيابة في روما لنظيرتها المصرية بعدم التعاون تارة، وإرسال معلومات غير صحيحة تارة أخرى.

6 روايات

5 روايات مختلفة تحدثت عنها السلطات المصرية وإعلامها، حول مقتل «ريجيني»، ظهرت تباعا عقب وفاته، الأولى، كانت تعرضه لحادث سير، قبل أن يجدوا آثار تعذيب في جسده، ليقال أنها نتيجة شذوذه الجنسي، وهي الرواية التي نفاها أصدقاؤه، ليثار رواية ثالثة حول أن تنظيم «الدولة الإسلامية» اختطفه، وعذبه وقتله، إلا أن هذه الرواية كانت حلقة ضعيفة للغاية.

أما الرواية الرابعة والتي ثبت كذبها، فهي مشاجرته مع أحد الأشخاص، ما أدى لقتله، بينما تعتبر الرواية الخامسة هي الأكثر تأكيدا من السلطات المصرية، وهي أن «ريجيني» تعرض للخطف والابتزاز من أجل سرقته، ومن ثم قتله، قبل ان تتراجع السلطات المصرية عن هذه الرواية أيضا.

كل هذه الروايات لم تصدقها السلطات الإيطالية، وإنما تشير أدلتهم وربما ما يملكون من مستندات، إلى رواية سادسة، وهي أن السلطات المصرية هي من قتلت «ريجيني»، وذلك لتشابه إجراءات إخفائه قسريا وتعذيبه، بل وإلقائه في الطريق، لما يحدث مع المصريين المعارضين، بحسب الصحف الإيطالية.

تعذيب حيواني

التشريح الذي أجراه الطب الشرعي في مصر، كشف، بحسب «رويترز»، تعرض «ريجيني» للتعذيب، التي قالت على لسان مصدر بالطب الشرعي، إن تشريح الجثة أظهر وجود كسور وإصابات مختلفة، إضافة إلى علامات صعق بالكهرباء في مكان حساس، فضلا عن جروح قطعية بآلة حادة.

ونقلت الحكومة الإيطالية نقلا عن مصادر لها في الطب الشرعي المصري، إن «ريجيني» تم تعذيبه لمدة 7 أيام، لمدد تتراوح بين 10 إلى 14 ساعة يوميا، وهو ما أدي إلى وفاته.

كما كشف التشريح الذي أجراه المسؤولون في إيطاليا، أنه تعرض «لعنف حيواني غير إنساني»، بحسب ما جاء على لسان وزير الداخلية الإيطالي «أنجلينو ألفونسو».

صحيفة «الغارديان» البريطانية، قالت إن والدة «ريجيني»، هددت بنشر صور لجسد ابنها القتيل حتى يشاهد العالم أجمع ما حدث له في مصر، مشيرة إلى أنها لم تتعرف على شيء من جسد ابنها سوى أنفه فقط.

كما نقلت عنها تصريحها الشهير: «عذبوه وقتلوه.. كما لو كان مصريا».

تحقيقات مضللة

في اليوم الثاني للإعلان عن كشف جثة «ريجيني»، وصل فريق تحقيق إيطالي، إلى القاهرة، لمشاركة النيابة المصرية، تحقيقاتها، إلا أن وزير الخارجية والتعاون الإيطالي «باولو جينتيلوني»، صرح في 8 فبراير/ شباط 2016، في أول هجوم إيطالي على مصر، بأن بلاده «لن تقبل من القاهرة، بمزاعم لا أساس لها» في تحقيقات قضية «ريجيني».

وفي مارس/ آذار، تقدمت إيطاليا بشكوى رسمية ضد مصر في البرلمان الأوربي، على الرغم من إعلان وزارة الخارجية الإيطالية، إن السلطات المصرية قدمت لمحققين إيطاليين أدلة سعوا لأسابيع للحصول عليها في إطار التحقيق في مقتل «ريجيني»، وهي الخطوة التي جاءت بعد ساعات فقط من إفادة مصدر قضائي إيطالي بأن إيطاليا تدرس استدعاء فريقها القضائي المكون من 7 أفراد من القاهرة معللاً بعدم تعاون من جانب السلطات المصرية.

وحينها، قال رئيس اللجنة البرلمانية لأمن الدولة الإيطالي «جاكومو ستوكي»، إن «السلطات المصرية لا تساعدنا في كشف حقيقية مقتل ريجيني، بل تحاول تبرير الجريمة بسلسلة من الروايات الخيالية التي لا تحترم عقولنا».

وشهدت إيطاليا، في 14 مارس/ آذار، أول لقاء بين مدعي عام إيطاليا «جوزيبي بنياتوني»، مع النائب العام المصري «نبيل صادق»، لبحث تطورات قضية «ريجيني».

وبعد ذلك، بأيام، قالت وزارة الداخلية المصرية، إنها قامت بتصفية وقتل عصابة مكونة من 5 أشخاص، داخل حافلة نقل ركاب، اعتادوا انتحال صفة ضباط شرطة، من أجل سرقة السياح، وفي ذات اليوم، صدر بيان آخر، قال إن الداخلية وجدت جميع تعلقات «ريجيني»، مع شقيقة زعيم العصابة، وهي الرواية التي شككت فيها السلطات الإيطالية، واعترف بكذبها النائب العام في وقت لاحق.

وفي مطلع أبريل/ نيسان، ناشدت افتتاحية صحيفة «الأهرام» الحكومية، وزارة الداخلية والسلطات المصرية بتقديم أدلة متماسكة لمقتل «ريجيني»، لأن مصر في خطر لو تحركت ضدها قضية دولية، مشيرة إلى أن «الروايات الساذجة عن مقتل ريجيني، أساءت لمصر داخليا وخارجيا».

وبعدها بيومين، قالت «حنان البدري» مراسلة التلفزيون المصري في إيطاليا، عبر صفحتها بـ«فيسبوك»، إن فضيحة تنتظر مصر في البيان النهائي لايطاليا الخاص بقضية «ريجيني»، لأنهم عرفوا القاتل، وهو «ضابط شرطة متهم في قضايا تعذيب»، في الوقت الذي طلبت مصر تأجيل اجتماع دولي مقرر ومحدد مسبقا لمناقشة آخر نتائج قضية مقتل «ريجيني»، دون أسباب، قبل أن تعلن استبدال الوفد الأمني بآخر قضائي.

وخلال يومي 7 و 8 أبريل/ نيسان 2016، عقد ثاني اجتماع في روما بين القضاة والمحققين المصريين والإيطاليين، لعرض ما توصلت إليه السلطات في القاهرة، ووقتها جاء الوفد المصري بملف من 2000 صفحة، مع محاضر تحقيقات شملت نحو 200 شخص كانت لهم صلة بـ«ريجيني» فيما طلب الجانب الإيطالي تسجيلات فيديو لمكان اختفاءه، وسجلات اتصالاته الهاتفية، والتقارير الطبية.

وفي اليوم التالي، أعلن البرلمان الإيطالي، فشل الاجتماع، وعقبت النيابة المصرية، وقتها أن «طلب إيطاليا سجلات مكالمات أفشله».

ومع ضغط من روما، على النيابة المصرية، تسلمت سجلات هاتفية لـ13 مصرياً (لم تذكر أسمائهم أو أي معلومات عنهم) من نظيرتها في إطار التحقيقات.

بدأت الجولة الثالثة للتحقيقات المشتركة، في روما، خلال يوليو/ تموز 2016، واستمرت ليومين، وحينها سلم النائب العام المصري، الجانب الإيطالي تقريراً مفصلاً حول نتائج تحليل المكالمات التليفونية التي رصدتها شركات الهاتف بمنطقتي اختفاء والعثور على «ريجيني بمصر».

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، سلمت السلطات المصرية لنظيرتها الإيطالية، الوثائق الشخصية الخاصة بـ«ريجيني»، وتتضمن جواز السفر، وبطاقتين جامعيتين، وبطاقات السحب الآلي الخاصة به.

وكان النائب العام المصري، قد أقر للجانب الإيطالي للمرة الأولي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بخضوع «ريجيني» للرقابة الأمنية في القاهرة، عقب بلاغ تقدم به نقيب الباعة الجائلين «محمد عبد الله» إلى الجهات الأمنية، وذلك على الرغم من نفي الجهات الأمنية رسميًا، في فبراير/ شباط من العام الماضي، أن يكون «ريجيني» قد خضع لأي شكل من أشكال المراقبة الأمنية.

اللقاء الخامس الذي عقد في ديسمبر/ كانون الأول، تعهد فيه النائب العام المصري «نبيل صادق» لنظيره الإيطالي «جيوسيب بيجناتوني»، بتحليل كاميرات مراقبة مترو «الدقي».

قرار «صادق» الذي صدر به بيانا الشهر الماضي، قال فيه إنه «وافق على طلب المحققين الإيطاليين بإيفاد فريق خبراء إلى القاهرة لاسترجاع البيانات من جهاز التسجيل الخاص بكاميرا المراقبة بمحطة مترو الدقي»، ما اعتبره المراقبون تراجعًا عن رفض مصري سابق للطلب ذاته، حيث كان المحققون المصريون في مرحلة مبكرة من التحقيقات قد ردوا على الطلب الإيطالي بالقول بأن البيانات المخزنة على كاميرات مراقبة المحطة قد فُقدت.

تسريبات

جريدتا «لاريبوبلكا»، و«الكورييره دلا سيرا» الايطاليتين، نشرتا تفاصيل اللقاء، وقالتا إنه تضمن اعتراف «صادق» بكذبِ أجهزة الأمن المصرية على الجميع؛ إيطاليين ومصريين.

ووفق الرواية الكاذبة الأخيرة التي أذاعتها وزارة الداخلية، فإن أجهزة الأمن راقبت «ريجيني» لمدة 3 أيام فقط، بدءًا من يوم7 يناير/ كانون الثاني وحتى يوم 10 من الشهر ذاته، وذلك على أثَرِ تَلَقِّيها بلاغًا من رئيس نقابة الباعة الجائلين «محمد عبدالله»، يَشِي فيه بـ«ريجيني»، باعتباره من وجهة نظره، يمثل خطرًا على الأمن القومي المصري، لاهتمامه بالحركة النقابية للباعة.

الداخلية ادعت أنها أنهت مراقبتها لـ«ريجيني»، بعد تأكدها من أن نشاطه لا يمثّل خطرًا على أمن البلاد.

النائب العام قدم عدة أدلة على كذب هذه الرواية، الأولى تحقيقات قام بها مكتبه، تؤكد مواصلة أجهزة الأمن المصرية مراقبة «ريجيني» بشكلٍ مباشرٍ عبر رجالها ونقيب الباعة الجائلين منذ عودته من إيطاليا عقب احتفاله بأعياد الميلاد مع أسرته هناك، واستمرّت هذه المراقبة اللصيقة له حتى يوم 14 يناير/ كانون الثاني، وبعدها اعتمدت على مراقبته عبر عملائها، واستمرَّت في ذلك حتى يوم 22 يناير/ كانون الثاني 2016، أي قبل اختطافه بثلاثة أيام.

تسجيل مكالمة تليفونية لنقيب الباعة الجائلين مع أجهزة الأمن كانت دليل إدانة الأخيرة، حيث أخبره النقيب خلالها عن تحركات «ريجيني»، وقد سلَّم النائب العام تسجيلاً لهذه المكالمة التليفونية للمحققين الإيطاليين، وأرفق معها فيديو سجَّله «محمد عبد الله» لـ«ريجيني»، بناءً على أوامر أجهزة الأمن المصرية له.

تسجيلات أخرى قدمها النائب العام لنظيره الإيطالي لخمسة من قيادات جهاز الأمن الوطني، منذ يناير/ كانون الثاني 2016 وحتى مارس/ آذار من العام ذاته، أي حتى بعد مقتل «ريجيني» والعثور على جثته بأكثر من شهر ونصف، باعتبارهم المسئولين عن مَلَفِه من الناحية الأمنية، مما يؤكد أنَّ الرواية الرسمية للداخلية كانت كاذبةً في كل تفاصيلها.

ومع هذه التسجيلات الخطيرة، قدَّم النائب العام للإيطاليين تسجيلات تليفونية لأحد عشر شخصًا، بينهم من يشغلون مناصب أمنية، وآخرون عملاء لأجهزة الأمن، وعلى رأسهم «محمد عبدالله» رئيس نقابة الباعة الجائلين بوسط البلد، تدور كلها حول «ريجيني» ونشاطه في مصر.

مقطع الفيديو

وعلى الرغم من إعلان مصر استقبالها فريق فني، إلا أنها تراجعغت عن ذلك، على خلفية اتصالات غاضبة تلقتها القاهرة من روما، بعد قيام «جهة ما في الدولة المصرية» باستخدام التلفزيون الرسمي للدولة لإذاعة مقطع مصور لحديث بين «ريجيني» وممثل عن نقابة الباعة الجائلين، يطلب فيه الأخير الحصول على مبلغ مالي للمساعدة الشخصية.

وبحسب المقطع المسرب، فإن الطالب الإيطالي رد على ممثل النقابة قائلًا: «محمد، الفلوس مش فلوسي أنا مش ممكن استخدم الفلوس بأي صورة عشان أخدمك، ومش ممكن أكتب أني عايز استخدم الفلوس بصورة شخصية».

إلا أن صحيفة «لاريبوبلكا» الإيطالية، نشرت المقطع كاملا، تضمن جزءا تم اقتطاعه من الحوار الذي نشره التلفزيون لمصري، منها أن «ريجيني» يقول للمتحدث معه: «أنا مش عندي سلطة أعطيك فلوس، أنا مش ممكن أكتب رسالة بريد إلكتروني، أقول عاوز فلوس دلوقتي، دة عمل مش محترف».

وقال دبلوماسي إيطالي لـ«مدى مصر» إن الشريط المسرب «تم تحريره بصورة متعمدة» في مسعى لتصوير ريجيني كـ«جاسوس»، وهو الأمر الذي دفع سلطات التحقيق الإيطالية لأن تقوم ببث «المقطع الحقيقي» لما كان التلفزيون المصري قد عرضه من خلال تسريبه لواحدة من كبريات الصحف الايطالية «كورييري دي لاسيرا» بعدها بساعات قليلة، ما سبب إحراجًا للسلطات المصرية منعها من إعادة إذاعة المقطع على شاشة التلفزيون المصري. 

وبحسب المصدر نفسه فإن «ما أذيع في القاهرة، هو حوالي خمسة دقائق من أصل تسجيل يتجاوز الأربعين دقيقة، وفيه ما يثبت تواصلًا مباشرًا بين رئيس اتحاد الباعة الجائلين المصري، مع جهة ما كلفته بالتسجيل».

ودفع الغضب الإيطالي النائب العام المصري إلى إصدار بيانه التوضيحي في اليوم نفسه لإذاعة التسجيل المسرب في القاهرة، وقال فيه إن النيابة المصرية قد سلّمت الجانب الإيطالي في الاجتماع الأخير بين الطرفين، (في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي)، «اسطوانة مدمجة تضم تسجيلًا لحوار دار بين جوليو ريجيني وممثل الباعة الجائلين سجله الأخير في وقت سابق على اختفاء الطالب الإيطالي، والذي بموجبه تخلت الجهات الأمنية عن الاستمرار في متابعة المجني عليه لما تبين لها من قصور نشاطه عن حد المساس بالأمن القومي المصري»، بحسب نص البيان.

الأمن متهم

من جانبهم، هاجم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الداخلية المصرية، واتهموها بقتله.

ورأى النشطاء أن هذا الفيديو يثبت تورط الداخلية في معرفتها بقاتل «ريجيني»، وأنه يدين مصر أمام إيطاليا ودول العالم في مقتل الطالب الإيطالي، غير مستبعدين أن يكون «عبد الله» قد سجل له مقطع الفيديو بناء على طلب من الشرطة.

وهو نفس الرأي الذي ذهبت إليه النيابة العامة في إيطاليا، حين قالت في بيان أمس: «الاعتقاد الأرجح هو أن الشرطة المصرية طلبت من نقيب الباعة الجائلين إنجاز هذا التسجيل المصور مع ريجيني بعدما كان قد أبلغ عنه (الباحث الإيطالي)».

وأضافت: «المحققين الإيطاليين يعتقدون أن هذا التسجيل لريجيني ونقيب الباعة الجائلين، تم تصويره باستخدام معدات متوفرة لدى الشرطة المصرية؛ ما يدل على وجود اتفاق بين الشرطة والبائع المتجول»، وفق التلفزيون الرسمي الإيطالي.

وتابعت أنه «وفقا لنتائج عمل المحققين الإيطاليين، فإن نقيب الباعة الجائلين، الذي ظهر صوته في التسجيل، أبلغ الشرطة المصرية عن ريجيني قبل 6 يناير/ كانون ثان الماضي (تاريخ التسجيل) وليس يوم 7 من ذلك الشهر، كما أبلغت النيابة العامة المصرية محققي النيابة العامة الإيطالية في وقت سابق».

أسرة «ريجيني»

أسرة «ريجيني» لم تهدأ منذ الإعلان عن مقتله، فمن البرلمان الإيطالي، للبرلمان الأوروبي، للاتحاد الأوروبي، للتنديد بمقتل نجلها.

حتى أن والدة «ريجيني»، واسمها «باولا»، تحولت إلى الوجه العام المعذَّب الذي يمثل المأساة، حتى اختارتها صحيفة «La Repubblica» الإيطالية لتكون امرأة العام، حيث قالت الصحيفة إنها تحولت إلى رمز البحث عن الحقيقة والعدالة، ليس اقتصاصاً لابنها فقط؛ بل لكل أشكال انتهاك حقوق الإنسان.

ولا تزال الرايات الصفراء المطالبة بـ«الحقيقة لجوليو» ترفرف خارج مباني البلديات والمنازل، بيد أن أعدادها خفت عن ذي قبل.

يشار إلى أن جهودا مستقلة لعائلة «ريجيني» قوبلت بالصمت، إذ طلب المستشار القانوني للعائلة في مصر، مرتين، نسخة من ملف القضية الموجود لدى النائب العام المصري، والذي من المرجح أن يحتوي على معلومات حساسة تضم أسماء المتورطين في مقتل ريجيني، وهو الطلب الذي لم تتم الاستجابة له.

وقال «أحمد عبد الله» ‫رئيس مجلس أمناء «المفوضية المصرية للحقوق والحريات» (غير حكومية)، والذي يمثل عائلة «ريجيني»، لصحيفة «الغارديان»: «لقد طالبنا هذه الأوراق (أوراق القضية) من النائب العام المصري.. ولكن دون إجابة».

وأضاف أن «إعطاء المحامين أوراق القضية بمثابة اعتراف بأننا نعمل على القضية، ويمكننا طلب شهود».

وتابع «عبد الله»: «أريد العدالة لكل الآباء والأمهات، أريد للناس أن يعرفوا أنه لو مسَّ ضرر أبناءهم فإن الناس ستجاهد من أجل مجرى العدالة في القضية؛ إذ لا شيء سيشفي غليل عائلته ولا أصدقائه سوى الحقيقة، ونحن أيضاً نريد الحقيقة».

توتر علاقات

الحادثة لم تمر مرور الكرام، في إيطاليا، وبدأ توتر العلاقات منذ الإعلان عن العثور على جثته.

فقطعت وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية «فيدريكا جويدي»، زيارتها إلى القاهرة، وعادت إلى بلادها.

وفي اليوم التالي، استدعت الخارجية الإيطالية السفير المصري في روما للتعبير عن «الامتعاض» لمقتل «ريجيني»، مطالبة بالكشف عن ملابسات الواقعة.

وفي وقت لاحق لاستدعاء السفير، أجرى الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، اتصالا هاتفيًا، مع «ماتيو رينزي» رئيس وزراء إيطاليا، للتنسيق بشأن استجلاء أسباب مقتل «ريجيني».

كما نجحت إيطاليا في 10 مارس/ آذار 2016، من الحصول على إدانة «البرلمان الأوروبي» لما أسماه «تعذيب واغتيال ريجيني»، وطالب السلطات المصرية بالتعاون في التحقيق بمقتله، فيما وصفت القاهرة ذلك بـ«الإيحاءات المرفوضة».

قبل أن تهدد إيطاليا مصر، في 30 مارس/ آذار، بـ«عواقب»، لم تكشف عنهخا، إذا لم تتعاون في التحقيقات الهادفة إلى كشف المتورطين الحقيقيين في قتل «ريجيني».

وفي 8 أبريل/ نيسان 2016، استدعت إيطاليا سفيرها لدى القاهرة «ماوريتسيو مساري» لإجراء مشاورات، إثر قضية «ريجيني»، ثم تم إيفاده رئيسًا لبعثة إيطاليا في مقر الاتحاد الأوروبي، للإعراب عن غضبها مما وصفته مصادر إيطالية دبلوماسية في حينه بـ«التعامل غير المهني من جانب الحكومة المصرية مع قضية مقتل مواطن إيطالي ثم ظهور جثته وهي على قدر كبير من التشويه المفزع ملقاة على قارعة الطريق».

وفي 11 مايو/ أيار، أعلنت روما «جامباولو كانتيني»، سفيرًا جديدًا لدى مصر، لكنه لم يتوجه إلى القاهرة حتى الآن.

في 29 يونيو/ حزيران، أعلن مجلس الشيوخ الإيطالي إلغاء توريد قطع غيار طائرات «F-16S» المقاتلة إلى مصر، وبات قرار مجلس الشيوخ، آنذاك، سارياً ولا حاجة للتصويت عليه من مجلس النواب (الغرفة الثانية) حيث كان من المفترض أن تعرض هذه الصفقة على مجلس النواب للتصويت عليه في حال المصادقة عليه في الشيوخ.

وبعد القرار بأسبوع قالت القاهرة، إن «وقف مساعدات عسكرية لها يستدعي اتخاذ إجراءات مماثلة تمس مجالات التعاون بينها الأوضاع في ليبيا وملف الهجرة غير الشرعية (وهي الإجراءات التي لم تعلن عنها أو توضحها القاهرة من وقتها)».

ورغم الإعلان منذ الصيف الماضي، عن ترشيح مصر للسفير «هشام بدر» كسفير جديد في روما، خلفا للسفير «عمرو حلمي» الذى انتهت فترة خدمته بنهاية العام الماضي، فإن «بدر» لا يزال حتى الآن يمارس عمله كمساعد لوزير الخارجية لشئون العلاقات الدولية متعددة الأطراف بمقر الوزارة في القاهرة.

ولم تتحرك مصر رسميًا للحصول على موافقة اعتماد «بدر» من قبل الحكومة الإيطالية، وهو الأمر الذي أكدته مصادر دبلوماسية إيطالية، قالت إن «تبادلًا للسفراء لن يتم إلا عند حدوث انفراجة ما، في ملف التحقيق».

وبحسب مصدر رسمي في القاهرة، فإنه إنه «لا توجد ترتيبات جادة، حتى الآن، رغم الكثير من الآمال، للعودة لتبادل السفراء بين القاهرة وروما».

وقال «ماريو جيرو» نائب وزير الخارجية الإيطالي: «لم نتخذ قراراً حتى اللحظة»، وذلك ردا على سؤال عما تنتظره إيطاليا حتى تتخذ قرارها، فقال: «تسليط ضوء كاشف لما حدث».

ليبيا على الخط

وقد ألقى الفشل الظاهر في محاسبة قتلة «ريحيني» بظلاله على العلاقات المصرية الإيطالية، حتى بات التواصل مع مصر «أصعب» بشأن استقرار ليبيا، التي هي أهم أهداف السياسة الخارجية لروما، بحسب «الغارديان».

فمصر تساند اللواء «خليفه حفتر»، القائد العسكري لحكومة شرق ليبيا التي تجابه حكومة طرابلس المدعومة إيطالياً وأممياً.

وكان مسؤول أمريكي رفيع في حكومة «أوباما» المنصرمة، قد قال إن مقتل «ريجيني» قد «أضر كثيراً بالعلاقة بين مصر وإيطاليا»، فيما نفى «أحمد أبو زيد» المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، وجود أي آثار عالقة، بقوله: «بالطبع، كانت هناك بعض الحساسيات أول الأمر وبعض التوتر بين السلطتين حينما بدأ التحقيق؛ نظراً لتلهف الجانب الإيطالي على التوصل إلى استنتاجات بأسرع وقت ممكن، ولكن مع الوقت والتعاون...أرى أنه قد اتضح للجانب الإيطالي أن السلطات المصرية تبذل قصارى جهدها كي تكشف من كان وراء هذه الجريمة».

علاقات اقتصادية

دبلوماسيون مصريون وإيطاليون، أشاروا إلى أنه رغم الأزمة الكبيرة بين البلدين، بسبب مقتل «ريجيني»، إلا أن التعاون الاقتصادي الذي كان قائمًا بين البلدين لا يزال مستمرًا، وكذلك التعاون الأمني، خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة عبر المتوسط.

فاتفاقيات الطاقة الإيطالية الموقعة مع القاهرة والتي تبلغ قيمتها مليارات من اليورو ما زالت في توسع، فشركة النفط الحكومية الإيطالية «Eni» أصدرت بياناً طالبت فيه بالعدالة لقضية «ريجيني»، بيد أنها رفعت من وتيرة أعمالها في مصر، ووعدت بأن خطوط حقل الغاز الطبيعي المصري «ظهر» ستكون قيد التشغيل قبل نهاية عام 2017، ووعدت أيضاً بزيادة الاستثمار هناك بمقدار 3.5 مليار دولار.

المخرج

أيًا كانت نتيجة التحقيقات والعمل الفني، فإن مصادر الجانبين لموقع «مدى مصر»، تقر بأن إيطاليا أظهرت قدرًا معقولًا من «الواقعية السياسية»، خاصة في الربع الأخير من العام الماضي، لتشجيع الطرف المصري على استمرار التعاون وصولًا إلى حل للأزمة الدبلوماسية القائمة.

وكانت أبرز مظاهر تلك الواقعية هي التعبير الصريح للجانب المصري أن روما على استعداد للفصل «بين العمل الشرطي وبين المسؤولية السياسية أو التنفيذية»، في إشارة إلى استعداد الجانب الإيطالي للقبول بتقديم المتورطين الفعليين إلى العدالة -«من قام بالتوقيف والتحقيق والانتهاك» بحسب مصدر دبلوماسي إيطالي في روما- وليس بالضرورة من منحهم الأوامر.

كما أن روما قبلت تأكيد القاهرة على أن الحكومة المصرية لن تسمح بسفر أي متهم للتحقيق أو الخضوع للمحاكمة في إيطاليا، وهو ما قال المسؤول المصري إنه «شأن غير خاضع أصلًا للمناقشة»، فيما ذكر الدبلوماسي الإيطالي أن حكومة بلاده ستقبل بأن «يأتي المحققون للقاهرة وأن يكون لهم حق الاستجواب المنفرد».

وأمس، نقل التلفزيون الإيطالي عن وزير الخارجية الإيطالي «أنجيلينو ألفانو» قوله، إن الاستمرار بمستوى معين من العلاقات مع القاهرة يعتمد على تعاون السلطات القضائية فيها في قضية الباحث الإيطالي «ريجيني».

وأضاف أن «إيطاليا تقيم في الوقت الراهن جميع التطورات القانونية المتعلقة بقضية جوليو ريجيني، وبصورة خاصة التعاون القضائي من الجانب المصري».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ريجيني مصر إيطاليا تحقيقات قاتل اتهامات الشرطة النيابة