«سلوكيات الفساد»: كتاب يناقش واقع المشهد الصيني

الثلاثاء 21 فبراير 2017 10:02 ص

«سلوكيات الفساد تطغى على المشهد الصيني..ديناميات اضمحلال النظام الحاكم» كتاب ألفه «منكسين بيي»، ونشرته جامعة «هارفارد»، وصدر في نيويورك، في 376 صفحة خلال العام الجاري.

يكاد الكتاب يُشكل صيحة تحذير، لا بالنسبة للصين وحدها، ولكن بالنسبة لسائر الدول والكيانات السياسية التي تجتاز مراحل مفصلية من التحول من نظم وأساليب الحكم الشمولية، إلى حيث تعتمد وتتبع نظماً تقوم على أساس الديمقراطية الليبرالية بكل ما تنطوي عليه من متطلبات الشفافية والمساءلة وإقرار حقوق القواعد الشعبية، بحسب «البيان».

حيرة زمانية ولغوية

ويحفل الكتاب بحقائق مزودة بإحصاءات موثقة لما يشوب المشهد الصيني في الوقت الراهن من «آفة سلوكيات رأسمالية المحاسيب»، كما يصفها المؤلف، وهي ظاهرة سلبية بدأت مع إصلاحات الزعيم «دينغ شياو بينغ» التي خففت سطوة الدولة على كبرى المؤسسات الاقتصادية.

فلم يكن الاغريق يعرفون أن لفظة «كرونوس» في لغتهم العريقة سوف تؤول في زماننا الراهن إلى أن تصدق على ظاهرة بالغة السلبية في عالم السياسة ودنيا الحكم وساحات الاقتصاد.

لقد اشتق منها عالمنا مصطلح (كروني) بمعنى طول الزمن، ومن ثم بمعنى الصديق القديم والصاحب الذي طال الأمد على مصاحبته وصداقته. ومن هذا المعنى جاء تعبير محاباة قدامى الأصدقاء والتحيز لمصالحهم، ولو كان ذلك للأسف على حساب مصالح الاخرين.

ثم تطوّر هذا المصطلح إلى حيث صاغوه في الانجليزية المحدَثة على أنه «كروني كابيتاليزم». ووهو ما يُنقل إلى اللغة العربية المعاصرة عبر المصطلح الذي بات ذائعاً في الآفاق وهو «رأسمالية المحاسيب».

وهو العنوان الذي اختاره مؤلف الكتاب الذي نعايشه في ما يلي من سطور.

«رأسمالية المحاسيب» في الصين

الكتاب الصادر مؤخراً عن جامعة «هارفارد» بقلم البروفيسور الصيني الأصل «مكسين بيي»، أستاذ أصول الحكم في الجامعات الأميركية.

وعلى الرغم مما قد يعكسه الكتاب من موقف حاد تجاه المشهد الصيني الراهن، إلا أن نهج التحليل الانتقادي الذي يتبعه المؤلف، والرجل في أصوله من أهل الصين ويجيد لغتها، ومايزال مفيداً في قراءة سلبيات هذا المشهد، الذي يكاد يقارب نظيره في روسيا الراهنة،.

فيما يمكن أن يفيد هذا العرض التحليلي في تنبيه كل الدول التي ما برحت تجتاز مراحل الانتقال وأطوار التحول من نظم ونظريات ومنظومات تجاوزها الزمن، وباتت تقتضي تطوراً في المسارات والتوجهات والأفكار على السواء.

ولأن «رأسمالية المحاسيب» تنصرف بداهة إلى سلوكيات مرفوضة تقوم على أساس محاباة المقرّبين وتمييز لحساب  الصديق والقريب والمنافق، على حساب جموع المواطنين من أصحاب الحقوق المشروعة، فإن المؤلف لا يتورع عن إضافة عنوان فرعي لهذا الكتاب في عبارة تقول: «ديناميات اضمحلال النظام الحاكم».

تتمثل انطلاقة هذا الكتاب في اللحظة التي تولّى فيها «دينغ شياو بينغ»، ثاني الزعماء التاريخيين للصين الشعبية مقاليد الحكم في البلد الأسيوي الكبير.

كان ذلك بعد وفاة زعيمها رقم واحد «ماو تسي تونغ» (1893- 1976)؛ وأعلن «بينغ» عن قراره باتباع نهج جديد يكاد يكون مغايراً لسلفه موضحاً أن تطبيق الاشتراكية في حكم الصين لن يلتزم حرفياً بالفكر الماركسي بل سيكون له خصائصه الصينية الأصيلة.

سلبيات

لكن أحوال الصين بعد رحيل «دينغ شياو بينغ»، آلت إلى سلبيات تمثلت، في رأي المؤلف، إلى تزايد التوترات الاجتماعية وتفشي آفة الرشوة وتفاقم حالة اللامساواة بين فئات المجتمع وشيوع سلوكيات الفساد مما هيأ أكثر من فرصة سانحة للتكسب لحساب الفئات المحظوظة من الأصدقاء والأقرباء على حساب جموع المواطنين العاديين لدرجة هيأت المُناخ لنشوء طبقة جديدة من المليارديرات التايكونات الذين باتوا يتطلعون إلى أن يخدمهم في مساكنهم الفاخرة فئة السقاة على طريقة أرستقراطية الانجليز على نحو ما نشرته «نيويورك تايمز».

ويذهب المؤلف أيضاً إلى أن هذه الظاهرة بدأت مع استهلال عقد التسعينيات من القرن العشرين حيث بدأ تطبيق تعاليم «دينغ» في كسر احتكار الدولة وسيطرة الأخيرة الحاكمة على كل مقدرات البلاد.

وكان ذلك في جوهره النظري أمراً إيجابياً. لكن ما لبث أن تحوّل إلى النهج السلبي متمثلًا كما يوضح المؤلف في تحويل المقدرات المؤسسات، المصالح الاقتصادية من سيطرة البيروقراطية الحكومية إلى حيث تخطفتها أيادٍ ومصالح المسؤولين الحكوميين ودوائر البيزنس وبارونات الرأسمالية المستجدة.

وتم ذلك، كما يضيف الكتاب، أيضاً، بهدف مراكمة الثروات، من خلال الاستيلاء بطرق ملتوية على الممتلكات التي كانت في السابق في حوزة الدولة الصينية وضمن ممتلكاتها العمومية، وخاصة في مجالات الأراضي المشاع والموارد الطبيعية والأصول التي كانت تضمها المشاريع التي كانت خاضعة لإدارة الدولة.

يبادر «منكسين»، على امتداد صفحات الكتاب إلى جمع ما يزيد على 200 حالة فساد تورّط فيها العديد من مسؤولي الحكومة، بل ومسؤولي إنفاذ القوانين، فضلاً عن العديد من رجال الأعمال وأعضاء تشكيلات الجريمة المنظمة.

وفي خضّم هذا الخليط من فساد الذمم وانتهازية السلوك وخلل المعاملات، تجلت ظاهرة «رأسمالية المحاسيب» بكل تداعياتها السلبية على الدولة والحزب الحاكم والمجتمع الصيني بشكل عام.

ظاهرة خطيرة

ثم يعلق المؤلف على هذه الظاهرة السلبية موضحاً أن المسألة ليست مقتصرة على مجرد السلوك غير القويم، ولا حتى على الخلل في توزيع المغانم أو المزايا: «لكن الخطأ الأفدح بنظره، مايزال متمثلًا في أن استمرار هذه الظاهرة ومن شأنه أن يجعل من أي محاولة جادة ومخلصة في التحول نحو الديمقراطية أو الحكم الرشيد تصادف صعوبات كأداء».

 وهي الصعوبات التي يراها المؤلف كامنة تحت سطح الصورة الإيجابية التي تتسم بها أحوال الصين الدولة والحزب والنظام في الوقت الراهن.

ثم إن المشكلة لا تقتصر في رأي المؤلف على المستويات القيادية العليا في الحزب الشيوعي الحاكم أو في بيروقراطية الدولة الصينية: لقد زادت المشكلة من حدّة  واقع امتداد فساد «رأسمالية المحاسيب» إلى حيث باتت تشمل مستويات شتى، بعيداً عن مستوى القمة أو القيادات العليا، وإلى حيث وصلت إلى المستويات القاعدية التي تضم مسؤولين من المستوى المتوسط وأحياناً المستويات الدنيا.

وكله يتم بالطبع على حساب مصالح أوسع قواعد الجماهير من أصحاب المصلحة الأصليين في إدارة الشأن العام.

نبذة عن المؤلف

البروفيسور «منكسين بيي»، أستاذ وخبير متخصص في دراسة النظام وإدارة شؤون الحكم في جمهورية الصين الشعبية وفي علاقات الولايات المتحدة مع الصين، إضافة إلى قضايا التحول الديمقراطي في الأقطار النامية على وجه الخصوص.

نال درجة الليسانس باللغة الانجليزية من جامعة «الدراسات الدولية» في شنغهاي، وبعدها نال درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة «هارفارد» بالولايات المتحدة.

ويُعد المؤلف مرجعاً في قضايا التحولات السياسية والاقتصادية التي ما برحت تطرأ على المشهد العام في جمهورية الصين الشعبية.

المصدر | البيان

  كلمات مفتاحية

سلوكيات الفساد رأسمالية المحاسيب المشهد الصيني

الإعدام لوزير عدل صيني سابق بتهم فساد