«استقالة مايكل فلين».. الحبكة الدرامية لا تبدو مقنعة

الأربعاء 15 فبراير 2017 10:02 ص

رأى المحلل الأمريكي «جورج فريدمان»، مؤسس ومدير مؤسسة «جيوبيوليتكال فيوتشرز»، أن المبررات التي تم تقديمها لاستقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي «مايكل فلين»، بعد أقل شهر من تعيينه في المنصب، لا تبدو مقنعة.

«فريدمان»، وهو أيضا المؤسس والمدير السابق لمؤسسة «ستراتفور»، فند، عبر تحليل له، هذه المبررات، وقدم رؤية أخرى اعتبرها الأرجح وراء الإطاحة بالرجل، الذي بات صاحب «أقصر مدة» كمستشار للأمن القومي الأمريكي من بين كل أقرانه الذين تولوا هذا المنصب.

«فلين» استقال في وقت متأخر من مساء الإثنين، واعترف في خطاب استقالته بأنه أجرى محادثات هاتفية مع السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، «سيرغي كيسلياك»، وبأنه أبلغ نائب الرئيس الأمريكي «مايك بنس» بتفاصيل غير كاملة عن مضمون هذه المحادثات.

وتدور تكهنات بأن «فلين» ناقش مع السفير الروسي، خلال هذه المحادثات التي جرت قبل تنصيب «ترامب» رسميا كرئيس للولايات المتحدة، مسألة العقوبات الأمريكية ضد بلاده.

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها أن وزير العدل الأمريكي أبلغ «ترامب»، الشهر الماضي، بشأن محادثات «فلين» الهاتفية، وأعرب عن اعتقاده بأن الأخير تعرض لابتزاز روسي.

سببان غير مقنعين

هذه هي الرواية التي تم تقديمها كمبرر لاستقالة «فلين»، وتضمنت سببين وراء الاستقالة، وكلاهما غير مقنع، لعدة أسباب:

أولا: الرجل كان ضابط مخابرات في أفغانستان والعراق، كما شغل منصب مدير وكالة استخبارات الدفاع. لذلك فهو مخضرم في العمل الاستخباراتي، وهذا يجعلنا نؤمن بأنه لا يمكن أن يضع نفسه موضع ابتزاز من قبل الروس.

كما أنه لا توجد أمام الرجل طريقة لمعرفة ما إذا كانت مكالماته الهاتفية التي أجراها مع ممثلين من روسيا أو أي حكومة أجنبية أخرى، مراقبة من عدمه.

هناك إذا شيء غامض؛ ولا زلنا لا نعرف على وجه التحديد ماذا حدث بالضبط.

ثانيا: الحديث مع السفير الروسي ليس أيضا سببا مقنعا لاستقالة «فلين».

ونشير في هذا الصدد إلى «قانون لوغان»، الذي يعود تاريخه إلى عام 1799، والتي يجرم على أي شخص ليس عضوا في  الحكومة الأمريكية إجراء مفاوضات مع قوة خارجية نيابة عن الولايات المتحدة.

ومع ذلك، لم يسبق أن تمت مقاضاة أي شخص بموجب هذا القانون.

كما أن المواطنون يجرون باستمرار محادثات مع مسؤولين أجانب.

كما أن أي شخص تمت تسميته لمنصب مستشار الأمن القومي يعرف العديد من المسؤولين في الحكومات الأجنبية، وربما تكون تلك العلاقات أحد شروط التعيين في هذا المنصب.

وقبل إجراء الانتخابات (الرئاسية)، فإن الشخص المرشح لمنصب حكومي يكون مجرد مواطن عادي، لديه الحرية في التحدث مع المسؤولين الأجانب في حدود قانون لوغان، الذي لم ينفذ مطلقا، بل تم انتهاكه على نطاق واسع.

وبعد الانتخابات، وعندما لا يكون الرئيس المنتخب قد تولى المنصب بعد، فإنه لا يحق للرئيس أو لأي شخص مرشح لمنصب حكومي الحديث نيابة عن الإدارة الأمريكية.

لكن هناك فرق كبير بين أن يتفاوض شخص مرشح لمنصب حكومي نيابة عن الحكومة، وبين قيامه بفتح قنوات اتصال مع الدول الأجنبية، على اعتبار أنه من المتوقع أن يصبح جزءا مع الحكومة المقبلة.

وهناك مثال شهير على ذلك. ففي عام 1980، خلال أزمة الرهائن في إيران، أجرى ممثلو «رونالد ريغان» اتصالات مع الحكومة الإيرانية لمناقشة توقيت الإفراج عن الرهائن. وجرت هذه الاتصالات قبل إجراء الانتخابات الرئاسية وبعدها.

كما أنه من المفهوم بالطبع أن الشخص المرشح لمنصب حكومي عندما يتحدث مع مسؤولين من دول أخرى فإنه لا يتحدث نيابة عن حكومة الولايات المتحدة، ولا تحمل محادثاته أي التزامات.

لذلك، فإنني أتوقع أن يجري مستشار الأمن القومي محادثات تمهيدية من لحظة ترشيحه للمنصب، ويعطي بعض المؤشرات على توجهاتحكومته المقبلة.

ليست فضيحة صغيرة

هناك إذا أمر ما مختلف في قضية «فلين»، خاصة أن «ترامب» سحب دعمه له، وهذا ليس أسلوب الرئيس.

القضية لا تتعلق على ما يبدو إذا بفضيحة صغيرة، ويبدو أن ما قام به «فلين» تجاوز كل الأعراف.

لقد أجرى «فلين» محادثات هاتفية مع السفير الروسي.

ومن المرجح أنه ناقش معه مسألة العقوبات معه، إذ أنه من الطبيعي أن يطرح السفير الروسي هذه المسألة مع شخص مرشح لمنصب مستشار الأمن القومي الأمريكي.

لقد أعلن «ترامب» أن الهدف الرئيسي لسياسته الخارجية هو سحق تنظيم «الدولة الإسلامية». وكان واضحاً ، من خلاله تصريحاته، أن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تحالف.

وفي هذا الصدد سبق أن أشار «فلين» إلى أن مشاركة روسيا في الحرب على «الدولة الإسلامية» ستكون مفيدة.

لكن يترتب على ذلك، مقابل سيحصل عليه الروس، وهو في حده الأدنى تعليق العقوبات المفروضة عليها، ومنحها امتيازات في أوكرانيا.

لقد فكر «فلين» على ما يبدو في تحالف أمريكي روسي يعمل معا لسحق تنظيم «الدولة الإسلامية»، وربما حتى «طالبان».

ورأى أن الحرب على الإسلاميين هي التحدي الأكبر للولايات المتحدة، وكان يعرف ان الولايات المتحدة بحاجة إلى مساعدة.

واعتبر أن رفع العقوبات عن روسيا وربما قديم  بعض التنازلات للأخيرة في أوكرانيا سيكون ثمن قليل للتحالف مع روسيا في مواجهة «الدولة الإسلامية».

 لكن ما غاب عنه أن إدارة «ترامب» منقسمة بشأن هذا الأمر. إذ سبق أن أعلن وزير الدفاع «جيمس ماتيس» ووزير الخارجية «ريكس تيلرسون» دعمهما لاستمرار العقوبات على روسيا، فيما وصف «ماتيس» روسيا كـ«عدو رئيسي».

تخميني هو أن الرجل اعتقد أنه لديه ضوءا أخضر، أو ببساطة اعتقد أن كمستشار للأمن القومي من مهامه وضع استراتيجية بلاده في هذا الصدد.

ليست المشكلة الحقيقية في أن «فلين» تحدث مع الروس أو زار موسكو قبل عامين.

كانت المشكلة على ما يبدو في أن الرجل حاول تنفيذ تحول جذري في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، في تناقض مع مواقف عدد من كبار المسؤولين، وفي مقدمتهم «ماتيس» و «تيلرسون».

 

  كلمات مفتاحية

أمريكا ترامب روسيا

استقالة المتحدث باسم البيت الأبيض «شون سبايسر» .. لماذا؟