دراما «فلين».. ما الذي تعنيه استقالة مستشار «ترامب» للأمن القومي؟

الأربعاء 15 فبراير 2017 04:02 ص

استقال مستشار الرئيس «دونالد ترامب» للأمن القومي في وقتٍ متأخّر من ليلة الاثنين. واعترف «مايكل فلين» في خطاب استقالته بإجراء محادثاتٍ مع السفير الروسي بالولايات المتّحدة، وتزويد نائب الرئيس «مايك بنس» بمعلومات منقوصة عن تلك المكالمات. وتوجد تكهّنات بأنّ «فلين» قد تحدّث مع السفير الروسي بشأن العقوبات الأمريكية على روسيا قبل تنصيب «ترامب». وأفادت «واشنطن بوست» أنّ النائب العام أخبر «ترامب» الشهر الماضي حول المكالمات وألمح إلى أنّ «فلين» كان عرضةً للابتزاز الروسي.

أنا أفقد شيئا هنا. ليس دفاعًا عن «فلين»، لكن توجد حلقة مفقودة. يوجد شيئان يثيران الاستغراب. الأول أنّ «فلين» كان ضابط مخابرات بأفغانستان والعراق، وكان في وقتٍ ما رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية. يعلم «فلين» المخابرات جيّدًا، ومن الصعب أن أصدّق أنّ «فلين» قد يعرّض نفسه للابتزاز من الروس. وهذا لأنّ «فلين» بالتأكيد يعلم أنّ مكالماته الهاتفية التي أجراها مع ممثّلين عن روسيا أو أي حكومة أجنبية كانت مراقبة. يوجد شيءٌ غامض في هذا الموضوع. ولا زلنا لا نعرف بوضوح ماذا حدث بالضبط.

والأمر الثاني أنّ التحدّث مع السفير الروسي لم يكن في حدّ ذاته أحد أسباب الإقالة أو الاستقالة. وبموجب قانون لوغان، والذي يعود للعام 1799، فإنّه من غير القانوني لشخص ليس عضوًا في الحكومة الأمريكية أن يجري مفاوضات مع قوّة أجنبية نيابةً عن الولايات المتّحدة. ومع ذلك، فلم يسبق أن تمّت مقاضاة شخص بموجب قانون لوغان أو بغيره، ويشارك المواطنين باستمرار في التحدّث مع مسؤولين أجانب. وبشكل متكرر وفي كثير من الأحيان تنقل المحادثة إلى شخص تعرفه في الحكومة، وقد ينتهي بك الحال كوسيط، غير مخوّل للتفاوض، لكنّك تتفاوض مع ذلك. والقضية هنا ليست في اتّصال «فلين» بالسفير الروسي، ولكن في أنّه لم ينقل محتوى حديثه بدقّة.

وبأخذ ذلك في الاعتبار، فإنّ أي شخص يرشّح لمنصب مستشار الأمن القومي، لابد أنّه يعرف الكثير من الشخصيات في الحكومات الأجنبية. إنّه متطلّب وظيفي. وقبل الانتخابات، فإنه كان مجرّد مواطن، يحقّ له التحدّث إلى أي مسؤول أجنبي في حدود ما يتيحه قانون لوغان، والذي لم يراع، بل انتهك على نطاقٍ واسع.

بعد أي انتخابات، لا يكون الرئيس المنتخب رئيسًا بعد، ولا يمكنه التحدّث بالنيابة عن الحكومة الأمريكية، ولا يمكن ذلك لأي شخص قد أعلن أنّه سيرشّحه للحكومة. لكن يوجد اختلاف بين التفاوض نيابةً عن الحكومة، وفتح قنوات مع الدول الأجنبية استعدادًا للدور المرتقب في الحكومة. والفكرة هي أنّه إن لم تكن هناك أي اتّصالات على الإطلاق، سيأتي الرئيس الجديد ليبدأ من المربّع صفر.

وهناك مثال مشهور لكنّه غير مؤكّد. في عام 1980، خلال أزمة الرهائن في إيران، تواصل ممثلون عن «رونالد ريغان» مع الحكومة الإيرانية لمناقشة توقيت إطلاق سراح الرهائن. ويقال بأنّ الاتّصالات تمّت قبل وبعد عام الانتخاب. ما حدث خلال المحادثات هو المتنازع عليه، لكن من المؤكّد على الأغلب أنّها تمّت. فضلًا عن ذلك، كان الأمر ليكون صادمًا للفريق الجديد إذا لم يستطيعوا إجراء مناقشات غير رسمية مع الحلفاء والخصوم الرئيسيين. وبالطبع ستتفهّم تلك الجهات أنّ الحديث ليس بالنيابة عن الحكومة الأمريكية وغير ملزم لأي من الأطراف.

وبالتالي، فإنّي كنت سأتوقّع أن يجري مستشار الأمن القومي الجديد المحادثات منذ لحظة الإعلان عن تعيينه وإعطاء بعض المؤشّرات عن الاتجّاه الذي ستكون عليه الإدارة الجديدة. ويحتاج حلفاء مثل المملكة المتّحدة وكندا الحصول على بعض المعرفة حول تفكير الرئيس المنتخب.

لكنّ حالة «فلين» مختلفة بشكلٍ واضح، وخاصةً مع سحب «ترامب» دعمه عن فلين. وهذا مخالف لأسلوب الرئيس. وسبب ذلك هو الجزء الذي أفقده، وهو السبب الذي يجعل الأمر أكثر من مجرّد فضيحة صغرى في واشنطن. ومهما فعل «فلين»، يبدو أنّ أفعاله قد تخطّت كل المعايير.

لقد تحدّث «فلين» مع السفير الروسي عبر الهاتف. وعلى الأرجح قد تمّ تداول أمر العقوبات. وفي أي محادثة مع مستشار الأمن القومي الأمريكي، سيتم إثارة تلك القضية من السفير الروسي. وبحسب ما ورد فقد تحدث الطرفان عدّة مرّات عبر الهاتف خلال نفس اليوم، وهو ما يجعل الأمر مريبًا، ويعني هذا أنّ كلا الطرفين احتاج للتشاور مع رئيسه خلال الحديث عن القضايا المختلفة. وقد يفتح هذا الباب أمام شيء ما من الحقيقة. لكن لا يزال هذا غير كافٍ لإثارة هذا النوع من الأزمات. وكما كان الحال مع ممثّلي «ريغان»، فقد تمّ مناقشة أمور جوهرية.

وفي محاولة فهم ما حدث، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار التركيز الأساسي لـ«فلين». لقد كان «فلين» رئيسًا للمخابرات العسكرية في أفغانستان. وفي وكالة الاستخبارات الدفاعية وفي كتابٍ نشره، كانت هناك مخاوف أولية. وكان الرئيس قد ألمح إلى أنّ أساس السياسة الخارجية هو سحق «الدولة الإسلامية». وقد كان من الواضح أنّ هذا لن يتم إلا من خلال تحالف. وأشار «فلين» إلى أنّ مشاركة روسيا في القتال ضدّ «الدولة الإسلامية» ستكون ذات فائدة. ولدى الروس مشاكلهم الخاصة مع الجهاديين. وكان أقل ما يمكن أن تطلبه روسيا في مقابل الانضمام للحرب هو تعليق العقوبات والحصول على الامتيازات في أوكرانيا.

عندما زار «فلين» روسيا وتقابل مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» قبل عامين، من الأرجح أنّه كمواطن عادي قد أعرب عن هذه الآراء لـ«بوتين». ولم يكن «فلين» ليتلقّى رشوة من الروس كما يلمح بعض المحللون. فوجود تحالف أميركي روسي للعمل معًا على سحق «الدولة الإسلامية» وربما حتّى طالبان، كان في ذهن «فلين». لقد رأى في الحروب الإسلامية التحدّي الأكبر للولايات المتّحدة، وعلم أنّ الولايات المتّحدة تحتاج إلى المساعدة. واعتبر أنّ رفع العقوبات وبعض الامتيازات على أوكرانيا سيكون ثمنًا قليلًا مقابل المساعدة التي ستحصل عليها الولايات المتّحدة.

وتنقسم إدارة «ترامب» في هذا الشأن. وقد أعلن كلٌّ من وزير الدفاع «جيمس ماتيس» ووزير الخارجية «ريكس تيلرسون» دعمهما لاستمرار العقوبات، ووصف «ماتيس» روسيا بالخصم الرئيسي. وبعبارةٍ أخرى، نشأ نوعان من السياسة الخارجية في إدارة «ترامب». الأول استمر على استراتيجية الرئيس السابق «باراك أوباما» بوجود خصمين، في حين اكتفى الآخر، الخاص بـ«فلين»، بخصم واحد رئيسي هو الإسلام.

وبلا شك، طرح «فلين» هذا في موسكو منذ سنوات. وحين عيّن مستشارًا للأمن القومي، بدأت المناقشة بشكلٍ جدّي. ولم تكن المشكلة أنّه تمّ شراؤه من قبل الروس، لكن مع هوسه ضدّ «الدولة الإسلامية»، فشل في إبقاء فريقه مطّلعًا على ما كان يحدّث الروس بشأنه. وهذا بعيد تمامًا عن ترتيب شيء سري مع الروس، لأنّه إن كان فعل ذلك، لم يكن الروس ليتركونه يتواصل معهم هاتفيًا عدّة مرّات خلال يومٍ واحد. كان ليكون قيّمًا جدًّا لهم ليتم حرقه بهذه السهولة.

وفي اعتقادي أنّه ظنّ أنّ لديه الضوء الأخضر في هذا، أو أنّه ببساطة اعتقد أنّه يتعيّن عليه، كمستشار للأمن القومي، أن يقدّم استراتيجية. وعندما هبّت رياح ذلك على «ماتيس» و«تيلرسون»، لأنّ كل مكالمات المسؤولين الروس في واشنطن يتم اعتراضها، قاما بالإطاحة به.

والمشكلة الحقيقية ليست في حديثه مع الروس أو زيارته لموسكو. لا توجد صفقة سرّية. لكنّ المشكلة تكمن في محاولته التحوّل الجذري باستراتيجية واجهت معارضة شديدة من مسؤولين بارزين. عندما علموا ما كان يقوم به، ردّوا بعنف. ولقول هذا بطريقةٍ أخرى، أوقف «ترامب» محاولة «فلين» لجلب الروس في حرب ضدّ «الدولة الإسلامية».

لقد كنت في دبي في عطلة هذا الأسبوع، وخضت العديد من المحادثات وقلت العديد من الأمور التي تتعلّق بقضايا حسّاسة. وفهم الجميع أنّني لم أكن أوجه حديثي إلّا لنفسي. وإذا كان هناك شخصٌ ما مجنون كفاية لإعطائي منصبًا رسميًا (وأنا كنت مجنونًا كفاية لقبول المنصب)، سيتم تذكّر كل ما قلته حين كان لا يعني شيئًا من قبل صنّاع القرار. وكلّ ذلك سيكون على ما يرام إلّا إذا حاولت تنفيذ سياسة ما دون استشارة أي شخص. أعتقد، لكن لا أعرف، أنّ هذا ما حدث مع «فلين».

  كلمات مفتاحية

مايكل فلين دونالد ترامب روسيا الدولة الإسلامية العلاقات الأمريكية الروسيةة