«لا لا لاند»..فيلم يعلن تراجع «هوليود» عبر ترشيحه الأبرز لـ«الأوسكار»

الخميس 9 فبراير 2017 09:02 ص

السينما العالمية مثلها مثل كل فن متماسٍ مع التجارة، تحرص على شباك التذاكر، الرافد القوي بينها وبين الربح السريع والجمهور في آن واحد، وفي نفس الوقت على المهرجانات الدولية، التي تهب الإعلان الأقوى والأبرز عن الأفلام، بخاصة جوائز «الأوسكار»، ذات النفوذ العالمي الأكبر والأقوى، وصدورها عن الولايات المتحدة، تجعل السينما الأمريكية، تحديداً، تترقبها بدقة، وتجري الدراسات الاقتصادية، بمعانيها المختلفة بما فيها الميول الجماهيرية والتحكيمية للجنة، قبل الفنية المستفيضة عن كيفية الفوز بها، هذا غير أن لجنة التحكيم شأنها شأن غيرها في الحضارة الغربية لا تخلو من انحياز إن لم تتصف به.

ومن وصفات «هوليود» الناجحة مؤخراً فيلم «لا لا لاند»، الفيلم الأمريكي الذي حاز جوائزالـ«غولدن غلوب» السبع التي ترشح لها، وسجل رقمًا قياسيًا في الفوز في هذه الجائزة  لينضم إلى قائمة الأفلام الأكثر ترشيحًا في تاريخ «الأوسكار»، إلى جانب فيلمين هما «تايتنك»، و«كل شيء حول حواء»، وذكر الجوائز بحسب «الجزيرة نت».

تم طرح الفيلم في مهرجان البندقية في 31 من أغسطس/أب الماضي في إيطاليا، ليصدر في أمريكا في 2 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وليتصدر ترشيحات «الأوسكار» التي أُعلن عنها في 24 من يناير/كانون الثاني الماضي في لوس أنجلوس.

وحصل الفيلم الذي يقوم فيه بدور البطولة الممثل الكندي «ريان غوزلنغ» والممثلة الأمريكية «إيما ستون» ويخرجه الأمريكي «داميان تشازل» على 14 ترشيحًا، وهو العدد الأكبر بين كل الأفلام المرشحة للجوائز في الدورة الـ89 من «الأوسكار».

ورُشح الفيلم لجائزة أفضل ممثل، وأفضل ممثلة، وأفضل مخرج، وأفضل فيلم.

وكان «غوزلنغ وستون» قد حصلا على جائزتي «غولدن غلوب» لأفضل ممثل، وأفضل ممثلة، بحسب «بي بي سي» العربي، رغم فارق المظهر الشبابي بينهما المُنتصر للبطل لا البطلة، ولكنهما فعلاها وفازا معاً!

التاجر الشاطر

في المثل المصري الشهير« التاجر الشاطر لما يفلس يبحث في دفاتره القديمة»، يبدو الفيلم الذي تم طرحه قبل قرابة 11 أسبوعاً من إعلان «الأوسكار» (في لوس أنجلوس مكان تصوير أغلب الفيلم) في 26 من فبراير/شباط الحالي، يبدو الفيلم إعادة لمنظومة تجتذب الجمهور بقوة، وسط المادية التي لفت العالم عبر الحضارة الغربية الاستهلاكية بجدارة، القائمة على التنوع في المأكل والملبس والمشرب وأيضاً إشباع الغرائز، وإبقاء الروح متلهفة، وهي وصفة تجسيدها كان ناجحاً في كلاسيكيات السينما الأمريكية بدءاً من «ذهب مع الريح»، الذي أُنتِج في عام 1939 عن رواية «مارغريت ميتشل» الشهيرة «ذهب مع الريح»، في قرابة 4 ساعات إلا قليلاً، ونال 8 جوائز لـ«الأوسكار»، وما أشبه الليلة بالبارحة.

لدينا عبر الفيلم كل مقومات نظرية «هوليود» المعروفة في الرومانسية: الحب، بمعناه العذري، الاتصال البشري بمفهومه الجنسي القبيح، والانفتاح بلا حدود على الغرائز، عبر السهر والملاهي الليلية والقبلات وما شابه، ثم الاستعراضات والملابس الملونة، والأغاني والطيران نحو النجوم، وإبقاء الروح في نهاية الفيلم الذي استمر لقرابة 128 متعطشة إلى قصة حقيقية.

هذه النوعية من الأفلام هي، تمامًا، ما تجتذب المراهين في جميع أنحاء العالم، لا أمريكا فحسب، أو بدءًا من أمريكا، فالعلاقات الجنسية فور انقضائها، ونهاية فوران البدايات تصل إلى محطة الفتور، فيهرب الرجل في العلاقة المعهودة من المرأة، لتجد غيره وتنجب وتستقر، فيما يلقاها الحبيب الأول بالدموع بعد ذلك، منتهى الأنانية في الطرح من المؤلف والمخرج «داميان تشازل» في فيلمه الثالث القادم بقوة نحو «الأوسكار»

«أبي فوق الشجرة»

عرفت السينما المصرية نفس النوعية من الأفلام في الأربعينيات والخمسينيات، بدأها الاحتلال بأفلام تُلهي عن الواقع المرير لبلد يزرح تحت نير التخلف، وأكملتها ما بعد أحداث يوليو/تموز 1952، وكانت قمتها عقب هزيمة يونيو/حزيران 1967م، وبدلاً من أفلام الراحلين «فريد الأطرش»، و«عبد الحليم حافظ»، التي لم تكن تخلو من قصة على أي حال قبل الهزيمة جاء فيلم« أبي فوق الشجرة» عن قصة مهلهلة للكاتب الراحل «إحسان عبد القدوس»، صاغها سيناريو وحوار الراحل المسرحي «سعد الدين وهبة»، وأخرجها «حسين كمال» لـ«عبد الحليم حافظ» عام 1969م، أي قبل وفاته بـ8 سنوات فحسب، (تُوفي في 30 من مارس/أذار في مستشفى مستشفى كينغز كوليدغ، في لندن)، ومثله كان فيلم «فريد الأطرش» الأخير «نغم في حياتي»، وإن تأخر إلى عام 1975م من إخراج «هنري بركات».

نفس المنظومة الفليمية التي تبيح أكبرقدر ممكن من تحقيق الإشباع الغرائزي للمشاهد مع خيبة الأمل في نهاية الفيلم!

فصول العام معكوسة

حفل «لا لا لاند» بمحاولة التجديد على المنظومة، بما لا يُغاير روحها، فالبطلة «ميا» (الممثلة إيما ستون)، تعمل في مقهى للنجو السينما، وتبحث عن موطىء قدم بينهم، فيما «سباستيان» (ريان غوزلنغ) يحلم بإعادة موسيقى الجاز، التي تم اكتشافها في نيوزيلاندا للتغلب على مشكلة اللغات بين 5 مواطنين من جنسيات مختلفة، إلى الصدارة، ولذلك فهو فاشل في حياته، وهي فاشلة في أن تصبح نجمة.

على مستوى الشكل خالف الفيلم المتوقع إذ إن شهور العام أتت معكوسة، فالصيف والربيع جاءا لما كان البكلين فاشلين عملياً ناجحين في العلاقات المتخلية عن كل دين، ولكن الشتاء جاء لما تزوجت البطلة واشتهرت، وهكذا لدينا، أيضاً الألوان الأساسية في ملابس البطلة إبان فقرها للتغلب على عدم إمكانية إلباسها تصاميم عالمية، فجاءت الفساتين شبه البسيطة، والمصممة بعناية، من ألوان الأصفر والأخضر والأحمر والأزرق، بالإضافة إلى البنفسجي في الربيع.

وعلى مستوى الشكل أيضاً جاء الزنوج في الفيلم متعاطفين وودودين، في محاولة لكسب التعاطف العالمي، فـ«كيث» الذي مد يديه للبطل ليعمل في الملاهي الليلية، عازفاً لأي شىء غير أحلامه، وكان حلمه العمل في ملهى ليلي لكن بمواصفات، أو الفنان جون لجند، وكذلك مكتشفة البطلة سينمائياً، وحتى حارس ملهى البطل لما يجد نفسه في النهاية الجميع سود أو زنوج بامتياز.

وكذلك يأتي ذكر أندونيسيا بالخير لدى أحد الأبطال المساعدين في الفيلم، وإن قالت البطلة إنها لم تسمع بها من قبل.

كل هذه الأمور التي قد تكون من حيثيات جائزة «الأوسكا»ر (بخاصة الاهتمام بالسود بعد اتهام هوليود بالإساءة إليهم خلال العامين الماضيين) كل هذه الأمور جاءت (مفتعلة) للتغطية على قصة مملولة ومموجة تستعيض هوليود بها عن فشلها في تقديم جديد، تماماً كما كانت بداية الفيلم عبارة عن استعراض راقص للبطلة تم إيقاف أحد أبرز شوارع لوس أنجلوس لأجله، في افتعال واضح لإبراز حدث غريب بخاصة في المدينة التي توزع الجائزة فيها.

الفيلم و«ترامب» والمدسوس علينا

انتصر الفيلم لغير البيض وجعلهم في مكان متقدم من أمريكا، على النقيض تماماً من تصريحات «ترامب» الأخيرة عنهم، لكن العمل جاء سطحياً، ومليئاً بالموسيقى الحالمة والألوان، وإعادة مشاهد الطيران بين النجوم (تماماً كما في أغنية يا خلي القلب لعبد الحليم وميرفت أمين في أبي فوق الشجرة) وبلا مضمون، فالبطل هو الذي أوصل البطلة إلى اختبار التمثيل الذي نجحت فيه، وداوم على تشجيعها رغم إحباطها من المجتمع السينمائي المنحاز ضد المجهولين، ولكن الفيلم قفز بنا 5 سنوات، دون مبرر درامي لنكتشف أنها تزوجت من غيره، عبر تقنية معروفة عربياً باسم (ألمخرج يريد ذلك)، يريد إحزان المشاهد في نهاية الأمر.

على أن المدسوس أكثر علينا مما حاول الفيلم التبرؤ منه، هو أنه أتى لخدمة سطحية الأفكار، مماثلاً للرئيس «ترامب»، فهو أن الفيلم انتصر للإباحية هذه المرة دون مبرر درامي من الأساس، وكانت السينما العالمية تفضل الانتصار لها على حساب قصة تعلق المشاهد الخارجة عليها كشماعة، لكن الفيلم حفل بكل شىء هذه المرة عدا القصة ..ليخدم «الأوسكار» والرئيس الأمريكي الحالي جيداً، ويحاول ضرب منظومة القيم في مقتل!

بقي أن وزيرة للإعلام الأخيرة المصرية «درية شرف الدين» دعت في مقال في «المصري اليوم» إلى مشاهدة الفيلم وسماع أغنية الراحل «محمد عبد الوهاب» الشهيرة «انسى الدنيا وريح بالك» في إشارة منها إلى نخبتنا المُتوهمة لما تنكر الواقع وتتفرغ لمناصرة الغربي على الأمة حتى في الأفلام!

المصدر | الخليــــــج الــجديــد

  كلمات مفتاحية

لا لا ند إفلاس هوليود ترشيحات أبرز أوسكار