«ستراتفور»: التغيير القيادي في فتح وحماس لن يصنع جديدا للقضية الفلسطينية

السبت 25 فبراير 2017 12:02 م

إنّ التنافس شرس للغاية بين فتح وحماس، قطبي السياسة الرئيسيين في السلطة الفلسطينية. لكن على الرغم من أوجه الاختلاف الكبيرة بين الطرفين، يوجد بينهما العديد من أوجه التشابه.

تواجه فتح وحماس نفس الضغوطات، ليس فقط من قواعد الدعم في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، لكن من قبل قوى إقليمية أيضًا مثل تركيا ومصر. وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت الحركتان انتقالًا في القيادة استعدادًا للأيام الصعبة المقبلة، وإعادة هيكلة لسلاسل القيادة من خلال تنصيب قيادات شابة في مواقع بارزة. والآن مع الدعم غير المسبوق لـ (إسرائيل) من الإدارة الأمريكية الجديدة، لدى الطرفين الحافز أكثر من أي وقت للوقوف صفًّا واحدًا لصالح القضية الفلسطينية. ومع ذلك، فلن تقودهما المخاوف المشتركة للتقارب معًا، ولن تجلب المنطقة إلى أيّ سلامٍ قريبًا.

التغيّير مع الوقت

ويأتي الضّغط على حماس، الحزب السياسي الرئيسي في قطاع غزة، ثقيلًا ومتعدّد الأوجه. وتواجه حماس صعوبات في استقرار شرعيتها ومستويات التجنيد مع صعود الجماعات ذات الطابع السلفي بجانب الدولة الإسلامية في القطاع. وفي الوقت نفسه، يفتقد ذراعها العسكري الوصول إلى مصادر الإمدادات الحرجة. فقد أقامت الولاية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء حصارًا على الأنفاق هناك ردًّا على رفض الحركة العمل مع الجماعة المتطرّفة.

وما جعل الأمور أسوأ، أن تركيا ومصر، وهما اثنان من أهم مصادر الإمداد لحماس، قد اتّخذتا إجراءات صارمة ضدّ عمليات التهريب في إطار تحسين العلاقات مع (إسرائيل). (وتأمل مصر أيضًا أنّ إغلاق عمليات التهريب قد يجلب الأمن في منطقة شبه جزيرة سيناء المضطربة). والآن، تقع حماس تحت رحمتهما، ورحمة (إسرائيل)، للحصول على الإمدادات الأساسية. وتحوّلت الحركة إلى إيران، والتي زوّدت حماس تاريخيًا بالسلاح والمواد ومساعدات أخرى من أجل سدّ الفجوة. لكن من غير الواضح إذا ما كانت إيران قد تتمكن من إدخال السلاح والمواد إلى حماس نظرًا للرقابة الوثيقة التي تقوم بها مصر، و(إسرائيل) بالطبع، على الحركة.

وفي الضفّة الغربية، في الوقت ذاته، تتعرّض فتح أيضًا لضغوط داخلية وخارجية كبيرة. ويبدو زعيم حركة فتح والرئيس الفلسطيني «محمود عبّاس» لم يعد مرحّبًا به في السلطة، بعد أن تجاوز الفترة القانونية منذ وقتٍ طويل، وهو ما يثير استياء الناخبين الفلسطينيين. وخارج الضفة الغربية، تضغط قوى إقليمية، مثل مصر والأردن والإمارات، على «عباس» لترك السلطة لقيادة أصغر في السن مثل «محمد دحلان».

 و«دحلان» هو شخصية مثيرة للجدل، لكنّه يتمتع بشعبية في أوساط السلطة الفلسطينية ولديه العديد من العلاقات الدولية في المنطقة. والأهم من ذلك، فإن «دحلان» الذي يعيش في أبوظبي قد أظهر رغبته في الاستماع لحلفاء السلطة الفلسطينية العرب. وفي المؤتمر الأخير للحركة في ديسمبر/كانون الأول، فقد تجنّبه «عبّاس» وتجنّب المرشّحين المدعومين من مصر والإمارات والأردن، وذكر بدلًا من ذلك الموالين له، بما في ذلك أولاده، في المناصب القيادية بفتح. ولدى «عبّاس» أيضًا يد في تهميش «مروان البرغوثي»، والذي يتمتّع بالشعبية في رام الله، رغم أنّه يقضي حاليًا حكمًا في سجون (إسرائيل). وإذا ما استمرّت فتح في تجاهل حلفائها العرب واستمرّ «عباس» في السيطرة على خلافته، قد تفقد الحركة شرعيتها وسط الناخبين. وقد يتعلّم الرئيس الدرس بالطريقة الصّعبة في مايو/أيار.

وعلى الرغم من عناد «عبّاس»، فقد قامت حماس وفتح كذلك ببعض التغييرات التي أتت تمهيدًا لتغيّر القيادة في كلٍّ منها والحفاظ على الشرعية بين الأنصار. وفي فبراير/شباط، عيّنت حماس نائبًا جديدا لزعيم الحركة، وهو «يحيى السنوار»، وهو ما مهّد الأمر ليتولّى في النهاية زعامة المنظمة. وبالمثل، انتخبت حركة فتح نائبها الأول للرئيس، «محمود العالول». وكانت هذه الخطوة جزءًا من محاولة الحركة للاستعداد للأزمة الأمنية القادمة في الضفّة الغربية، والتي يراها الجميع حتمية في ظلّ التوسّعات الاستيطانية المتزايدة.

آفاق السلام الضعيفة

لن تؤدّي التغييرات في فتح وحماس إلى شيءٍ يذكر بالنّسبة للمسار مع (إسرائيل). وفي الحقيقة، كل ما سينتج هو زيادة الصراع. فـ«يحيى السنوار» قد أصبح ذو عقلية صلبة في الأعوام التي قضاها في السجون الإسرائيلية، وهو أكثر تشدّدًا ممّن سبقوه، ولا يبشّر بالاعتدال أو الإصلاح داخل الحركة. علاوة على ذلك، مع حصول القيادة الإسرائيلية على دعم متزايد من الإدارة الأمريكية، يتشجّع اليمين المتطرّف على الاستمرار في سياساته الاستيطانية. وفي هذه العملية، قد تمهّد الأوضاع لانتفاضة ثالثة. ويفتقر الفلسطينيون في الضفّة الغربية للوصول إلى إمدادات الأسلحة الثقيلة أو مواد صنع القنابل، لكنّهم قادرين على القيام بهجمات الطّعن والدّهس.

وللتخفيف من خطر تصعيد آخر، اقترحت (إسرائيل) والولايات المتّحدة على الدول العربية التدخّل لإقناع الفلسطينيين بالدخول في دورة جديدة من مفاوضات السلام. وعلى الرغم من أنّ جهودهم في إقناع «عبّاس» بالتنحي قد فشلت، فإنّ جهودهم لا تبشّر بالخير أيضًا في هذه المبادرة.

وفي محاولاتهم السابقة لدفع السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات، لم تنظر هذه الدول أبدًا لرأب الخلافات التي تفرّق المعسكر الفلسطيني. وتعطي هذه الخلافات الفرصة لـ (إسرائيل) للقول بأنّ السلطة الفلسطينية ليست شريكًا تفاوضيًا يمكن الاعتماد عليه، الأمر الذي يمنع وجود أي تقدم حقيقي في المحادثات. ومحاولة الدخول في محادثات سلام جديدة لن تأتي بأيّ اختلاف. وعلى الرغم من وصول حماس وفتح إلى اتّفاق في يناير/كانون الثاني لمحاولة بناء حكومة موحّدة، لا يزال الطرفان على خلاف في العديد من القضايا. وقبل التمكّن من القيام بمحاولة جدّة للتوافق، يجب على الطرفين التغلّب على مشاكلهما الداخلية.

وفي ظلّ الخطر الدائم من التصعيد بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية، ستقوم الدول الأخرى في المنطقة بدورها للحفاظ على عملية السلام، رغم التوتّر. وقد تلعب مصر دورًا جوهريًا في هذا. فمصر مهمّة لحماس، وقد زاد نفوذها على الحركة في العامين الأخيرين. وتعتمد مصر على حماس في نفس الوقت لمساعدتها في احتواء خطر الجماعات المتطرّفة في شبه جزيرة سيناء، مثل (الدولة الإسلامية). وفي الواقع، لقد دفع صعود (الدولة الإسلامية) مصر وحماس و(إسرائيل) للتكاتف معًا من أجل قتال عدوّهم المشترك. وتساعد العلاقات مع حماس مصر في إدارة علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين. (تعتقد القاهرة في ضلوع حماس في عمليات العنف التي قامت بها الجماعة). وتساعد مصر علاقتها مع حماس في تجنّب الصراع مع (إسرائيل). وقد فعلت ذلك مصر عام 2014، وتحسّنت علاقتها مع حماس كثيرًا. وتركيا أيضًا داعم مهم آخر لحماس مستعد للتدخّل إذا لزم الأمر.

تعتمد احتمالات السلام بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية على الجماعات السياسية المتنافسة في غزّة والضفّة الغربية كما تعتمد على الديناميكيات الداخلية لـ (إسرائيل). وحتّى تستطيع فتح وحماس إدارة تحوّلاتها الداخلية والحفاظ على قاعدة الداعمين والناخبين في نفس الوقت، ستستمر عملية السلام مع (إسرائيل) بالفشل قبل أن تبدأ. لكن الآن، يركّز القادة في كلا الجانبين على البقاء على قيد الحياة سياسيًا.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

حماس فتح يحيى السنوار محمود العالول الانقسام الفلسطيني