لماذا تصمت النخب المغاربية عن جرائم الاحتلال الفرنسي ويستنكرها «ماكرون»؟

الثلاثاء 21 فبراير 2017 12:02 م

خلال زيارته إلى الجزائر، الأسبوع الماضي، أدلى مرشح الرئاسة الفرنسية «إيمانويل ماكرون» بتصريحات جريئة عندما اعتبر الاحتلال الفرنسي، وما ترتب عنه من جرائم هو بمثابة «جريمة ضد الإنسانية».

وأضاف «ماكرون» أن ما قامت به فرنسا في الجزائر، يُعتبر «جريمة ضد الإنسانية»، مؤكداً أن الاحتلال لديه شق إيجابي، وهو نقل الحضارة، وواجهة مقيتة تتجلى في جرائم النهب والتعذيب.

على أن الغريب في الأمر أن هذا الموقف السياسي يخلق جدلاً سياسيًا في فرنسا، لا يجد الصدى الكافي في الوطن العربي، بخاصة في  دول المغرب العربي التي عانت، في أغلبها، من الاحتلال الفرنسي.

 تناول المفارقة الكاتب المغربي الدكتور «حسين مجدوبي» في جريدة «القدس العربي» في مقال نُشرَ اليوم الثلاثاء، تحت عنوان: «مثقفون وباحثون مغاربيون في خدمة فكر (ما بعد الكولونيالية)»، في إشارة من الكاتب إلى «تملق نسبة عالية من المثقفين والمؤرخين للقوة (الاستعمارية) السابقة حتى لكأنهم صاروا جزءاً منها، علاوة على خوف الأنظمة من طرح هذه الإشكالية على طاولة المفاوضات».

انقسام فرنسي وصمت مغاربي

انقسم الموقف في فرنسا المُحتلة إلى فريقين أولهما، بحسب «مجدوبي»: «يُطالب بتجريم الاحتلال ومنه إيمانويل ماكرون..(أما الفريق الثاني فقد انتفض عبر) الطبقة السياسة الفرنسية المحافظة منددة بتصريحات ماكرون، الشاب المرشح لرئاسة البلاد، الذي يمتلك حظوظًا قوية، وقد يكون السد الحقيقي أمام حرمان ماري لوبين من رئاسة هذا البلد الأوروبي، انتفاضة اليمين الفرنسي أمر مفهوم، ولكنه مرفوض لعنصريته، هذا اليمين بكل زعمائه وتياراته يرى (استعمار) فرنسا لجزء من العالم، ومنه (دول المغرب العربي)، رسالة حضارية ورثتها فرنسا عن روما القديمة. ولهذا السبب، يزخر الأدب السياسي الفرنسي في القرن التاسع عشر بكتب وخطب سياسية في هذا المنحى».

وفي مقابل الفريقين الفرنسيين يقول «مجدوبي» إن موقف المفكرين والأدباء ورجال السلطة المغاربيين غريب فهم لا يكتفون بالصمت، بل إن «العجز يدفع ببعضهم إلى القول بأن ماكرون يرغب في جلب أصوات الفرنسيين من أصل جزائري، من دون الإدراك أن نسبة منهم ينتمون الى (الأقدام السوداء) وهم ضد أي تجريم لـ(الاستعمار) بل يمجدونه».

ويضيف الكاتب المغربي: «ورغم بشاعة (الاستعمار) وما رافقه من نهب وتعذيب وقتل مئات الآلاف من مواطني شمال إفريقيا، لا تطالب الأنظمة الحاكمة من القوة (الاستعمارية) السابقة فرنسا بالدرجة الأولى وإسبانيا بالدرجة الثانية تعويضًا ماديًا واعتذارًا سياسيًا رسميًا؛ فرغم محاولات الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي مع إيطاليا، ورغم إصرار الجزائر في مواجهة فرنسا تبقى هذه المحاولات محتشمة وترمي إلى الضغط السياسي وليس الإنصاف التاريخي للشعوب؛ وتصمت تونس الرسمية عن جرائم الاستعمار، لكن هذا الصمت يجب ألا يستمر بحكم أجواء الديمقراطية بعد الربيع العربي التي تعيشها البلاد، ويتفادى النظام المغربي الإشارة إلى الموضوع، رغم أنه ترك جرحًا عميقا في نفوس المغاربة، ومنه استعمال الغازات السامة في شمال المغرب من طرف فرنسا وإسبانيا في مواجهة ثورة (محمد بن عبد الكريم الخطابي)».

سبب لبشاعة الصمت

ومُفسراً للظاهرة التي تحمل تخاذلاَ يضع علامات استفهام كثيرة يقول الكاتب المغربي، عن الطبقة السياسية المغاربية، مفسراً صمتها بالمقبول لديه أمام كونها: «فاقدة لاستقلالية القرار السياسي والاقتصادي، مهما رفعت من شعارات، وتدرك أن طرح مثل هذه الملفات شائك لحكام مازالوا يقصدون (المتروبول الاستعماري)، بهدف غسيل الأموال التي ينهبونها، ويتعالجون في مستشفيات باريس ويرسلون أبناءهم للدراسة هناك، في الوقت الذي لم يوفروا فيه لأوطانهم مستشفيات لائقة وجامعات مناسبة».

ولكن «مجدوبي» يعود إلى تناول موقف المثقفين والمؤرخين مؤكداً أنه يُعتبر جريمة في حق الشعوب المغاربية إذ إنه يرى: «عمليًا، يعتبر المثقف الملتزم ضمير الأمة والوطن ويستحضر عبر أبحاث أو إبداعات أدبية وفنية مختلف مظاهر هذه الأمة، ومنها استحضار الانشغالات والمآسي، كما يعتبر المؤرخ ذاكرة الأمة والوطن، خاصة من خلال إلقائه الضوء على الجوانب المظلمة من التاريخ إنصافا للذاكرة المشتركة وتحذيرا من تكرار المآسي مستقبلًا».

ويعود الكاتب المغربي إلى تذكر أنه: «من خلال استعراض معظم الإبداعات الأدبية، نجد الخزانة الفرنسية والإسبانية (نجدها) تزخر بروايات حول الغزو والاستعمار الفرنسي إلى (دول المغرب العربي)، بعضها يشيد وبعضها يُندد».

ثم إن «مجدوبي» يتوقف أمام ما رآه: «في المقابل نجد السراب في (المغرب العربي)، فمعظم الأدباء منغمسون في قضايا تجريدية، من دون الاقتراب من قضايا التاريخ».

 ومفتشاً عن المصلحة يعود الكاتب المغربي في مقاله مفسراً سبب صمت وتخاذل المثقفين وغيرهم: «يمكن تفسير هذا بما يلي: غياب وعي حقيقي بقضايا التاريخ لدى المثقفين، فالخوف من السلطات يجعلهم لا يقتربون من قضايا تاريخية حساسة، ثم عدم إغضاب (ماما فرنسا) حتى لا تمنع عنهم تأشيرات السفر ومنح الإقامة وبعض الجوائز الثانوية والرخيصة، التي استحدثت لـ(أدب أهالي المستعمرات السابقة) مثل جائزة أطلس التي استحدثتها سفارة فرنسا في المغرب سنة 1991، فهل تعتقدون أن لجنة تحكيم جائزة الأطلس ستمنح جائزتها لعمل يتحدث عن مآسي (الاستعمار) الفرنسي في المغرب؟ وفي الوقت ذاته، تحول الكثير من الباحثين من (دول المغرب العربي) شأنهم شأن آخرين من الشرق الأوسط الى مستشرقين جدد في خدمة المستشرقين القدامى ما وراء بحار الشمال. يتخصصون في دراسة كل ما قد يمس مصالح القوى الاستعمارية. وهكذا، نجد جيشًا من الباحثين من (دول المغرب العربي) يبحثون تحت ظاهرة ما يسمى (ما بعد الكولونيالية) كيفية تطور المجتمعات المغاربية، وبدون وعي تجدهم يبحثون كيف تتأثر مصالح فرنسا بعد (الاستعمار) حتى الآن، وليس كيف تهدف شعوب المنطقة إلى استقلالية قراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية، جيش من الباحثين يقوم بدور (الاستشراق بالنيابة)»، بحسب الكاتب.

واختتم «مجدوبي» مقاله قائلاً عن الشعوب المغاربية العربية، بشكل خاص، والشعوب العربية بشكل عام: «كان المفكر المغربي المرحوم المهدي المنجرة يقول بأن الشعوب المغاربية والعربية عمومًا عندما ستدرك أهمية الذاكرة التاريخية بكل معانيها: من حكمها، من أساء إليها، من هم شهداؤوها، من عرقل تطورها ويستمر في عرقلته، وقتها ستحقق قفزتها التاريخية نحو الرقي الحضاري».

  كلمات مفتاحية

ماكرون صمت النخب العربية جرائم الاحتلال الفرنسي